رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الخامس 5 ج2 بقلم ليله عادل


رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الخامس 5 ج2 
بقلم ليله عادل


رفعت عينيها له، وردت بابتسامة صغيرة غلبت خوفها:
الخوف بقى جزء من حياتي أنا وهو بقينا توينز دلوقتي.

اقترب إيهاب منها وجلس جانبها، مد وجهه مبتسم: توينز،؟ طيب يا توينز أنتِ عاملة إيه؟

ماسة زفرت ببطء، وعينيها راحت للبحر: الحمد لله.

مال برأسه بإهتمام: خلصتي الشغل بدري النهاردة يعني؟!

ماسة وهي تتنهد بعمق: مرحتش أصلا.

رفع إيهاب حاجبه بدهشة، اقترب منها قليلًا وقال:
ليه؟ فيه حاجة؟

أخفضت عينيها للحظة ثم رفعت رأسها من جديد، صوتها امتزج بالتوتر: إمبارح، حصلت حاجة غريبة، ذكرياتي مع سليم داهمتني فجأه ، كأنها عملت لي كمين، كل ما أروح مكان في الشقة ألاقيه قصادي، أنا مكنتش ناسية، يمكن حاولت أعمل نفسي ناسية وأهرب، بس كنت بفتكره كتير وبحلم بيه، إنما إمبارح مش عارفة إيه إللي حصل..
صمتت للحظة بعين دامعة أضافت بألم: أول مرة الذكريات تطاردني كده، افتكرت نفسي خلاص نسيتها ومبقتش اتوجع منها، بس معرفش إيه إللي حصل؟!
صمتت للحظة وهي تنظر للأسفل: فضولي، خلاني أفتح صفحته أشوف لو كان منزل حاجة ولا لا، وأول ما فتحت صوره معرفش إيه إللي حصل.

ظل إيهاب يتأملها، ثم قال بهدوء: أنتِ لسة بتحبيه؟

ابتلعت ريقها بصعوبة، وضمت ذراعيها حول نفسها كأنها تستعين بهما على الارتجاف: معرفش، أوقات أحس إني كارهاه، مش طايقاه، وأوقات تانية بحس إني لسة بحبه، أوقات أقول يمكن هو جوه قلبي بس أنا متعصبة، زعلانة من إللي عمله، بس أنا مش فاهمة، متلخبطة ، لكن المتأكدة منه يا إيهاب..
رفعت عينيها نحوه بتأكيد ممزوج بمرارة ووجع: حتى لو بحب سليم مستحيل نرجع، أنا بقيت بخاف منه، بقيت أتعصب من نفسي لما بحس بالمشاعر دي، نفسي أفهم حقيقة مشاعري، أنا فعلاً بقيت بكرهه، ولا لسة بحبه، دول عشر سنين أجمل عشر سنين في عمري، أنا كبرت على إيديه، حتى لو كان عندي معاه ذكريات توجع ، بس عندي معاه ذكريات جميلة وطويلة.

مال إيهاب بجسده للأمام، يراقبها بعينين جادتين: طب ليه ماتحاوليش تسامحيه وتديه فرصة؟ في الغالب لما بتبقى متلخبطة كده، الكفة الأرجح بتبقى للحب.

هزت رأسها بمرارة وقالت بعينين اغرورقت بدموع: أنا اكتشفت إن الحب لوحده من كفاية، إنك تعيش مع واحد تحس معاه بالأمان ويحترمك، مستحيل يستغل محبتك ليه في إنه يوجعك ويكسرك باللي بتحبهم، بس مافيش بينكم حب كبير؟! أفضل ميت مرة، من شخص بيعشق التراب إللي بتمشي عليه، نفسه يجيبلك نجمة من السما، بس عنده استعداد يفرم أي حد يفكر ياخد حبيبته منه..

ركزت النظر في ملامحه ، كان يخرج منها لهيب الخذلان والغضب كانها تتذكر ما فعله معها ومع عائلتها أكملت: ولما يحب يعاقب مش بيعاقب زي الرجالة الطبيعية. لأ بيعذبك بأكتر حاجة بتحبها
هزت راسها برفض: وأنا خلاص مبقيتش بحس معاه بالأمان ، بقيت بخاف منه.

كان يصغى لها إيهاب ويفهم ما تشعر به، زفر ببطء، حاول أن يبدو متماسكًا: أنا متفهم إللي حاسة بيه جدآ وده طبيعي لإنك كنتي بتحبيه وبينكم مشاعر راقيقة وصادقة..

وتابع هو يركز النظر في ملامحها قائلا بعقلانية : بصي يا ماسة، إنتِ مش هتفهمي نفسك ولا مشاعرك غير لما تخلصي من المشاكل الأول، أنا رأي تتعاملي بموضوعية وبعقلانية أكتر، في الوقت الحالي، بتحبي سليم، مابتحبيهوش، هتسامحيه، مش هتسامحيه في الآخر دي حاجات فرعيه، إنما عندك مشاكل أهم لازم تركزي فيها وأزاى هتحليها.

رفعت عينيها له بعدم فهم ، اجابها وهو يشير بيده بشرح: عندك مشكلة إنك لسة هربانة، وماينفعش تفضلي كده، ولا ينفع تشتغلي شغلانة زي إللي شغالة فيها على طول و لابسة النقاب وترفعيه بس لما ميبقاش حد معاكي الموضوع ده مضايقني، عشان هو تقليل من قيمته الدينية، إنتِ مش لابساه كمعتقد لابساه علشان تستخبي وده ممكن يكون حرام وعليه ذنب، غير كمان التهديدات إللي حصلتلك، لازم سليم يعرفها، ويعرف حقيقة الناس إللي حواليه، إللي مش متوقع منهم الندالة للدرجة دي..

دقق النظر في ملامحها أكثر وكانه يرسم الخطه قال: ولازم كمان تأمني نفسك وده المهم علشان كدة أنا بحاول أوصل للفيديوهات، بعدين كفاية خوف يا ماسة، كفاية، إنتِ الأول كنتِ لوحدك لكن دلوقتي أنا جنبك مصطفى معاكي، إخواتك معاكي، مش بتعتبرينا أخواتك ولا لأ؟

تساقطت دموعها من عينيها: والله العظيم ربنا يعلم أنا بحبكم قد إيه؟! وفعلاً بعتبركم زي عمار ويوسف، ولإني بحبكم وبخاف عليكم، مش عايزاكم تدخلوا نفسكم في أي حاجة.

ابتسم إيهاب ابتسامة خفيفة، وقال بنبرة حانية: إحنا مش هندخل نفسنا في حاجة، بس هنبقى جنبك، مجرد معرفتنا بالحقيقة يكفي، وسبحان الله يمكن ربنا وقعك في طريق مصطفى دونا عن كل الناس، لإن مصطفى أكتر حد هيقف جنبك ، أخويا طيب وهيحس بيكي، علشان القصة إللي إنتِ عارفاها ولإني أنا كمان مهندس برمجة وهقدر أهكر وأساعدك توصلي لأي حاجة.

تابع وهو يمرر يده على ذقنه مفكرًا: المشكلة إنهم عاملين أنظمة حماية قوية جدًا ماتوقعتش الصراحة إن رشدي يكون مأمّن نفسه كده، .

مالت بجسدها قليلا، نظرت في عينيه بعزم ممزوج بالدموع:
متدخلوش نفسكم في حوارات مع رشدي وصافيناز والعيلة دي، شوف سليم رغم كل إللي حكيته عنه لكن قسمًا بالله العظيم أطيب وأنضف واحد فيهم ، علشان كده أنا واثقة إنه لو لقاني، وعرف إنكم حميتوني، وخدتوا بالكم مني، مش هيعمل لكم حاجة، إنما هما عندهم يقتلوا أخوهم عادى علشان الفلوس والسلطه.

بإبتسامة: متخافيش قولتلك.
ثم تبسم إيهاب ابتسامة واسعة حاول تغيير الجو، وضحك بخفة: المهم سيبك من كل دى والوقت هيحل كل حاجه ، روقي وأضحكي بقى، أجيبلك آيس كريم.

نهض بخطوات هادئة نحو عربة صغيرة تقف على بعد أمتار، عاد بعد دقائق وهو يحمل كويبين من الآيس كريم، وابتسامة دافئة تملأ وجهه. 

جلس إلى جوارها، مد يده بكوب وهو يقول: اتفضلي يا ستي، جبته مخصوص علشان تنسي أي حاجة مضايقاكي.

ابتسمت ماسة بخجل، تناولت منه القطعة: شكرًا.

ساد الصمت بينهما للحظات، لم يسمع فيه إلا صوت الأمواج وهي ترتطم بالشاطئ. 

قطع إيهاب الصمت قائلًا: تحبي لما نرجع، أخليكي تكلمي مامتك.

ألتفتت إليه بسرعة، وكأن الأمل قد عاد إلى ملامحها:
ياريت نفسي.

ابتسم بثقة وهو ينهض قائلا: ماشي لما نروح اخليكى تكلميهم 

نهض إيهاب: يلا نروح بقي، لان انا جعان جداً الصراحة. 

توقفت ماسة، وهي تهبط النقاب وأثناء تحركهم: هو إنت أصلا إيه إللي جابك هنا 

إيهاب: حاجه كده جوايا قالتلي روح اقعد على البحر لقيتك.

ماسة بإمتنان: أنا بشكرك جدا إنك عرفتني على المكان الجميل ده بقى مكاني المفضل 

إيهاب وهو يغمز لها بمزاح: أي خدمة وهركبك تاكسي كمان ، لسه قابض بقي.
ضحكا سوايا .

قصر الراوي 

غرفة ياسين السادسة مساءً 

عاد ياسين إلى القصر، يحمل بين يديه باقة ورد كبيرة، ومعها شنطة هدايا صعد إلى غرفته حيث كانت هبة جالسة على الفراش، ونالا تلعب على الأرض بألعابها.

بمجرد أن رآها، لم يتمالك نفسه، احتضنها بقوة وقال:
ياسين: حبيبتي وحشتيني!

ابتسمت هبة: الحمد لله على كل حاجة.

عانقوا ابنتهما، لكن حضن ياسين كان أقوى وأكثر حرارة:وحشتيني يا روح قلب بابا...! عاملة إيه؟

نالا: الحمد لله.

مد ياسين يده نحو الهدايا: بصي بابي جابلك إيه؟

أخذت نالا العروسة من يده وضمتها: ميرسي يا بابي.

ثم أخرج من الشنطة فستانًا صيفيًا وقبعة من الخوص نظر لهبه جبتها ليكي أتمنى تعجبك.

ابتسمت هبة وأخذت الأشياء وجلست على الأريكة. ثم سألت: عملت إيه في الرحلة بتاعتك؟

هبط ياسين نالا أرضا: كل حاجة كانت تمام، بس كنت محتاجلك أوي.

