رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الرابع 4 ج2 بقلم ليله عادل


رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الرابع 4 ج2 
بقلم ليله عادل



مجموعة الراوي

مكتب ياسين التاسعة صباحاً 

كان ياسين جالسًا خلف مكتبه، أصابعه تضغط على جبينه بإرهاق، وجهه شاحب وعيناه نصف مغمضتين من شدة الصداع ، رفع رأسه ببطء عندما دخلت لوجين.

لوجين بابتسامة خفيفة: صباح الخير يا فندم، مستر نبيل هيكون موجود كمان ساعة بالظبط.

أومأ ياسين رأسه إيجابًا دون أن ينطق.

لوجين تأملته باهتمام: حضرتك كويس؟

ياسين بصوت مبحوح: عندي صداع فظيع، امبارح سهرت شوية جاي مطبق.

لوجين وقد عقدت حاجبيها: حضرتك تقلت في الشرب ولا إيه؟

هز رأسه نافيًا: لا خالص ماشربتش، بس تعبان ومصدع اوي.

ابتسمت لوجين بثقة: طب أنا معايا برشام صداع حلو اوي، حضرتك فطرت؟

ياسين وهو يزفر بتعب: لا مفطرتش، بس اعملي لي قهوة.

لوجين مائلة قليلًا للأمام: لو حضرتك تحب أأجل الميعاد نص ساعه زياده لحد ما حضرتك تبقي كويس، عشان مينفعش الراجل ييجي ويستنى كتير، ممكن أخلي المعاد كمان ساعتين مثلا.

ياسين لوّح بيده رافضًا: لا لا، أنا هبقى كويس ابعتي بس هاتي لى قهوة.

مسح ياسين وجهه بكفه واتكأ للخلف، مغمضًا عينيه لثوانٍ. 

خرجت لوجين ثم عادت بعد قليل ومعها الساعي يحمل صينية عليها كوب عصير وزجاجة ماء وطبق فطور وضعت الصينية على المكتب أمامه.

لوجين: شكرا يا عم محمود اتفضل أنت.

رفع ياسين نظره إليها باستغراب: إيه ده؟

ابتسمت بثقة: أقحمت نفسي شوية في حياتك ، وقولت لازم تفطر وتشرب العصير وبعدها تاخد الحباية، لأن مينفعش تتاخد على معدة فاضية.

ياسين وهو يومئ برأسه معترضًا: لا مش هينفع خالص.

لوجين ثابتة النظرات: لا هينفع.

مدت يديها وقدمت له ساندوتش صغير: على فكرة دي سندوتشات أنا اللي عاملاها، مبحبش أكل من بره كتير فقلت أقسمهم بيني وبينك.

فتح ياسين الساندوتش متفاجئًا: ده إيه ده؟

لوجين بحماس: ده تركي معاه خص وزيتون وجبنة شيدر طعمه تحفة هيعجبك وهتطلب مني أجيب لك منه كل يوم.

أخذ ياسين قضمة صغيرة، ثم ابتسم لأول مرة: فعلاً جميل تسلم إيدك.

لوجين بإصرار ودعابة: كل بقى الساندوتشين دول مع العصير، وبعدها خد الدوا، لما تخلص أجيب لك القهوة.

رمقها ياسين بنظرة امتنان صافية: شكراً يا لوجين.

ابتسمت بخفة: ألف سلامة عليك.

المركز الطبي، الكافيتيريا الحادية عشر صباحا 

وقفت ماسة خلف الكونتر كعادتها، تبيع بعض الأشياء وتعد القهوة، والشاي اللخ...دخل محمد، ورغم أنه كان يتجنب الحديث معها منذ معرفته حقيقتها، إلا أنه لم يجد مفرًا من طلب قهوته. أنجزت له ما طلب بعملية، جلس على طاولة قريبة يتصفح هاتفه، يتناول قطعة من الكيك، بينما عينيه تبتعد عنها وكأنها غير موجودة.

لكن ماسة، كانت تراقبه بين الحين والآخر، بدا عليها التردد، كأنها تريد أن تقول له شيئًا لكنها لا تملك الشجاعة، دقائق قليلة، ثم أخذت نفسًا عميقًا وسارت نحوه، توقفت بجانب طاولته بصمت.

رفع محمد رأسه نحوها بإستغراب.

ماسة بهدوء: أنا كنت محتاجه أتكلم معاك شوية ممكن؟

محمد، متعجباً: تتكلمي معايا؟

ماسة، تهز رأسها بتردد: اممم، بص، أنا عارفة إنك مش بتطيقني، بس إحنا لازم نتكلم، ممكن أقعد؟

محمد بحسم: لو هتتكلمي في موضوعك لا، ماتقعديش.

ماسة بهدوء: مش هتكلم في موضوعي، موضوعي مقفول بعد إذنك يا دكتور محمد دي حاجة تخصك إنت.

صمت محمد للحظة، ثم أشار لها بالجلوس، جلست ماسة أمامه، تحاول أن تسيطر على ارتجاف صوتها.

ماسة بلطف: أنا عارفة إن ماليش أي حق أتكلم أتدخل بس أنا بحب عائشة، وبعتبرها زي أختي سلوى بالظبط، حتى لو إنت مش طايقني، بحترمك عشان بحسك جدع ومحترم.

تنهدت ومالت بجسدها للأمام قليلاً وقالت بعقلانية: بص يا دكتور محمد، عائشة مشكلتها إنها خايفة، بس صدقني بتحبك، وده اتأكدت منه لما اتكلمت معاها هي محتاجة بس الأمان، ومحتاجاك إنت تديلها ده أنا فاهمة إن خلاص خطوبتكم الأسبوع جاي بس أنا بفهمك موقفها و

تنهك محمد، بغضب وقاطعها: من فضلك ماتدخليش، شوفي مشاكلك إنتي الأول، شوفي حل في خوفك، جوزك المجنون وعيلته القتلة، بعدين فكري بغيرك، لو فعلاً بتحبيهم زي مابتقولي، أبعدي عنهم، أبعدي وحافظي على حياتهم، ياريت تمشي ولو محتاجة فلوس، أنا هديكي بس أبعدي عنهم وما تأذيهومش.

نظرت له ماسة بعين دامعة بنبرة لاذاعه: لو سمحت، متقولش على جوزي مجنون، انا جوزي محترم وعاقل، ياريت تتكلم معايا بأدب من غير تجريح..
انا أنا مش فاهمة ليه بتكرهني كده؟ مقدرة خوفك عليهم، بس مش لدرجة إنك تظلمني، أنا مستحيل أأذيهم مستحيل. 

محمد بإستنكار ساخر: وإنتِ ضامنة تحمي نفسك من أذى جوزك وأهله؟ علشان تتكلمي بثقه كدة؟! إزاي هتضمني تحميهم؟ ده إنتي أهلك على كلامك في خطر.

ماسة بنبرة مهتزة بألم لكنه بثقه: مش ضامنة حمايتي ولا حماية أهلي مظبوط، بس واثقة إني هقدر أحميهم، حتى لو بروحي، أنا بعرف أسيطر على سليم، وعمري ماهسمح إنهم يتأذوا، مشكلتك إنك سمعت قصتي، بس ماحسيتهاش.

سكتت قليلًا ثم أكملت بصوت متهدج: بس إنت عندك حق، كل واحد منا بيخاف على ناسه، بس أنا كمان بني آدمة وبنت، ولوحدي، ولأول مرة بواجه المجتمع من غير سند، علشان كده كدبت، علشان كنت خايفة ولسه خايفة، يمكن أكون أكتر واحدة اتأذت وهتأذي في القصة دي، صدقني لو فيه حد هايتأذى، فهو أنا، أنا وبس، أسفة لو تدخلت أنا كنت بحاول أفهمك هي محتاجة ايه بعد أذنك.

نهضت من مكانها بسرعة، والدموع تهبط من عينيها محمد ظل صامتًا، يرفع كوب القهوة إلى شفتيه ببطء، وعينيه تتبعانها، الغضب ما زال بداخله، لكن كلماتها تركت شرخًا في يقينه.

منزل ماسة الثامنة مساءً 

كانت ماسة تجلس في الصالة على الأريكة، ترتدي هودي واسع وبنطال، وقد رفعت شعرها في كعكة عالية، عيناها غارقتان في الحزن، تمسك بجهاز التحكم بيدها، تحدق في شاشة التلفاز لكن عقلها مشغول.

تفكر: إلى متى ستظل هاربة؟ أشهر مرت بلا جديد، وسليم... كيف له أن يسافر وهي مختفية؟ كيف لا يبحث عنها بجنون؟ حديث محمد معها اليوم زاد قلقها وحيرتها، هي واثقة أنها قادرة على حماية حياتهم، تراهن على حب سليم لها، لكن ربما أخطأت التقدير.

إن بقيت، فربما حديث محمد صحيح حتى لو بنسبة 1%، وإن ذهبت، فـإلى أين؟ ليس الجميع مثل مصطفى وعائلته، وهي لا تطيق أن تعيش عبء الهروب من جديد، لكن أكثر ما يحيرها: أين ذهب سليم في هذا التوقيت بالذات؟! الرجل الذي تعرفه كان من المفروض أن يقلب عليها الدنيا رأسًا على عقب بحثًا عنها.

قطع شرودها طرقات على الباب، ألتفتت بأستغراب، ثم نهضت لتفتح. كان الطارق هو إيهاب.

ماسة بإستغراب: إيهاب؟! فيه حاجة؟

إيهاب بإبتسامة: لا، مافيش بس ماجيتيش ليه؟ مختفية من إمبارح.

ماسة بتنهد: جيت من الشغل، تعبانة.

إيهاب وهو يهز رأسه: طب تعالي، أنا عايزك. هستناكي تحت.

ماسة بتوتر: فيه حاجة؟

إيهاب بلطف: هتعرفي تحت، ألبسي وأنا هستناكي.

أومأت برأسها. أغلق الباب ورحل. دخلت إلى غرفتها، ارتدت النقاب والعباية، ثم نزلت.

منزل مصطفى

دخلت ماسة من الباب المفتوح، أغلقت خلفها وهي تقول: السلام عليكم.

كان إيهاب يجلس أمام لابتوب، وبجواره مصطفى وعائشة ونبيلة جلست بعد أن خلعت النقاب والعباية ووضعتهم على جنب.

نبيلة بإبتسامة ساخرة: بتلبسيهم ليه وإنتي نازلة؟ خليكي كده.

ماسة: بخاف حد يشوفني.

مصطفى مؤكدًا: كدة أحسن يا ماما، علشان الكاميرات كمان.

نبيلة بحنان: ماجيتيش ليه النهاردة؟ دايمًا بتعدي عليا وتسأليني لو عايزة حاجة؟! خلاص بقى إيهاب رضي عنك تعالي

إيهاب ضاحك: هو أنا كنت عامل مشكلة للدرجة دي؟

عائشة بمزاح: وأكتر! الفترة إللي قلبت عليها فيها، ماكنتيش بتيجي غير بالعافية.

ماسة مبتسمة بخجل: والله لا، بس أنا كنت تعبانة النهاردة واحتجت أنام، علشان باخد مكان مروة واخدة أجازة.

مصطفى بحدة: بس أنا عرفت إنك قعدتي مع محمد. قالك حاجة؟ شكلك مش عاجبني مش حكاية تعبانة.

ماسة هزت رأسها: ماقاليش حاجة ضايقتني.

عائشة بفضول: قولي قولي وأنا هكلك قلبه.

ماسة بإبتسامة باهتة: لا تاكلي قلبه ولا كبده، كلام عادي، هو بس كان خايف عليكم وأنا مش متضايقة منه بس للحظة حسيت إن كلامه صح أنا نفسي مش ضامنة أحمي نفسي ولا أهلي فإزاي هقدر أحميكم، بس ورحمة بنتي انا ماهخلي دبوس حتى يأذي حد فيكم، وإحنا زي اتفقنا ماتقولوش إن إنتم عارفيني وكمان أنا ممكن أمشي يعني فكروا ثاني أي وقت هاتحسوا إن إنتم عايزيني أمشي، أنا مش هزعل متفقين.

نبيلة بحنان: بلاش الكلام ده إحنا اتفقنا يابنتي مالكيش دعوة بمحمد،ولا إللي بيقولوا محمد، إحنا معانا ربنا وإللي معاه ربنا ميخافش.

مصطفى متسائلا: وإيه شاغل تفكيرك تاني؟!

أخذت ماسة نفسًا عميقًا قالت بحيرة: إن سليم لسة مسافر ومختفي، سليم إللي أعرفه كان ممكن يفتح كل بيت في مصر علشان يلاقيني إزاي يسافر؟! وماما وأخواتي وبابا وحشوني جدًا، دخلت الفيس أشوف صورهم.. فرحت لما عرفت إن عمار قرا فاتحة، وإن سلوى نجحت واشتغلت على قد مافرحت بإستقرارهم، على قد ماوجعني بعدي عنهم موضوع الهروب ده بدأ يزهقني.

إيهاب بهدوء: بصي، سليم مش شخص عشوائي، عمره ما بياخد خطوة إلا وهو عارف بيعمل إيه؟! ومن كلامك، واضح إنه بيحبك حب هوسي، المفروض دلوقتي كان يقلب الدنيا عليكي، فسفره بالشكل ده غريب أنا معاكي فده، أنا شايف احتمالين: يا إما وصل لمعلومة عن الحادثة وراح يتأكد، يا إما بيعمل عملية.

ماسة بإعتراض قاطع: مستحيل يعمل عملية وأنا مش موجودة! هو يخاف يموت من غير مايشوفني. لازم أكون آخر عين يشوفها قبل ما يدخل العمليات، خصوصًا إن نسبة نجاح العملية مش كبيرة..
سكتت لحظة، ثم تمتمت: يمكن فعلًا يكون وصل لمعلومة.

مصطفى مهدئًا: يمكن، ويمكن لما أطمن عليكي الأول، وشافك بخير، قدر يسافر يعمل إللي وراه لإن إللي فهمته إنه ماسافرش غير لما شافك.

ماسة بحيرة: مش عارفة؟! سليم صعب حد يعرف بيفكر في إيه.

إيهاب بعقلانية: علشان كده، مش ينفع تاخدي أي خطوة دلوقتي، نستنى لحد مايرجع، وساعتها نقرر. لكن بالنسبة لأهلك، أنا جايبك علشان تكلميهم.

ماسة بدهشة: بجد؟ أقدر أكلمهم؟

إيهاب مبتسم: أيوة، هتكلميهم بجد.

ماسة بصدمة ممتزجة بالفرحة: إزاي؟

إيهاب: عادي، هنكلمهم من رقم متهكر،أنا مجهز كل حاجة. معاكي رقم حد منهم؟

ماسة بسعادة: آه، حافظة رقم سلوى، أرقامنا شبه بعض، أنا أخره81 وهي 83.

إيهاب وهو يمد لها الهاتف: تمام، أكتبيه لي.

أخذت الهاتف ويدها ترتجف من الفرحة: والله يا إيهاب مش عارفة أقولك إيه.ط شكراً بجد. مهما شكرتك مش هوفيك.

إيهاب بإبتسامة مطمئنة: ماتقوليش حاجة دي أبسط حاجة.

ماسة والدموع تلمع في عينيها: بسيطة إيه بس؟ إنت مش عارف هما وحشوني قد إيه.

سجلت الرقم وأعطته الهاتف.

ماسة بتردد: طب هكلمهم براحتى ولا ثلاث دقايق زي ما قلت قبل كده؟

إيهاب: لا، هاتتكلمي براحتك، بس نبهيهم هناك بلاش ذكر اسمك، يمكن يكون في كاميرات أو ميكروفونات. دي مش هقدر أهكرها دلوقتي.

ماسة بهدوء: حاضر.

جلس الجميع صامتين حول ماسة، وهي تمسك الهاتف بيد مرتجفة. قلبها يخفق بعنف، ودموعها تتلألأ في عينيها. ضغط إيهاب زر الاتصال ثم مد الهاتف نحوها.

جاءها صوت سلوى مترددًا التى كانت تجلس في الراسبشن مع عائلتها مع تبادل الصوره بينهم: ألو؟

حاولت ماسة أن تثبت صوتها رغم الارتجاف:
ألو سلوى، أنا ماسة بس أوعي تبيني إنك عرفتيني. يمكن سليم يكون حاطط ميكروفونات. كلميني كأني بنت خالتو هاله أي حد.

وسقط صوتها بالبكاء وهي تضيف: وحشتيني، إنتي عاملة إيه؟ طمنيني عليكِ.

سلوى بصوت مخنوق: وإنتي كمان وحشتيني أوي أوي، يا بنت خالتي، أنا بخير المهم إنتي طمنيني، إنتي كويسة؟

بكت ماسة وهي تحاول أن تطمئنهم: آه والله العظيم بخير، ماتقلقيش عليا طول ما أنتم بخير،
مسحت دموعها سريعًا: طب ماما فين؟ هاتيها.

سلوى وهي تحاول كتم نشيجها: أهي جنبي، استني.

نظرت سعديه لها وهي تقبط حاحبيها مين
سلوى بحركه شفايف ماسة بس متوضحيش
دق قلبها مسرعه وسحبت الهاتف من يدها 
بينما الجميع هرعوا توقفوا بجانب سعدية بلهفه وشوق ودموع.

ثم جاء صوت سعدية مبحوحًا من البكاء: إنتي عاملة إيه يا حبيبتي؟ وحشتيني يا بنتي، طمنيني إنتي بخير؟

انفجرت ماسة دموعها بشوق ذبح فؤادها: آه يا ماما، الحمدلله، إخواتي وبابا كويسين جنبك.

أرتجف صوت سعدية وهي تقول بعد أن فتحت الميكرفون: كلهم جنبي، سامعينك دلوقتي.

وتقاطعت الأصوات من هناك، حتى سمعت ماسة صوت يوسف يصرخ: ماسة! ماسة! وحشتيني.

ثم جاء صوت عمار متماسكًا رغم دموعه: الحمد لله إني سامع صوتك يا بنت خالتي.

ضحكت ماسة وسط بكائها: إنتم كمان، وحشتوني كلكم فرحت إني أخيرا أطمنت عليكم وسمعت صوتكم، مبروك على الخطوبة.

تنحنح عمار بخجل: حقك عليا بس والله ما هعمل الخطوبة غير بيكي. أنا بس اتقدمت لها ولبستها خاتم.

ضحكت ماسة بدموعها: دي أحلى خطوة إنت عملتها. لازم تفرحوا أوعوا توقفوا حياتكم، أنا بطمن عليكم طول ما إنتم مبسوطين ومكملين في حياتكم، مبروك يا سوسكا على النجاح وعلى الشغل، أقسم بالله أنا فرحانة أوي، عايزاكم على طول تنزلوا صور وحاجات على الفيس عشان أنا بدخل عليها بشوفكم وبطمن.

نظر إيهاب إليها وأشار بشفتيه من دون صوت وهو يقول: هحاول أكلمكم من تاني بعدين، بس لما أعرف أتصرف.

أومأت ماسة له سريعًا، ثم عادت الحديث لعائلتها عبر الهاتف.

سلوى بحرقة: هستناكي يا بسمة، ها استناكي يا حبيبتي. خدي بالك من نفسك والله وحشتيني أوي نفسي أشوفك.

بكت ماسة: وأنا كمان، لكنها فجاه نسيت كل شئ وقالا بهزف وتلقائية:
قولولي بس سليم بيعمل لكم حاجة؟ عمل لكم حاجة بعد ما عرف إن أنا جيت سلمت عليكم، فيه أي مشكلة؟ ماتخبوش، أو حد من تبعه حتى رشدي، صافيناز فاهماني؟

تنفست سلوى بعمق: من آخر مرة سليم جه فيها بعد ماجيتي هنا، قال كلمتين من بتوعه وخلاص بس هو كان مختلف.

ماسة بإستغرابة يعني إيه كان مختلف دي فهميني أكتر.

سعدية بتوضيح: إللي هو لو حصل حاجة تاني قولوا أحسنلكم يعني ماهددش ولا بعت حد ولا عمل حاجة خالص ماكناش متوقعين منه كده عارفة كأنه رجع زي زمان يا 
كادت تقول ماسة لكنها تلجلجت وقالت يا بسمة 
عارفه حسيت كأنه حلاوة روح، وبعدين عرفنا إنه مسافر هو ومكي أما الباقيين، مانعرفش عنهم حاجة ومختفيين.

مسحت ماسة دموعها: الحمد لله. ربنا يبعدكم عن شره وعن أي حد تبعه. طب خليني أكلم بابا.

وبعد لحظات، جاءها صوت مجاهد مبحوحًا بالحزن:
إنتي قاعدة فين يا بنتي؟ قاعدة عند ناس كويسين؟

أجابت بصوت واثق تحاول طمأنته: آه يا بابا، والله قاعدة عند ناس كويسين جدًا طيبين اوي ادعلهم، 
ماتقلقش، بس مش هينفع أقولك أي تفاصيل.

تنهد مجاهد بحرقة: يا حبيبتي، أنا مش عايز أعرف حاجة، كل إللي عايزة أطمن عليكي سامحيني يا بنتي أنا مش عارف أحميكي ولا أحمي إخواتك، إيدي قصيرة والله إنتي قطعة من قلبي وأنا شايفك بعيدة كده بس أعمل إيه؟

صرخت ماسة باكية: لا يا بابا بالله عليك ماتقولش كده! وجودك بالدنيا كلها أنا حاسة بيك وأوعوا تحسوا بالعجز أبدا.

أجاب بحرقة: أنا مكسور والله يا بنتي وأنا شايفك بعيد كده، وقاعدة عند ناس غريبة، لو جنبك أشكريهم لي. والله العظيم جميلهم ده فوق راسي،
خدي بالك من نفسك أبقي طمنينا عليكي وريحي قلبنا.

تنفست ماسة بمرارة: حاضر، أنا مضطرة أقفل يا بابا. هحاول أكلمكم تاني. 

صمتت ماسة اللحظة وهي تقول بنبرة مكتومة: إنتوا طبعا كنتوا فاتحين الميكروفون وهو كدة عرف صح.

صرخت سعدية بقلق: فيه خطر عليكي؟

نظرت بعينيها لإيهاب الذي أومأ إيهاب برأسه نافيا.

فقالت ماسة بصوت مطمئن: لا مافيش حاجة إن شاء الله. حتى لو فيه، مش هيقدر يعمل حاجة ولا هيعرف يوصل لي، خدوا بالكم إنتم من نفسكم، مع السلامة.

وأغلقت الخط وهي تبكي، ظهر مصطفى بجوارها وقال بقلق: لو كان فيه ميكروفونات هناك، أكيد سمع المكالمة.

هز إيهاب وجهه بإيجاب؛ للأسف الشديد أنا مش هعرف أعمل أي تشفير لها، بس حتى لو سمع، مش هيعرف يوصل لينا، دي حاجة أنا متأكد منها إنما ممكن يهددهم.

نبيلة متسائلة: بس حتى لو هدد أهلها، مايعرفوش أي حاجه عننا مظبوط يا ماسة.

ماسة بتأكيد بين بكاءها: أيوة مايعرفوش أي حاجة ولا يعرفوا حتى مصطفى.

مصطفى وهو يفكر: مش معتقد إنه ممكن يهدد، والدتك بنفسها قالتلك إنه ماعملش أي حاجة خالص، ودي مش عادته بس لازم نحذر.

مسحت ماسة دموعها: مظبوط 

وجهت ماسة نظراتها إلى إيهاب بإمتنان، وصوتها يرتجف قليلًا:شكرًا يا إيهاب، من قلبي بشكرك، أنا كنت محتاجة المكالمة دي أوي، ولا ألف شكر يوفيك حقك.

ابتسم إيهاب ابتسامة هادئة: الشكر بين الأخوات عيب، لو شكرتيني تاني هزعل، المرة الجاية، هخلي سلوى تعمل حركة صغيرة تشوش على الميكروفونات لو زرعوها، ذبذبة بسيطة تخليهم مايسمعوش حاجة.

أومأت ماسة بخفوت: إن شاء الله.

تدخلت نبيلة وهي تضحك بخفة: خلاص بقى، ارتاحي وأضحكي شوية.

اقتربت عائشة من ماسة، علّقت يدها بذراعها وقالت بمشاكسة: حضري نفسك من بكرة، هانلف على الفساتين مافيش أعذار.

ابتسمت ماسة على استحياء: أنا منمرالك على حتة فستان في سان ستيفانو، تحفة.

ردت عائشة بحماس: خلاص، نروح نشوفه.

نظر إيهاب إلى ماسة بعينين تملؤهما الريبة كان التوتر ظاهرًا في ملامحه، 

وقال إيهاب وهو يميل بجسده للأمام: بقولك إيه يا ماسة هو إنتي قولتي إن رشدي ده بتاع بنات ومدمن؟

رفعت رأسها بخفة وأجابت بصوت منخفض: آه.

اقترب إيهاب أكثر، وعيناه تلمعان بالعزم: تعرفي الأكونت بتاعه؟

هزّت رأسها سريعًا: أيوه طبعًا.

مدّ إيهاب يده نحو اللاب توب الذي أمامه وازاحه نحوها قليلاً: طب ممكن تكتبيلي الإيميل بتاعه؟

اتسعت عيناها قالت باستغراب: ليه؟

أجاب إيهاب وهو يزفر بحدة: عايز أهكر اللاب توب بتاعته، أو أي جهاز يخصه.

رفعت ماسة يديها بتوتر، صوتها يرتعش: تهكر الأجهزة بتاعته ليه؟!

قال إيهاب بتوضيح: يمكن أوصل للفيديوهات دي مع إني متأكد إنه مستحيل يكون حاططهم على حاجة مفتوحة بس خلينا نجرب يمكن نلاقي أي دليل ضدهم أو حاجة نمسكها عليهم .

هزّت ماسة رأسها بعنف، وعينها تلمع بالخوف: لا! ماتعملش كده رشدي ده شخص مؤذي جدًا فوق ما طتتخيل، أنا اللي حكيتهولك مش كل حاجة في تفاصيل ماعرفتش أقولها، دول ناس وحشة، ناس مؤذية، لو سمحت يا إيهاب ما تدخلش نفسك حتى لو وصلت لحاجة هتعمل بيها إيه؟

اقترب إيهاب أكثر، وعيناه تشتعلان: يبقى معانا حاجة في إيدنا ماسكينها عليهم.

ماسة برجاء، ودموعها تترقرق: تمسكها على سليم؟! طب ما كده إنت بتضرّه وأنا مستحيل أعمل كده، ممكن أصلًا الفيديوهات تبقى مش حقيقية، ومعمولة فوتوشوب وبعدين أنا مش مصدقة إن سليم ممكن يبقى قو"اد أو بيتاجر في الأعض"اء! أنا مش هضر سليم، الفيديوهات دي هتضر سليم وبس، وانا مش هعمل كده.

كان مصطفى صامتًا طوال النقاش، ثم تنحنح وقال بصوت هادئ: إحنا فكرنا ندخل على الأكونتات بتاعتهم كلهم لو قدرنا نوصل لأي معلومة تخصهم بعيد عن سليم نبقى واجهناهم بيها، هما اللي كانوا بيبتزوكي وبيخوفوكي احنا مفكرناش خالص في سليم احنا فكرنا نحميكي منهم هما.

صرخت ماسة وهي تلوّح بيديها في الهواء، وصوتها مزيج بين الخوف والغضب: يا سيدي لا! بالله عليكم متعملوش كده متدخلوش نفسكم في أي حاجة تخصني، كل اللي عايزة منكم تبقوا معايا، جنبي، لكن أكتر من كده لا، والله العظيم لو عملتوا حاجة أنا همشي!

التفتت إلى إيهاب، وعيناها دامعتان وصوتها متكسر:
إيهاب، عشان خاطري متعملش كده، الناس دي مؤذية، مبيأذوش غير اللي بتحبهم لو بتحب مامتك وأخواتك أوعى تدخل نفسك أرجوك،

ثم التفتت إلى نبيلة برجاء يكاد ينفطر له القلب:
ماما نبيلة، بالله عليكي لو بتحبي أولادك،متخليهمش يعملوا كده.

عمّ الصمت المكان لحظة، ثم قالت بصوت مبحوح وهي تنهض ببطء: أنا هطلع فوق محتاجة أنام.
شكراً مرة تانيه انك خلتنى اكلم اهلي بعد اذنكم.

نهضت ماسة وخرجت أغلقت ماسة الباب خلفها بعنف تاركة ورائها صمتًا ثقيلًا يخيّم على المكان ،
تبادلوا النظرات.

عائشة بحزن: مسكينه ربولها الخفيف.

قطعت نبيلة السكون بنبرة صارمة وعيناها تدور بين أولادها: إنتوا فعلًا ملكمش دعوة الناس دي خطر علينا.

رفع إيهاب كتفيه بلا مبالاة، وحاول يبرر وهو يلوّح بيده كأنه يتحدث عن شيء عادي: ولا خطر ولا حاجة يا أمي، ده أنا مجرد هخترق الأجهزة بتاعتهم عادي يعني، كأني بلعب مش هيعرفوا ولا هيحسوا خلينا نشوف كده لو نقدر نمسك حاجة عليهم، تحمي المسكينة دي و تمسكها في إيدها بدل ما تفضل عايشة في خوف ورعب كده.

تقدمت عائشة خطوة، وملامحها مترددة وهي ترفع يدها: بس أنا ما أعتقدش إن ناس بالجرم ده وشغالين مع المافيا، هيخبّوا حاجة على الأجهزة بتاعتهم هو إنت مش فاكر لما كانت بتحكي لنا القصة قالتلك إن سليم كان مخترقهم أساسا ومعرفش يمسك عليهم حاجه.

مصطفى بامل: اهو خلينا نجرب.

التفتت نبيلة إليه بسرعة، وجهها يعلوه الغضب والقلق: أنا مش عايزة أندم إني خليتكم تساعدوا البنت دي، هي مش هتبقى أغلى عندي منكم.

مدّت عائشة يدها نحوها تحاول تهدئتها: استهدي بالله يا ماما مصطفى وإيهاب عايزين يساعدوها بس.

قاطعتها نبيلة بعصبية ، وصوتها يرتجف من شدّة الخوف: يساعدوها بأي حاجة تانيه، بفلوس، يعيشوها هنا، يلاقوا لها شغل، لكن إنهم يحطوا نفسهم في خطر أنا مش هسمح بالكلام ده أنا مش مستغنيه عنكم.

مصطفى بهدوء: طيب أهدي يا ماما مش هتعمل حاجة خلاص

ثم التفت مصطفى لإيهاب وغمز له بعينه !

وعلى الجهة الأخرى، عند عائلة ماسة.

كان الحزن يملأ البيت. جلست سعدية تضرب على قدميها بحرقة وهي تردد:
يا حبيبتي يا بنتي، ربنا يحفظك في مكانك ويحنن قلوب الناس إللي عايشة معاهم يا رب، كان مستخبيلك كل ده فين يا بنتي؟ يرضي مين تعيشي وسط ناس ماتعرفيهمش ويطلعوا أحن من إللي كانوا حواليكي! وتفضلي حيرانة وهربانة وخايفة بعيد عن حضن أمك وأبوكي وإخواتك، الله يسامحك يا سليم ويهديك.

سلوى محاولة التماسك: بس شكلهم ناس محترمين.

تنهد مجاهد وهو يفكر بقل حيلة: هنعمل إيه يا سعدية؟ أروح أكلم الباشا؟

ردت سعدية بمرارة: هيعمل لنا إيه؟

أجابها مجاهد بضجر: يلم ابنه، هو مش ده كبيره؟

هزت سعدية رأسها بحسرة: سليم مالهوش كبير مافيش حد يقدر عليه.

تدخل مجاهد بإنفعال: إحنا مش عايزين حاجة، مش هما طول عمرهم مش طايقين البت ومش عايزينها؟ يطلقوها وناخدها نقعد في أي مكان يختاروه ويسيبونا في حالنا، نعيش زي زمان مع بعض نأكلها حاف، لكن الشحططة دي ليه؟ أنا قلبي واكلني على ماسة، ومكسور إني مش قادر أحمي ولادي ولا بنتي.

سعدية محاولة تهدئته: بكره تتعدل يا أبو عمار. وبعدين سليم، بقاله كم شهر مانعرفش عنه حاجة، وبعيد، وحاسة إنه عاقل كده.

تمتم يوسف وهو مطأطئ رأسه: يا رب.

عندها تدخل عمار بصوت هادئ: رشدي ممكن يساعد.

صرخت سلوى بخوف وهي تنتفض: لا! بالله عليكم، رشدي لأ ماتدخلوناش معاه، ده خطر.

نظرت سعدية إليها بإستفهام: ليه يا بنتي؟

أجابت بسرعة وصوتها متقطع: مش كويس، إنتم مش عارفين أنتم بتواجهوا إيه.

مجاهد وهو يحاول أن يوضح: هو جالي وقال ممكن يساعدنا.

قاطعه يوسف بحزم: رشدي بق على الفاضي، مابيعرفش يعمل حاجة، مش هيقدر على سليم، ده عزت باشا نفسه مايقدرش على سليم، نسيتوا ولا إيه؟ عموما... استنوا.

ثم أضاف بجدية قاطعة: القرار لماسة.

💞_______________بقلمي_ليلةعادل ⁦◉⁠‿⁠◉⁩

مجموعة الراوي الواحدة مساء 

مكتب رشدي

جلس رشدي خلف مكتبه بلا اكتراث يقلب في هاتفه، شارد الذهن، حتى قطع شروده رنين الهاتف رفع السماعة، جاءه صوت شوقي، ذراعه الأيمن:

شوقي: إيه يا باشا، المهمة، رجعت بالسلامة رجالاتنا كلموني راحت قعدت في مكتبة كده في المعادي.

رشدي أعتدل قليلًا: الكلام ده من بدري؟

شوقي: لا يا باشا، لسه، هي دي المكتبة إللي بتروحها على طول.

رشدي بإبتسامة خفيفة: خلاص أنا جاي حالاً، لو خرجت أو حصل جديد، خلى الرجالة يكلمونا. لوحدها ولا مع حد؟

شوقي: لوحدها يا باشا، أخوها جابها ومشي.

أغلق رشدي الهاتف بسرعة، نهض من مكانه، وخطواته سريعة نحو سيارته، فتحها له شوقي، استقلها، وأنطلق، خلفه سيارة حراسة ما إن توقفت أمام المكتبة، حتى لمح رجاله يراقبون عن بعد، ألقى عليهم نظرة سريعة، ثم توجه للداخل.

في أحد مكاتب القاهرة الثانية مساءً.

صعد رشدي إلى الدور الثاني بخطوات متأنية، عينيه تبحثان بين الطاولات، لم يطل به الأمر حتى وقعت عيناه عليها، مي تجلس بهدوء، تركيزها كله في الكتاب بين يديها، ملامحها رصينة لا تعير أحدًا أي اهتمام.

بدأ رشدي يدور بين الرفوف كأنه يبحث عن شيء ما، ألتقط كتابًا لا يعرف حتى عنوانه، ظل يتظاهر بالتصفح قليلًا، ثم ألتفت... لتقع عيناه عليها مباشرة. ابتسم ابتسامة مصطنعة وأقترب.

رشدي متعجبًا: إيه ده؟ مي؟! إيه الصدفة دي؟

سحب مقعدًا وجلس بجانبها دون استئذان.

مي برود واستغراب ممزوج بجدية: هو أنا قلتلك أقعد؟

رشدي مبتسم مشوش: هو أنا لازم استأذن؟

مي: أها المفروض تقول لو سمحتي أقعد؟!

رشدي يضحك بخفة: بصي، عندي مشكلة في الحوار لو سمحتي ممكن أدخل؟! لو سمحتي اقعد؟ أنا مش متربى كده، برغم إن أمي فايزة هانم، يعني الأتيكيت والسكينة والشوكة والجو ده جوها، بس أنا الوحيد إللي طالع في إخواتي كدة، ما اتربتش.

نظرت مي له بعينين واسعتين، مختلطة بين الصدمة والابتسامة من صراحته أجابها على تلك النظرة.

رشدي بنبرة مازحه: أنا بقول لك الحقيقة مابتعاملش أنا مع الكلام ده.

مي بإبتسامة صغيرة برقة: معلش، تعلم عشان المرة الجاية ماكسفكش.

عقد رشدي حاجبيه: تقدري تقولي ليه مقعدش؟

مي بتهكم: أها طبعًا.

رشدي يضحك: خلاص يا ستي بالراحة، بس أول مرة أشوفك هنا، يعني إيه الصدفة دي؟ أصل أنا على طول هنا بعشق القراءة مافيش مكتبة في مصر ماعدتش عليها.

مي مستغربة: إيه ده؟ إزاي يعني؟ أنا باجي هنا على طول، يومين في الأسبوع، بس الكام يوم إللي فاتو ماجيتش، كان عندي امتحانات.

رشدي: أصل أنا بقرأ برة في الجنينة، يمكن علشان كده ماشفناش بعض قبل كده بس صدفة حلوة.

مي بإبتسامة بسيطة: آه ممكن.

رشدي يحاول يدير الحوار بدعابة: إيه الأخبار عندك؟ عاملة إيه؟

مي بقتضاب: الحمد لله؟

رشدي يحاول فتح حديث: بس ماخرجتيش مع زيزي ليه؟

مي وهى ترفع كتفيها: عادي يعني لازم أخرج معاها كل ما يخرجوا؟

رشدي يضحك: لا بس هما خرجوا كذا مرة وإنتي ماجيتيش.

مي بهدوء ورزانة: أصلهم مش التيب بتاعي، يعني حاسة إن هما من عالم وأنا من عالم، عارف إحساس لما أقعد مع حد مش شبهك؟! تحس إنك في المكان الغلط مع الناس الاغلط، هما لطاف الصراحة بس يعني ممكن أخرج معاهم مرة كدة لكن على طول لا.

رشدي يبتسم بخفة: فعلاً، دي حقيقة إنتي مختلفة عننا.

هزت رأسها بإبتسامة رقيقة داهم الصمت بينهما للحظات تابع رشدي متسائل يحاول أن يفتح حديث معها مرة أخرى: خلصتي امتحانات؟

مي رفعت عينيها من الكتاب: اها الحمدلله.

هز رشدي راسه بإيجاب وهو يفر أوراق الكتاب علقت مي قائله: حلو الكتاب إللي معاك ده؟!

رشدي يرفع الكتاب في إيده بشكل عشوائي: آه
لمح الأسم قال بسرعة:  ده...
The Power of Now." القوة الآن 

مي بإبتسامة واسعة: ! الكتاب ده عامل ضجة جامدة، بيتكلم عن انك تعيش اللحظة ،وإزاي تغير من طريقة تفكيرك السلبي لايجابي.

رشدي يحاول يخرج نفسه من الموقف: آه سمعت عنه برده، بس بصراحة لسه ماقرأتوش، أنا أول مرة أقراه ولسة جايبه حالا.

مي بإبتسامة بسيطة: تمام لما تخلصه قول لي، يشجع ولا لأ؟

رشدي يضحك بخفة: إن شاء الله، بس حقيقي شكله هيخلي دماغي شوية صاحية.

مي بهدوء: إنت بتحب تقرأ لمين؟ مين كاتبك المفضل؟

رشدي هو يمد وجهه: لكل حد وكل الناس وأي حد عنده فكرة ونصيحة مابركزش مع كاتب معين.

مي مدت وجهها بابتسامة: عظيم حلو ده.

وأثناء ذلك رنّ هاتفها، نظرت للشاشة كان شقيقها، التفتت  وقالت: لحظة، هرد.

أشار لها رشدي بتهذب: اتفضلي.

مي: ألو... تمام، خلاص نازلة.

أغلقت الخط، ثم التفتت إلى رشدي بابتسامة خفيفة وهي تتوقف: آسفة... أخويا جه، همشي.

توقف رشدي بإبتسامة وداع هادئة: ولا يهمك، بس ماتجيبي رقمك؟

تسألت مي بتعجب: تاخد رقمي ليه؟

رشدي بخبث: علشان أقول لك الكتاب حلو ولا.

مي بإبتسامة: أنا باجي كل جمعة وأثنين، وأحيانًا الأربع، بس أساسي جمعة وأثنين، لو ماجيتش الأربعاء هشوفك يوم الجمعة... باي باي.

تحركت مي بينما ظل رشدي ينظر لها بإبتسامة، يضع يديه في جيوبه، يفكر تمتم: حلو ده، تقيل تقيل، بس هاتيجي برضه.

وضع يديه خلف راسه بإبتسامة ثم تحرك

💞_______________بقلمي_ليلةعادل。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。

قصر الراوي

جناح فايزة وعزت، العاشرة مساءً

جلس عزت على الأريكة مرتديًا بيجامته، بينما كانت فايزة ترتدي قميص نوم وعليه روب طويل، تجلس إلى جواره بملامح مشدودة ونبرة تهديد واضحة.

عزت بضيق: دي كمان بتهدديني؟

فايزة بحدة: للأسف آه، هنعمل إيه بقى؟

رفع عزت حاجبيه بسخرية: كل ده منك إنتِ؟

فايزة ساخرة: كل ده مني أنا بس؟! إزاي يعني؟ حتى لو أنا عملت حاجة، إنت وافقت وسكت وخبيت ماتعملش عليا ملاك.

ثم تابعت ببرود: إحنا الأتنين مشتركين في نفس الأفعال، إنت كنت عايز المصلحة، عايز المجموعة تفضل واقفة، وقبلت بوجود ماسة مش علشانها، علشان سليم وقوته، صدقني لو ماكانش بالقوة دي، كنت دفنتها من زمان.

تنهد عزت وقال بثقل: لحد إمتى هفضل أقولك، أنا ماببصش للأمور بالشكل ده، إللي يهمني المصلحة وبس وبعدين أنا بحب أولادي، مادام أبني سعيد معاها خلاص، مش مهم أصلها، الفترة إللي بتتكلمي عنها دي سليم كان مذبذب، وإنتي بنفسك قلتي إنها السبب، دلوقتي لما رجع طبيعي الأمور اتحلت علشان كده سكت، لكن ما تنسيش إن فيه حاجات كتير وقفتكوا عنها، وعملت مشاكل كبيرة بسببها.
صمت للحظة بخزن قال:
وبرغم كده أنا متأكد إن سليم مش هايسامح.

اقتربت منه فايزة وقالت بجدية: عزت، مش وقت لوم ولا عتاب. لازم نفكر هنعمل إيه.

أطرق رأسه لحظة ثم رفع عينيه بحدة ودهاء: طول ماصافيناز معاها عماد، هي قادرة تتكلم وتهدد بس أنا هكسر سمها..
صمت للحظه ودقق النظر بها: قوليلي بقى، إنتي متأكدة إن مافيش حاجة مخبياها عني؟

ترددت فايزة قبل أن ترد: لا مفيش كل إللي عملناه إنت عارفه.

أمسك عزت ذقنه بتفكير عميق: لو ماكانتش بنتي كنت قتلتها بس لو فضلت على نفس الطريق هقتلها.

فايزة بصوت خافت تحاول إقناعه فهي لا تفعل ذلك من أجل عيون صافيناز بل لإنها تخاف على نفسها إذا اكتشفت الحقائق ستحترق: استنى شوية، ممكن نرجعها القصر، بس مش دلوقتي، ماينفعش نجازف طول ما الوصية متغيرتش وسليم أصلا مختفي ومش عارفين مكانه، هي كل إللي عايزاه دلوقتي ترجع القصر، خلاص نرجعها القصر ونخلي عينينا عليها، اسمعني أنا أعرف صافيناز كويس، خلينا نتقي جنونها، لحد رجوع سليم، وهي بعد كده كل تركيزها مع سليم 
ثم تساءلت: ما حاولتش توصل لليلى تاني؟

عزت بإستهزاء: ليلى؟ اختفت إبنك خفاها هيظهرها وقت ما يحب، أنا نفسي أعرف بيعمل إيه؟!
لو ماكنتيش قلتيلي إن ماسة هربانة، كنت قلت بيعمل عملية بس مش هايجازف يعملها وهي مش موجودة.

فايزة بقلق: تفتكر يكون عرف حاجة عن الحادثة ماقالش لحد، إنت عارف إن فيه خونة، وكل مايقرب يوصل لحاجة تختفي من إيده.

عزت هز راسه بتردد: يجوز على العموم أنا بدور دلوقتي ورا عماد، وأول مامسك طرف خيط صافيناز مش هتساوي حاجة.

فايزة بترقب: وهتعمل إيه بعد ماديته كل حاجة؟

ضحك عزت ساخرًا، عيناه تلمعان بالدهاء: كل حاجة راحت لزيدان. فاكرة صرصار زي ده مش هعرف أخد منه حاجة؟ عماد فاكر نفسه يبقى، طاووس لكن الصرصار هايفضل صرصار، يتداس تحت الرجلين.
صمت لحظة ثم قال: أنا بفكر أشتري من الباطن أسهم صافيناز. أعمل ديل مع زيدان. وهو هيموت على صفقة البترول الجديدة هسبهالو

فايزة: وتفتكر كده كفاية؟

عزت بإبتسامة ماكرة: كفاية جدًا لو اديته الحماية والصفقة، هيحس إنه في أمان.

فايزة هزت رأسها بشك: مش هيبيع ابنه زيدان وأمال بيحبوا أولادهم جدا.

عزت بإبتسامة ثقة: بس هيبيع صافيناز.

فايزة بقلق: طب ولو قال لعماد؟!

عزت تبسم بمكر: يا ريت. عماد طماع وخبيث، هيقول له أعمل كده يا بابا وخد أمان الباشا،هايفتكروا إنهم بيلاعبوني بس الحقيقة إني أنا إللي بلاعبهم، عماد مش هيرضى يبان خائن، عشان أول ماصافيناز تقع، هايقول لي: أنا رجعتلك كل حاجة من وراها أنا مالي.

رفعت فايزة حاجبيها ببطء: وبعد ماتاخد منه كل حاجة؟ إنت بكدة هتكون رجعت الأملاك بس، لكن صافي وعماد لازم يتربوا على الإهانة والتهديد.

عزت بثقة: أول مامسك عليهم غلطة، هتشوفي أنا هعمل فيهم إيه؟! عماد ده متأكد عامل بلاوي من ورا صافيناز، ومخبي سر كبير السفر المتكرر بتاعه مش صدفة أكيد فيه واحدة، أو مصايب تانية.

فايزة بهمس: عندك حق أنا كمان حاسة إنه مش مخلص.

عزت تساءل: أخبار رشدي إيه؟ 

فايزة: زي ما هو سهر واستهتار مش هيعقل.

عزت بحسم: أنا لازم أعالج رشدي. مش هسيب ابني يبقى مدمن.

فايزة بهدوء: سألت الدكتور قال لي لازم هو إللي يكون عايز يتعالج وإلا العلاج مش هايجيب نتيجة.

عزت بعصبية: سيبك من كلام الدكاترة الفارغ، إبني عزت الراوي مش هيبقى مدمن مخدرات! هانجيبه بالعافية لو رفض هحبسه هنا وأعالجه بس نخلص من مصائب دي.

فايزة بعد صمت: أعمل إللي تشوفه صح خلاص يعني هنرجع صافيناز القصر؟

عزت بحسم: ها نرجعها بس على شروطي بس أصبري دلوقتي.

شعرت فايزة بإلاطمئنان قليلاً هزت راسها بإيجاب.

منزل مصطفى الثامنة مساءً 

كانت الأجواء الاحتفالية بسيطة وهادئة، تتناغم مع صوت الأغاني المناسب للحظة فاليوم خطوبة عائشة. الحاضرين لم يكونوا كثير، بعض صديقات عائشة، وخالتها صباح وزوجها جمال، بالطبع. جلس محمد إلى جوارها، وإلى جانبه رجل وامرأة بدت ملامحهما كأنهما والده ووالدته؛ سمية وعبد الرحمن، وكانت ماسة حاضرة، ترتدي نقابها كعادتها. غاب عبد الحميد، والد عائشة، عن المشهد.

كانت ترتدي فستانها باللون البنفسجي البربري، وطرحتها البيضاء ومكياجها الهادئ أظهر عينيها الخضراوين بوضوح. محمد بدوره كان أنيقًا ببدلته، والسعادة تُرى على وجهه.، وقد علت البهجة وجوه الجميع، والزغاريد تملأ المكان.

بدأ العروسان رقصتهما الأولى ببطء، ثم تحركا معًا على أنغام الأغاني، بينما التصفيق يعلو، ومصطفى وإيهاب شاركا بالرقص مع الأصدقاء، فقد كان اليوم استثنائيًا بالنسبة لهما، يوم خطبة أختهما الوحيدة التي اعتبروها دومًا ليست مجرد أخت، بل ابنتهم وكل شيء بالنسبة لهم.

حين انتهت الرقصة، جلس محمد إلى جوار عائشة وهمس بإبتسامة صغيرة:شايفة كل ده؟

عائشة بخجل: آه

محمد: ولا حاجة من إللي حواليّا فارق معايا أنا مش شايف غيرك.

عائشة تضحك بخفة: إنت بتقول كده علشان الناس حواليك؟

محمد يهز رأسه: لأ بقول كده علشان دي الحقيقة.

هبطت عائشة عينيها لاسفل بتوتر: وأنا كمان حاسة إن النهاردة بداية جديدة ليا.

محمد بإبتسامة دافئة: البداية إللي كنت مستنيها من زمان.

بعد دقائق تقدمت والدة محمد، وقدمت الشبكة على صينية مزينة بدأ محمد بتلبيس عائشة، يضع الخواتم والذهب، والسعادة تغمر قلبه، كان ينتظر هذا اليوم منذ سنوات، وهي بدورها شعرت أن كل مخاوفها القديمة قد اختفت، وكأنها لم تكن موجودة يومًا.

في الزاوية، كانت ماسة واقفة، تصفق وتبتسم من خلف نقابها، سعادتها واضحة رغم أنها بعيدة.

بعد وقت وقفت ماسة بالشرفة تتأمل البحر ترفع نقابها، وعيونها تلمع بالدموع تتمنى لو كانت مع شقيقها عمار في مثل ذلك اليوم، تريد أن تستقر، لا تظل هاربة أكثر من ذلك.

بعد دقائق، أقترب مصطفى وهو يحمل طبقًا فيه قطع جاتوه، وقف إلى جانبها وقدّمه لها بيده:

مصطفى بمزاح: سرقتلك قطعة جاتوه قبل ما أصحاب عائشة ينسفوا البوفيه.

تبسمت ماسة وأخذت منه القطعة: تسلم إيدك.

ركز مصطفى نظره في ملامحها، ضاق عينيه قليلًا: ليه عيونك مدمعة؟

مسحت ماسة دمعتها بخفة: مافيش حاجة ده الهوا.

مصطفى، وهو يمد رأسه بقربها: هتخبي عني؟ افتكرتي عمار؟

زمت ماسة شفتيها بحزن وهي تتنهد: آاه كان نفسي أكون معاه يوم متقدم لأمنية، نفسي أكون وسط أهلي مش عارفة لحد إمتى هفضل بعيد؟! هفضل هربانة!؟ كأني مذنبة مش مجاني عليها.

أقترب مصطفى نحوها بخطوة نظر إليها بعينين دافئتين: أصبري شوية لما نشوف إيهاب هيعمل إيه؟!

مدّت ماسة وجهها بيأس: مش هنوصل لحاجة، أنا متأكدة إن رشدي مستحيل يسيب حاجة زي دي على اللاب توب بتاعه. وحتى لو معايا نسخ... هعمل بيها إيه؟!
سبق قولتك إن الفيديوهات دي هتأذي سليم، وأنا مستحيل أأذيه ، وكمان... مش عايزة أدخّلكم في مشاكل.

مصطفى بهدوء وعقلانية:  حاجة بالأهمية دي لازم تفضلي محتفظة بيها، يمكن يحصل أي ظرف وتحتاجيها، ولحد ما سليم يرجع من السفر نفكّر في حل. أصبري.

ارتسمت ابتسامة صغيرة حزينه على شفتي ماسة وهي تقول بمرارة  هو أنا بعمل غير إني أصبر وأستنى وأشوف هيحصل إيه؟!

مصطفى متابعًا بعقلانية: وبعدين ليه مفكرتيش إن ده ممكن يكون سلاح ليكي قدّامهم؟! يعني لما تحكي له على اللي حصلك وتوريه الفيديوهات، لأنهم أكيد هينكروا.

ماسة بابتسامة محبة وثقة: سليم مش هيحتاج دليل... كفاية إني أقوله، هو بيصدقني علاقتنا أكبر من كده.

ثم أضافت برجاء خائف: مصطفى، وحياتي، بلاش... أنا مش عايزة أأذيكم.

ابتسم مصطفى ليطمئنها: ما تقلقيش.

فجأة ارتسمت ابتسامة واسعه على شفتيها وهي تقول: بس بجد فرحانة أوي.

مصطفى يبتسم برقة: وأنا كمان وأخيرًا عائشة اتغلبت على خوفها،خطوة مهمة جدًا إنها تقدم على موضوع الخطوبة.

ماسة، تنظر إليه بعينيها المتألقتين: ليه مافكرتوش تودوها دكتور نفسي؟

مد مصطفى، وجه نظره وهو يميل نحوها قليلًا بتفسير: هي رافضة ومقتنعة إنها صح، شايفة طبيعي جدًا إن الإنسان يخاف يرتبط ويتجوز، خصوصًا مع المشاكل إللي موجودة دلوقتي، قصص الناس حوالينا بتخلي أي حد يفقد الثقة..

صمت للحظة أضاف بنبرة بها تأثر قليلا وكأنه مقتنع بما يقول: وبينى وبينك، هي عندها حق، مافيش قصة ممكن تتسند عليها، حتى قصتي أنا إللي كانت ممكن تديها لو شوية أمل باظت، انفصالي عن ندى بعد قصه الحب إللي كانت بيني وبينها زادت التشوه إللي في عقل عائشة.

ماسة بإعتراض: لا أنا أخالفك في الرأي، أنا لما اتكلمت معاها وأديتها أمثلة ذكرتك إنت وإيهاب، وحتى سليم، قلت لها زي مافيه والدك والقصص إللي إنتي سمعتيها ومليتك باليأس، فيه ناس كويسة حتى لو قصتك فشلت بس ندى كانت السبب مش إنت.

مصطفى تنهد موضحا: هي خايفة أكتر من الرجالة، وإنتي عندك حق ندى السبب، بس لما كمان تشوف القصة الوحيدة إللي كانت ممكن تعطيها أمل، باظت كأنك رجعتي خطوات لورا، بس طلعتي شاطرة وعرفتي تقنعيها.

تبسمت ماسة برقة: أنا ماعملتش حاجة، أنا بس حاولت أفهمها إن طبيعي يكون فيه ناس سيئة زي مافيه ناس كويسة، حتى لو السيئين أكتر، الخير هيفضل موجود ليوم الدين

عدلت من وقفتها وحدقت فيه بتركيز، كأنها تريد أن تغرس الفكرة داخله كانت نبرتها موجوعة، فهي في الحقيقة تتحدث عن نفسها أكثر مما تتحدث عن عائشة قالت:
المهم إللي جاي، محمد لازم يثبت إنه يستحق الفرصة، وإنت لازم تفهمه ده، إنت صديقه وهيتقبل منك الكلام، فهمه إن هو أكيد هيواجه معاها شوية مشاكل، وأكيد مش هتتقبله بسهولة، وهيحصل تذبذبات، فلازم يكون عاقل وهو بيتعامل معاها، وبلاش العاطفة وجنون الكرامة والكبرياء يسيطروا عليه

ازدادت نبرتها وجعًا، وعيناها تترقرقان بالدموع: هي محتاجة تطمن، محتاجة تحس إن الراجل إللي معاها مهما عملت ومهما حصل هيفضل بالنسبالها الحضن الدافي، أمانها، وإنه عمره ماهايخذلها مهما حصلت ظروف، ومهما واجه صعوبات ومشاكل، هيفضل معاها..

رفعت عينيها نحوه تريد أن تثبت المعنى بنبرة أكثر ألما بوجع يعصف بقلبها: فهمه يا مصطفى إن الأمان أهم من الفلوس، أهم من إنه يجيب لها هدايا كل يوم، أهم بكتير من إنهم يقضوا أوقات رومانسية ويسافروا بلاد، شعورها بالأمان والإنتماء أهم من كنوز الدنيا كلها، فهمه، أنها مش محتاجة غير إن هي تطمن وبس، وصدقني هيكون كافي يخليها تعشقه وتفضل معاه وتتمسك بيه مهما حصل.

كان مصطفى صاغيا لها بشدة يفهم جيدًا ما تشعر به لقد كانت تفتقد الأمان وتفتقد ذلك الشعور بسبب مافعله سليم، وهذا ماجعلها في هذه الحالة.

تبسم إبتسامة هادئة قال لها مطمئنًا: أنا عارف يا ماسة، أكيد هتكلم معاه تاني في الموضوع ده، ماتقلقيش.

ثم ضيّق عينيه وتحدث بنبرة مازحة: بعدين كفاية نكد خلينا ننبسط، مش كل يوم لازم تعيشي على أغنية كتاب حياتي يا عين.

ضحكت ماسة بخجل: والله أنا شخصية فرفوشة بطبيعتي، بس الفترة دي معرفش ليه فعلًا متقمصة شخصية أستاذ حسن الأسمر في أغنية كتاب حياتي يا عين.

أنفجر مصطفى ضاحكًا: ما تتقمصي سعد الصغير، في فكهاني وبحب الفاكهة أحلى.

ابتسمت ماسة بعفوية: بس كده، عيوني باباااي حسن هاااالو سعود.

ضحك الأثنان معًا، واللحظة بينهما ازدادت خفة، وقف مصطفى دقيقة ينظر إلى عينيها الزرقاوين، وفيهما سحر خفي كانت النظرات صامتة، لكنها أوضح من أي كلمات أنكسر الصمت فجأة حين قاطعهم صوت ندى وهي تقتربت بإبتسامة:

ندى: مساء الخير.

ألتفت مصطفى بدهشة: إيه إللي جابك؟!

ماسة بنظرة رجاء: عشان خاطري، إنت وعدتني.

مصطفى بضجر: وعدتك بس مش النهاردة قلتلك، مجنونة! 

ندى تحاول توضيح أمرها بتوتر: والله جاي أقول مبروك لعائشة مش قصدي أي حاجة.

ماسة، بإبتسامة خفيفة وهي تنزل النقاب: أنا هطلع بره.

نظرت ماسة إلى مصطفى بعينيها، كأنها تقول له: اتكلم معاها براحة؟

اقتربت ندى بخطوات بطيئة حتى وقفت بجانبه، متوترة، وقالت بصوت خافت:عامل إيه؟

مصطفى، وهو يشيح بوجهه عنها بنبرة جافة: بعدين نتكلم بعدين.

نظرت له، لكنه أكمل بحدة: النهاردة خطوبة أختي، مش عايز مزاجي يتعكر ولا عايز أتعصب ونعمل فضايح!

ندى بدهشة: فضايح؟

نظر مصطفى لها، قال بنبرة لازعة: آه، مستغربة ليه؟ إنتِ عندك قدرة تحرقي دم أي بني آدم وتخلي الطوب يتعصب، وأنا عارف نهاية الحوار بتاعنا، مش هنتكلم كأتنين عقلانيين كبار، إنتِ خليتيني شخص متعصب ديما، كل مابشوفك بيركبني عفاريت، إنتِ مش جاية تباركي لأختي صح؟ 

أشار بيده نحو الخارج: خلاص، روحي أقعدي معاها.

ندى بصوت مرتعش: إنت بقيت قاسي أوي.

مصطفى، وهو يبتعد عنها: خليكِ واقفة لوحدك.

تحرك تاركًا خلفه صدى حزن في خطواته. 

كانت ماسة تقف قريبة، تسمع كل ما جرى، وأثناء خروج مصطفى ألتقت عيناه بعينيها وهي خلف درفة الشرفة.

نظر إليها بضجر وقال: مش هعرف أتكلم مش هعرف أحط كنترول.

ثم تركها وسار بين الحاضرين في الفرح دخلت ماسة نحو ندى، التي وقفت تبكي.

ماسة، وهي تضع يدها على كتفها بحنو: ماتزعليش ده شيء كان متوقع وبعدين مش اتفقنا إنك تيجي بعد بكرة تتكلمي معاه؟

ندى، بين دموعها: والله العظيم أنا شفت عائشة وهي عزمتني قلت أدخل أسلم عليه، إيه المشكلة؟

ماسة بحنان: خلاص بقى، ماتزعليش أمسحي دموعك.

ندى: إنتِ وعدتيني إننا هنتكلم.

ماسة بتفسير: هو وافق يسمعك، بس مش معناه إنكم ترجعوا فهماني؟ لكن دي خطوة حلوة، ماتضيعهاش وخليكي عاقلة.

ندى وهي تمسح دموعها قالت بغيرة:هو إنتو كنتوا بتعملوا إيه جوه بتضحكوا؟ بتضحكوا على إيه؟

ماسة بإبتسامة خفيفة:أصل أنا كنت زعلانة من جوزي، وهو بيقول لي كل شوية نكد "إنتِ نكدية"، فكيها.

ندى بشك: أيوه يعني إيه إللي يضحك في كده؟ هو قالك إيه تاني؟

ماسة تبسمت: ماقالش حاجة غير إللي أنا قلتلك عليها صدقيني.

ندى، بغيظ: يعني عايزة تفهميني دول بس؟ خليكي صريحة كنتوا بتضحكوا أوي.

ماسة، محاولة تهدئتها: آه يا ندى وانا حقيقي صريحه معاكي.

ندى: هحاول أصدق، بس شكلكم حلوين وإنتو واقفين سوا.

ماسة تحاول تهدئتها: أنا ومصطفى إخوات والله صدقيني أنا أخر واحدة ممكن تغيري منها. 

ندى، بإنفعال: أنا لما بشوفه واقف مع ست بتجنن! بحس إني ممكن أي ست تاخده مني إنتِ شفتي مصطفى قد إيه طيب ومحترم؟ طريقته تخلي أي واحدة تحبه.

ماسة بعقلانية: المهم هو بيحب مين؟! ومخلص لمين؟!. صدقيني، لو راجل بيحب مراته، حتى لو واحدة وقفت قدامه عريانة وحاولت تغريه، مش هيشوفها عقله مش هيشوف غير مراته إنتِ مش واثقة فيه ولا إيه؟

ندى بسرعه: لا واثقة فيه، بس هو مش نبي، ده بني آدم طب قولي والله العظيم مفيش بينك وبينه حاجة.

ماسة، وهي تميل برأسها بأسف: لو حلفت هتصدقي.

ندى بلهفه:آه، أحلفي.

ماسة: أقسم بالله العظيم مافي بيني وبين مصطفى أي حاجة، وكان فعلاً بيقول لي بطلي نكد بتبقي زي أغنية كتاب حياتي يا عين.

ندى بتهديد: ليندا صدقيني لو طلعت بتكدبي عليا ماتعرفيش أنا ممكن أعمل فيكي إيه 

ضحكت ماسة قالت بمزاح: لا أبوس إيدك أرحميني، أوعي تهدديني عشان أنا مهرية والله العظيم كفاية.
مش اخلص من هناك تطلعيلي هنا.

ندى بتهديد وجنون: أنا مش بهددك انا بفهمك أنا أي حد يفكر ياخد مني مصطفى أنا ممكن أقتله.

ماسة مدت وجهها: ده إنتي حالتك صعبة.

قالت كلمتها تلك وتحركت بعدها إلى الخارج، وصارت وهي تصفق مع البقية، حتى وقفت بجانب مصطفى وقالت له بصوت هادئ: أقسم بالله ضربة أخلع.

مصطفى بإبتسامة جانبية: مش عملتِ فيها جدعة.
قوللتك اشربي. 

ماسة بطيبه: كنت فاكرة عقلت طلعت مافيش بس برضه هاتروح تقابلها، علشان أنا وعدتها وإنت وعدتني.

مصطفى تبسم: حاضر يا ستي.

في أحد الكافيهات المطلة على البحر، الرابعة مساءً 

الجو هادئ، والموج يتلاعب برفق على الشاطئ القريب. جلست عائشة أمام محمد، هذه أول مرة يخرجان فيها سويًا بعد خطبتهما ليلة الأمس.

محمد مبتسم بعينين لامعتين: أنا فرحان أوي، أخيرًا أخيرًا مش مصدق مانمتش من إمبارح، من فرحتي لا من امبارح إيه ؟! أنا مانمتش من يوم ماقلتيلي موافقة وأنا مش قادرة أصدق كل شوية أبص للدبلة وأقول أخيرًا.

عائشة بإبتسامة: لااا خليك بعقلك أمال لما نتجوز هتعمل إيه؟

محمد يمد يده نحوها مطمئنًا: هيكون طار عقلي إنتي ماتعرفيش أنا بحبك إزاي وفرحتي بيكي ماتتوصفش.

دقق النظر داخل بحور عينيها بعشق صادق: عائشة أنا عارف مخاوفك والله، حاسس بيكي ماتخافيش هكون قد الثقة إللي اديتيهالي وقد الفرصة ده وعد ليكي.

عائشة بصوت منخفض يخرج من جرح قديم:
أنا آسفة يا محمد بس إنت فاهم حياتي، فاهم أنا فتحت عيني على إيه؟! أول راجل غدر بيا كان أبويا. ومن ساعتها وأنا مكسورة حاجة واحدة بس بتيجي في دماغي الأب إللي يهون عليه يكسر بنته ومراته، الغريب يعمل إيه؟ خاصة لما الراجل يحس إن مراته مالهاش ظهر ولا سند بيكسرها أكتر مافيش قصة توحد ربنا حوالينا تفتح النفس.

محمد يضغط على يدها بحنان: ده مايتقلش عليه راجل، من أساسه لإن الراجل عمره مايعمل كده في مراته وقصتنا هتفتح نفسك، هتبقى فاتح شهية كمان..

ضحكة معا وهو يضيف بمزاح: وبعدين إنتي مش لوحدك، معاكي أسدين في البيت، مصطفى وإيهاب إنتي مش عارفة مصطفى بيبقى عامل إزاي لما بيقلب؟

عائشة بعين دامعة:هما فعلا سندي والله العظيم أنا من غيرهم ماسواش حاجة.

محمد بعتاب:طب وأنا فين؟ كيس جوافة ؟ قولي كلمة واحدة إحنا النهاردة أول يوم لينا.

عائشة تبتسم في هدوء: إنت حبيبي وهتبقى جوزي وسندي، بس يعني، محتاجة أتأكد وأطمن.

محمد متلهف: عارف، وأنا هعرف إزاي أطمنك؟ قوليلي مين إللي أقنعك؟

عائشة وهي تحتسي العصير: والله كل الناس اتكلموا معايا، خالتو صباح، ماما، مصطفى، إيهاب كل واحد بيحاول يقنعني. بس ماسة كانت آخر واحدة كلمتني. يمكن كلامها هو إللي رجح القرار عندي.

محمد بضجر: ماسة؟

عائشه بغيظ: آها ماسة مع إنك عارف عملت معاها حركة حقيرة هي محكتش بس واضح اكيد قولتها كلمتين من بتوعك.

محمد موضحاً بنبرة قلقة: أنا بخاف عليكوا يا عائشة. ماسة دي وراها مصايب، وراها عصابات. إنتو إللي هتتأذوا.

هزت عائشة رأسها بهدوء وقالت بعقلانية: أنا متأكدة إننا مش هانتأذي، متأكدة إن ربنا هايكرمنا، البنت دي عاشت قسوة وخوف، ومالقيتش حد يمد لها إيده، اترمت في الشارع، اتغدر بيها من جوزها ومن أهله، أنا لما بشوفها بفتكر أمي لما سابت البيت لأبويا وستي ماوقفتش جنبها، إللي ساعدها وقتها جيرانها،
صدقني يا محمد الخير بيتعمل لربنا مش للعبد، حتى لو كلامك فيه نسبه صح، متأكدة ربنا عمره ماهيأذينا علشان إحنا وقفنا جنبها ولميناها من كلاب الشوارع، وحافظنا عليها، وإللي بيعمل خير ربنا عمره ما يأذيه، ربك ميرضاش بالظلم دي ست في ضيقه وطلبت مساعده حرام نخذلها ربنا بيكرم اللي بيستر الولايا.

مد محمد شفتيه بعدم معرفة: مش عارف مش قادر أطمن.

عائشة تنظر في عينيه بصدق: أنا مش هقولك تقبلها، او تتعامل معاها، بس سيبها في حالها، هي أصلا متدمرة ماتحطش على جرح القلب ملح بيقتل حرام الرحمه.

تبسم محمد بعد صمت قصير: سيبك إنتي، أنا مبسوط، قوليلي عايزة إيه؟ أجيبلك إيه؟

عائشة:مش عايزة حاجة غير إنك تخليني مطمنة، ومش خايفة.

محمد بإبتسامة حقيقية: بس كدة ده أسهل حاجة ربنا يخليكي ليا ويقدرني أسعدك.

,💞________________بقلمي_ليلةعادل 。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。

فيلا صافيناز ، الثالثة مساءً

الحديقة.

الأطفال يركضون في كل مكان، الضحكات تختلط بأصوات الأقدام الصغيرة صافيناز تجلس على الأريكة، تهز قدميها بعصبية، والسيجارة تحترق بين أصابعها عيناها تترقبان شيئًا لا يأتي، والضيق يتراكم بداخلها.

صافيناز بضجر: زين مريم كفاية دوشة!

عماد وهو يجلس بجوارها، يقلب صفحات مجلة بهدوء: سيبيهم يلعبوا يا صافي، دول عيال.

صافيناز بعصبية، وصوتها متكسر: مش قادرة، دماغي هتنفجر من الدوشة.

عماد: يا ستي دول عيال، هايعملوا إيه غير اللعب؟

صافيناز بحدة: عيال إيه؟ دول كبروا على الهبل إللي بيعملوه ده!

يرفع عماد عينيه نحوها، متفحصًا: مالك إنتي؟ شكلك متضايقة.

صافيناز بنفَس مضطرب: مامي ماعملتش حاجة، رغم إني هددتها زي ماقلتلي.

عماد بإستهجان: أنا قلتلك اتكلمي معاها، ماقلتش تهدديها إنتي بقيتي مولعة طول الوقت يا صافي، مش عارفة تسيطري على نفسك وبعدين، متأكد الباشا هايرجعك أصبري.

فجأة، يندفع زين راكضًا ويصطدم بها، فينسكب العصير على فستانها.

صرخت صافيناز، عينيها تتقدان غضبًا: إنت غبي؟!

ترفع يدها وتصفعه بالقلم. يتراجع الولد مذهولًا، والدموع تلمع في عينيه بينما نظرت له مريم بخوف وبكت.

ينهض عماد بعنف، يمسك يدها بقوة: إنتي اتجننتي؟ صافي لا اوعي، ولادي خط أحمر!

يضم ابنه إلى صدره، يمسح دموعه ويهمس:ماتزعلش يا حبيبي مامي مش قصدها.

زين متلعثم بين شهقاته: أنا ماكنتش قاصد والله يا بابي...

عماد: عارف يا زين خلاص.

ثم ينادي: يلا يا مريم، أطلعي فوق إنتي وهو.

مريم بخوف: حاضر.

تظهر كندا لتأخذ الأطفال.

تحدق صافيناز في عماد بذهول: إنت بتزعقلي قدام الولاد؟!

عماد بغضب مكبوت: أيوه وهزعقلك تاني لو مديتي إيدك عليهم.

يقترب منها، صوته يعلو: إيه إللي خلاكي تضربيه؟

صافيناز ببرود مصطنع: هو إللي غلط.

عماد بتهكم: الولد ماعملش حاجة! خبطك غصب عنه وحتى لو قاصد ماتمديش إيدك دي الحاجة الوحيدة إللي لقيتي نفسك تعرفي فيها تقوليلهم صح وغلط؟! إنتي سايباهم طول النهار لكندا لدرجة إن الولاد متعلقين بيها أكتر منك.

صافيناز بحدة: بقولك إيه أنا مش فاضية للحنية بتاعتك دي أنا اتربيت كده، وهربيهم كده.

عماد يرمقها بغيظ: اتربيتي غلط.

صافيناز تسحب سيجارة وتشعلها بيد مرتعشة، تنفث دخانها ببرود: بقولك إيه إحنا محتاجين نفكر في حاجات أهم دلوقتي من الهبل إللي إنت بتتكلم فيه.

عماد يضرب المجلة بيده على الطاولة: تربية ولادنا مش هبل! إحنا بنعمل كل ده علشان خاطرهم علشان مستقبلهم.

ثم اقترب منها بعينين مشتعلة: صافيناز، أولادي لا أوعي أنا بخاطر بحياتي عشانهم علشان يعيشوا ملوك مش عبيد، ولادي خط أحمر مفهوم؟

صافيناز: ما هما ولادي أنا كمان.

عماد بتهكم: صح بس عمرك ماكنتي أم ليهم بقولك أنا همشي متعصب منك.

قال كلماته تلك وغادر بخطوات سريعة تظل صافيناز مكانها، تحدق في الفراغ، عيناها جامدتان، كأنها تخشى أن يراها أحد مهزومة تنتفض فجأة، تضرب الطاولة بقدميها بعنف، يتطاير الرماد من سيجارتها على الأرض لم تكن الأم البيولوجية لهم بالطبع. لكنها منذ وضعوا في بيتها، وهي لا تعرف كيف تتعامل معهم سنوات مضت، ولم يزهر في قلبها إحساس بالأمومة ربما لأنها لم تتذوقها يومًا، لم تعش الحنان ولا حضن الأم، فلم تستطع أن تمنحه أو ربما لأنها حقًا ليست أمهم، فبقيت بينهم غريبة، تتعامل بالقسوة بدل العطف، وبالصراخ بدل الحنان.

منزل مصطفى الخامسة مساءً 

جلست ماسة وسط العائلة، وإلى جوارهم صباح خالتهم بينما كان إيهاب غائبًا عن الجلسة. الأجواء مليئة بالضحكات والأنس، خاصة أمام صباح.

وبعد دقائق، طرق الباب، نهض مصطفى ليفتح، فإذا بالطارق هو إيهاب.

مصطفى مبتسمًا: كويس إنك جيت، حماتك بتحبك. ماما وعائشه كانوا لسه بيحطوا الأكل على السفرة.

ضحك إيهاب وهو يدخل:أنا أصلاً ميت من الجوع.

اقترب من صباح وضمها قائلًا: إزيك يا خالتو؟ عاملة إيه؟

أجابته بفرح: إزيك يا حبيب خالتك وحشني
 اضافت بعتاب حنون
 فينك يا ابني؟ ما بنشوفكش غير مرة في السنة زي هلال رمضان، لولا خطوبه اختك ما كنتش شفتك، وقبلها كان بقالي ياما ماشفتكش يعني بعد ما جيتوا اسكندريه مانشوفكش برضه. 

إيهاب مبتسم باعتذار: والله يا خالتي، تعبان في الشغل، لازم أثبت كفاءتي عشان آخد مكان كويس.

ابتسمت صباح: ربنا يعينك ويوفقك يا حبيبي.

ثم التفت إيهاب نحو ماسة: أخبارك إيه يا حور؟

فصباح تعرف القصة الاولى ولا تعرف القصة الحقيقية لذلك قال امامها حور.

أجابته بهدوء:الحمد لله تمام.
مد يده إلى جيبه وأخرج علبة صغيرة، ناولها للماسة وهو يقول: اتفضلي.

فتحتها ماسة فوجدت عقدًا من الصدف اللامع، فصاحت بإعجاب: ياااه، جميل أوي.

 إيهاب وهو ينظر إلى ماسة: أول ما شفته قولت بس، ده لحور. عارف قد إيه بتضعف قدام الصدف.

ابتسمت ماسة بخجل: أنا فعلاً بموت فيهم، بس كلفت نفسك ليه؟

إيهاب بابتسامة: مفيش تكليف ولا حاجة، حاجة بسيطة.

 ماسة برقه: شكرًا يا إيهاب.

في تلك اللحظة توقفت نبيلة عن ترتيب الطعام فجأة، وارتسمت على وجهها علامات ضيق، فالتقطت صباح النظرة ولاحظت انزعاجها.

 نبيلة: يلا يا ولاد.

جلس الجميع إلى السفرة، وبدأوا في تناول الطعام.

قال إيهاب وهو يذوق الملوخية:
ـ الملوخية دي من إيدك يا حور، صح؟

أجابته بتوتر: أيوه، في مشكلة؟

ابتسم: بالعكس، تحفة. تسلم إيدك.

ظلوا يتبادلون الأحاديث والضحكات حتى انتهوا. وبعدها خرجت صباح مع نبيلة إلى الشرفة، تحملان الشاي بأيديهما.

 صباح وهي تنظر إليها مباشرة متعجبه:في إيه يا نبيلة؟ مالُه إيهاب؟ بالبت حور، حتى في الخطوبه بتاعت عائشه ماشالش عينه من عليها، حتى مصطفى؟! مش واخدين بالهم إن حور متجوزة ولا إيه؟

تنهدت نبيلة بقلق: عارفين يا حبيبتي كل حاجة، بس قلبي مش مرتاح. اهتمامه مش طبيعي، حتى مصطفى هوكمان مش مرتاح له الاثنين شكلهم معجبين بيها.

صباح بنبرة جادة: بصي يا نبيلة، إحنا ساعدناها أيوه، والبنت غلبانة مقولناش حاجة؟! بس اللي متجوزة وهربانة من جوزها، وبتقولك جوزها ضابط أمن دولة؟! يا حبيبتي إحنا مش قدهم، وحتى لو راجل عادي، عيب وحرام، ست متجوزة. لما تبقى تطلق يبقى نشوف الكلام ده.

هزّت نبيلة رأسها بتردد: تطلق إيه؟ دي بتحب جوزها.

رفعت صباح حاجبها باستنكار: بتحب إزاي وهي هربانة منه وبتقول إنه بيضربها؟

سكتت نبيلة لبرهة، تذكرت ان صباح لا تعرف الحقيقة حاولت التوضيح: ساعات بتحسيها بتتكلم عنه كويس.

أجابت صباح بحزم: عادي، بنت أصول. شايلة الحلو والوحش مع بعض، بس يا نبيلة إحنا الاهم عندنا العيال، كلميهم وفوّقيهم. ومن رأيي وجودها هنا يقل شوية.

ترددت نبيلة ثم قالت مستسلمة: والله البنت كويسة ومؤدبه، ما بترفعش عينيها من الأرض، ولا عمرها عملت حركه كده ولا كده مع اي حد فيهم شهاده حق،
 بس انت عندك حق يا صباح… كده مش هينفع ما ينفعش احط البنزين جنب النار وبعدين ارجع اعيط.

صباح رتبتت على كتف نبيلة: كلميهم وفوقيهم كدة مبنفعش يا حبيبتي ونصيحتي ما تخليهاش تيجي كتير بالاخص لما العيال يبقوا هنا، البت حلوه وعيالك كمان ما شاء الله عليهم. 

نبيلة هزت رأسها: هعمل كدة.

القلج العاشرة مساءً 

سيارة رشدي

هبط رشدي من سيارته في ذلك الشارع الذي رأيناه من قبل، لكن هذه المرة تحرّك نحو الباب الذي خرجت منه السيدة المجهولة سابقًا مد يده ليطرقه، فما إن لامست أصابعه الخشب حتى انفتح الباب ببطء، لتقف أمامه السيدة بابتسامة واسعة وهي تقول: رشدي بيه، إزيك يا ابني؟

وهنا اتضحت ملامحها؛ امرأة في أواخر الستينات من عمرها، وجهها محفور بالتجاعيد، والفقر مطبوع على ثيابها وهيئتها المنهكة جسدها الضئيل يختبئ خلف عباءة سوداء باهتة، كأنها صارت رفيقتها منذ أعوام طويلة.

ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة وهو يرد: الحمد لله،
عاملة إيه يا..
يرجاء محدش ينسى يضغط على اللايك عشان؟تساعدوا الرواية تنجح يا فرولات 
تفتكروا مين دي؟!وإيه إللي هايحصل في الحلقات الجاية؟!
إلى اللقاء في الحلقة القادمة من رواية الماسة المكسورة2



                  الفصل الخامس من هنا 

تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة