
رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الثاني 2 ج1 بقلم ليله عادل
العودة (عناق الدم)
{كأن الدنيا قد آثرت أن تكشف أوراقها دفعة واحدة؛ قرارات تهتز، وحقائق تغرس في القلب كخنجر، وغفران يولد من رماد الخيانة، وأيدٍ كانت تنسحب عادت لتتشبث ولو بصوتٍ عبر الهاتف. كل شيء يتبدل، ولعلها ليست سوى بداية السقوط للبعض، وبداية النهود للاخرين }
[ بعنوان:رماد البدايات ]
سقط على الأرض كجثة هامدة، صرخ الجميع، هرعوا إليه، رفعوه بسرعة، حملوه خارج القصر إلى السيارة، وعيونهم ممتلئة بالخوف، بالذنب.
في إحدى المستشفيات الخاصة، الثالثة مساءً
نرى الاطباء يقومون بعمل فحوصات دقيقة، ووضع عزت على الأجهزة اللازمة كانت فايزة وطه وفريدة وياسين متوقفين أمام الزجاج يطلعون عليه وعلى وجههم ملامح القلق
بعد خروج الأطباء أكدوا أن عزت أصيب بجلطة قلبية شديدة، نتيجة الضغط والإنهيار العصبي، كان عزت يرقد في غرفة العناية، الأجهزة تحيط بجسده، أنفاسه بطيئة، ملامحه مرهقة، تومض بنبض منتظم،في الخارج، اجتمع الأبناء حول فايزة الصمت يسيطر، والجو ثقيل.
فايزة بتهكم: يعني إللي عملتوه، مالقيتوش له وقت غير ده؟ ؟ فجأة تحطوا أيدكم في أيد بعض وتتحدوا؟!
فريدة بعقلانية وهدوء:وحضرتك زعلانة ليه؟ إحنا ماكناش بنسعى نرضي شخصيات زي صافيناز، إحنا أخيرًا قررنا نتحرك، مش دايمًا كنتي عايزة حد مننا ياخد موقف؟ هو إحنا مش بنرد على ظلم؟ هسألك سؤال، يا مامي لو سليم ماكانش معاه حق، كنتي هتبقي بالهدوء ده بعد ماعرفتي إللي سليم عمله؟! إنتي نفسك عايزة تتخلصي من صافيناز ورشدي أكتر مننا، لإنك عارفة إنهم بقوا تهديد حقيقي ليكي ولينا وفي يوم هيقتلونا.
ياسين محاولًا تهدئتها: فريدة، مش وقته.
فريدة بحدة: لأ، وقته! يا ياسين، إحنا مش السبب؟ ولا حتى سليم، دي مش مؤامرة صغيرة دي حياة! سليم بالنسبالهم هدف، لإنه تهديد بمجرد مايخلصوا منه، هيصفونا واحد ورا التاني.
فايزة بشدة: أنا هحميكم، بس خلو سليم يوقف، أديكي شفتي إللي حصل إنتم مجانين هو باع أملاكنا تعب مجهود سنين.
طه بهدوء غريب: سليم حمى نفسه، يا ماما، ماعملش كده عشان طمع هو عمل إللي كان لازم يتعمل من زمان.
فايزة برفض: والله العظيم إنتم مش طبيعيين، صحيح أنا موافقة على إللي عمله، لكن البند الخاص في حالة موته كل حاجة تروح للجمعيات ده جنان.
ياسين: يا جماعة خلونا نستنى لما بابا يقوم بالسلامة هو ده المهم دلوقتي.
بعد دقائق خرج الطبيب، فألتف الجميع حوله.
فايزة بقلق شديد: خير يا دكتور؟
الطبيب بهدوء: الحمد لله، الخطر عدى، لكن لازم يفضل في المستشفى ٢٤ساعة تحت الملاحظة ممنوع أي ضغط، أي إنفعال ولو تقدروا تاخدوه مكان فيه طبيعة يريح أعصابه يبقى أفضل.
فايزة فورًا: إحنا عندنا مزرعة في الفيوم هناخده ونروح هناك.
الطبيب: استنوا يومين أو تلاتة، نطمن عليه الأول، ونعمله فحص شامل وبعدها ممكن تخرجوه.
فريدة بتوتر: يعني حضرتك شايف إنه من الافضل يقعد هنا كم يوم.
الطبيب: مش لازم،لكن ممكن يخرج ويجع يعمل الفحوصات، حمد لله على سلامة الباشا بعد إذنكم.
تحرك الطبيب
وقف الجميع أمام الزجاج، ينظرو إلى عزت وهو يرقد على السرير، تحيط به الأجهزة، وفي عيونهم جميعًا، حزن صامت
ألمانيا
الفندق الذي يمكث به سليم الرابعة مساءً
وصل سليم إلى ألمانيا برفقة مكي وبعض الحراس، كانوا يسحبون الحقائب بهدوء رغم التعب الواضح على وجوههم.
كان مكي أول من فتح هاتفه.
مكي موضحا: الهانم وطه وياسين وفريدة كلموني كتير.
سليم، وهو بيتفقد هاتفه أيضا، تمتم بنبرة مرهقة: وأنا كمان جاي لي رسايل كتير، سيبك منهم دلوقتي، نروح الفندق، نتغدى، نهدى، وبعدين نكلمهم أكيد نفس الموضوع.
ضحك مكي وهو بيهز راسه: إنت سبتلهم الدنيا تولع ومشيت.
وبنبرة ساخرة أضاف: دي قنبلة دي نووية يا معلم.
سليم بإبتسامة باهتة وهو يميل برأسه قليلًا للخلف: كان لازم أعمل كده من زمان، خلينا نروح على الفندق، وكلمهم يجهزوا لنا الغدا، أنا مش قادر أستنى.
صعدوا السيارة، واتجهوا إلى الفندق. وبعد أن تناولوا الغداء، لم يبد سليم أي اهتمام بالرد على المكالمات التي استمرت تنهال على هاتفه.
مصر
في إحدى الفلل المملوكة لعائلة الراوي، الخامسة مساءً
دخلت صافيناز ومعها عماد، وخلفهما الحراس يحملون الحقائب كان في استقبالها عدد من الخدم، يقفون بإنضباط عند باب الفيلا.
تقدم أحدهم بخضوع: حمد لله على السلامة يا صافيناز هانم، إحنا حضرنا الفيلا زي ماحضرتك أمرتي.
صافيناز وهي تتابع سيرها بخطوات واثقة متوترة: الولاد جايين كمان ساعة ونص من النادي،حضروا الغدا، والأوض بتاعتهم تكون جاهزة.
الخادمة بإنحناءة سريعة: أمرك يا هانم.
صافيناز بنبرة آمرة: يلا، روحي أعملي فنجان قهوة، وخليهم يطلعوا يفضوا الشنط.
ثم تابعت السير إلى الحديقة الداخلية، وخلفها عماد في صمت ثقيل، كانت ملامحها مشدودة، تنظر أمامها بعينين متوهجتين بالغضب.
فكل شيء ضاع من بين يديها في لحظة، المال، النفوذ، السيطرة حتى اسمها، لم يعد له وزن كما كان، لكن أكثر مايؤلمها، أنها لا تعرف كيف ترد، تشعر كأنها مكبلة اليدين، والعجز يكاد يخنقها.
عماد نظر إليها تساءل بضجر: هنعمل إيه؟ خلاص، خسرنا كل حاجة.
نظرت إليه نظرة حادة، وكأنها تطعنه بها: أكيد لأ! أكيد ليها حل، أنا مش هسيبها تخلص كده، أنا مش هخسر كل حاجة! بعد كل ده
عماد وهو يحرك يديه بعجز: إزاي يعني؟ متقفلة زي الدومينو!
صافيناز بإنفعال: معرفش! كفاية ضغط، سيبني أفكر.
صمت عماد للحظة ثم قال فجأة: أنا مسافر بكرة.
حدقت فيه بذهول: هتسيبني؟! وأنا في المصيبة الزفت دي؟!
عماد بنبرة مبررة: أعمل إيه؟ لازم أسافر ماتقلقيش مش هتأخر يومين بس.
كادت أن تجيب بغضب، رن هاتفها كان اسم المتصلة: فريدة.
صافيناز وقد ارتبكت: فريدة؟
عماد بسرعة: ردي! شوفي فيه إيه!
صافيناز بجمود: أيوه؟
جاء صوت فريدة من الطرف الآخر، مرتجفًا ومضطربًا: صافي، بابي في المستشفى، وتعب جدًا. جاتله جلطة!
تجمدت ملامح صافيناز، ثم هتفت: إنتي بتقولي إيه؟! طب إنتي في مستشفى إيه؟!
فريدة بسرعة: مستشفى الشمس، لو هاتيجي، تعالي بسرعة سلام.
أغلقت فريدة الهاتف وقفت صافيناز في مكانها، تحدق في الشاشة للحظات، ثم رفعت عينيها إلى عماد: بابي نقلوه المستشفى تعب.
عماد بإنتهازية: يبقى لازم تروحي، حتى لو مش هتشوفيه، مدام الباشا تعب، يبقى ماستحملش إللي عمله سليم.
صافيناز بعد لحظة تردد: طب استنى، خليك هنا لحد ما الولاد يوصلوا وقول لهم إن إحنا قاعدين هنا مؤقتًا، أنا هروح أشوف بابي.
خرجت صافيناز بينما كان ينظر عماد لآثارها بضيق
((بعد وقت))
وصلت صافيناز إلى المستشفى، وكانت الأجواء مشحونة بالصمت.
الجميع يجلسون في الاستراحة المرفقة للغرفة التى بيها عزت، وجوههم شاحبة، لكنها خالية من الدموع أو الإنهيار، وكأن الذي في الداخل ليس والدهم.
اقتربت بخطوات سريعة، عيناها تدوران بين الوجوه التي لم تلتفت إليها، وكأن حضورها لم يغير شيئًا.
صافيناز بقلق مصطنع: بابي حصل له إيه؟!
نظرت لها فايزة بحدة، عينيها تلمع من الغضب:إنتِ السبب!
صافيناز بإستهجان: أنا السبب؟! ولا سليم السبب إللي أستولى على كل حاجة؟!
فايزة رفعت حاجبها وانفعلت: لولا إللي عملتيه، ماكانش سليم اضطر يعمل كده!
صافيناز بتهكم: أنا عملت رد فعل طبيعي! بس هو؟ هو إللي عمل كده عشان زهق مننا خلاص، سنين وهو ساكت لو كان ياسين أو طه هما إللي عمل كده كان اخد نفس رد الفعل.
فايزة بإستهجان: مش عايزة تطلعي نفسك غلطانة.
صافيناز بحسم: لا.
فايزة هزت راسها برفض: مافيش فايدة.
طه، الذي واقفا في الزاوية، اتدخل بنبرة هادية لكنها حاسمة: عموماً ده مش مكان للكلام يا ماما خلينا نهدى، بابا جات له جطلة، وتعبان جدًا، ياريت نهدى.
سادت لحظة من الصمت، صافيناز شبكت يديها ببعض، عيناها معلقتان بالأرض، وصوتها خرج مكسورًا، مترددًا: عموماً أنا ماكنتش أقصد نوصل لده ولا كنت أتخيل.
لكن لم يرد أحد وجوههم ظلت على حالها، جامدة، خالية من التعبير، وكأن شيئًا لم يقال نظراتهم كانت صلبة، صامدة، فلم يعدو يصدقوا اعتذارات.
قصر الراوي، العاشرة مساءً
عاد الجميع إلى القصر بعد أن اطمأنوا على حالة عزتالصحية، فقط فايزة من تبقت معه.
كما وضحت، فايزة أوصت بمنع هبة ومنى وإبراهيم من مغادرة غرفتيهما.ووهكذا، أنغلق كل باب على حكاية.
غرفة منى
فتح طه الباب ودخل بهدوء، فرفعت منى رأسها إليه بدهشة واستغراب.
منى بضجر: أخيرا جيت، ممكن بقى تفهمني؟ فيه إيه بالضبط بيحصل في القصر ده؟
تنهد طه وهو يخلع جاكيته ويجلس: طب أصبري بس أرتاح شوية، أنا من الصبح مارتحتش.
تناول كوبًا من الماء، واحتساه بسرعة، وما إن أنزله، عاجلته منى: خلاص شربت مية يلا، قلي!
طه بتنهيدة طويلة: هحكيلك بس اسمعيني كويس.
بدأ يسرد لها كل ماجرى منذ ليلة الأمس، من أسرار وانكشافات.
منى بعينين متسعتين: يا نهار أبيض كل ده حصل وأنا معرفش؟ طب هو عامل إيه دلوقتي؟ حالته خطيرة يعني؟
طه هز رأسه نافيًا: لا، الحمد لله عدى مرحلة الخطر. ماما معاه.
تبتسم له بإعجاب: بس تعرف إللي إنت عملته ده هو الصح، أخترت صح برافو عليك.
نظر لها طه بإندهاش: إيه ده؟ أنا بقولك بعت له ٣٪من أسهمي، وانتي بتقوليلي برافو؟ ده كل ما أملك في المجموعة!
منى قربت منه وابتسمت: كده كده راجعينلك يا روح قلبي ويمكن يكتروا كمان، سليم مستحيل ياكل حقك، هايرجعه لك. بس دلوقتي هو بيشوف مين معاه ومين ضده، أوعى تنسى الحادثة، الخيوط العنكبوت بدأت تقع، وشكلها قربت تتحل، إنت اخترت الصح، وأنا معاك جدًا، أكيد هو عامل كده في صافيناز ورشدي، والباشا والهانم، لكن أي حد وقف جنبه، مستحيل ينسى له ده، خلاص بقى هو الملك رسمي،وإحنا لازم نكون في ظل الملك.
طه مد شفتيه مندهشا: أنا كنت متوقع إنك هتعمليلي مشاكل كتير!
منى ضاحكة: بالعكس! إنت كده شاطر، لما سليم يعرف إنك كنت عارف بالحوار بتاع الحادثة، ساعتها هنكذب ونقول له ما كناش نعرف، وعرفنا بعدها، وكنا مهددين بولادنا، وبنحاول نقف جنبه، وبعدين..
تابعت بتهكم: إخواتك فعلاً كانوا هايقتلونا، أنا كنت غبية زمان لما افتكرت إن اختياري لصف صافيناز ورشدي هايكسبنا، اتاريني كنت بغرق نفسي! كنت فاكرة إنهم عبط طلعوا عقارب.
طه بحزن: أنا بحاول أكفر عن ذنوبي والصراحة مبسوط إللي حصل في صافيناز عقبال رشدي.
منى بإبتسامة تشفي: قريب أوي يا حبيبي بس خلينا واخدين بالنا، ممكن يأذونا.
طه: ماتيجي نمشي من القصر؟
منى رافضة بذكاء: نمشي؟ بالعكس! القصر هو الحماية هنا نفتح ودانا وعيونا، لازم نعرف كل حاجة.
طه بتحذير: طب أبقي خدي بالك، لأن الأيام الجاية كلها دمار خصوصًا لما سليم يرجع من ألمانيا.
منى متسائلة: هو رايح ليه أصلاً؟
نهض طه وهو يخلع قميصه ويتجه لغرفة الملابس قال: معرفش إنتي عارفة سليم، مابيقولش حاجة لحد.
ظلت منى في مكانها، تبتسم بثقة: شكلها قربت أوي وإحنا لازم نكسب سليم بأي تمن.
في غرفة هبة
أما عند ياسين، فلم يتغير الموقف كثيرًا، سوى أن هبة كانت على وشك الانفجار، خاصة بعد ما ياسين روى لها كل شيء.
هبة: طب ممكن نبعد شوية؟ أنا مش قادرة أتحمل الضغوطات دي.
ياسين بهدوء: سليم طلب مني منسبش القصر الفترة دي أصبري شوية.
هبة زفرت بضيق: أما نشوف آخرتها! طب وباباك؟ عامل إيه؟ وإزاي ماتبقاش معاه؟ مامتك لوحدها؟
ياسين متعجبا: أعملهم إيه يعني؟ هيبقى كويس.
هبة مستنكرة: بجد إنتوا ناس جاحدة.
سكت ياسين قليلًا، ثم قال: أنا عايز أنام تصبحي على خير.
نظرت له هبة دون رد
غرفة فريدة
بعد أن بدلت فريدة ملابسها، جلسا هي وإبراهيم يحتسيان العصير على الأريكة يتبادلان الحديث.
إبراهيم متعجباً: أنا ماكنتش فاهم أي حاجة، لما رجعت، طلبوا مني مخرجش من الأوضة، بس قلت أكيد فيه مصيبة،حتى كلمتك، قولتلي خليك زي ما إنت ولما أجي هرجعلك.
فريدة تحتسى القليل من العصير موضحة: ماكنتش عارفة أتكلم وقتها كنا في المستشفى.
إبراهيم متساءل: طب سليم ماقالكيش إن الوصية دي فيها إيه تاني؟
فريدة هزت راسها بإيجاب: آه، طبعًا قال لي احنا قلنا له اللي بيعمله ده غلط، وبيفتح عليه مجزرة.
فلاش باك، مكتب سليم في المجموعة
نرى فريدة، ياسين، وطه جالسين مع سليم في نفس يوم إعلان الخبر الوصية لكن في وقتٍ مبكر.
فريدة بصدمة: بس إنت كدة بتخلق مجزرة.
سليم بهدوء: حاجتكم راجعة لكم إنتم مش واثقين فيا؟ أنا مش هابص للـ٣٪ بتاعتكم.
ياسين بهدوء: يا سيدي إحنا مش بنقول مش واثقين بس إنت بتفتح على نفسك جبهات: صافيناز، ورشدي إنت عارفهم عاملين إزاي الباشا نفسه مش هيقبل ده.
تهند سليم قال مفسرا وهو يشبك يده في بعضهم:
إحنا هانكون مع بعض في ضهر بعض الجماعة أقوى من الفرد...
أضاف وهو يزم شفتيه بعدم ثقة بقلق:
أنا مش واثق فيهم، وموضوع الحباية مش داخل دماغي إن كل ده عشان كلمتها بطريقة ماعجبتهاش؟ أنا بس علشان مسافر ألمانيا لحاجة ضرورية مش عارف أجمع الخيوط محتاج أرجع وأنا دماغي صافية عشان أروقلهم، أنا عايزكم تقفوا جنبي، مش أكتر ماتقلقوش كل حاجة هترجع لكم، وعليها نسبتى في حالة قتلى او قتل مراتي من بعدي.
قاطعته فريدة بتوتر: بعد الشر عليك يا حبيبي ليه بتقول كده؟
سليم بجدية: أسمعي بس ده غير كل أملاكي هتروح لكم إنتم وأهل ماسة، طبعا لإني مش هنساهم، لإني متأكد لو حصل لي حاجة ماسة هاتحصلني مش هايسيبوها، وياسين هو إللي هياخد مكاني، أنا كتبت ده، لإن طه من زمان أعلن إنه مش عايز.
طه هو يشير بيده بإبتسامة: أبعدني أنا بحب مكاني!
تابع سليم بهدوء وهو يعيد ظهره للمقعد مفسرا: ولو اتربوا وبقوا كويسين، كل حاجة هاترجع زي ما كانت إحنا بس محتاجين الباشا ياخد مواقف حاسمة، مش مواقف مايعة ! لإنه مش قادر يصدق ولا يقتنع إن صافيناز ورشدي عندهم استعداد يقتلونا.
طه بتأييد: إنت عندك حق.
ياسين بإعتراض خفيف مصحوب بقلق: بس جزئية إنك تعملها للجمعية الخيرية دي وسعت منك أوي!
عقد سليم حاحبيه متعجبا: وإنت مالك؟
أسهمك راجعة لك، وعليها نسبة من بتاعتي، كل واحد فيكم هايزيد على نسبته ٨٪ وكسور يعني كل واحد فيكم هتبقى نسبته في المجموعة 11% وكسر بدل3%عارفين ده يعني إيه؟ هتكون أعلى من الهانم ذات نفسها
أضاف بتنبيه وتحذير: أنا مش عايزكم تبقوا خايفين عايزكم تردوا بقوة صدقوني لو حصل لي حاجة، والله العظيم هتحصلوني، إنتوا مش بتدافعوا عني، إنتوا بتدافعوا عن نفسكم وعن أولادكم!
ياسين بضيق: يا إبني بعد الشر عليك، بطل طريقتك دي فين الورق؟
سحب الورق من على مكتب قام بإلامضاءثم ألتفت لـ فريدة وطه وقعوا.
فريدة وهي تعطي الأوراق: حاجة تاني.
سليم وهو يمسك الأوراق: إنتم هاتروحوا دلوقتي وأنا جاي بعدكم وياريت تتفاجؤ
طه: ماشي يلا بينا.
خرج الجميع تبقي سليم وترتسم على شفتيه ابتسامة وهو يفر الأوراق
(بااااك)
إبراهيم وهو يزم شفتيه: عموماً إللي حصل هو الصح.
رغم إننا كده فتحنا على نفسنا حرب، وأنا مش عايز ده، بس الاستسلام؟ وإننا تعيش في حالنا وسط الضباع غباء، مش حل، هو عنده حق الدنيا خربانة، وكان لازم ندخل بتقلنا، ونبين إننا معاه، ونحمي عيالنا، لو فضلنا سلبيين هنموت ماينفعش نبقي فريسة، إحنا فهمناهم إننا أقوياء وإننا هنعرف ندافع.
فريدة نظرت له بقلق: بس هو ليه رايح ألمانيا في الوقت ده؟ وكل حاجة حوالينا بتولع
سكتت لحظة، ونظرت نحو النافذة: أنا قلبي مش مطمن يا إبراهيم مش مطمن خالص.
إبراهيم بهدوء: أكيد هعرف هو عرف إن الباشا تعب ؟!
فريدة هزت راسها بنفي: تؤ بكرة هقوله تليفونه وتليفون مكي مقفولين وطبعاً ماسة محدش بيعرف يوصلها.
إبراهيم: خير.
ألمانيا /الفندق
السويت الخاص بسليم.
نرى سليم قد صعد غرفته، وأخذ حمامه، ثم جلس في الشرفة المطلة على منظر طبيعي خلاب، أسند رأسه إلى ظهر الكرسي، وسحب نفسًا طويلًا كأنما يحاول طرد شيء ثقيل من صدره أخيرًا، أمسك بهاتفه وأتصل بياسين مكالمة فيديو
ظهر وجه ياسين بعد لحظات على الفيديو.
سليم بنبرة هادئة، لكن عينيه كانت تراقب ملامح ياسين بترقب: فيه إيه كل مكالمات دي؟
ياسين، وصوته مليئ بالقلق: إنت فين يا سليم؟ مابتردش ليه؟
سكت لحظة تابع: الباشا تعب جاتله جلطة، اتحجز في المستشفي.
تجمدت ملامح سليم، نهض من مكانه فجأة، ويده ترتعش وهي تمسك الهاتف.
سليم بصوت مرتجف: إنت بتقول إيه؟! هو كويس دلوقتي؟
ياسين بيزم شفتيه بأسف، يحرك رأسه ببطء: يعني. الدكتور قال لو عدى الـ ٢٤ساعة الجايين، إن شاء الله هيبقى كويس هو عدى مرحلة الخطر. قلبه ماستحملش الصدمة إللي عملتها.
سليم وهو يمرر يده على رأسه، يحاول استيعاب ماسمعه: إنت معاه دلوقتي؟
ياسين: لا، أنا روحت ماما معاه، بس الصبح هكون هناك.
سليم يصرخ بعصبية وهو يلوح بيده: أقفل، أقفل.
أغلق سليم الاتصال، وبدأ يركض في الغرفة كأنما يبحث عن مخرج. ثم أمسك بهاتفه وأتصل بمكي بسرعة: مكي إنت نايم طب فوووق كده! وأتصل بالمطار وأحجز لي أول طيارة راجعة مصر، أو حتى طيارة خاصة،الباشا تعب، جات له جلطة بسرعة!
ثم أتصل بفايزة.
في تلك اللحظة، كان عزت قد بدأ يستعيد وعيه، وفايزة تجلس بجانبه في الغرفة، تمسك يده وتراقب نبضه بأنامل مرتعشة.
فايزة وهي ممسكة بيده: حمد الله على سلامتك يا عزت.
عزت بصوت واهن وعينين نصف مفتوحتين: الله يسلمك، مافيش أخبار من سليم؟
فايزة تهز رأسها بضيق: لا، قافل تليفونه، مابيردش.
سكتت لحظة، ثم قالت بمرارة وهي تشد الشال فوق جسدها: إحنا عملنا إيه غلط يا عزت علشان ولادنا يبقوا كدة؟ كلهم فشلوا، ما كانش فيهم حد يصلح، إحنا اخترنا سليم بعد ماحاولنا ندور فيهم على حد يصلح، بس للأسف... هما خلونا نترجاه يرجع ينقذنا بعد ما فشلوا سنة كاملة! يعني إحنا ماكناش مفضلينه عنهم زي ما هما فاكرين.
عزت بنظرة خاوية وصوت متهدج: لإنهم فاشلين، والفاشل مابيحبش يشوف حد ناجح جنبه، هما عارفين إن إحنا ماكناش بنفضل سليم عنهم لكنهم كدبوا كدبة وصدقوها، إحنا كمان غلطنا، مازرعناش فيهم محبة لبعض، مزرعناش غير المنافسة كل واحد عايز يبقى الكبير حتى لو على حساب أخوه.
أضاف وهو يتنهد بتعب: أنا تعبان،مش قادر أتكلم.
فايزة: طب أرتاح.
بعد ثواني رن هاتف فايزة.
نظرت فايزة إلى الشاشة، ثم قالت بنبرة متوترة: ده سليم!
عزت يحاول الاعتدال بصعوبة: ردي عليه.
فتحت المكالمة ظهر وجه سليم، وعليه علامات القلق الشديد.
سليم بصوت مضطرب: بابا عامل إيه؟
فايزة، بنبرة لاذعة مليئة بالإتهام: إنت السبب في كل إللي حصل بتسأل ليه؟!
ذات من حدة في نظراتها أضافت: خليك متأكد إن ذنبه هيبقى في رقبتك لو جراله حاجة.
سليم يتنهد ويحرك عينيه بعيدًا: بلاش الكلام ده، طمنيني، بابا عامل إيه؟
فايزة، برفعة حاجب ونظرة ساخطة: ويهمك؟
سليم بهدوء حاسم، وقد مال برأسه قليلًا: من فضلك، طمنيني عليه وبلاش الكلام ده.
عزت يتدخل بصوت ضعيف: فايزة هاتي التليفون.
فايزة، بحدة، مازالت عيناها تلتهب بالغضب: لازم يحس بغلطه، إحنا طبطبنا عليه كتير، بس هو تمادى.
عزت وهو يرفع يده بتعب: هاتي يا فايزة، ماتتعبينيش.
أعطته الهاتف، وساعدته ليعتدل على السرير.
سليم بهدوء وحنان: ازيك يا باشا ان شاء الله تكون أحسن ألف سلامه عليك.
لكن فايزة لم تجعل أحد أن يتحدث هاجمت سليم بشدة وهي تقول: يا ترى بقى هتقول إيه يا أستاذ سليم على إللي عملته؟ أي كلام هتقوله غير مقبول، إنت لازم ترجع كل حاجة زي ما كانت، إنت فاهم؟
سليم بهدوء: باشا أنا عايز أتكلم معاك لوحدنا.
فايزة تدخلت بصوت حاد: هو إنت فاكر إن عزت ممكن يقبل بأي هبل من إللي إنت بتعمله؟ أو يقبل يتنازل عن جنيه واحد؟ تبقى مجنون.
سليم بصوت ثابت: بعد إذنك أنا عايز أتكلم معاك لوحدنا، عشان كده مش هاينفع.
رفع عزت عينه نحو فايزة: سيبيني أتكلم مع سليم.
فايزة زفرت بعنف:ما أنا عايزة أفهم، هيقول إيه بعد إللي عمله ده؟ بأي عين جاي يتكلم؟ باباك كان هيموت بسببك..
تابعت بلوم وحزن شديد: إنت تعمل كدة إنت ماتعرفش أنا كنت باثق فيك قد إيه بقول سليم استحالة يفكر يعمل حاجة زي كدة علشان كدة إديتك كل حاجة حتى فلوسي الخاصة ومشاريعي الخاصة كتبتها باسمك تعمل كده في الآخر ده جذاتي.
نظر سليم إليها لكن لم يرد. كان الصمت جوابه الوحيد.
عزت بصوت حاسم: خلاص بقى، من فضلك أطلعي.
أجابت فايزة بنبرة مكسورة: حاضر، هطلع، بس أنا عايزاك تبطل طيبة معاه.
خرجت فايزة وهي تشعر بالغضب، خطواتها تئن على الأرض الرخامية لكنها توقفت خلف الباب، تسترق السمع أمالت رأسها، تمنت أن تسمع شيئًا، لكن الصوت لم يصل إليها بسبب بعد المسافة وخفض صوتهم.
سليم بنظرة حزن وأسف: ألف سلامة عليك يا باشا. ماكنتش اتمنى أشوفك بالمنظر ده، ولا كنت عايز إللي حصل ده يحصل، بس إللي عملته كان لازم يتعمل من زمان.
نظر له عزت بصمت، فقط يستمع له.
تابع سليم يتنهد، يحاول كتم اضطرابه: أنا مش مبسوط خالص باللي حصلك، ولا يرضيني أشوفك في المستشفى كدة..
زفر بضيق اضاف بتهكم: بس الحقيقة؟ إنت ماعرفتش تربي ولادك، مافيش وسيلة نفعت لا تهديد، لا سحب مشاريع، لا كسر إيد، وكل يوم كانوا بيستوحشوا أكتر..
شد على كلماته وهو يضيف بتوضيح حاد: أنا ماعملتش كده علشان إللي صافيناز عملته بماسة وبس، أنا عملت كده علشان الغلط مايتكررش تأني، المرة دي اتجرأت وحطت حباية تخلي ماسة، أضحوكة قدام الناس، المرة الجاية؟ ممكن تبقى سم ليا، أو لمراتي أنا مش هستنى ده يحصل..
أضاف بحدة ممزوج بضجر بعين تلمع: يا باشا، إنت لازم تصدق إن ولادك، إللي للأسف إخواتي؟! ومن نفس الدم، عندهم استعداد يقتلوني علشان يوصلوا لأهدافهم، يوصلوا للعرش، وإنت مش شايف ده، أو مش مصدق، بس ده الواقع..
ضيق عينه قليلا وكأانه يحي ذكرى غابت منذ سنوات: إنت نسيت؟ إخواتك زمان حاولوا يعملوا فيك نفس إللي هما بيحاولوا يعملوه فيا؟! ولما عرفت بالمؤامرة، نفيتهم، ومنعت دخولهم البلد علشان تنقذ نفسك وتنقذ مراتك وأولادك، فحقننا للدماء أنا عملت كده..
شدد نبرته أكثر وهو يهز رأسه وهو يتابع بنبرة مستنكرة: أنا مش طماع، ولا هاخد شيء مش من حقي، أنا سبت كل ده قبل كده، وعندي استعداد أسيبه تاني، أنا بس عايز أعيش في سلام، وأحمي اللي بحبه.
نظر في عينه مباشرة وهو يشير بيديه بنبرة حاسمة: ماتقوليش أنا هضمنلك، أنا عن نفسي مش ضامنلك إنت حياتك، صدقني ولادك بالسوء ده؟ وأسوأ كمان، الفلوس جننتهم، عمتهم، وسودت قلوبهم أكتر ماكانت سودة.
عزت بتنهيدة مرهقة: بس إنت يرضيك إن والدك ووالدتك في آخر عمرهم، يبقوا مكسورين؟ مذلولين؟ إحنا تعبنا سنين علشان نعيش بكرامة ونأمن لكم ثروة بالحجم ده.
سليم بحزن حاسم: مايرضينيش أبدًا، لكن هل يرضيك تشوف أبنك مقتول؟؟ أنا لما كتبت الوصية، كتبتها حماية، وعشان أوقف نزيف الدم وأرجع أولادك لعقلهم.
صمت لحظة وهو يطلع على وجه عزت، ثم قال بنبرة أكثر حزمًا: عموماً، أنا نازال مصر بكرة، وهغير جزء من الوصية، حقك وحق الهانم راجعين زي ماهما، في حالة قتلي بدل الجمعيات..
شد صوته بعينين غامت بسواد بحسم: لكن لو السما انطبقت على الأرض، أقسملك، نصيب رشدي وصافيناز مش هيتغير، إلا لو رجعوا وتابوا، واتربوا من جديد غير كده؟ لا، أنا مش هتنازل أكتر من كده.
صمت للحظات وهو يمرر عينه عليه بنظرة صارمة فيها لمعة محبة: إللي خلاني أتنازل؟ منظرك، أنا مايهونش عليا أشوف أبويا في المستشفى، بالضعف ده..
ارتسمت ابتسامة حزينة على وجهه، وعين فيها دمعة: بقولك إيه يا بابا، ماتبص حواليك، ولادك إللي إنت زعلان عليهم، فين دلوقتي؟ كل واحد واخد مراته في حضنه ونايم بعيد عنك، ولا واحد منهم جنبك..
تحدث من بين أسنانه الضجر والرفض بعين دامعة:
ملعونة الملايين اللي تخلي الواحد وحيد في لحظة زي دي؟ في أكثر وقت لازم يكونوا ولادي جنبي، بس حضرتك إللي عملت كدة؟! اشتريت الملايين إنت والهانم وماعملتش حساب اللحظة دي، لكن أنا ...
ابتسم وهو ينظر بعيدا:
عملت حسابها عشان كده اتمسكت بماسة واتمسكت بالحب والأمان، بعيلتي الصغيرة، مش شوية ورق.
عزت، بعين مبللة وصوت مكسور: أنا عارف، لو كنت موجود، كنت الوحيد إللي هتفضل جنبي، وماكنتش هتسيبني، إخواتك طالعين زي عمامهم وعماتهم، إنت الوحيد إللي طالع شبهي، مترجعش خليك زي ما إنت، أنا مازعلتش على ولادي، أنا زعلت على شقي العمر وتعب السنين أنا مش عايز أتبهدل في آخر عمري، يا سليم.
سليم بحنية: وأنا بأكدلك، مايهونش عليا يا باشا، إنت برضه أبويا، هغير جزء منها إللي يخصك، بس ماتحاولش أكتر من كدة، ويا ريت يفضل ما بينا، لما تفوق، صلي ركعة شكر، أن فيه واحدة زي ماسة في حياتي، علشان أقسملك، لولاها، أكيد منظرك ده ماكانش هايهز مني شعرة، وإنت عارف أنا زمان كنت إيه؟!
نظر له وغمز بعينه: ألف سلامة عليك يا باشا، سلام.
أغلق سليم الخط وهو يمسح وجهه بيديه. أثناء ذلك دخل.
مكي بقلق: إيه يا سليم؟ فيه إيه؟
سليم رفع راسه وهو يضع الهاتف على الفراش تنهد: مافيش حاجة، الباشا تعب، دخل المستشفى.
مكي: أنا قلتلك مش هيستحمل دول ملايين يا ابني!
هتعمل إيه؟
سليم بهدوء: هغير شوية من بنود الوصية بس مش دلوقتي طبعا، شوية كدة لازم أخليه يقلق، هغير في الجزء الخاص بالباشا والهانم.
مكي هز رأسه نافيا: أقصد، هتنزل مصر؟ أنا اتكلمت، فيه طيارة بعد ٣ساعات.
سليم وهو يجلس: لأ، خلينا نكمل هنا،بكرة نبدأ في إللي جايين علشانه ده الأهم دلوقتي.
مكي: طب الباشا؟ عامل إيه؟
سليم: أحسن وهيكون أحسن.
في مصر.
أغلق عزت الهاتف وعيناه معلقتان بالفراغ، كلمات سليم أصابته كحقائق موجعة؛ بنى ثروة وإمبراطورية، لكنه فشل أن يجمع قلوب أولاده. يعلم أن موته لن يوحّدهم، بل سيكون شرارة انفجار لا مفر منه.
تنهد، ثم نادى بصوت خافت على فايزة، التي تقف بالخارج، حين استمعت لعزت دخلت وجلست على مقعد بجانبه.
فايزة: خير يا عزت، سليم قالك إيه؟ رجع عن إللي في دماغه؟
مد وجهه بلا فهو لا يريد أن يقول لها ماحدث بينه وبين سليم: معاند، خايف على نفسه وعلى مراته، شايف الدنيا كلها مؤامرات حواليه.
فايزة برفض واعتراض: مؤامرات إيه؟ وإنت فاكر إني هسمح لحد يأذي سليم لو بشعرة؟ أنا ادفنهم مكانهم، أنا كل هدفي كان ماسة، وبعدين مش أنا اللي رجعت سليم؟ ورجع أقوى من الأول؟
عزت تنهد بتعب: صح بس اولادك هدفهم رقبه سليم.
وكل حاجة كنا بنحافظ عليها بقت على المحك يا هانم أتمنى تكوني مبسوطة.
ابتعلت فايزة ريقها فلا تريد أن تعترف بأخطائها قالت بنبرة مهتزة: بص، خلينا نستنى شوية لحد مايهدى ويعقل، لأنه طول ما هو متعصب، رد فعله هيكون أخطر، وأنا متأكدة إنه هيرجعلنا كل حاجة، عايزاك تهدى كده وتبقى كويس، إحنا مانقدرش نعيش من غيرك، إحنا نضيع، صدقني، إنت وجودك مهم، وجودك إللي موقف كل واحد عند حده، أنا مش هقدر لوحدي.
عزت بإبتسامة جانبية: كويس إنك أخيرًا عرفتي إن وجودي هو إللي مخلي ولادك لسة واقفين عند حدهم، حتى لو شوية صغيرين.
فايزة وهي تمسك يده: أنا طول عمري عارفة إن وجودك هو الحماية هو العمود إللي مخلي العيلة دي متماسكة،ولولاك ولولا سليم كنا اتهدينا، علشان كدة أنا عايزة سليم هو إللي يبقى مكانك، سليم عادل حازم، ومش هيطمع ولا هيفكر يؤذي حد من أخواته بندالة، علشان كده أنا بحارب إن هو يبقى في مكانك.
عزت تنهد: عموما أنا حسيت من سليم إنه ممكن يرجع الحاجة هو بس غضبان من إخواته وإنت لازم تشدي عليهم شوية.
فايزة: حاضر بس رشدي، مابيعملش حاجة حقيقي هادي خالص الفترة دي، شكل المخدرات أكلت دماغه.
عزت بقلق: هو أنا مش بخاف غير من صافيناز بالأخص بسبب جوزها الداهية ده.
فايزة: ماتقلقش أنا هحط كل حاجة تحت الكنترول إحنا عايزين ندور ورا عماد أي حاجة ممكن نمسكها عليه
عزت هز راسه بإيجاب: أخرج بس من المستشفى ونشوف.
فيلا عائلة ماسة، الرابعة مساءً
غرفة السفرة
أفراد العائلة مجتمعين على الغداء.
مجاهد وهو يغمس لقمة العيش في صحن البامية ثم تناولها بتلذذ وهو يقول: تسلم إيدك يا سعدية، هي دي البامية من إللي يتكتب بيها شعر.
سعدية مبتسمة: ربنا يخليك يا أبو عمار.
سلوى بإبتسامة تأييد: بجد يا ماما البامية عسل، وماسة كانت بتحبها من إيدك جدًا.
سعدية بلهجة فيها شجن: هي فين بقى ماسة؟ ربنا يسترها عليها في المكان إللي هي فيه ويكرم يا رب الناس إللي قاعدة عندهم يحنن قلبهم عليها.
سكتت قليلا ثم قالت بإستهجان: أنا مش عارفة أعمل إيه والله؟! وبعدين مش ملاحظين إن الدنيا هادية؟ يعني بعد ما سليم عرف إن البت جت وشافتنا يا دوب جه رمي كلمتين وأختفى، أنا كنت متأكدة إن بعد موضوع ماسة هايبهدلنا.
عمار وهو يمضع الطعام: أنا توقعت كده برده، بس غريب فعلاً، الأهم إننا الحمد لله إننا أطمنا عليها، دي أهم حاجة ويمكن معملش حاجة عشان عارف إن إحنا كمان فعلا مانعرفش ويمكن مراقبنا.
يوسف بضيق: يعني إحنا هنفضل قاعدين مستنيين يوم ماسة تكلمنا فيه؟ ماينفعش كده! أنا قلقان عليها حتى لو هي كانت قاعدة عند ناس كويسة أحنا برضه مانعرفهمش
سلوى بتفكر بصوت عالي: ماسة مستحيل تكلمنا دلوقتي، أكيد عارفة إن سليم بيراقبنا.
سعدية بمرارة: كان مستخبيلك كل ده فين يا بنتي للهم لا اعتراض على حكمك الحمدلله.
مجاهد بصوت حزين: ربنا يحفظها ويسترها عليها، ويهديك يا سليم.
عمار بيغير الموضوع فجأة: بقولك إيه ياما؟ هو إحنا هنقبض الجمعية امتى؟
سلوى: آه صح، انا لازم أدفع القسط بتاع الجامعة الشهر الجاي.
سعدية: أول الاسبوع الجاي إن شاء الله، قسموا الاسم على بعض والاسم إللي بعديه بتاعك يا واد يا عمار قسمه عليك إنت وأختك ما إنتم داخلين بنفس المبلغ.
سلوى: الحمد لله إن الدكتور شغلني حتى لو بمرتب بسيط، أقدر أسدد مصاريف الجامعة.
مجاهد بتهكم: كان المفروض من الأول تدخلي جامعة حكومية زي إخواتك!
سلوى: مامجموعي ماجابش يا يابابغ، أعمل إيه؟ ودي الجامعة الوحيدة إللي قبلتني بعد ماسبت الجامعة إللى دخلها لي سليم وبعدين دي مصاريفها مش غاليه قوي هم ٣٥ألف بالسنة
مجاهد: كان بلاها تعليم كنتي دخلتلك معهد أل ٣٥ألف دول مش شوية يا بنتي.
سعدية بحكمه: يا أبو عمار العلام حلو إحنا دلوقتي محتاجين الشهادات عشان العيال تشتغل شغلانة حلوة وتجيب قرش، دي قايلة لي لو اتجدعنت وطلعت من الأوائل، الجامعة هاتديها تخفيض10٪.
مجاهد: ربنا يصلح حالها خلاص يا سعدية وأنا كمان شوفي لي جمعية كدة عشان أساعد في مصاريف البيت، إحنا مش عايزين ناخد من فلوس سليم حاجة خليها مركونة كدة على جنب ألاقي شغل أنا صحتي كويسة، بس أعمل ايه كل ما اشوف شغل مايرضيش بيا علشان راجل كبير هيعملوا بيا إيه؟!
سعدية تربت على كتفه: ولادك الخير والبركة بس إنت عايز الفلوس ليه يا عمار ما تسيب كل الفلوس لأختك وخد إنت اسمك.
سلوى ضحكت فيبدو أنها تعرف لماذا يريد نصف المبلغ نظرت سعدية علقت: شكلك عارفة يا بت عشان كده ماتكلمتيش ولا اتهزيتي؟! خير يا عمار
عمار بلهجة مترددة: لإني ناوي أتقدم لأمنية
مجاهد بيتصدم: إيه يا إبني؟! إختك مش معروف مكانها وإنت عايز تتجوز؟!
سعدية: كلامه صح، أستنى لما ماسة ترجع الأول ونطمن عليها.
عمار بهدوء: يا جماعة، أنا مش بقول أعمل فرح ولا شبكة، أنا بس عايز أروح أقول إن البنت دي من نصيبي، سنتين وأنا واقف مكاني! عايز أعرف أهلها إني داخل البيت من بابه، مش بلعب.
سعدية: بس هما عادي عندهم، مش بيحسبوها زينا.
عمار:أنا ماليش دعوة بيهم! أنا راجل، وعايز أقول الكلمة إللي تريحني.
سلوى بتأييد: أنا معاك يا عمار، ماسة الحمد لله بخير.
مجاهد بهدوء: خلاص يا عمار، لو شايف إنك جاهز، روح وخليهم يشوفونا بس لازم يعرفوا إحنا إيه، وعلى إيه.
عمار:ماتقلقش، يا يابا، أنا قايل لهم كل حاجة.
في أحد المراكز الطبية الثالثة مساء.
الكافيتريا
كانت ماسة واقفة خلف الكاونتر، ترتب الطلبات بتركيز، ترتدي زيًا رسميًا يتبع الكافيتريا، وغطت شعرها بالحجاب ووجهها بالنقاب، تاركة فقط عينيها ظاهرتين.
نعلم أنها تعمل هنا منذ فترة في أحداث قبل الفلاش بااك، داخل مركز طبي خاص، وهو نفس المكان الذي يعمل فيه مصطفى وترتدي النقاب لكي لا يتعرف عليها أحد.
أقترب منها مصطفى فجأة من خلف الكاونتر، ومال بجسده قليلًا وهو يقول بصوت منخفض:
مصطفى بمزاح: يا مساؤه.
ماسة رفعت عينيها، وابتسمت بخفة: مساء النور.
مصطفى نظر لساعته ثم سأل: بنت خالتي، خلصتي ولا لسه؟
ماسة هزت راسها بإيجاب: آه خلصت، بس مستنية مروة تيجي تستلم مني.
واثناء ذلك فجاه شردت ماسة قليلاً خلف مصطفى كان يبدو من ملامح عينيها أنها خائفه وهي تطلع خلفه
انتبه مصطفى نظر محل نظراتها ثم نظرلها: مالك؟!
ماسة بتوتر: الراجل اللى هناك ده شبه رشدي؟!
الفتت نحوه لكن الراجل اكتفي قال بهدوء: ايه هيجيب رشدي هنا ؟! رشدي ده، (أشار على رأسها) هنا وبس بطلي خوف
ماسة بنبرة مكتومه: هاهحاول، معرفش مروه اتاخرت كدة ليه؟!
في تلك اللحظة اقتربت مروة وهي تقول بمزاح: ومروة وصلت أزيك يا دكتور.
مصطفى بلطف: الحمدلله.
ماسة ابتسمت: حمد لله على السلامة يا رورو بقولك. عملت ٨٣٥جينه بالضبط؟! وبلغت مستر عزيز.
مروة: تمام.
ماسة نظرت لمصطفى: هروح أغير هدومي وارجعلك.
هز مصطفى رأسه بالإيجاب، ثم ألتفت إلى مروة: اعمليلي قهوة لو سمحتي خليها تيك واي.
دخلت ماسة في غرفة الموظفين لتبدل ملابسها، بينما جلس مصطفى يحتسي القهوة في هدوء، يراقب الممرات بنظرات عميقة.
بعد دقائق، خرجت ماسة إسدال اسود ونقاب.
ماسة: أنا خلصت يلا بينا.
نهض مصطفى: يلا.
بدءا بتحركا بجوار بعضهما في صمت حتى خرجا من المركز.
مصطفى تساءل: هتروحي؟
ماسة بإستغراب: هروح فين يعني أكيد البيت؟
مصطفى بإبتسامة خفيفة: تؤ تعالي نقعد على البحر شوية إنت مابتخرجيش خالص وحابسة نفسك يا بنتي خلاص ماحدش يعرفك باللي إنتي لابساه ده.
نظرت صوبه بخفة، ثم إلى البحر ، تنفست بعمق وقالت: تمام.
عدو معًا شارع السيارة، حتى الكورنيش وبدأ بتحرك
ماسة وهي تنظر للأفق: عارف؟ امبارح ماعرفتش أنام.
مصطفى متعجباً: ليه؟
ماسة بأسف: من خوفي عليكم.
توقفت فجأة، ووقفت في مواجهته قالت بتعجب: هو إنت إزاي سامحتني؟ وإزاي واقف معايا كده؟ وإنت عارف إن ممكن، سليم يأذيك؟!
مصطفى بهدوء: بس أنا مش حاسس إنه ممكن يعمل حاجة.
ماسة بسخرية: يا سلام.
مصطفى وهو ينظر بعيدًا بهدوء وعقلانية: بصي، أنا مش عارف أنا ليه بساعدك؟! بس جوايا حاجة، حاسس إنه واجبي وانسانيتى تحتم عليا اساعدك، وإن ربنا ماحطكيش قدامي كده صدفة، كان ممكن تركبي أي عربية غيري، بس ربنا اختارني أنا وحتى بعد ماسبتك يومها قدام الفندق اجتمعنا تاني بعد ثلاث ايام وبرضه بالصدفة؟! بالرغم إني مابروحش المكان ده وأنا سبق قلتلك الكلام ده أول ما تقابلنا.
ماسة بصوت منخفض: أنا عارفة، بس أنا كنت مرات ظابط وقتها ماكنتش حاكية كل التفاصيل يعني بعد إللي أنا حكيتهلكم، إزاي سامحت بسرعة؟! وليه بتساعدني إزاي ماخفتش.
مصطفى ضاحكًا: يعني جوزك ظابط أمن دولة، كان هيسمى عليا يعني لما يوصلك؟! أكيد كان عمللي تهمة تخابر أو أي حاجة، وأنا جاهز على التهمة دي مربي دقني
ضحكا معا بخفه ثم تابع بهدوء وعقلانية: أنا فكرت في الموضوع يا ماسة أكيد ماسبتهوش كده، وأنا بفكر قلت طب ما هي قالت إن جوزها ده شخص قاسي ومستبد، ممكن يلفقلي تهمة ويعمللي مشاكل كثيرة ليا ولأهلي، وقالت كمان إنه ملفق تهم لأهلها، ومع ذلك أنا ماخفتش وقفت جنبك؟!
إيه إللي ممكن يعملوا سليم الراوي اسماعيل ظابط أمن الدوله ده مايعملوش؟! أو أيا كان مين هو جوزك الحقيقي؟! إنتي الصراحة كنتي ذكية وإنتي بتختاري أسواء مثال علشان تفهمينى جوزك سيئ ومتجبر قد إيه؟! آها فيه ناس محترمة في الدخلية، بس إنتي فهمتينى أن جوزك من الظباط إللي ماعندهمش ضمير، ولما فكرت أكتر وأكتر بالأخص في الجملة إللي قولتيها إن أحيانا الواحد بيكذب عشان الحماية، لما ركزت أكتر اكتشفت إنك كنتي مخبية تفاصيل صعب تحكيها عشان كدة سامحت، لإن سليم أو اسماعيل الاتنين أسواء من بعض
تبسم وهو يضيف ابتسامة هادئة: أنا مش ندمان، ومش هندم أنا معاكي لحد ماتوصلي لبر الأمان، وزي ماطلبتي النجدة، أنا هوصلها.
نظرت له ماسة بإمتنان فالبرغم نقابها عينيها توضح كل شيء خلفه: أنا مش عارفة أشكرك إزاي؟! أنا لولاك معرفش مصيري كان هيكون إيه؟! دي أول مرة ليا أواجه المجتمع لوحدي، عارف أوقات بقعد أفكر أقول لو ربنا ماحطش مصطفى وأهله قدامي ساعتها كان هيحصل لي إيه ! أكيد كنت اتبهدلت، عشان كدة كل مصلي أشكر ربنا إنه حطك في طريقي،
أضافت بنبرة فيها خوف واهتزاز: بس بخاف بخاف ااذيكم، بس أنا والله بوعدك إن مافيش حاجة هتقرب منك، سليم يعني زي ماحكيتلك عليه فيه حاجات صعبة، بس أوعى تنسى معظم وقته قد إيه كان إنسان طيب وكويس أووى، والله وأتغير كتير علشاني، التغيرات بتاعته دي الوحشه ماحصلتش غير آخر سنة، وأنا متأكدة إني ليا عنده معزة كبيرة وإنه مش هيأذيكم لو أنا طلبت منه، خصوصا لو عرف إنكم حافظتم عليا، حقيقي يا مصطفى أنا مش عارفه أشكرك إزاي مش عارفة أشكرك على إللي عملته معايا ولا أشكرك إنك سامحتني بقلبك الطيب ده إللي مستحيل ألاقي زيك ولا أشكرك إنك بتفكر فيا، مش عارفة بس من قلبي بشكراً، جميلك ده بحياتي كلها.
تنهد مصطفى تبسم بهدوء: إيه بس الكلام الكبير ده، أنا مش عايز شكر، إحنا اخوات إنتي بالنسبة لي زي عائشة بالضبط، صدقيني أختي واقعة في مشكلة لازم أقف جنبها، بس دلوقت الأهم إحنا محتاجين نفكر، ماينفعش تفضلي هربانة كده طول عمرك وحياتك كلها خوف ومطاردات
ماسة تنهدت بتعب: هو إنت عندك حق، بس أعمل إيه؟ عندك حل؟!
مصطفى مد وجهه: نفكر.
ماسة تبسمت بتساؤل وفضول: إنت إمبارح قولتلي إني كنت غلطانة، إزاي يعني؟
مصطفى بعقلانية: غلطتك إنك استسلمتي كنتي ضعيفة، وسليم للأسف السبب في ده، قفل عليكي بزيادة عشان يحميكي بطريقته، زي ماقولتي عايز يحافظ على براءتك، على ألماظة غالية بروحه، واللي فهمته عن شخصيتك القديم الصراحة عنده حق لازم يحميكي، ويخبيكي بين رموش عينه كمان، بس كان لازم يعلمك، غلطته إنه ماعلمكيش تعتمدي على نفسك، ولا حتى ترفضي أو تقولي لأ."وتعرفي تواجهي ناس زي صافيناز وفايزة والناس دي، اعتمد أنه جنبك وبيحميكي، إنتي لو كنتي بشخصية أقوى يا ماسة كنتي هتعرفي إزاي تتعاملي في المواقف إللي اتحطيتي فيها، بس للأسف إنتي كنتي خايفة وهم لعبوا على خوفك، خوفك من سليم وعائلته هو سبب دمارك.
ماسة هزت راسها بحزن: أنا حياتي مع سليم باظت
لما هما بداؤ يهددوني، وحاولوا يقتلوا بابا، قبل كده؟ حياتنا كانت جميلة أووى فوق ماتتصور، حتى لو كنت في الفترة الاخيرة مذبذبة ومضغوطة، وفكرت إننا نبعد عن بعض شوية، بس ده لإنه كان عصبي وأنا كنت تعبانة ماكنتش قادرة أستوعبه، كان ساعات بيهددني، اخترت البعد المؤقت، عشان نرتاح نهدى، مش نفترق، لكن هو مافهمش ده لإنه بيحبني أووى، صدقني، يوم مافكرت أمشي تراجعت! برغم إني خلاص كان فاضل لحظة، لكني تراجعت علشان بحبه، ماقدرتش أتصور أكون سبب في وجع سليم، ولما رجعت، عشنا يوم حلو أوي سوا واتعاهدنا نبدأ من جديد سكتت لحظة ثم أكملت بعين دامعة: تاني يوم، شفته بيقتل الراجل إللي اخد المزاد، وبعدها رشدي هددني ومن ساعتها وأنا بتدمر وهو كمان بدأ يدمرني زييهم بالضبط نظرت له بعينين دامعتين: قولي برضه مش عارف أغلطه؟ زي ما مامتك قالت وأديله فرصة
هز مصطفى رأسه بحسم: لا، ماينفعش تدي له فرصة، حتى لو لسة بتحبيه، لازم تبعدوا عن بعض لفترة، سليم لازم يتغير، وإنتي كمان محتاجة تتعالجي نفسيًا، أنا ضد فكرة إن راجل يهدد مراته، استحالة أتقبلها أو إنه يستخدم سلطته عليها كزوج، الراجل المحترم يحترم نفسه ويبعد حتى لو بيحب، يعني هو ممكن مثلا يبرر لنفسه إللي بيعمله ده لإنك هربتي وإن أهلك جم بياخدوكي غصب عنه، بس برضه ماينفعش أنا لو حسيت إن مراتي مش عايزني، لازم أحترم نفسي وأحفظ كرامتي، لازم أنا كمان مأعوزهاش أرميها وأدوس عليها حتى لو بعشقها، فهماني علشان كده أنا مش متقبل أي حاجة هو عاملها ماعندوش سبب، مجروح بقى أو مكسور الراجل بيطلق مش بيهدد ده شغل ناس مريضة.
ماسة بدفاع تلقائي: بس هو كان بيقولي متمسك بيا علشان عارف إني بحبه بس زعلانه.
مصطفى بعقلانية: ده يخليني أرفض أكتر أفعاله إللي بيحب يا ماسة مش بيأذي، صدقيني مهما حصل أنا راجل أهو لو أنا مكان سليم كنت سبتك، كفاية إنك هتكوني سعيدة حتى لو بعيدة، سعادتك هي هدفي
لكن أهددك بأهلك استغل ضعفك أمال سبت إيه لأعداءك
ماسة بحزن ووجع: هو ده إللى زعلنى منه والله.
تنهدت ماسة وهي تشير إلى حجر ضخم على جانب الطريق: ماتيجي نقعد هنا شوية؟
مصطفى هز بإيجاب: يلا.
جلسا على الصخور، والبحر أمامهما يلمع بضوء الشمس الخافت.
مصطفى متساءل: ماحاولتيش تكلمي أهلك تاني؟
ماسة هزت راسها بلا: هخاف طبعًا أكيد بيراقبهم سألت إيهاب في مرة، قاللي الطريقة الوحيدة نكلمهم من أرقام متهكرة.
مصطفى مد وجهه بإيجاب: ودي محتاجة إيهاب، بس هو مش طايقك دلوقتي.
ماسة بخجل: أنا متضايقة إني ممكن أسببلكم مشكلة مع بعض.
مصطفى بتوضيح: إنا اتكلمت معاه هو متقبل وجودك بس زعلان منك شوية هيسامح، ماتقلقيش.
صمت للحظة قال بتفكير :دلوقتي سليم مسافر، دي فرصة نهدى ونفكر نشوف حل تكلمي أهلك وحل إنك تتخلص من سليم وتطلقي
ماسة بفضول: مسافر؟ فين؟
مصطفى بعدم معرفة:معرفش، بس تقريبًا سافر إمبارح أو النهاردة.
ماسة تبسمت: تعرف؟ لو كنت روحت مع سليم عند الدكتور إللي هو إنت بقى، كنا هانتقابل، ده لو كان اليوم إللي بعد الحفلة عدى بسلام وجتلك.
مصطفى ضحك: وده دليل إن ربنا كان هايجمعنا بأي شكل، وإني مش موجود في حياتك صدفة، يعني وراكي وراكي يا سنووايت الهاربة
ماسة تضحك بخفة: عندك حق.
💞______________بقلمي_ليلةعادل
منزل ندى الرابعة مساءً
كانت ندى تجلس إلى جوار والدتها، مشيرة، أمام التلفاز، يتابعان معًا أحد المسلسلات العربية، حتى قطع ذلك صوت جرس الباب.
نهضت ندى بسرعة:خليكي إنتي يا ماما، أنا هقوم أفتحه.
ارتدت طرحتها بسرعة، وعدلتها على شعرها وهي تتجه نحو الباب فتحت، وكانت المفاجأة.
والدها، فتحي، واقف أمامها وهو يحمل حقيبة سفره.
لقد عاد من قطر.
ارتسمت الفرحة على وجه ندى: بابااا!
اندفعت نحوه وحضنته بشوق: وحشتني أوي، إيه المفاجأة الحلوة دي؟
من داخل الغرفة، نادت مشيرة وهي لا ترى من الزائر:
مين يا ندى؟
ندى بحماس: بابا يا ماما!
دخل فتحي إلى البيت، فقامت مشيرة بسرعة من مكانها، وعانقته قائلة: حمد الله على السلامة، يا فتحي إيه المفاجأة دي؟ كان لسة شوية على الأجازة.
ابتسم فتحي: قلت أجي أشوفكم كده فجأة أشوف عاملين إيه، وأشوف ندى، خصوصًا بعد الكلام إللي سمعته من عمها عبد الرحيم، وخالها زعلانين أوي
سكتت ندى عندما سمعت الجملة الأخيرة، نظرت إليه بإرتباك، لكنها لم ترد.
حاولت مشيرة أن تخفف الأجواء: أستريح يا فتحي والله وحشتنا.
ثم أشارت إلى ندى: ندى، قومي يا بنتي حضري أكل حلو لأبوكي
ندى، وهي تحاول إخفاء توترها: بس كده؟ هعملك أحلى أكل يا بابا
جلس فتحي على الأريكة متنهّدًا.
مشيرة بصوت هادئ لكنه كان مقصودًا تمامًا: الحمد لله إنك جيت، جيت في الوقت المناسب.
فتحي بنبرة حزينة: أنا جاي علشانها، عبد الرحيم كلمني وقاللي إن البت مش طبيعية، لازم نلاقي لها حل؟؟
مشيرة بإحباط: مابتسمعش الكلام، متعلقة بالواد ومش قادرة تبلع إنه طلقها وعندها أمل إنه يرجعها.
حاول فتحي تهدئة الموقف: استني، أريح شوية، وبعد كده، هتكلم معاها.
في المطبخ
كانت ندى تحاول أن تلهي نفسها بتحضير الطعام.
أخرجت مكونات من الثلاجة، وبدأت في غسل الخضروات، والتوتر واضح على ملامحها وهي تنظفها، كانت تهمس لنفسها: يعني لازم تيجي دلوقتي يا بابا؟! كل خططي هاتبوظ, بس يمكن يمكن تساعدني يمكن تكلم مصطفى، يمكن تخليه يرجعني هشوف.
وبالفعل قامت ندى بإتمام إعداد الغداء، وتناولوا الطعام معًا في أجواء عائلية هادئة، ولم يتحدث فتحي معها في أي شيء، كانت ندى تحاول أن تتجنب الدخول في أي حديث، بعد وقت قصير، طلب منها فتحي أن يجلسا في البلكونة لإحتساء الشاي والتحدث قليلًا، الأمر الذي تسبب في توتر الأجواء.
الشرفة
كانت ندى تجلس إلى امام والدها في الشرفة، يتبادلان الأحاديث.
فتحي وهو ينظر إليها مطولًا: إيه بقى يا ست ندى؟ إيه إللي إنتي عاملاه ده؟ فهميني؟!
ندى مدعية الجهل: عاملة إيه يا بابا؟
فتحي وهو يميل بجسده للأمام: إللي إنتي عاملاه مع مصطفى يا بنتي طلقك خلاص فوقي.
ندى وقد أحمر وجهها: هو عيب يعني يا بابا إني أبقى عايزة جوزي يرجعلي تاني؟
أجاب فتحي بهدوء ممزوج بالعتاب: آه يا ندى، عيب، لما جوزك مايبقاش عايزك، وقالها لك أكتر من مرة: أنا مش عايزك يبقى خلاص وبعدين ده مش جوزك.، ده طليقك يا بنتي خلاص، سابك، عارفة لو كنتي لسة على ذمته وبتحاولي، كنت قلت ماشي، مع إني حتى وقتها لازم يبقى فيه حدود حاجة ماتقلش من كرامتك.
سكت لحظة، ثم قال بنبرة صارمة: لكن إللي إنتي بتعمليه دلوقتي، مافيش فيه كرامة، إنتي بتقللي من نفسك.
ندى بصوت فيه رجاء: يا بابا هو طلقني في وقت غضب، طلقني وهو زعلان مني، عشان أنا غلطت، بس هو بيحبني زي ما أنا كمان بحبه، فلازم أفهمه إني اتغيرت، لازم يعرف إنّي لسة بحبه ومتمسكة بيه، لكن لو أنا كبرت دماغي وعملت كأن مفيش حاجة حصلت، هيفتكر إني مش عايزاه، وإني ماصدقت إنه بعد.
رفع فتحي حاجبيه: ماشي يا ندى أنا معاكي، وحاولتي حاولتي قد إيه؟ سنة؟ خلاص يا بنتي، هو مش عايزك خلي عندك كرامة.
ثم أكمل وهو يضغط على كلماته بحسم: لازم تفهمي إني مستحيل أقبل إنك تكملي بالطريقة دي، ولو وصل الأمر إنك ماتخرجيش من باب البيت ده، أنا هعملها، وأوعي تفتكري إن إجازتي قصيرة، إجازتي طويلة، وعندي استعداد أخليها أبدية، لو مارجعتيش عن إللي إنتي فيه.
سكتت ندى للحظة، ثم قالت بهدوء: طب، ممكن أطلب منك طلب؟
فتحي زفر بضيق: إللي هو إيه؟
ندى بتردد: تكلم مصطفى.
ضحك فتحي بسخرية، وهز رأسه: أكلمه علشان يرجعك؟ لو إنتي مستعدة تقللي من نفسك، أنا مستحيل أقلل لا منك، ولا من نفسي، مصطفى راجل محترم، أنا عارفه، وعارف إنه هيقابلني بأدب، وهيقولي حاضر، بس في الآخر، هيقوللي: يا عمي، آسف جدًا، مش هينفع كل شيء قسمة ونصيب، هو قالها لي قبل كده، وقالها لخالك، وقبلها لعمك، ولأمك، وأتصل بيا شخصيًا وقالها لي، عايزة أكتر من كدة إيه؟ كفاية ذل، أوديكي مستشفى تتعالجي من العبط ده.
ندى بصوت مكسور: يا بابا إنت ليه بتهزقني كده؟
رد بسرعة: ماهو إنتي إللي بتقولي كلام يفور الدم!
في تلك اللحظة، دخلت مشيرة على أصواتهم المرتفعة:صوتكم جايب آخر الشارع بالراحة.
فتحى توقف بإستهجان: هي بنتك دي ينفع معاها براحة.
مشيرة،: شفت بقى؟ ده إللي أنا عايشاه، إنت ماكنتش مصدق!
تنهد فتحي، ونظر إلى ندى بخيبة: خسارة يا ندى، أنا مش مصدق إنّك بقيتي كده.
ندى بصوت يائس: أنا بحبه يا بابا بحبه ومش قادرة أنساه.
رد عليها دون أن يلين: أسمعي إنتي هتنسيه، واحد مش عايزك، خلاص بقى، وزي ما قلتلك، لو مابطلتيش إللي بتعمليه ده، وبطلتي تحاولي تكلميه، وسمعت إنك لسة بتحاولي توصلي له،أنا مش هسمحلك تطلعي من باب الشقة دي.
منزل سارة الخامسة مساء
في الريسبشن، جلس عماد على الأريكة، مائلًا برأسه إلى الخلف، وعيناه غارقتان في الفراغ، ملامحه كانت مشدودة، وصدره يعلو ويهبط بغضب مكبوت، كل شيء ضاع، الأسهم، راحت الفلوس تبخرت، وصافيناز، التي تحملها عشر سنين على أمل الاستيلاء على كل شيء، الآن بلا قيمة أما سليم؟ فقد أنتصر.
كانت سارة تتحرك ذهابًا وإيابًا أمامه، خطواتها غاضبة كأنها تدوس على جمر مشتعل، وجهها محتقن، وصوت كعبها يضرب أرضية الرخام بقوة.
ألتفتت إليه، وعيناها تلمعان بالغضب الممزوج بالخذلان: يعني خلاص؟ خلصت كده؟ أنا خسرت عشر سنين من عمري! عشتهم في الضلمة وهي في النور، وأنا ساكتة، وفي الآخر؟ نطلع من المولد بلا حمص؟!
ظلّ عماد صامتًا، وعيناه مغروستان في الأرض وسارة تابعت، كأن شرارة فكرة اشتعلت في ذهنها فجأة توقفت وهي تنظر له: أنا مش هقبل بالهزيمة، بعد كل ده؟، مافيش غير فكرة واحدة، واحدة بس.
رفع عماد عينيه نحوها بإستغراب: إللي هي إيه بقى؟
اقتربت منه، ووجهها صار أقرب لنصل سكين: تقنع صافيناز تبيعلك كل أملاكها.
قفز عماد واقفًا توقف أمامها بنبرة لاذعة: إنتي مجنونة؟! ولا غبية؟! سليم سحب منها كل حاجة! حتى التلاتة في المية بتوع المجموعة راحوا خلاص مافيش غير شوية مشاريع بسيطة ومشروعها ده! والفلوس إللى في البنك عزت هياخدهم هما كمان
هزت سارة رأسها بثقة قال بفخيح افاعي: أنا عارفة بس عزت لسة ماسحبش رسمي كل ده مجرد كلام تهديدات! وهو دلوقتي نايم في المستشفى، غايب عن الدنيا، وهي مرعوبة، إحنا لازم نستغل ده دلوقتي، مش بكرة.
اقتربت منه أكثر، وبصوت بغيض غلفته بحنانٍ زائف: أسمع، تروح حالًا، تقنعها تتنازل لك عن كل حاجة باسمك، أو باسم الأولاد لو خايفة تنصب عليها العقارات، الشركات، حتى مشروعها، ده بيجيب ملايين يا عماد! والمشاريع إللي دخلت فيها من ورا عزت؟ قل لها تبعها لك، عشان الباشا ورجالته ممكن يروحوا يسحبوا النسب في ثانية ده الملك، يا حبيبي، بمكالمة تليفون يشيلك ويحطك.
سكتت لحظة، ونظرت إليه ببطء: ومجوهراتها كمان عايزة أشوفها بتتسحب منها قطعة قطعة صافيناز لازم ماتملكش غير هدومها زي ماسليم عمل.
ابتلع عماد ريقه، وعيناه تهربان منها ثم تعودان:
وتفتكري هتوافق؟
قالت بنبرة قاطعة: هتوافق، لو دخلت عليها صح، قول لها إن ده الحل الوحيد، علشان تمنع سليم والباشا من السيطرة، الحاجة لما تبقى باسمك، محدش يقدر يقربلها ولو مش واثقة فيك، تبقى باسم الأولاد، وإنت الواصي، فهمها، إن الوقت مش في صالحنا صافيناز دلوقتي ضعيفة، مستوية! أضرب على الحديد وهو قايد نار هتكسب صدقني صاحبتي وأنا عارفاها!
ضرب عماد كفه بكفه بغضب، وعيناه تلمعان بحرقة:
بس المجموعة راحت،المجموعة إللي أنا عملت علشانها كل حاجة، دخلت في حروب، وتحالفت مع المافيا علشانها! وفي الآخر راحت! العرش راح حلمي راح
ردت ببرود قاتل: الجبل كله يروح ولا جزء منه؟
حتى لو الجزء ده كان كبير! وبعدين، مين قالك كله راح؟ مايمكن يرجع تاني! هو عزت ولا رشدي هيسيبوا سليم بسهولة؟ ولا حتى فايزة؟ ده لسة الحرب في بدايتها، ولسة فيه كتير هيقع، أسمع مني خلينا ناخد دلوقتي إللي مع صافيناز أما الباقي ده نفكر فيه صح أوعى تنسى إن إريك مهددك.
نظر إليها عماد، وسكت كأن الغليان داخله بدأ يهدأ، لكن بعينين تخططان: فعلًا لازم أعمل كده فلوس صافيناز في البنوك ومجوهراتها، حتى مشروعها كل حاجة لسه على اسمها ودول ملايين
توقف، ونظر أمامه بنظرة باردة،كأنها بداية انتقام جديد.
سارة اقتربت توقفت خلفه وضعت يديها على كتفه من الخلف: المهم إنت هتروح بكرة وتقول لها إن إنت ماقدرتش تسيبها لوحدها في ظروفها دي إنت لازم تثبت حبك ليها، هو ده الوقت إللي الزوجة تعرف فيه جوزها حبيبها إللي بيحبها، ومين إللي بيمثل قولها إن إنت خلصت شغلك مع والدك بسرعة وجيت لها،
عماد تنهد: ماشي هعمل كده أنا هكلم بابا عشان أظبط معاه هو وماما، وأخلص شوية شغل، يا ريت بقى تحضري الغداء لإني جعان وعايز أكل من إيدك النهاردة
سارة بإبتسامة بس كده عيوني.
وبالفعل، بدأت سارة في تحضير الطعام، بينما كان عماد يجري بعض المكالمات. تناولا الطعام معًا، ثم توجه عماد إلى المكتب، في حين ذهبت سارة إلى غرفة النوم.
(بعد قليل )
غرفة النوم
دخلت سارة الغرفة، بخطوات ثابتة، توجهت إلى خزانة الملابس، فتحتها ببطء ثم حركت جانبها الأيسر لتكشف عن خزنة صغيرة مخفية، أدخلت الرقم السري دون تردد، وما إن انفتح الباب حتى مدت يدها وسحبت مجموعة من الأوراق.
جلست على الفراش، وأخذت تقلب الأوراق المكتوبة باللغة الإنجليزية بعينين حادتين ابتسمت، وغمغمت بصوت خافت فيه شيء من التحدي: شكلنا هنلعب قريب
فلاش بااااك.
قصر الراوي
الحديقة الخامسة مساءً
كانت سارة تجلس على المقعد الخشبي بجوار صافيناز، بينما يلعب الأطفال في الحديقة أمامهما وسط ضحكات بريئة، الجو هادئ، والنسيم يحرك أطراف الأشجار بلطف.
سارة وهي تنظر لأبناء صافيناز: ما شاء الله ولادك كبروا خالص! برده مصرة ماتجيبيش بيبي تاني؟
صافيناز تضحك: لا يا ستي، أنا كدة مرتاحة.
سارة بإبتسامة ماكرة: أنا مسافرة أمريكا، يمكن الأسبوع الجاي أو إللي بعده، ما تيجي معايا؟ عايزة أحضر أسبوع الموضة هناك.
صافيناز: لا لا، مش هينفع دلوقتي خالص.
سارة تغير نبرتها: بقولك إيه، الدكتور إللي كنتي بتابعي معاه في أمريكا، كويس؟
صافيناز بدهشة: يا نهار أبيض إنتي حامل؟!
سارة وهي تضحك: هحمل منين بس؟! لا، تعبانة شوية وعايزة أعمل شوية تحاليل وأتابع هناك.
صافيناز: آه آه، ده دكتور ممتاز، هبعتلك اسمه واسم المستشفى، نفس المكان إللي أنا ولدت فيه.
سارة بإبتسامة خبث: فعلاً؟ طب حلو ده، شكراً يا صافي.
وأخذا يتبادلون الأحاديث لوقت ثم تنهض سارة وتستعد للمغادرة، وبينما تمر بجانب الأطفال، تنحني لتقبل أحدهم وتربت على رأسه بقوة.
الطفلة بالم: أه يا طنط! وجعتيني!
سارة تضحك:أنا عملتلك إيه؟ بسلم عليكي بس! بنتك ممثلة زيك يا صافيناز.
صافيناز بنظرة حادة: مريم! يووك، طنط بتسلم عليكي.
تبتعد سارة قليلًا، ثم تخرج منديلاً ورقيًا وتلف فيه بعض خصلات الشعر التي علقت بيدها، تدسه في حقيبتها وتغادر.
عيادة الطبيب، بعد أسبوعين
جلست سارة أمام الطبيب، تتابع نظراته وهو يطالع ورقة التحاليل.
الطبيب: النتيجة واضحة، مش ولاده.
عقدت حاجبيها، ثم ابتسمت شعرت بإنتصار داخلي.
منزل سارة
غرفة النوم، مساء اليوم نفسه
كانت سارة ترقص بخفة وهي ترتدي جلابية بلدي، تتحرك بين أرجاء الغرفة بابتسامة لا تغادر وجهها كان عماد يجلس على طرف الفراش، يرتدي روب منزلي مفتوح، يتابعها بنظرات عاشقة، وعينين يملؤهما الشوق اقترب منها يشاركها الرقص، يحتضنها ويغمرها بشوق يشبه الجوع بنظرات مستثارة.
سارة تضحك وهي تبتعد: أستنى بقى.
عماد بحاول تقبيلها: أستنى إيه؟ وحشتيني!
سارة: أنا عايزة أسافر أمريكا.
عماد يتفاجأ: أمريكا؟ ليه؟
سارة بدلال أحاطت بذراعيها حول رقبته: فيه أسبوع الموضة هناك، هسافر أسبوع واحد بس، وأسيب الأولاد عند ماما.
عماد بعد تردد: طيب.
تبسمت سارة بدلال وهي تداعب أنفها بأنفه: بموت فيك يا عمدتي
امريكا/ مستشفى خاص العاشرة صباحا
دخلت سارة بهدوء إلى بهو المستشفى الواسع وقفت أمام مكتب الاستعلامات، ثم اقتربت من إحدى الموظفات الجالسات خلف الزجاج،كان مظهر سارة مختلفًا تمامًا: باروكة شقراء، عدسات لاصقة ملونة، حسنة بارزة على خدها، ونظارة ذات إطار سميك، مدت بطاقة تعريفها بصفتها معالجة نفسية، وابتسمت بخفة.
الجدير بذكر أنها خريجة علم النفس من جامعة الأمريكية بالقاهرة رغم انها لا تعمل في هذا المجال لكنها احتفظت بالبطاقة القديمة، ويبدو أنها كانت تعرف جيدًا متى وأين تستخدمها.
سارة بنبرة مهذبة بالإنجليزية: أود الاستعلام عن حالة مريضة كانت هنا منذ نحو ٧سنوات، اسمها: صافيناز الراوي كانت قد أنجبت في هذا المستشفى، أنا طبيبتها النفسية، وأرغب في الإطلاع على ملفها الطبي، إن أمكن.
تصفحت الموظفة شاشة الحاسوب، ثم رفعت نظرها في استغراب: عذرًا، لا يوجد أي سجل لدينا بهذا الاسم.
سارة بذهول: كيف ذلك؟ مستحيل أنا واثقة أنها أنجبت هنا تحديدًا هل تتخلصون من الملفات القديمة؟
الموظفة: لا، نحن لا نتخلص من الملفات الطبية إلا بعد مرور خمسة وعشرين عامًا.
سارة: إذن أبحثي باسم آخر. جربي: صافيناز عماد زيدان أو ربما باسم الطفلين: مريم وزين توأم وأن الأم تحمل الجنسية التركية والأمريكية أيضا الأب أيضا مصري.
الموظفة: حسنًا، سأحاول مجددًا.
ذهبت الموظفة إلى غرفة الأرشيف. دقائق مرت قبل أن تعود تحمل بين يديها ملفًا.
الموظفة بهدوء: وجدت هذا السجل باسم صافيناز عماد زيدان.
تناولت سارة الملف سريعًا، وقلبت صفحاته بعينين متسارعتين كلمات مزوّرة توحي بالمثالية، لكن شعورًا غامضًا بداخلها أخبرها أن شيئًا غير مطمئن يختبئ خلفها.
سارة بهمس لنفسها: لا هناك شيء غير صحيح.
صمتت للحظات بتفكير ثم رفعت رأسها بتساؤل: هل الدكتور إدوارد، الطبيب المتابع لحالتها، لا يزال يعمل هنا؟
الموظفة: نعم، بالطبع بإمكانك مقابلته إن رغبتي.
بعد دقائق، مكتب الطبيب إدوارد
دخلت سارة إلى المكتب جلس إدوارد خلف مكتبه الأنيق، يرمقها بإبتسامة متحفظة
سارة بنبرة مباشرة: حضرتك كنت الطبيب المعالج لصافيناز الراوي، أليس كذلك؟
إدوارد مرتبكًا: صافيناز، الاسم غير مألوف.
سارة بحدة وهدوء: أرجوك لا تدعي النسيان أنا واثقة إنك كنت تتابع حالتها صافيناز الراوي لا يوجد غيرها في ذلك الكوكب، عشرة آلاف دولار، هل ينعش ذلك ذاكرتك؟
إدوارد: عذرًا؟!
سارة تفتح حقيبتها وتخرج رزمة نقود: خمسون ألف دولار، فقط أخبرني بالحقيقة، لا تخبرني بما هو مسجل في السجلات، لأنني واثقة أنه ليس حقيقيًا، أنا متأكدة أن الطفلين ليسا طفليها، وأن شيئًا ما تم تزويره، وصدقني، إن لم تتكلم، لدي ما يكفي لفضحك، فيديو صغير فقط، ينهي عملك هنا وفي أي مشفى آخر، وأعتقد هذا لا يرضيك، أنا أريد معلومة واحده فقط، لا أكثر وسأخرج من هنا وكأننا لم نلتقي من قبل.
إدوارد ينظر إليها مترددًا، ثم يتنهد: السيدة صافيناز الراوي، بالطبع أعرفها، كانت حالتها خطيرة جدًا أثناء الولادة، حدث معاها نزيف حاد والطفلان توفيا فور الولادة وقد تم استئصال رحمها بالكامل.
نهض واتجه إلى خزنة صغيرة خلف المكتب فتحها وأخرج ملفًا مختلفًا عن السابق، ناوله لها
سارة تتناول الملف، تتصفحه، ثم تضحك بسخرية: كنت أعلم أن هناك ملفًا مخفيًا، فعلت هذا كثيرًا، أليس كذلك؟
إدوارد بخضوع:ما بيني وبين السيدة صافيناز قد أنتهى، طلبت مني أن أدون في التقرير أنها أنجبت توأمًا، وأن حالتها كانت مستقرة، وأعطتني خمسون ألف دولار مقابل ذلك.
سارة بإبتسامة ذات مغزى: حسنًا، وأنا لا أحتاج إلى أكثر مما سمعته، دكتور إدوارد شكرًا لك، لقد كنت مفيدًا جدًا.
أبتلع إدوارد ريقه يترقب: ألن تخبريني ما الذي تملكينه ضدي؟ ما هذا الفيديو؟
ضيقت سارة عينيها بإبتسامة هادئة وهي تنهض: أي فيديو؟ أنا لا أملك شيئًا ضدك، هذه أول مرة أراك فيها، كنت فقط أُجيد اللعب بالكلمات لكي أوقع بك فقط كانت كذبة نافعة باااااي.
تغادر سارة، وتغلق الباب خلفها بينما ظل الطبيب جالسًا، يتصبّب عرقًا
خرجت سارة من المبنى، وصعدت إلى السيارة، وهي تفكر وتشعر بالرضا.
لقد أصبحت تملك الكثير من المعلومات، لكن معلومة واحدة ما تزال تنقصها: من أين جاءت بتلك الأطفال؟ وكان لا بد لها من الذهاب إلى مكان آخر، للبحث عن الجواب.
مكتب تسجيل الولادات، الثانية عشر ظهراً
دخلت سارة إلى مبنى حكومي صغير، تتدلى فوق بابه لافتة قديمة كتب عليها:
"سجلات المواليد Vital Records".
كانت ترتدي نظارة داكنة تخفي بعض ملامحها، وتتحرك بخطى ثابتة هادئة، تحمل في يدها بعض الأوراق والصور.
تقدمت نحو الشباك الزجاجي، حيث جلس موظف خمسيني، بدت على وجهه علامات الملل وروتين العمل.
أخرجت من حقيبتها صورة حديثة لطفلين توأم، ومدتها إليه.
سارة بهدوء رسمي: من فضلك، أحتاج إلى البحث في سجلات الولادة عن طفلين توأم، وُلدا منذ نحو سبع سنوات، ولد وبنت، أعتقد أنهما ولدا هنا في مشفى قالت اسم المشفي، وربما سجلا بأسماء مختلفة ثم تغيرت لاحقًا.
نظر إليها الموظف بريبة، ثم سأل: هل أنتِ من أقاربهما؟
أخرجت سارة بطاقة تعريفها المهنية من محفظتها ومدتها له بهدوء: أنا معالجة نفسية أتابع حالة أسرية شديدة الحساسية، وهذه المعلومات قد تساعدني في فهم بعض الملابسات النفسية المتعلقة بالطفلين، كل ماطلبه هو الإطلاع على بيانات المواليد المسجلين في هذا التاريخ.
تمد له الورقة التي تحمل تاريخ ولادة صافيناز:
الموظف بعملية: سأرى مايمكنني فعله، لكن إن وجدت بيانات، فلن أتمكن من إعطائك سوى المعلومات العامة فقط.
هزت راسها بإيجاب، غاب خلف باب جانبي، تاركًا سارة واقفة، تتأمل الصورة بين يديها، وعيناها غارقتان في تساؤلات مثقلة
بعد دقائق، عاد يحمل ملفًا ورقيًا صغيرًا، فتحه وبدأ يتصفحه، ثم قال: نعم لدينا حالة توأم ولدا في التاريخ ذاته، الاسم الأول للفتاة كان ليليان دايفز، وللصبي مايكل دايفز، الأم البيولوجية المسجلة تدعى "آنا دايفز" لكن بعد يومين فقط، تم تقديم طلب رسمي لتغيير اللقب إلى "زيدان".
رفعت رأسها ببطء، تنظر إلى الموظف أضافت: هل يعني هذا أن الطفلين لم يسجلا باسم زيدان منذ البداية؟
الموظف: بالضبط، هما ولدا باسم "دايفز"، ثم تمت إجراءات التبني وتغيير الاسم بعد يومين فقط،لكن الملف الأصلي دائمًا يحتفظ به، ولا يحذف وهذه قاعدة قانونية.
ساره نظرت له: أشكرك جزيلاً.
كانت تلك الثغرة الصغيرة كافية لتفتح ثقبًا واسعًا في قصة صافيناز المحكمة، يبدو أن تغيير الاسم في شهادة الميلاد الأصلية لم يكن من أولوياتها، ربما ظنت أنه لن يبحث أحدًا، طالما المستشفى مسجل، والأوراق القانونية تبدو سليمة، أو لعلها فقط، استهانت بذكاء الآخرين، وبذلك أصبحت سارة تمتلك كل المعلومات التي تجعلها تسحق صافيناز.