جلس بجوارها قال بلهفة: بصي، أنا هاخد خمسة أيام إجازة، إيه رأيك نسافر إسبانيا؟

تغير وجه هبة قليلًا: مش هينفع أنا مسافرة بعد بكرة لندن هاودي البنت عند ماما وأسافر شغلي.

أقترب ياسين منها أكثر:خلاص أسافر معاكي.

هبة بهدوء جاد: لا يا ياسين، ده شغل مش هادبقى فاضية خالص.

تنهد ياسين ببطء وقال بأمل: طيب خلاص، أغير أجازتي، مع إن نفسي أروح دلوقتي، بس مش مهم.

نظرت إليه بجدية وقالت: لحد آخر السنة أنا مشغولة، مافيش إجازات.

هنا رفع صوته قليلًا: هو في إيه يا هبة؟ إنتي وحشتيني وحابب نقضي وقت مع بعض سيبي البنت عند مامتك ونقضي يومين سوا.

أطرقت هبة رأسها قليلًا ثم رفعت نظرها نحوه:
هبة: والله أنا كمان محتاجة ده وإنت وحشتني بس أعمل إيه؟

تذكر ياسين كلمات لوجين: لو رفضت الرحلة، قول لها ناخد ساعتين بس نتعشى عشاء رومانسي وأنا أظبطلك مكان حلو.

ابتسم فجأة وهو ينظر إلى هبة: طب خلاص مش لازم السفر بالليل نخرج نتعشى سوا عشا رومانسي. مانضيعش وقت.

هبة رفعت حاجبها بدهشة: هو إيه يا ابني؟ مش محتاج ترتاح شوية؟

ضحك ياسين:أنا مش عايز أضيع وقت.

هبة ابتسمت بخجل:خلاص ماشي.

قبلها ياسين من خدها، ثم أخرج هاتفه بسرعة وهو يتحرك في الغرفة، خافضًا صوته:إيه يا لوجين خلاص عايز النهاردة تظبطيلي مكان حلو.

جاءه صوتها عبر الهاتف: رفضت الرحلة؟ طب إنت قلتلها البرنامج؟

ياسين وهو يهمس: لا ماقلتلهاش.

لوجين:قول لها يمكن توافق.

هز رأسه وهو يغلق المكالمة:ماشي.

عاد إلى هبة وجلس بجوارها. لاحظت خفض صوته فقالت ممازحة: على فكرة السكرتيرة بتاعتك الجديدة حلوة.

ابتسم وهو يمد يده ليلامس يدها: بنت هايلة جدًا.

ضحكت هبة بخفة:أنا شفت صورتك معاها زي القمر.

ضحك بدهشة: زي القمر؟

أجابت وهي تبتسم بمكر: آه الصورة إللي نزلت في حفلة لتامر، كنتوا واقفين جنب بعض.

ضيق ياسين عينه متسائلا: وماتضايقتيش؟

أجابت بثقة: هتضايق ليه؟ إنت أصلا بعتلي قبلها رسالة وقلتلي إنك رايح الحفلة والاسستنت بتاعتك هاتكون موجودة.

سكت لحظة: أنا أقصد ماحسيتش بغيرة ولا حاجة؟

ابتسمت هبة وهي تنظر في عينيه بثقة:إنتو كنتم واقفين طبيعي وبعدين أنا بثق فيك يا ياسين.

انزعج ياسين قليلًا لأنها لم تغير عليه، ثم قال وهو ينهض: خلاص أنا هاخد شاور وأنام ساعتين بالليل نخرج، مش هستقبل أي رفض المرة دي.

ضحكت هبة: أوكيه.

تركها ياسين مبتسمًا، وقد بدأ يشعر أن حديث لوجين كان بالفعل نقطة تحول.

قصر الراوي السادسة مساءً 

الصالون 

منى تجلس على كرسي فايزة الأثيري، ساق فوق ساق، فنجان قهوة بين أصابعها، والخدم حولها في ارتباك، يطيعون أوامرها وهي تطلب تغيير لوحة من مكانها إلى آخر. لم يجرؤ أحد على الاعتراض.

فجأة توقفت أصواتهم عند باب الصالون وقفت فايزة، صلبة كأنها ملكة عادت إلى عرشها استمعت للحظة، ابتسامة باردة ترتسم على وجهها، ثم تقدمت بخطوات بطيئة محسوبة.

رفعت يدها قائلة بنبرة آمره: استني هنا يا أماني. اللوحة دي ماتتشالش من مكانها غير بأمري ومافيش أوامر في القصر ده تطلع من غير أمري.

ألتفتت نحو منى بعينين قاسيتين التي توقفت هي وتشعر بالارتباك فهي لم تتخيل أن فايزة تعود في هذا الوقت ففايزة منذ أشهر وهي تعود متأخرة ولا تركز في التفاصيل.

نظرت لها فايزة نظرة حادة تساءلت بهدوء لكن بقوة: قاعدة ليه على الكرسي ده يا منى؟ مش عارفة إنه ماحدش يقعد عليه غيري؟

ارتبكت منى وحاولت التبرير: حضرتك بقالك فترة غايبة فخفت لحسن

قاطعتها فايزة بإشارة من أصابعها، كأنها تصفعها بالكلمة قبل أن تنطق: جاوبي على السؤال؟

منى بتحدي ضعيف:طيب إيه المشكلة لما أقعد عليه؟

فايزة، بنبرة قاتلة: الكرسي ده بتاعي لوحدي، لكن بعد ماقعدتي عليه ما بقاش يلزمني. 

أضافت بصوت حاد نحو إحدى الخادمات وعينيها متعلقة على منى لا ترمش: عواطف، الكرسي ده يترمي في الزبالة وهاتيلي واحد زيه بالظبط.

أجابت عواطف بسرعة: حاضر يا فندم.

اقتربت فايزة من منى حتى وقفت أمامها مباشرة، بصرامة الملكة تعاقب خادمة متمردة: أنا محتاجة أفهم إزاي خيالك المريض الغبي، صورلك إنك ممكن تاخدي مكاني؟! أنا فايزة رستم اغا..
أضافت متعجبة على نفس الوتيرة: هو أنا علشان الفترة دي مشغولة في المجموعة وروحت قعدت يومين في المزرعة مع الباشا تفتكري إنك بكدة بقى ليكي مكان؟! 

بصوت هادئ لكنه حاسم تركز النظر في وجهها أضافت: إنتي ملكيش مكان هنا، وإنتي متاكده، إني سايباكي هنا علشان خاطر طه، غير كده، كنت زماني رميتك بره من سنين، إنتي بنت مزعجة وطماعة وغبية.

أشارت بيدها حول المكان: لازم تفهمي إنتي يستحيل تقعدي على الكرسي، مافيش كلمة في القصر ده بتتقال من غير أمري أو بموافقتي غير كدة مستحيل يحصل، المكان ده ليه ملكة، واحدة بس وهي أنا، وفريدة من بعدي.

أكملت بصوت منخفض لكنه سام: للأسف الشديد، ولادي اختاروا زوجات رعاع..
أشارت نحوها وهي تقول: واحدة غبية، طماعة واحدة رافعه مناخيرها فوق، بس هكسرها لها قريب، والتالتة جاية من زريبة. عشان كدة مضطرة أخلي فريدة هي الملكة.

مالت برأسها قليلا وهي تتساءل بتعجب: كنتي بقالك فترة هادية وساكتة وأنا ناسياكي ومش شايفاكي، ليه رجعتي تاني لعمايلك؟!

تبسمت وكأنها فطنت ثم مالت عليها وقالت ببطء لكن بنظرة حاسمة فهي تفهمها تقوم بلدغها كالأفعى دون رحمة: أوعي تكوني بتعملي كده بإريحية علشان الوصية؟! وإنكم كسبتوا سليم؟! فيصورلك خيالك الغبي إنك كدة بقيتي على أرض صلبة ولا حاجة؟! يلا عشتيلك يومين من نفسك، أرجعي بقى لمكانك، خلي بالك أوضتك فوق هي حدودك. وماتحلميش تعديها.

صمتت لحظة، ابتسمت بتحدي وهي تفرض سيطرتها بالكامل: ولازم تشكري ربنا، إني مابدخلش في حدود أوضتك، بمزاجي وثقي عندي من السلطة والمقدرة، أقول لك تحطي إيه وماتحطيش إيه في أوضتك وأوضه أولادك؟! لو حبيت، همنع حتى صباع روج يدخل أوضتك من غير إذني، بس أنا كريمة، بديكي نفس، بس أكتر من النفس ده مش مسموح.

ثم استدارت، كلماتها الأخيرة تقطر سمًّا: وصدقيني يا منى، أنا مش هاخد كتير لما أقنع طه يطلقك، حتى لو علاقتكم رجعت، هيفضل فيه مسمار مشروخ في النص وإنتي عارفة إن الاولاد كبروا، مش حلو يعرفوا أمهم على حقيقتها.

قالت كلمتها تلك تركتها ورحلت بخطوات ثابتة.

ظلت منى جالسة، يديها ترتعشان، النيران تلتهم قلبها لم تستطع المقاومة، فأطلقت صرخة مكتومة، كأنها طعن غائر لا مفر منه فا فايزة عادت كل شيء إلى مكانه في لحظة.

منزل مصطفى ،السابعة مساءً 

الصالة
كان مصطفى يجلس إلى جوار نبيلة على الأريكة ويبدو عليهم القلق، بعد دقائق دخل إيهاب وماسة معًا.

رفع مصطفى رأسه فجأة، نبرته متوترة: إنتِ كنتي فين يا ماسة؟

ابتسمت ابتسامة مرهقة وجلست على أقرب كرسي وهي ترفع نقابها: نزلت أقعد شوية على البحر.

مصطفى بقلق: في حاجة؟

ماسة بهدوء: لا، مفيش.

مصطفى بضجر: بس إنتي مارحتيش الشغل النهاردة، ، ماسبتوش حتى خبر 
ثم ألتفتت نحوه مترددة:
ثانية واحدة إنتو كنتوا مع بعض؟

إيهاب بتوضيح: أنا رحت أقعد شوية على البحر، لقيتها هناك قعدنا سوا ورجعنا.

مصطفى بصوت منخفض لكنه مشحون: طب مش تقولي وسايبة تليفونك ليه؟!

ماسة تنهدت وهي ترفع يدها: معلش يا مصطفى، معلش يا ماما، والله ماخدتش بالي التليفون مش معايا أصلاً غير دلوقتي كنت محتاجة أقعد مع نفسي شوية.

مصطفى أطرق للحظة، ثم رفع نظره إليها:
ماتتكلمي مالك؟!

ماسة مدت وجهها بحزن: أنا بس حاسة إني مخنوقة شوية حبيت أقعد شوية مع نفسي.

مصطفى بهدوء حاسم: مافيش مشكلة، بس ياريت بعد كده لو عايزة تروحي في حتة، تبلغينا، عشان القلق والأفكار إللي بتدخل دماغنا لما تختفي فجأة فاهمة طبعاً.

ماسة بخجل: عندك حق أنا آسفة.
ثم تنهض واقفة: طيب، أنا هطلع شقتي بعد إذنك.

نبيلة ابتسمت برفق: متقعدي يا بنتي، ماتزعليش لو كنت دخلت شقتك في غيابك، لو لقيت التليفون معاكي وعرفت مكانك ما كنتش أقلق.

ماسة بهدوء: ماما، ماتقوليش كده في أي وقت أدخلي الشقة عادي، بس أنا محتاجة أنام مانمتش من إمبارح، والله جعانة نوم أشوفكم بكرة.

إيهاب بابتسامة: إيه؟ مش هتكلمي مامتك؟

ماسة متثاقلة: بكرة بقى إنت لسة قايل لي الموضوع بياخد ساعة وأنا مش قادرة فاصلة يلا، باي باي.

خرجت وأغلقت الباب خلفها

نظر مصطفى خلفها بقلق، ثم تمتم لنفسه: مالها؟

إيهاب موضحاً: افتكرت جوزها حاجات كدة يعني.

هز مصطفى راسه بصمت: طيب، أنا هدخل أريح شوية الحمد لله أطمنت عليها وإنت بعد كده لما تبقى معاها أتصل عرفني علشان دي شكلها مطيورة.

هز إيهاب راسه بإيجاب بينما تحرك مصطفى للداخل، لكن وجهه ظل متجهمًا وكأن في صدره ضيقًا لم يبوح به.

نبيلة ألتفتت فجأة إلى إيهاب: قولي بقى يا ابني إيه إللي وداك معاها؟

إيهاب، موضحاً: صدفة.

نبيلة بنبرة جادة: إيهاب، قولي بحق الله، إنت بتحب ماسة؟ فيه حاجة؟

إيهاب يرفع حاجبيه متوترًا: إيه إللي بتقولي ده يا ماما؟ صدقيني، دي أختي، صدفة لقيتها هناك، وقعدت معاها لأنها كانت زعلانة، قعدنا نتكلم ماتقلقيش.

نبيلة نظرت إليه طويلًا، ثم قالت: دلوقتي أختك بس بعدين ممكن لا، لازم تحط في راسك إنها واحدة متجوزة. ماينفعش.

إيهاب بسرعة: عارف طبعًا إنه ماينفعش. وهي بتحب جوزها، مهما قالت إنها مش عايزة ترجعله، قلبها مش هايسكنه غيره.

نبيلة هزت رأسها مقتنعة بعض الشيء: ما أنا عارفة، الشعر الأبيض ده مش على الفاضي، دي بتموت فيه، ترجعله أو ماترجعهوش، إحنا مالناش دعوة، إحنا واقفين جنبها بس.
ربتت على أعلى صدره بحنان: بس المهم طمنت قلبي يا ابني.

ايهاب متسائل: بس مصطفى ليه متضايق كده؟

نبيلة بثقل: والله ما أعرف، أنا أتكلمت معاه قبل كده في الموضوع، وقال لي لا أختي، بس أنا حاسة إنه فيه حاجة أساله إذا كان بيحبها ولا قلبه لان ليها.

إيهاب هز راسه بإيجاب: هتكلم معاه بس مش النهاردة كمان يومين كده..
وهو يخلع الجاكيت:عائشة لسه ماجتش.

نبيلة: اها بس بالطريق؟ 

إيهاب: طيب، بالله عليكِ يا ماما حضري الأكل أنا ميت من الجوع، هروح أغير هدومي.

نبيلة: حاضر.

قصر الراوي 

غرفة ياسين، الحادية عشر مساءً

كان ياسين قد انتهى من ارتداء بدلته، وعطره يملأ المكان، بينما هبة أمام المرآة تكمل زينتها بفستان أنيق، الجو كله يوحي بسهرة مختلفة.

فجأة رن هاتف هبة نظرت فيه بسرعة وردت، لتتحول نبرتها من هدوء لصرامة: إزاي ده يحصل؟! إنتوا إزاي تسمحوا بحاجة زي دي؟! ... لأ، لأ... أنا هنزل لكم دلوقتي!

ألتفت ياسين نحوها بحدة: إنتِ رايحة فين؟

هبة، وهي ما زالت ممسكة بالهاتف: في مشكلة في المجلة.

أقترب منها ياسين، نزع الهاتف من يدها وأغلق المكالمة بعصبية: مجلة أنا أهم من المجلة مافيش نزول هتقعدي معايا.

رفعت هبة حاجبيها بدهشة: إيه إللي إنت بتقوله ده؟ في مصيبة!

ياسين بسخرية: مصيبة إيه؟ حد مات؟ هتخسري ملايين؟

هبة بصوت مرتجف لكنه حاد: في خبر اتسرب، كان لازم يتنشر بشكل رسمي، ولو محقتش، سمعتي كلها هتروح في الأرض!

أقترب منها أكثر، صوته أخفض لكن مليء بالغضب: أنا أقدر ماخليش حد يتكلم عنك كلمة، لازم تفهمي إنتي متجوزة مين؟

نظرت له بغضب ورفعت صوتها: وأنا مابحبش الأسلوب بتاع عيلتك ده، ولا محتاجة تغطية من عيلة كلها إيديها متلوثة في الدم!

صمت المكان لحظة، ثم انفجر ياسين: إحنا بدأنا نقل أدبنا تاني يا هبة؟ 

هبة بثبات لكن بنبرة حاسمة: مش بقل أدبي، بس إنت عارف كويس رأيي في الموضوع ده، وإنت إللي مصر تخليني أقولك الكلام ده كل مرة، وإذا كنت وافقت إنك تمولني المجلة والقناة ده بعد ما انت اقسمت لي إن ما فيش منها جنيه واحد بشغلكم الشمال، أنا مش هاعيش بنتي ونفسي في فلوس حرام ولا هاستخدم الطرق الغير مشروعة بتاعت المجرمين علشان أمشي شغلي.

شعر ياسين أن الدم يغلي في عروقه، اقترب منها للحد الذي لم يعد بينهما سوى أنفاس متقطعة، وصاح: غوري يا هبة في ستين داهية! أنا اصلا غلطان.

فجأة، رفع ياسين هاتفه وأجرى اتصالًا برشدي وعينه عليها: إنت فين؟ طب أنا جاي لك سلام.

خرج ياسين من الغرفة متجهًا نحو الباب، تاركًا خلفه هبة التي ظلت عيناها معلقتين بآثاره، والضيق ينهش ملامحها عضت على أسنانها بقوة، تهمس في سرها: الموضوع مابقاش ينفع خالص كده مابقاش ينفع.

الملهي الليل الثانية عشر صباحا 

جلس رشدي وسط مجموعة من أصدقائه من الفتيات والشبان، بعضهم يرقص على الموسيقى الصاخبة، وآخرون يضحكون بأصوات عالية الكؤوس ترفع وتتبدل، والدخان يملأ المكان.

دخل ياسين بخطوات واثقة، عيناه تبحثان وسط الزحام حتى وقعتا على رشدي ابتسم وهو يشق طريقه بينهم، ثم جلس بجواره، أسند ظهره بكسل على الأريكة وأخذ كأسًا من على الطاولة.

رشدي وهو يرفع حاجبه بإستخفاف: بقيت تيجي كتير اليومين دول.

ياسين وهو يرشف جرعة طويلة من الكأس: أنت فايق؟

رشدي وهو يهز كتفيه ويضحك بخفة: يا ابني، أنا مابسكرش بسرعة بس ليه كده؟

ياسين وهو يرمق الكأس بعين شاردة: علشان البومة إللي في البيت.

رشدي وهو يمد يده مشيرًا بتهكم: ما تطلقها!

ياسين مبتسم ابتسامة مريرة: والله شكلها قربت، أنا بس مستني شوية.

أخذ رشدي سيجارة من العلبة وأشعلها وهو ينفث الدخان ببطء، بينما سأل ياسين وهو يرفع الكأس في الهواء: آمال فين زيزي؟

رشدي وهو يميل للأمام: من ساعة ما اتجوزت مبقتش تخرج كتير، أنت عارف ماريتا طبعًا.

ياسين ضاحكًا بسخرية: يا ابني أنا عارف الشلة كلها ما أصحابي برضه.

رشدي وهو يحدق فيه: أيوة صح، كنت مسقط، بس أنت مبتخرجش مع الأشكال دي كتير.

نظر له ياسين بمعنى عيب رد رشدي: بتبصلي كده ليه؟ هما عارفين إنهم أشكال ضالة.

ياسين وهو يشعل سيجارة ويأخذ نفسًا عميقًا: أنا مش عارف أنتم مصاحبينه على إيه.

في تلك اللحظة، اقتربت ماريتا بخطوات متمايلة، تضحك بخفة وهي تضع ذراعها على كتف رشدي وتقبله على خده: رشروشي ده السكر بتاعنا!

ضحك رشدي بصوت عالٍ، ورد لها القبلة: والنبي، إنتي إللي سكر!

ثم ألتفت فجأة نحو ياسين، وأمسك بذراعه بحماس: بقول لك يا ياسين، تعال نقعد برة شوية، عايز أقولك على حاجة مهمة.

ياسين وهو يلوح بالكأس: أصبر اخلص الكاس ده بعدين أنا جاي أرقص عايز أفصل.

رشدي وهو يشده من ذراعه بجدية: تعالى بس قبل ماتتسطل عايزك في حاجة.

خرج الأثنان معًا، 

وقفا على السطح، عند السور يبدو ان الملهي على برج مرتفع عن القاهرة المتلألئة بأضوائها، أشعب رشدي سيجارة ومدها لياسين بينما أخذ هو نفسًا عميقًا وحدق في الأفق.

رشدي وهو ينفث الدخان: أنا عرفت بنت اسمها مي.

ياسين وهو يرفع حاجبه بسخرية ويأخذ نفسًا من السيجارة: أعملك إيه يعني؟ أديك شقتي ساعة؟!إيه الشقق بتعتك اتشمعت؟!

رشدي وهو يلوح بيده بنفاذ صبر: يا عم، أصبر واسمع أنا أتصلت با الولا سليم، بس الحيوان قفل تليفوناته وأختفى هو أكتر واحد كان هينفعني، وطه خروف! أنا مش عايز أبقى خروف معاها أنا عايز أبقى رجولة وفي نفس الوقت أكسبها.

أقترب منه فجأة، وضع يده على كتفه ونظر في عينيه: مافيش غيرك إنت يا يسو، يا حبيبي، يا أخويا الصغير إللي بحبه، أقسم بالله أنا بحبك حب يلا، علشان أنت أنضف واحد فينا ، آه أنا بضربك ساعات، بس بحبك.

ياسين وهو ينفث دخانًا في وجهه بتعجب: أستنى يعني كلمت سليم عشان تاخد رأيه وتتكلموا؟ كأتنين إخوات؟

رشدي وهو يبتسم بخبث: آه، سليم لو سألته عن حاجة هيتكلم معاك ، بيبقى طيب مش زي أختك الحرباية.

ياسين وهو يضيق عينيه:طيب وأنت عايز إيه من مي دي؟

رشدي وصوته يلين قليلًا: أصل هي غير كل البنات إللي نعرفهم ، محجبة، وبنت ناس محترمين ملهاش في الشرب ولا السهر عاملة زي ماسة وهبة كدة محترمة ومؤدبة.

تجمد ياسين لحظة، ثم نظر له بتمعن وسأله ببطء:
وأنت وقعت عليها فين دي؟

رشدي وهو يحك رأسه بحيرة: صدفة كده ، بس بصراحة البنت دي شغلاني عايز أعلقها ومش عارف أعمل إيه؟ أنا مشيت وراها ناس يعرفوني كل حاجة عنها ، وبقيت بنط لها في كل مكان كل ما أعرف إنها هناك لوحدها ، بس أنا مش حابب الدخلة دي الصراحة.

ياسين وهو يرمقه بحدة ثم يرفع حاجبه ساخرًا:
طب يا رشدي ماتخليك محترم لمرة واحدة في حياتك! وطالما البنت دي زي مابتقول إنها محترمة زي ماسة وهبة، يبقي مش هتيجي معاك على السرير غير بجواز وأبوس إيدك ماتغتصبش حد الفترة دي.

تجمد رشدي قليلًا، ثم قال وهو يشيح بوجهه:
أنا ماغتصبتش غير واحدة في حياتي وكنت شارب، والتانية كان بكيفها.

ياسين ألقى سيجارته أرضًا وسحقها بحذائه: تصدق فعلاً؟! إزاي أقولك كده؟ واحده فعلا مش رقم.

رشدي وهو يضيق عينيه بضجر : ياسين أنت هتتكلم جد ولا لأ؟

أقترب ياسين منه، قرصه في خده ضاحكًا: يعني أنت بجد معجب بيها وعايز تقرب منها؟ حبيتها يا روش روش!

رشدي تبسم موضحاً: ماحبيتهاش، بس بفكر فيها وعايز أقرب منها.

ياسين وهو يسند ظهره على حافة السور، يتأمل أنوار المدينة: ما هو ده الحب يا حبيبي، بص لو عايز تقرب منها بجد، قلل مع الأشكال الضالة إللي جوه دي زي ما أنت قولت، خليك محترم معاها بطل جو التحرش إللي عندك ده ، وحاول تبقى مهذب خليها تشوف إن فيك حتة حلوة الحتة اللى في رشدي إللي محدش يعرفها.

رشدي نظر بعيدا: هي أصلًا متعرفنيش خالص متعرفش أي حاجة عن وساختي.

ياسين وهو يربت على كتفه: كويس، كده الموضوع سهل، أعمل زي ما أنا عملت مع هبة قولها خلينا ناخد فرصة أسبوع، شهر تبقوا أصحاب. لو حسيتوا إن فيه حاجة كملوا لو لأ خلاص وأسمع البنات بتحب الراجل إللي يحترمها ويخاف عليها.

ألقي رشدي سيجارته بعيدًا، صوته خافت: بس أنا ماليش في جو أنا بحبك، وبعشقك وفي الجو بتاع التلزيق ده.

ياسين بعقلانية: مش مهم الكلام! المهم تبين ده بأفعالك أتصل بيها اسأل عليها لو بتدرس؟ وديها الجامعة اسألها عن أحلامها ، شاركها في إللي بتحبه، خليك سندها أكتر حاجة تربط ست براجل تحس إنه أمانها.

رشدي وهو يتنهد: ما هو علشان أوصل لده، هاخد وقت أصلا عرضت عليها الفكرة دي بس هي رفضت.

ياسين: أكيد هتاخد وقت، تركز في تفاصيلها شوف بتحب إيه؟! هاته لها، راقب إنستجرامها، فيسبوكها... استغل ده؟! وطبيعي إنها ترفض مش هتقبل من أول مرة جرب مره واثنين وثلاثة لحد ما توافق.

رشدي وهو يبتسم نصف ابتسامة: هي طالعة رحلة قريب 3 أو 4 أيام، ممكن أطلع معاها، وأقولها: الثلاث أيام دول أعرفيني فيهم.

ياسين وهو يومئ برأسه: جرب ولو فيه حاجة كلمني.

سكت لحظة، ثم نظر له بجدية: بس يا رشدي لو داخل في علاقة بجد، لازم تغير حاجات كتير أولها موضوع المخدر" ات.

حك رشدي مؤخرة رأسه بحزن: مش فارق عادي ممكن ابطل، بس أنا بحب الإحساس ده إحساس إني مش معاكم بكل عقلي.

ياسين وهو يتنهد وضع يده على كتفه: يمكن لما تقرب منها تحس إنها تستاهل تبقى معاها بكل عقلك، وأنت فايق، وتبطل بس لازم تحط الموضوع في دماغك ، لأنها اكيد مش هتقبل ترتبط بواحد بيضرب كوك.

هز رشدي رأسه إيجابًا، فابتسم ياسين وربت على كتفه: والله يا رشدي أنا نفسي نهدى ونبقى أخوات كويسين وتحسن علاقتك بسليم والله سليم غلبان.

ابتسم رشدي ابتسامة حزينة وهو يقول بسخرية حزينة: إحنا عمرنا ما هنكون إخوات كويسين ، الوقت فات.

ثم دفعه بخفة وضحك وهو يدغدغه: بقولك إيه تعالي ندخل جوه نفك شوية يا بيضة.

ياسين ضاحكًا : يلا.

عاد الأثنان للداخل، اندمجا مع الموسيقى، رقصوا، شربوا، وضحكوا حتى غلبهم السكر خرجوا بعد ساعات، يترنحان في الطريق، يضحكان بصوت عالٍ.

حتى عادوا إلي القصر في الفجر.

دخلا بخطوات غير متوازنة بثماله.

ياسين وهو يحاول التوازن: أنا كده لو دخلت مراتي هتنكد عليا ، أنا هاجي أنام جنبك.

رشدي ضاحكًا: تعالى.

وبالفعل ناما سويًا في الغرفة بعد سهرة صاخبة

قصر الراوي الثانية مساءً
دخلت صافيناز مع أبنائها وعماد والحراس وراها، والشنط مسحوبة وراها، تظن أنها عادت إلى مكانها الطبيعي.

استقبلتها فايزة بهدوء، نظرت لها بخفة وضيقت عينيها، ووجهت الخدام: طلعوا الشنط في أوضة صافيناز هانم الجديدة.

وهنا نظرت لها صافيناز بإستغراب اجابتها 
فايزة وهي تميل براسها قالت بحزم: أوامر الباشا، هتقعدي في آخر دور.

صافيناز متعجبة بنبرة تهكمية: هتقعديني في أوضة الضيوف؟

فايزة بهدوء: أوامر الباشا ومن رأيي أصبري، ولا إيه ياعماد؟

هز عماد راسه بموافقة: مظبوط يا صافي.

تابعت فايزة بخطوات هادئة بنبرة حاسمة: مش هتحضري معانا الفطار والعشاء إلا لو كلنا حاضرين، والكل بمعنى: الأولاد اخواتك، هما دلوقتي بقوا كبار وفاهمين، وإحنا في إجازة وكلهم موجودين ورجعوا من سفرهم، ما تحاوليش تتكلمي معاه ولا معايا، تقعدي تاكلي من سكات، إنتي وجوزك.

قربت منها ووضعت فمها خلف أذنها وهمست: هتتقفشي لو خرجتي من هنا بشنطة.

اتسعت عينا صافيناز بصدمة هي حصلت؟!

اجابتها فايزة بإبتسامة تشفي هادئة: إنتي سرقتي المجوهرات، أوعي تنسي، كل المجوهرات دي بفلوس بابا، مش بفلوس عماد، الخاتم إللي في إيدك ده بس إللي بفلوس عماد، وحتى لو عماد جابلك بعض القطع بالتأكيد مش بنفس قيمه المجوهرات إللي خدتيها زي الحرامية، هتتفتشي. أوامر بابا الباشا وأنا موافقة عليها جدا.

ثم رامقتها من أعلى لأسفل أضافت بنبرة حازمة: ، ماترغيش في أي موضوع لحد ما سليم يرجع. المكان إللي عزت يبقى قاعد فيه اها ملكيش اي حق بتغير اي شئ او كلمة تقعد زي كرسي والافضل تخليكي في اوضتك

صافيناز بضجر بنبرة حادة: إنتوا جايبنا هنا علشان تذلونا.

فايزة بهدوء قاتل: إنتي إللي جبتيه نفسك، فتقبلي بالشروط. مش عاجبك، أخلي الخدم يرجعوا الشنط وترجعي مطرح ما إنتي عايزة.

نظرت لها صافيناز بحزم متحدية: أنا هقعد يا مامي، هقعد وهعمل إللي إنتوا عايزينه بس أنا مش رشدي.

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي فايزة فهي تفهم إنها تقوم بتهددها، اقتربت وهمست في أذنها على نفس ذات الوتيرة: أوعي تنسي المرة دي بتتحدي عزت الراوي، متأكدة إن عندك حاجة هتسمحك، ماتخلينيش أعلي صوتي قدام جوزك.

صافيناز شعرت بتوتر، تحركت صامتة مع عماد.
وأثناء توجهها إلى المصعد كانت تتابعها فايزة بعينيها وهي تقول في نفسها: عزت ماسك عليكي إيه يا صافيناز خلاكي ترجعي راكعة مش عارفة ترفعي عينك بالرغم إن معاكي حاجات كثير تمسحنا..

تنهدت ثم تحركت توجهت إلى الحديقة بعد أن وقعت عينيها على هبة، يبدو إنها ستاخذ من الحب جانب 

في الطابق الأخير 

غرفة الضيوف

دخلت صافيناز تلك الغرفة الجديدة الأصغر، كان الخدم يقومون بإخراج الملابس 

صاحَت بهم: أطلعوا برة.

ركضوا الخدم للخارج بعد خروجهم، عماد قال بهدوء: أهدي، لازم نطاطي للريح، المهم إن إحنا جوة القصر ونعرف كل حاجة بتحصل جوة المطبخ لحد ما سليم يرجع.

صافيناز جلست بحقد وهمست لنفسها: لحد ما سليم يرجع هحاول أمسك نفسي، بس بعد كده مش عارفة أنا ممكن أعمل إيه بس إللى جاي دم وبس.

في حديقة القصر.
جلست هبة تحت ظل شجرة وارفة، أمامها فنجان قهوة يعلوه بخار خفيف، وحاسوبها المحمول مفتوح على الطاولة الصغيرة. كانت تكتب وتُجري بعض المكالمات، غارقة في عملها، اقتربت فايزة بخطوات هادئة ثابتة. سحبت كرسياً وجلست بجوارها مباشرة، ثم مدت يدها وأغلقت الحاسوب بلا استئذان.

رفعت هبة رأسها بسرعة، عيناها تتسعان بدهشة: هو حضرتك ينفع تعملي كده؟

أجابت فايزة ببرود وهي تسند ظهرها للكرسي: آه ينفع.

تنفست هبة بعمق محاولة أن تضبط أعصابها: بصي أنا هحاول أكون مهذبة و.

قاطعتها فايزة بإبتسامة ساخرة: لأ، ماتحاوليش تكوني مهذبة، قولي إللي جواكي.

تراجعت هبة في جلستها، بينما اقتربت فايزة أكثر، تنظر في عينيها مباشرة تحدثت بنبرة حادة هادئة: بصراحة أنا مابحبكيش، وأظن إن المشاعر متبادلة بس ولا فرق لي، كنت زمان معجبة بيكي، شخصيتك قوية وعارفة إنتي عايزة إيه؟! ودي حاجة كانت عاجباني خصوصًا في سنك، غير إن ابني بيحبك وكان مبسوط معاكي، برغم كل عيوبك.

تنهدت هبة ببطء كادت ترد، لكن فايزة واصلت الحديث وهي ترفع يدها إشارة للسكوت: بس إنتي من ساعة مادخلتي هنا، بتحاولي تاخدي ابني مني،أنا قلت خلاص، مادام هو مبسوط سيبيه يفضل بين القصر والفيلا، كنتي عايزة تعملي من ياسين سليم؟!

ضحكت بخفة ساخرة ثم أضافت وهي تميل بجسدها نحوها: ياسين مستحيل يبقى سليم، ياسين حاجة تانية خالص عن كل واحد فينا، وكلنا بنحبه زعل ياسين ده بنسبه لينا كارثه، اللي يفكر يزعله يبقى حفر مقبرته بايدة مش انا ولا عزت كل اخواته بلا استثناء، أنا بكلمك جد.

أطرقت هبة لحظة، بينما تابعت فايزة بحدة: المشكلة إن ابني مابقاش مبسوط، وياسين متربي، مابيشتكيش. حتى لما سألته وقلتله يطلقك، قال: (مافيش يا مامي، إحنا كويسين، دي زوبعة في فنجان) استوحشت نظراتها أحتد صوتها أكثر وكأنها تقوم بتهديدها: بس لو الفنجان ده هيضايق ابني، أنا ممكن أقلبه وأكسره تحت رجلي.

حاولت هبة أن ترد، لكن فايزة رفعت يدها مانعة بنبرة صارمة مسيطرة: أوعي تنطقي، أنا عايزة ابني يبقى سعيد. لكن لو إنتِ هتخليه مش مبسوط، وتزعليه، ويرجع زي ما شُفته إمبارح

رفعت هبة حاجبها وكان تنتظر منها ذلك التهديد فهي كانت تسمعها دون اهتزاز في صمت لكن داخلها كان يغلي تريد أن ترد عليها لكنها ما زالت صامتة فايزه لا تجعلها ترد 

نظرت لها فايزة بنظرة صارمة وتهديد صريح:صدقيني ماهاخد أكتر من يومين وأنا بمشيكي من هنا بورقة طلاق رغم إني مابقدرش على ياسين زي سليم، بس إنتِ هاتسهليها عليّا بعاميلك، إنتِ متجوزة ياسين الراوي عايزة أكتر من كدة إيه؟ عمل لك مجلة ماتحلميش بيها، وقناة وخلاكي «هبة الراوي»

أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت وهي ترفع حاجبيها:أنا عارفة الكلامه د، ولا بيفرق. بس اعتقد إنك مبسوطة إنك لسه حاسة إن ياسين بيحبك وعايزك. ما تخسريهوش ولو مش فارق معاكي يبقى تسيبيه.

ثم ظلت هبة صامتة تحدّق فيها بغضب مكتوم، كادت أن ترد، فأشارت إليها فايزة بإصبعها وهي تلوح به محذرة: وأوعي تنطقي! عشان صدقيني هتخسري كتير. ماعنديش مانع تروحي تشتكي لجوزك، وتقوليله: «مامي فايزة هانم بتدخل نفسها في حياتنا وزعلتني وقالت لي كلام رخم»... بس افتكري، وإنتي بتقولي الكلام ده هل ياسين هايدافع عنك زي زمان؟ 
صمتت للحظة قالتها بسخرية: ماعتقدش.

نهضت فايزة ببطء، ومدّت يدها لتفتح الحاسوب المحمول، وضغطت على زر التشغيل وهي تبتسم بسخرية: كملي شغلك.

ثم استدارت وغادرت الحديقة بخطوات ثابتة، تاركة هبة جالسة واجمة، تكاد تنفجر من الحديث الذي لم تستطع قوله.

أغلقت هبة الحاسوب بضجر، ثم وقفت مسرعة متجهة إلى غرفتها تبحث عن ياسين، لكن لم تجده. صاحت بأحد الخدم بحدة: فين ياسين بيه؟ لسة في أوضة رشدي؟! صحي ولا لأ؟ روحوا قوموه حالًا!

أجابها الخادم بخضوع: ياسين بيه صحي يا هانم وخرج راح الشغل من بدري

شهقت هبة بضيق، أمسكت هاتفها وأتصلت به، لكن لم يرد عليها.

على إتجاه أخر 
مجموعة الراوي/ مكتب ياسين 

يجلس خلف مكتبه، وأمامه أوراق متناثرة يراجعها مع لوجين التي جلست مقابلة له بتركيز شديد كان الهاتف على الطاولة يرن للمرة الثالثة، لكنه وضعه على الصامت متعمّدًا، وكأنما يتجاهل شيئًا بعينه.

رفعت لوجين رأسها: دي مدام هبة.

أجاب ياسين دون أن يرفع نظره من الأوراق: أيوة

لوجين بتهذب: طب يا فندم، أنا ممكن أستنى بره لحد ما ترد عليها.

وعينه على الأوراق: لا، ما هو أنا مش عايز أرد.

ترددت لوجين قليلاً قبل أن تقول: هو أنا ممكن أتدخل وأسأل إيه إللي حصل؟ مش إنتم إمبارح رحتم سهرتوا؟ كان يوم حلو، ده شكل واحد راجع من يوم حلو. أنا اتوقعت أصلاً إنك مش هتبقى موجود النهاردة وكنت هلغي كل حاجة.

ضحك ياسين بخفة وهو يعود بالكرسي إلى الخلف:
ده لو أنا متجوز واحدة لسه بتحب، يمكن دي واحدة كل إللي فارق معاها دلوقتي شغلها وبنتها وأنا في الآخر.

رفعت لوجين حاجبها بنصف ابتسامة: أولاً، إنت ماينفعش تغير إنها مهتمة ببنتك أو تتضايق

كاد أن يرد تابعت بحسم وعقلانية: لا، ماتردش اسمعني غلط بجد؟ دي بنتك، وليك حق طبعًا تتضايق لو هي مهملة فيك ومركزة في الشغل أكتر، بس برضه، أنا من رأيي ممكن تكون حصلت حاجة طارئة، هو إيه إللي حصل؟

تنهد ياسين موضحاً: ولاً أنا مش بغير من بنتي، لازم تهتم بيها، بس أنا فين؟! ثانياً إللي حصل إمبارح وإحنا خلاص خارجين جاتلها مكالمة، قالت مشكلة في الشغل ولازم تمشي.

هزت لوجين رأسها:طيب، ما هو أكيد دي مشكلة طارئة مصيبة مثلاً.

قطب ياسين حاجبيه: هو إنتي بتبرري ليها؟

ردت بحزم هادئ: لا، أنا بوضحلك الأمر من إتجاه مختلف،لأنك أكيد كان مسيطر عليك الغضب إمبارح وإحنا لما بنغضب مابنشوفش الأمور صح."

ضحك ياسين بإستهزاء: بقولك إيه اللا لا لاند إللي إنتِ فيها دي وجبل التسامح الجامد ده، ماليش فيها.

أمالت لوجين رأسها نحوه: هو إنت مش بتحبها؟

ارتبك ياسين قليلًا،: مابقتش عارف.

فتحت لوجين عينيها بدهشة: يعني إيه مابقتش عارف؟ أكيد لسة بتحبها، محاولتك أصلاً، إنك تقوللي: (كان نفسي تبقى معايا) وإنك متضايق إنها هملاك، دليل إنك لسة بتحبها وغيران هنحاول تاني بس نفكر فيها.

مالت بجسدها إلى الأمام مستندًه على مكتبه: بص، أنا محتاجة أفهم مدام هبة بتحب إيه ودماغها عاملة إزاي عشان أعرف أجيب مفتاحها منين وأعملك برنامج يطير عقلها.

قهقه ياسين: الأستاذة كانت أخصائي علاقات زوجية ولا إيه؟

ابتسمت: ههههه، لا بس أنا كل صاحباتي مسميني الحكيم بتاعهم الأخصائي النفسي.

ضحك ياسين وهو يضع يده على صدره: طب والله يا أستاذة لوجين، لو تقدري تساعديني، أنا هبقى شاكر ليكي.

قالت بإبتسامة واثقة: ودي حاجة تأكدلك بعد جملتك دي إنك لسة بتحبها، بس إنت زعلان.

تابعت بإصرار وطيبة تحاول اقناعه: والله بجد، أكيد حصل مصيبة كبيرة أفهم منها، أسمعها. بص، لما تروح النهاردة قولها: (إيه إللي حصل إمبارح؟) ووضحلها إنك اتضايقت. يعني إنت عملت إيه؟

ياسين وهو يحرك يده بعصبية: قولتلها: إنتِ نكديّة، وسبتها، ورحت سهرت مع أخويا.

تنهدت لوجين: خلاص، مش مشكلة. قولها إنك كنت متعصب ورحت تسهر شوية مع أخوك، ما كانش قصدك، وهاتلها كده بوكيه ورد لطيف من النوع إللي بتحبه أو حتى لو بتحب حاجة معينة هاتها، حتى لو شيبسي. الهديّة قيمتها المعنوية مش ماديه وقول لها حبيبة قلبي ماتخافيش كل مشكلة وليها حل أنا جنبك ومعاكي وهنفكر سوا، واستغل إللي حصل وحله بقى بإنك ياسين الراوي.

أجاب يائسًا: مابتحبش الطريقة دي.

رفعت كتفيها بإبتسامة: ست عاقلة مش طماعة، حلو ده. خلاص يبقى خليك بالجملة الأولانيه نفكر سوا يا حبيبتي ومادام أنا معاكي ماتخافيش وكلمتين حلوين هتفرح وتتصالحوا ومش بعيد بالليل تعملك جو جامد وبكرة تتصل بيا تقول لي أسبوع أجازة.

تأملها ياسين طويلًا ثم قال وهو يضحك: أقسم بالله يا لوجين إنتِ طيبة ازي وفي اللا لا لاند، هبه ههههه، تعمل كدة؟ ممكن أسألك سؤال؟"

هزت راسها بإيجاب أكيد طبعًا.

بفضول :ارتبطتِ قبل كدة؟

ابتسمت بخجل: خطبت مرة وارتبطت ثلاث مرات.

قهقه ياسين: الثالث مرات بقى يا أخصائي يا جامد! يالي بتلاقي كل مشكلة ليها حل، ولازم ندي فرص، أكيد عملوا مصايب ماسامحتهمش ليه؟

صمتت للحظة اختفت الابتسامه من وجهها قليلا وهي تقول بنبرة فيها تأثر لكن حاولت أن تفضل على تلك الطريقة اللطيفة المازحة: واحد فيهم ماكانش عاجبه شخصيتي يقولي: إنتِ هبلة أوي وطيبة أوي وعاملة زي أمي، وأنا مش عايز أم، أنا عايز حبيبة، ده كان أول واحد حبيته، وكنت وقتها في تالتة ثانوي ودخلنا الجامعة مع بعض فضلنا تقريبا ثلاث سنين، واحد تاني كان متحرش. مايكلمنيش غير بالليل وكلامه قلة أدب وأنا مابحبش الطريقة دي. قفلت منه والله العظيم اديته كذا فرصة قولته بلاش كدة بس هو مافيش...
إللي اتخطبت له، كان بيمد إيده. ضربني بالقلم، عشان في واحد عاكسني وقال لي إني استاهل علشان طريقة لبسي، برغم ان طريقتي عاديه حضرتك شفتها، وكان من النوع إللي عايز يبان قدام الناس إنه بيضرب وسي سيد، أما آخر واحد أنا إللي سبته ماحبتوش رغم إنه كان عايز يكمل بس مااقدرتش اديله الحاجات إللي هو عايزها فقلت حرام.

ضحك ياسين: خرجتِ نفسك من السؤال يعني، بس برضه إنتِ في لا لا لاند.

أجابت بجديّة: مش دي القصة، كل إنسان ليه عدد من الفرص، خاصة لو بتحبه. ولو وصلت العلاقة للزواج، وبقلكم سنين مع بعض وفيه بنت الموضوع لازم ياخد فرص كتير. رؤى مختلفة في الأحكام.

ياسين وهو يتنهد: ما هو أنا صابر أهو، بس أنا فعلاً بفكر أطلق.

شهقت لوجين: مابلاش جنان بقى!

ياسين هز راسه بضيق: لا والله مش جنان، بقالى فترة بفكر في الموضوع ده. فيه تفاصيل حصلت مشكلة ما بينا، من وقتها أنا وهي مش عارفين نتجاوزها.

نظرت إليه لوجين بتفكير: يبقى إنتم لازم تروحوا لثربيست. أعرف حد كويس إيه رأيك؟

أشرق وجه ياسين بدهشة: تصدقي عمري مافكرت فيها!

ابتسمت: ما هو أكيد الموضوع ده إللي مخليكوا مش قادرين تبقوا كويسين. الدكتور هايظبطكم. وأنا حاسة إنك لسه بتحبها وأكيد هي كمان.

ياسين: خلاص، أحجزي لنا.

لوجين: تمام هشوف أقرب ميعاد وأحجز لكم يلا نكمل شغل.

تبسم ياسين: يلا.

سكت لحظة ثم نظر إليها بمكر: بقولك إيه؟!

رمشت بعينيها بإبتسامة رقيقة: إيه.

ياسين بمغازلة: الأربعة أغبية.

ضحكت لوجين فهمت مقصده: لا أنا مش ملاك زي ما متخيل، أنا مجنونة.

ضحكا معًا، وعادا إلى الأوراق التي أمامهما بتركيز أكبر.

في أحد الشوارع الثانية عشر ظهراً 

نرى باص متوقفًا ، شباب الجامعة يتجمعون ويصعدون واحدًا تلو الآخر في ضحك وصخب شبابي يملأ المكان.

من بينهم مي، ترتدي فستان كاجوال بسيط ونظارتها الشمسيه، صعدت الدرج بخطوات عادية، لكن أول ما دخلت، وقفت مكانها متجمدة.

وقعت عيناها على رشدي وهو جالس بجوار الشباك في الكرسي الثاني، يبتسم ابتسامة واسعة ويشير لها على الكرسي الفاضي بجانبه.

مي بصدمة وهي ترفع نظارتها قليلًا: إيه ده؟!

رشدي بإبتسامة: بتحبي تقعدي جنب الشباك ولا بره؟

ترددت لحظة، لكنها من صدمتها جلست تلقائيًا بجواره.

مي مبحلقة فيه: هو إزاي دى؟! أنا عايزة أفهم أنت هنا إزاي؟ وليه أصلاً؟

رشدي مبتسما: بسيطة أنتِ قولتي إنك ماتعرفنيش، وعلشان كده رفضتي نقرب، فقولت أطلع الرحلة معاكي نعرف بعض أكتر وبعدها نشوف، هل أنا أنفع ولا لأ، ماينفعش تحكمي عليّ وأنتِ لسة ماتعرفيش عني حاجة! دى ظلم.

ضيقت مي عينيها: طب إزاي عملتها دي؟ ده أنا حاولت أطلع بنت عمي ومرضيوش!

رشدي بمزاح: لو كنتي كلمتيني وقولتي لي: يا رشروش، أنا مش عارفة أطلع بنت عمي الرحلة، كان بعد دقيقة واحده تلاقي الشارع كله طالع لو تحبي مش بنت عمك بس، يا بنتي أنا لُقطة! هتتمصلحي عليا مصلحه، وأنا هعمل ده بحب، هفتحلك الأبواب المغلقة.

رفعت مي حاجبها بإستهجان: إزاي بقى إن شاء الله؟

انتصب رشدي في جلسته: يا بنتي أنا "رشدي الراوي"مكالمتي أقوى من مكالمة الوزير، إنتي بتقولي إيه!

مي بضيق: مغرور أوى على فكره، وأنا مش بحب الأسلوب ده.

رشدي بإبتسامة جانبية:طب بتحبي إيه؟

مي بصرامة: ملكش دعوة.

حاولت أن تنهض، فأمسك يدها، نظرت له بحدة وحاولت سحب يدها منه بغضب، نظر بدوره ليدها التي بين يديه وقال بطريقته المعتادة: كل دى علشان ماسك إيدك! 
ثم رفع يده من عليها: هتحرقيني ولا إيه؟ اهو سيبتها.

ثم انحنى قليلًا ناحيتها: بس اسمعي اعتبريني زميلك إديني فرصة أعرفك وتعرفيني كويس. 
نظر لها من أعلى لأسفل بمزاح: بعدين، يعني ماتاخديش في نفسك مقلب أوي كدة، أنا ممكن أقرب منك وماتعجبنيش، والانبهار يروح عادي.

رفعت مي حاجبها بإستفزاز وتابعت بسخريه:زميلي إيه يا رشدي! ده أنت بالنسبة لنا "أنكل"!

مثلا رشدي الصدمه: يا نهار أسود! هو أنا كبرت كده؟! أنا 34 سنة، إلا كام شهر ، وبعدين ما أنتِ 26.
ثم أكمل بمرح: مكانوش ٨ سنين فرق! دي مش فجوة، دي ميزة.

مي ساخرة: ميزة في إيه بقى؟

رشدي بصوت واثق: هبقى راجل عقلاني أكتر، مش بيقولوا لك: خديه في الثلاثينات أو الأربعينات؟ وأنا في النص.

ضحكت مي: هو أنت المفروض بعمايلك دي تبقى راجل عاقل بقى وكده!

أبتسم رشدي: والله بحاول.

تنهدت مي بضجر: أنا أموت وأفهم، إنت بتجيب كل المعلومات عني إزاي؟

رشدي بصراحة: علشان ممشي وراكي ناس بيرجعولي بكل التفاصيل بس برضه، فيه حاجات مش بتتعرف غير وإحنا قاعدين كدة، بنتكلم وجها لوجه.

مي بنبره متوترة لكن متماسكة: يا رشدي، إحنا مش شبه بعض كل حاجة بينا مختلفة.

ضحك رشدي بخفة: عرفتي منين؟ أنتِ متعرفيش عني غير إني اسمي رشدي، وعمري 34.

تابعت مي بسخريه هازئه: إلا كام شهر.

صفق رشدي بيده: مادام هزرتي، يبقى وافقتي! كنت عارف إني هقنعك بسرعة.

مي بجدية: لا ماوافقتش، هو أنا عجباني صراحتك مش أكتر ، بس..

رشدي مقاطعا: مفيش بس خلينا زمايل عادي يا ستي، اعرفيني، جربي.

صمتت لحظة وهي تفكر، ثم هزت رأسها له وقالت: لما نوصل هناك ابقي أفكر علشان دلوقتي أنا متوترة.

رشدي بتفهم: علشان يعني العربية وكده.

هزت مي رأسها ايجابا: اه ، أنا بخاف بس الحمد لله السواق ماشي بالراحة 

رشدي مطمئنا: ماتخافيش أنا معاكي، وأنا اللى موصي السواق يمشي على الهادى علشان خاطرك.

مى بامتنان:شكرا.

نهضت من مكانها فنظر لها رشدى باستغراب:رايحه فين.

مي بهدوء:هروح أقعد مكاني مع صحباتى، مينفعش أفضل قاعده جمبك كده. 

ضحك رشدي بصمت وهو يتابع مغادرتها بعينين لامعتان، وإبتسامة واسعة ترتسم على وجهه.

سيوة
بعد ساعات في أمام الفندق.

نرى الطلاب يستلمون الغرف ثم ذهب كل واحد إلى غرفته بما فيهم رشدي.

في غرفة مي مع صديقتها ليالي

ليالي بإبتسامة فضول: مين اللي كنتي قاعدة جنبه في الباص دى؟

مي وهي تخلع الجاكيت: ده زميلي، اتعرفت عليه من فترة وحصل حوار كده 
ثم جلست على طرف الفراش وبدأت تروى لها ما حدث.
وتابعت بعد الإنتهاء:بس يا ستى هى دى كل الحكايه.

ضحكت ليالى: شكله مجنون بس عسل! إنتي قولتي اسمه إيه؟

مي: رشدي، رشدي الراوي.

نظرت لها ليالي بدهشة: أنا ماعرفوش شخصيًا، بس عارفة إن أهله من أغنى أغنياء العالم.

مي بجدية: انا مش بيفرق معايا الكلام ده أنتِ عارفة، أنا أهم حاجة عندي الشخص نفسه.

ليالي بهدوء:خلاص يا ستي، شوفي هيعمل ايه في ال٣ أيام دول  وبعدين قرري.

هزت مي رأسها بإيجاب 

بعد ساعات

أثناء الغداء في مطعم الفندق، جلس رشدي على إحدى الطاولات ذات الإطلالة الخلابة، مرتديًا ملابس كاجوال شيك، وشعره مرتب بعناية، نظر حوله حتى وقع بصره على مي، التي اقتربت برفقة ليالي، مرتدية حجابها الجميل.

وقف رشدي بإبتسامة عريضة، ووجهه يعكس المزاح والفضول: إيه الحاجات الحلوه اللى هلت على المكان مره واحده دي؟

ابتسمت مي بخجل: ميرسي.

حاولت أن تكمل سيرها، لكنه توقف أمامها، وعيناه مليئتان بالدهشة: رايحة فين؟

مي: رايحة أتغدى مع صحابي.

رشدي، مبتسمًا ابتسامة جانبية مليئة بالمداعبة:لأ، أنتِ هتنسي أصحابك! الرحلة دي كلها؟ ثلاث أيام مش هتشوفي غير رشدي وبس؟! ما هو أنا لازم أنجح في الأختبار ده.

مي بصرامة، وهي تثبت عينيها في عينيه:اسمع، أنا مابحبش اللزقة ولا إن حد يفرض نفسه عليا، والأهم مينفعش نقعد مع بعض لوحدنا كتير.

رشدي بخفة، وهو يميل قليلًا: طب وهتعرفيني وأعرفك إزاي بقى حضرتك؟

رفعت مي كتفها بهدوء: عادي وسط الناس.

تنهد رشدي وهو يغمض عينيه، ثم رفعها مستسلمًا:شكلك هتتعبيني بس تمام، النهاردة أقعدي كلي معايا، خلينا نتكلم شوية، استثناء، بعدين الجروب كله حوالينا.

صمتت للحظة، تفكر، ثم تنهدت باستسلام، وهزت رأسها بالإيجاب وجلست وما أن جلست، جاء الجرسون ليأخذ الطلب.

نظر لها رشدي بعينين نصف مغمضتين، مبتسمًا:عرفتى تنامي بقى ولا إيه؟

مي، بنبره متثاقلة قليلًا: آه الطريق كان طويل ومتعب.

وصل الطعام (رز - سمك - سلطات)، وبدأ رشدي يقطع السمكة بأسلوب أرستقراطي، كانت مي تتابعه بإنبهار وتركيز، فرفع عينيه نحوها وقال:إيه؟ بتبصي لي كده ليه؟

ضحكت مي بخفة: أصل بصراحة طريقتك فكرتني بأمينة شلباية.

رشدي بجدية ممزوجة بالمزاح: لعلمك دي الطريقة الصح، والراقية، علشان متبهدلش، بعيداً عن أمينة شلباية! تحبي أقطعلك سمكتك؟

تبسمت مي بخجل: لو مش هتعبك.

رشدي بابتسامة: بس كدة عيوني.
ثم أخذ صحنها، وقطع لها السمكه وناولها الصحن مره أخرى: اتفضلي يستى.

مي بابتسامه: شكراً.

بعد قليل، وبينما كانا يتناولان الطعام، بدأ رشدي الحديث بجدية أكثر:قولي لي بقى ليه مارتبطتيش لحد دلوقتي؟

رفعت عينيها نحو وهي تقول: يعني أنت مش عارف!

ابتسم رشدي وهو يهز رأسه بإيجاب: عارف لكن محتاج أعرف التفاصيل منك.

مي بهدوء، وهي تلعب بأصابعها على طرف المنديل:أنا اتخطبت مرة في أولى جامعة، ومكملناش كان عايز يسافر وأنا مقدرش أبعد عن بابا وإخواتي، أنا بالنسبة لهم أمهم هما كل حياتي..ومرة ارتبطت في ثانوي، كنت مراهقة أكتر، وكنت مبهورة بيه جدًا هو كان صوته حلو، وكان بيغني لي أغاني لتامر حسني وعمرو دياب وكان الجو كله حلو، بس عمل حركة مش كويسة خالص خلتنى اشوفه مش راجل.

رفع رشدي حاجبه الأيمن وقال: إزاي يعني؟

مالت مي بجسدها للأمام قليلاً وقالت:كنت ماشيه بالكلب بتاعي، وشوفته بالصدفة هو ومامته، مامته بتخاف من الكلاب وأنا مكنتش أعرف، فجأة لقيته قرب مني وقال لي: "هضحكك على ماما"، وخلى الكلب يعمل حركة، فطبعا والدته خافت وصرخت، وهو قعد يضحك عليها، الكلمة دي صدمتني، وإللي عمله كان بنسبه ليا كارثة، قولت لنفسي، لو قدر يضحك على أمه ويضحك عليها الناس ويعمل فيها كدة، أكيد يقدر يضحك الناس علي مراته في يوم، ففركشت.

رشدي مبتسمًا بجدية: بصراحة، عندك حق، طب وليه اتأخرتي في التعليم ودخلتي إنتي ٢٦.

صمت مي لحظة، ثم رفعت عينيها نحوه،وردت بنبرة متأثرة وعيناها اغرورقت بالدموع:أنا كنت مع ماما في الحادث زي ماقولتلك، ماما اتوفت، وأنا دخلت في أكتر من عملية لأني مكنتش أقدر أمشي، فقدت كمان الكلام، وأخدت فترة يعالجوني كان عندي صدمة عصبية.

تابعت وهي تضغط على المنديل، وكتفها يهتز برقة: والسبب ده خلاني أأجل التعليم حوالي سنتين، أول سنة مكنتش بتحرك، والتانية بدأت اتحسن، بعدين دخلت أولى ثانوي عادي، بس لإننا نزلنا مصر اضطريت أعيد أولي ثانوى تاني  لإننا كنا في لندن والنظام هناك مختلف عن هنا.

هز رشدي رأسه وابتسم برقة: طب ليه والدك ماجبلكيش واسطة؟

هزت مي رأسها موضحة: بابا مش بيحب الطريقة دي خالص، رغم إنه مهندس ومعروف، ويقدر يكلم ناس يخلوني أعدي بس هو محبش وقال إن ده الأفضل لإن التعليم في لندن مختلف عن مصر،وسبحان الله يعني بعد ما خلاص الدراسة كانت هتبدأ جدتي توفت فأجلت تاني. 

ثم تتنهد بعمق، وقالت: بس الحمد لله مش زعلانة خالص، بالعكس، ربنا سبحانه وتعالى مبيعملش أي حاجة وحشة وفيه مقولة بتقول: "أن تصل متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً".

مال رشدي برأسه قليلًا نحوها وتابع بأسف: علشان كده جتلك تروما من العربيات.

هزت مي رأسها بإيجاب: آه، ده أنا كنت بخلي بابا وقتها يمشي بهدوء تقريبًا على سرعه عشرين، لكن الحمد لله دلوقتي بقيت اخليه يمشي على السرعه العاديه، بس لو سرع  عن العادي بيجيلي تشنجات ويغمي عليا، وممكن أموت فيها، للأسف لسه ماتعالجتش بشكل نهائي بس اللي احنا وصلنا ليه دلوقت قمه التغيير..

رشدي بلهفه، وتأثر: بعد الشر عليكي.

تناولت مي مافي الشوكه، وعيناها تراقب تعابيره وهى تساءلت:طب وأنت ارتبطت كام مرة؟

عدل رشدي جلسته، وهو يلمس طرف الكرسي بيده، وينظر لها بصدق: ولا مرة، أنا معرفش يعني إيه كلمة حب وارتباط والكلام ده، عرفت بنات كتير بعدد شعر رأسي حرفيًا، بس كلهم وقت مفيش واحدة خلتني أحبها أو لفتت نظري، كلهم شبه بعض..

ثم صمت للحظه وتابع:إلا واحدة الصراحة، لفتت نظري كانت شبهك كده نقيه وبريئه، بس وقتها كنت اجن واشقي من كده، مكنتش هعرف احميها من جناني أو علي الأقل اتحكم فيه معاها، وعلشان اكون صريح معاكي اكتر مجاش في دماغي للحظه إني اتجوز أو اخطب أو علاقتي تاخد أي خطوه معاها غير إني ابقى معاها وبس، لكن دلوقتي في حاجات اختلفت فيا شويه يمكن بقيت اعقل أو يمكن اتعلمت من الغلطه بتاعه زمان..!
ثم تابع بابتسامه: بس صدقيني أنتِ مختلفة، وشدتيني ليكي زي المغناطيس

مالت مي للأمام قليلًا، وتساءلت بفضول:طب ولما أنت عقلت دلوقت، وفيه حاجات كتير أتغيرت فيك زي مابتقول، ليه محاولتش معاها تانى 

صمت رشدي للحظة فهو بالطبع كان يقصد "ماسة" ثم قال بكذب وهو يبتسم نصف ابتسامه:حبها واحد صاحبي، واتجوزوا بعدها بشهر.

ضيقت مي حاجبيها بتعجب:شهر! بس دى قليل أوي! 
ثم تابعت بفضول: بس قولي، أنا مختلفة أوي علشان لبسي وطريقتي ولا حاجه تانية؟

هز رشدي رأسه برفق، بنبرة صوت منخفضه وثابته: مش عارف، بس حقيقي مختلفة!

نظرت له مي وقالت بعقلانية: أنا فكرة في كلمة "مختلفة" أنا متأكدة إنه عشان لبسي وطريقتي، أنا لما قربت من زيزي والشلة بتاعتها، عرفت كلهم بيشربوا وبيسهروا، كمان عرفت إن فيه حد فيهم بيشرب حشيش، وممكن يباتوا عند بعض أولاد وبنات، فطبيعي إن أنت كل اللي اتعرفت عليهم هيبقوا كده، أما أنا مش كده، الاختلاف جه من هنا، إحنا دايمًا بنشدد للحاجه اللي مش شبهنا.

ركز رشدي النظر عليها وقال موضحاً: بصي أنا مش بفكر كده، أنا مش بركز في حوار أنتِ لابسة إيه؟! لإن اللبس مش كل حاجة، ممكن تكوني لابسة لبس مقفل، لكن أخلاقك عريانة، وأنا اتعاملت مع ناس زي دي، تشوفيها من برة محترمة، لكن من جوة العاهرة أنضف منها، فالموضوع ده مش بيفرق معايا، أنا مش من نوع الرجالة إللي بتفرض على زوجتها طريقة لبس معينة، موضوع الشرب برضه مش فارق معايا لإن أنا بشرب، وأهلي كذلك، عادي لو مراتي بتشرب، للأسف تحليلك غلط، لإنه مش شخصي.

ثم تابع وهو ويبتسم بخفة، يميل قليلًا إلى الأمام: أنتِ فعلا فيكي حاجة بتشدني أنا نفسي مش عارف ايه هي، بس طبعا الشيء الوحيد إللي بيفرق معايا، إن لازم أكون أول واحد ألمسها، غير كده لا، واللمس مش إن هي تبقى مقضياها ولسة بسلوفانها،  متلمستش يعني متلمستش.

زمت مي شفتيها، وجهها مشدود من التوتر وقالت بتوضيح: ما هو علشان كدة أنا بقولك إن إحنا مش هننفع مع بعض، موضوع إنك بتشرب لوحده بالنسبة لي كارثة، إنك مبتغرش على موضوع اللبس يعني فيه لبس ست بتلبسه بيخليها حلوة أكثر ما هي حلوة، إمال إمتى هتغير وتقوللي لا ألبسي ده لا ماتلبسيش ده، لا ده عريان، أنا فاهمة إن عقلانيتك وتربيتك جايه من بيئه اللى اتربيت فيها، وإن عندكم مفهوم الغيرة بيكون شويه مختلف، بس أنا أحب جدا جوزي لو شافني لابسة بنطلون ضيق شوية يقول إيه ده ويزعق لي ويقولى:"متلبسهوش ولا تنزلى بيه تانى"، لو أنا بعمل حاجة غلط، بشرب سجاير أو خمرة مثلا يقول:"لا عشان صحتك، وكمان الخمرة حرام" أحب أحس وقتها إنه بيحبني وبيخاف عليا، والكارثة! الأكبر لو جيت كلمتك يوم مثلاً لو ارتبطنا أقولك إنت فين؟ تقول لي: أنا نايم عند زيزي!

ضحك رشدي برفق، وهو يتكئ على الكرسي قليلًا:أنا مش هقولك نايم عند زيزي، علشان اتجوزت ممكن أقول لك ريتال، شروت، مريتا، بس والمصحف أصحاب، مافيش حاجة بينا.

تبسمت مي بتفهم: عارفة، بس أنا ساعتها لما تقول لي الجملتين دول، هعملك بلوك من حياتي، علشان كده بقول لك إحنا دنيتنا مختلفة،  إنت مش هتعرف تحبني بالطريقة إللي أنا عايزاها، فيه مفاهيم كثير عندك عادي مش مشكلة، لكن عندي أنا مش صح، ده غير طبعا إن فيه حاجات حرام لا جدال فيها، علشان كده بقولك خلينا زمايل وبس.

نظر لها رشدي مباشرة، وهو يميل قليلاً، وصوته منخفض وثابت وتحدث بعقلانية غريبة: طب بصي، أنا هقولك حاجة، خلينا نعرف بعض كأشخاص، هي الحاجات للي إنتي بتتكلمي فيها دي خليها بعدين لو موضوعنا تم، مش هتحبيني في ثلاث أيام بس هتشوفي ننفع نبدأ من أول السلم ولا لاء، وخلي الأحاديث الجدية دي بعدين؟

هزت رأسها بإعتراض عقلاني: مش هينفع يا رشدي، وأنا بفكر وبشوفك في ال٣أيام، الموضوع ده هيكون أول السطر قصادي، رشدي من عالم، وأنت من عالم تاني، والموضوع ده مش هيخليني أحكم صح.

تنهدت بتعب كأنها تفكر للحظة وتساءلت:أنا هسألك سؤال، وترد بصراحة، عندك استعداد تبعد عن كل حاجة علشاني؟ وأرجوك، بلاش ترد رد سريع..!

قاطعها رشدي، ينظر إليها بحسم: مش عارف هعرف ولا لاء، بس عايز! بس مش هيبقى سهل بالنسبة لي طبعا، عشان مكونش كذاب، لو حاولت أتغير، لازم تصبري عليا شوية، ولازم أحس إنك تستاهلي التغيير ده، ولازم تساعديني فيه كمان، إنتِ عجبتيني، بس محبتكيش أنا لسة محتاج أعرفك.

تبسمت مي ابتسامة صغيرة: وأنا هحترم صراحتك، خلاص خلينا نشوف ال٣ أيام دول، إيه إللي هيحصل فيهم؟!

ضرب رشدي على الطاولة بسعادة  وهو بقول بحماس ظهر في صوته: إيه رأيك النهاردة نخرج بالليل؟

رفعت مي حاجبيها برفض: لا إحنا بالليل عندنا باربكيو، الجروب كله هيحضر.

ابتسم رشدي، وهو يميل للخلف مسترخيًا: ماشي نحضر 
ثم تابع وهو يكرمش وجهه بانزعاج: مع إن أصحابك شكلهم عيال سئيلة.

ضحكت مي: على الأقل محترمين.

ضحك رشدي بصمت.

انجلترا 
في أحد الحدائق هادئة الرابعة مساءً 

جلس سليم على مقعد حجري يرتدي ملابس كاجوال مريحه، ومكي يجلس بجانبه، ظهر التوتر واضحا.

على وجه سليم حينما التفت إلى مكي: متكلم عشري نعرف منه ايه الأخبار ، يمكن فيه جديد عن ماسه.

أخرج مكي التابلت، وبدأ بوضع الأرقام بعناية، وبعد قليل، ظهر صوت وعلامة اتصال على الشاشة:

رد عشري بشوق: ازيك يا ملك! واحشنا ، هتنزل مصر امتي؟

اقترب سليم من الشاشة وقال بابتسامة خفيفة: قريب يا عشري، قوللي إيه الأخبار عندك في جديد؟

تنهد عشري وهو يشرح الموقف: كلمت أهلها مرّة كمان بس معرفناش نوصل لأي حاجة، واضح إن معاها شخص فاهم اوي في التهكير، لإن بعد ما فكينا شفرة المكالمه، طلعت من التشيك، شفره وهمية يعني.

هز سليم برأسه بمراره من احتياطها الكبير وخوفها الزائد منه.

تابع عشرى بصوت جاد: بقول لك إيه يا ملك، طب مانضغط على أهلها يخلوها تقولهم هي فين؟

هز سليم رأسه برفض سريعا وهو يشير بيده: لا طبعا، اوعى تعمل كده فاهم؟ ملكش دعوة بأهلها، محدش يجي جمبهم.

  عشري باقتراح: طب متخلينا نروح نزرع ميكروفونات هناك، يمكن يعني وسط كلامها معاهم نسمع عنوانها أو أي حاجة توصلنا ليها.

أجاب سليم بصوت مطمئن لكنه حازم: عشري اسمع الكلام ونفذ مش عايز اقترحات، أنا أهم حاجة عندي إنها بخير وكويسة ، أنا كده مطمن عليها، مادام بتكلم أهلها يبقى هي كويسة وفي مكان آمن، وده أهم حاجة بالنسبة لي.

عشري بحذر:طب يا ملك عشان إحنا مش بنعرف  نوصل لك كتير والمكالمات بعيده ، لو عرفنا نوصل لها ونفك الشفرات نروح نجيبها !

سليم بصرامة: لا ما تجيبهاش، سيبها زي ما هي ، ممكن بس تتابعها من بعيد لبعيد، وتخلى بالك منها غير كده لا، ولو فيه جديد بلغني.

ابتسم عشري: أمرك يا ملك.

ثم نظر عشري إلى مكي وقال بابتسامة: أخبارك إيه يا مكي؟

أجاب مكي بهدوء: تمام يا عشري، أنت عامل ايه و ماما عامله ايه ، الدنيا تمام عندك، في أي جديد او الباشا حاول يضايقها تانى ؟

طمأنه عشري: كل الأمور مستقرة متخافش ، خالتي ليلى تحت عنينا ، في الأمان، لسه قاعده عند خالتك.

حذره مكي بنبرة خفيفة: خلي بالك منها يا عشري ؟

عشرى بأخوها: متخافش عليها في عنيا، 

تابع سليم باستفسار:إيه اخبار الباشا واخواتى مفيش جديد ؟
عشري مبتسمًا: مافيش جديد في القصر، بس صافيناز رجعت.

تنهد سليم: تمام يا عشري كام يوم كده وهنكلمك تاني إن شاء الله ، علشان لو فيه أي جديد ، فتح عينك كويس ، سلام.

انهي المكالمه والتفت إلى مكي وابتسم وهو يشعر بالراحة: أكتر حاجة مفرحاني ومخلياني مرتاح إني اطمنت على ماسة، متعرفش أنا كنت قلقان عليها ازاي  وأنا مش عارف عنها حاجه.

ابتسم مكي، ورد بخفة: بس محاولتش تتصل عليك تاني.

ضحك سليم بخفة وملامحه ارتخت قليلًا:حاجه متوقعة،بس هي اتصلت مره وده المهم، كأن قلبها حس بالقلق اللى بينهش فيا وحب يقولى "أنا بخير اطمن.

ابتسم مكى: ربنا يطمنك ديما يا سيدى بس خلينا نركز على اللى احنا جايين علشانه الحمدلله عدينا اهم مرحله خلينا نكمل ونخلص ونرجع، قعدتنا هنا طولت.

هز سليم رأسه ايجابا: إن شاء الله، بقولك ايه تعالى نقوم نتمشى شويه زهقت من القاعدة.

أحد الكافيهات الفاخرة، الثامنةمساءً.
نرى القاعة فارغة إلا من الجرسونات والحراس فايزة تجلس بثقة، قهوتها بيدها وحراسها خلفها يترقبون الحراس واقفون خلفها، عيونهم حادة تراقب كل تحرك، نزل رجل أربعيني بملامح مافيا من سيارة مظللة، فتشه الحراس وأعادوا سلاحه، ثم رافقه اثنان حتى وصل إلى فايزة.
رفعت فايزة عينيها إليه وقالت ببرود: أقعد، وروحوا إنتو.
جلس الرجل أمامها، بينما وقف الحراس خلفها على بعد خطوات.
الرجل بإبتسامة ماكرة: وحشانا يا هانم، من زمان ماشتغلناش مع بعض.
رفعت فايزة حاجبها بحدة: اختصر يا فاروق وصلت لحاجة؟
ضحك بخفة ومال إلى الوراء قليلاً: آه طبعًا يا هانم ممكن أجي أقابل الهانم؟ مرات الباشا الكبير... وأم الغالي الملك هو إنتِ عارفة سليم بيه فين؟
أخذت فايزة رشفة من قهوتها، الرغوة تتصاعد:طول عمرك رغاي يا فاروق، الباشا كويس، وسليم مسافر  يلا اتكلم ليه اتاخرت كدة؟!.
ابتسم بخبث: أصل لما الأرقام تتغير كل شوية، والأماكن مختلفة ده بيصعبها شوية عشان تلقطيها، لو كانت تستخدم رقم واحد كان تمام، بس المشكلة إنهم أرقام كتير من أماكن مختلفة،علشان كده صعبتها علينا.
أخرج من جيب بدلته ملف أصفر ومده لها: جبتلك شوية صور وورقة فيها تفاصيل.
رفعت حاجبها وهي تنظر إليه، ثم أخذت الورقة وقرأت بسرعة، استغراب واضح على وجهها أخرجت الصور وبدأت تتصفحها، النظرات تعكس دهشتها وفضولها.
فاروق نظر إليها وقال مبتسمًا: آه يا هانم كنتي شاكة، وشكك طلع صح، مرات الباشا وأم الملك لازم دماغها تبقى ألماظ كده.
أخذت نفسًا عميقًا، وطالعت الورقة بتفاصيلها، وابتسامة عريضة ترتسم على وجهها.
نظرت إلى فاروق، لكنه كان قد مال بجسده للأمام، كأنه يعرف ماستقوله، وقال: أوامرك هنعمل إيه؟
ابتسمت فايزة بهدوء: هقولك يا فاروق...
يا ترى مين دي وفايزة هتعمل معاها إيه




تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة