
رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الاول 1 ج2 بقلم ليله عادل
مصطفى بهدوء: مالكيش دعوة بيه دلوقتي، هو مابيقبلش فكرة إن حد يخبي أو يكذب، لكن أنا قلتلك زمان: أحيانًا بقبل لو فيه مبرر قوي.
ابتسم، مصطفى وكأنه يسترجع ذكرى قديمة: كنا قاعدين على البحر وقتها، وسألتي:بتسامح في الكذب؟قلتلك: أحيانًا آه لو مش هيأذيني.
نبيلة برقة: وإنتِ ماكذبتيش يابنتي إنتِ بس ماقلتيش كل حاجة.
ضحك مصطفى، لاح بإصبعه لها: بس أنا مش هسامحك لو حاولتي تهربي تاني يا سنووايت الهاربة!
رفعت ماسة يدها كأنها تقسم، بابتسامة صغيرة تشق طريقها وسط الحزن: مش ههرب تاني وعد!
في أحد المطاعم الفاخرة على ضفاف النيل، الثامنة مساءً.
يتوزع الحاضرون بين رقص ونظرات متبادلة ومصافحات باردة تخفي صفقات خفية ضحكات ومجاملات تنتهي بابتسامات شكلية تحفظ الهيبة كل زاوية هنا تنطق بالفخامة، فالحفلة ليست لهوًا بل استعراض قوة يجمع نخبة المال والنفوذ تحت سقف واحد كان سليم جالسًا على رأس الطاولة، وإلى جواره أفراد عائلته، وبينهم شركاء عرب وأجانب، وجوه بارزة في عالم السياسة والمال.
عزت متسائل: لازم سفرية ألمانيا دي؟!
سليم بهدوء: لازم.
فايزة، وهي ترتشف من كأسها دون أن ترفع نظرها: مسافر ليه؟
سليم، وهو يتناول قطعة صغيرة من الحلوى:
أغير جو.
طه بإستغراب: طب وحملة الانتخابات؟
سليم، وهو يرمي نظرة جانبية لطه دون أن يلتفت له تمامًا: لسة بدري عليها، وأنا مرتب كل حاجة.
أستمر الحديث على الطاولة، ضحكات، مقترحات، خطط مستقبلية،لكن سليم كان شاردًا يحاول التظاهر بالتماسك، يرد بإبتسامة، يهز رأسه باهتمام، لكن الغياب كان واضحًا في عينيه.
غياب ماسة ترك فراغًا لا يغيب، حتى وسط هذا الصخب الراقي إنتهى العشاء، لكن الحفل أستمر.
وفي زاوية جانبية بعيدة عن الطاولات المستديرة، وقف سليم مع رشدي وصافيناز، يتبادلون الحديث بصوت منخفض ومعهم سمير، نجل أحد شركائه المعروفين.
سليم مبتسم وهو ينظر إليهما: إنت ورشدي نسختين من بعض، الفرق الوحيد إنك مركز في الشغل.
سمير ضاحكًا: ما لازم برضو أحط التاتش بتاعي.
مد يده في جيبه، وأخرج حفنة من الأقراص البيضاء، ثم مدها بإتجاه رشدي: رشدي، تاخد؟
رشدي بإندفاع: طبعًا.
أخذ الحبة وابتلعها أمامهم بلا تردد.
سليم نظر لهما باستغراب، لكن لم يعلق.
سمير، وهو يلتفت نحو صافيناز ويشير: صافو دي زي إللي خدتيها قبل كده، تاخدي واحدة؟
تغير وجه صافيناز فجأة، وأنسحب الدم منها: إنت مجنون؟ إنت عارف إني ماليش في الحاجات دي!
سمير بسخرية: آاه عشان سليم واقف؟ يا بنتي خدي، ماتتكسفيش سليم مش فتان، قولها تاخد، ماتخافش.
سليم، وهو يحتسي عصيره بهدوء فيه تساؤل مريب: أقراص إيه دي؟
سمير بإبتسامة مستهترة: دي يا سولي بتخلي الدماغ تعلى، تحس إنك فوق السحاب، لو مودك حلو تعليه، ولو ناوي سهرة جامدة مع مراتك تبقى عنتر، ١٨٠حصان، بس بلاش لو مودك ضارب ساعتها بتقلب طور هايج، بتفجر الدنيا، أنا كنت واخدها، ووقفوني في كمين ضربت الظابط والعساكر، الموضوع خلص بصعوبة، حتى إنكل عزت دخل بنفسه يساعد بابا.
ثم أدار وجهه نحو صافيناز وقال دون تردد: وصافو خدت مني واحدة في الحفلة إللي فاتت.
سليم، وقد تبدلت ملامحه، رفع نظره ببطء: الحفلة إللي فاتت؟ أنهي واحدة؟
وفي تلك اللحظة شحب وجه صافيناز، وتيبست أطرافها كانت على وشك الرد، لكن صوت سليم سبقها، حادًا كالسكين:
سليم بنبرة غليظة: أخرسي إنتي.
سكنت الأجواء فجأة، ضحكات اختنقت، وكلمات تجمدت في الحلق تحول الصخب إلى توتر ثقيل يقطّع الهواء.
سمير يتلفت متوجسًا: مالكوا يا جماعة؟!
رشدي ضاحكًا، محاولًا كسر الصمت: شكل صافي عملت مقلب مكن في سلوم.
سمير ضحك بحرج: أوف سوري يا صافي معلش يا سليم، ده هزار، هزار حبايب يعني.
سليم بصوت ناعم، لكنه مشحون بشيء لأي أحتمال تسأل: الحفلة إللي بنتكلم عليها دي، كانت حفلة إعلان ترشحي للانتخابات؟
سمير يبتلع ريقه، يحاول التنفس: آه، بس قولي، كنت مين وقتها؟
رشدي ضاحكًا: أكيد عنتر، طبعًا.
سمير مكمل وهو يضحك بهدوء:صح، هو ومراته وقتها كانوا آخر رومانسيات مفروض تشكر صافووو على النقلة الجامدة دي!
سليم لم يرد بل أمسك يد صافيناز فجأة، بقوة جعلتها ترتبك، وأقترب من أذنها وهمس بنبرة مرعبة:
تعالي، معايا بزوق، عشان لو رفضتي، هخلي الجاردات يسحبوكي بالحبال.
رفعت عينيها في صدمة، لكنه لم ينتظر سحبها من ذراعها وتحرك بها أمام الجميع.
رشدي ظل يراقبهما، وهو يبتسم في صمت كأنما يقول بداخله: يا ترى عملتي إيه؟ شكلك خربتي الدنيا مع ست الحسن.
سمير يتلفت بقلق: هو أنا بوظت الدنيا؟
رشدي، وهو يشير نحو راقصتين قرب المسرح:
بقولك إيه شايف البنات دول؟ تعال نرقص معاهم، كفاية جد.
في حديقة المطعم المطلة على النيل...
كانت صافيناز تتحرك إلى جانبه، تتبع خطواته بخوف يكاد يلتهمها، تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها، كانت تظن أن مافعلته طواه النسيان ودفن في عمق الزحام، لكن سليم لم ينس، فالحقائق لا تموت، تظهر مهما مرت الشهور، ومهما تم دفنها بكفوف حريرية.
وفجأة، بحركة مباغتة، دفعها سليم بقوة نحو شجرة ضخمة، فارتطم جسدها بها بعنف، حتى تأوهت من الألم.
توقف أمامها، حاصرها بجسده، لا مفر وجهه قاسي كالحجر، وعيناه تحترق بغضب لا يوصف.
صافيناز بتوتر وخوف: استنى هفهمك، أنا... أنا كنت حطيتها في كوبايتي، اتلخبطت! كنت حطاها ليا! هعمل فيك كده ليه؟!
سليم بصوت بارد كالموت: يعني ماكنتيش تقصدي ماسة؟ مش دي كانت لماسة وأنا إللي شربتها؟
((فلاش باك))
في الحفلة التى كان فيها سليم وماسة الاخيرة
نرى صافيناز تتوقف أمام البوفيه المفتوح، تتلفت من حولها، بمراقبة، أمسكت كوب ماء، وأعطت ظهرها للبوفيه بهدوء مدروس أخذت تنظر للأمام، تبتسم ابتسامة فارغة، وبخفة مريبة، وضعت يدها الأخرى خلف ظهرها وأسقطت الحبة البيضاء داخل كوب عصير المانجو ثم تبسمت لنفسها،كأنها أنهت مهمة خطيرة.
أشارت للجرسون بصوت منخفض، وطلبت منه أن يرفع هذه الأكواب ويقدمها.
ثم تحركت بثقة اقتربت من ماسة وسليم، الواقفين وحدهما.
صافيناز بإبتسامة مصطنعة: هالو شفتكم واقفين، قولت أجيبلكم عصير.
أشارت للجرسون، فمد الكؤوس أمامهم.
ماسة أمسكت بكوب الجوافة.
صافيناز بتوتر خفيف: إنتي مش بتحبي المانجو؟
ماسة برخامة: هشرب جوافة.
سليم ألتقط كوب المانجا.
صافيناز حاولت التبديل وهي تقول بتوتر مبطن: إستنى، خد إنت الجوافة التانية، أنا هاخد المانجو، دي أصلاً جايباها ليا.
سليم وهو يبتسم: لا حابب أشرب مانجو وبعدين مش قولتي دي لماسة؟
صافيناز ابتلعت ريقها، وحكت في خدها، وأعادت شعرها خلف أذنها، ثم قالت بتوتر خفيف: هاترجعي القصر؟
ماسة بهدوء: أمم هرجع القصر، بس المرة دي مختلفة.
صافيناز تضيق عينيها بتعجب: إزاي؟
ماسة بإبتسامة غريبة: هستعمل جملة سليم: لما موقف يحصل حصري بيبقى أجمل.
نظرت لها صافيناز بتعجب، لكن نظرة ماسة كانت تحمل شيئًا آخر شيء مظلم، عميق، أشبه بندبة لا تلتئم.
((عودة للحاضر))
كان سليم لا يزال واقفًا أمامها، والنار تتراقص في عينيه.
صافيناز تتوسل، تدافع بلهفة: طبعًا لأ! أنا ماكنتش أقصد أذيها، دي كانت ليا، اتلغبطت! فيهم!
لكن سليم لم ينتظر، ولم يصدق قبض على رقبتها بيده بقوة، خرج صوته كأنه جمرة تلسع الهواء.
سليم بغضب مكتوم: أنا مستحيل أصدقك، إنتي مالكيش في الكلام ده، إنتي كنتي ناوية تأذيها! كنتي ناوية على إيه؟! أنطقي قبل ماروحك تطلع في إيدي.
صافيناز تختنق، تتلوى بين يديه: كنت كنت، برخم عليها، ماتوقعتش تشربها! سليم سيبنى مش قادر اتنفس.
أنفجر سليم صاح بها بعين غامت بسواد خطر: بترخمي عليها ليه؟!
صافيناز بصوت مبحوح، ووجهها شاحب من أثر القبضة: علشان كلمتني بطريقة وحشة، بس والله ماكانش قصدي أأذيها! كنت بس عايزاها تضحكنا، تعمل تصرفات تضحكنا عليها!
جز سليم على أسنانه، فك يده وضعت صافيناز يدها أعلى صدرها تحاول التنفس، لكن لم يمهلها سليم ثواني فجاة صفعها بقوة على وجهها صفعة تبعتها صفعة أخرى، ثم قبض على شعرها بعنف، واقترب من وجهها حتى ألتصق بأنفها، وقال بلهجة قاتلة:
تضحكي عليها؟ عايزة تضحكي على مراتي؟إللي ظفرها أنضف منك وأعلى منك، يا زبالة!
(صفعة ثالثة) مراتي تعمل إللي هي عايزاه، وإنتوا تقولوا: حاضر، وعينكم في الأرض!
(صفعة رابعة) أعمل فيكي إيه؟ أموتك؟ بس موتك رحمة
صافيناز وهي تحاول إبعاده بذعر: سليم أوعى! إنت اتجننت؟ أوعى!
سليم بصوت أكثر قسوة، وهو يلهث: لأ، أنا لسه مابدأتش أتجنن، بس أوعدك هاتشوفي "الجنان" على أصوله! وها أعرف وجعك منين.
صفعها صفعتان إضافيتان ثم دفعها أرضًا بعنف، كان شعرها بين يده، فسقطت كجثةٍ فقدت توازنها.
تابع سليم وهو يرمقها من الأعلى، عينيه نار:
أمشي من وشي وماتظهريش قدامي تاني أحسنلك، والله لأخليكي تدفعي التمن غالي، يا بنت فايزة.
ركلها في بطنها بقوة وهو يقول بصوت اجش:
هتدفعي الثمن بس واحده واحده، ركلها مره اخرى في صدرها وهي تصرخ ثم بصق في وجهها هو ينظر لها بإشمئزاز.
تركها على الأرض منهارة، دامعة، منكسرة، وكل ذرة فيها تصرخ، مش من الألم من الإهانة.
بينما تحرك هو بخطوات صلبة، كأن الأرض ترتج تحته لم يلتفت، لم يتردد.
وخلفه دوى صوتها بصرخة غل وانكسار، لكن عينيها كانت تشتعلان بشرر أسود.
أما سليم فقد كان يمشي بخليطٍ معقد:الغضب مما اكتشفه، والرضا لأنه أدرك أخيرًا ماحدث في تلك الليلة لم يكن ذنبه لم يكن هو السبب في وجع ماسة بل تلك الحبة الملعونة، وربما عندما تعلم ماسة الحقيقة، تفهم، تسامحة
بعد قليل...
دخلت صافيناز إلى قاعة المطعم مجددًا، ووجهها محمر، وعيناها منتفختان من البكاء، الغليان كان واضحًا في نظراتها، تمشي بثبات زائف، تحاول لملمة كرامتها المبعثرة، وإبتلاع الإهانة، لكن النيران التي تشتعل في صدرها، لم تهدأ.
كان سليم واقفًا بجوار مكي، يتحدث كأن شيئًا لم يكن.
اقتربت صافيناز من الطاولة، وتوقفت بجانب عماد وفايزة، التي لم يغب عنها التغير العنيف في ملامح ابنتها.
فايزة وهي ترمقها من أعلى لأسفل: صافيناز مالك؟
صافيناز، وعيناها معلقة على سليم: مافيش.
مدت يدها للجرسون، وأشارت له بلا كلمة، أعطاها كأس خمرٍ امتلأ حتى الحافة.
رفعته إلى شفتيها، واحتسته دفعة واحدة، كأنها تحاول أن تطفئ ماشتعل بداخلها.
فايزة تتابعها بعين حذرة، ثم تلحق بنظراتها،
حتى أستقرت على سليم.
نظرت له، ثم عادت لإبنتها: حصل إيه؟ أنطقي!
صافيناز دون أن تحول نظرها: قولتلك مافيش.
ثم أشارت مجددًا للجرسون: هاتلي واحد تاني.
وهنا، تحركت عينا سليم نحو الجرسون نظرة واحدة فقط جامدة، باردة، حاسمة.
فهم الجرسون الرسالة، أومأ برأسه، وتوجه إلى الزجاجات الخلفية، خلف الطاولة، أثناء ملئه للكأس، دس حبتين صغيرتين داخل السائل الشفاف، ثم عاد إلى الطاولة وقدم الكأس لصافيناز بإبتسامة رسمية لا تحمل أي براءة.
صافيناز أخذت الكأس من يده، دون أن تدري أن القدر يعاود اللعب معها، لكن هذه المرة، من يد تعرف جيدًا كيف تؤلم.
عماد معلقا: صافي بتشربي كتير.
صافيناز بضيق: عماد مش عايزة أتكلم.
منى: خلاص سبوها براحتها.
بعد وقت قليل...
الأجواء لا تزال ناعمة، الموسيقى خافتة، الضوء ذهبي، والكؤوس تتمايل في الأيدي، لكن صافيناز كانت شيء آخر تمامًا بدات، تضحك بصوت عالي، مفاجئ، جعل عماد يلتفت نحوها متعجبًا.
عماد بإستغراب: مالك يا صافي؟
صافيناز، بعينين لامعتين، ونبرة مبتهجة بشكل مريب:مش عارفة مبسوطة! تعالي نرقص!
سحبته من يده، وتوقفا في منتصف القاعة، ثم بدأت ترقص رقصة غريبة، لا تشبه الرقص، ولا تشبه أي شيء آخر.
عماد يهمس بقلق وهو يراقب حركاتها: صافي؟ مالك؟
صافيناز وهي تضحك وتتمايل: مالي إيه! برقص!
زادت حركتها، صارت أقرب للجنون، تترنح بين الطاولات، تهمس في آذان الضيوف، تضحك على لا شيء، تبكي فجأة، ثم تعود للضحك بصوتٍ أعلى! كانت، واعية، لكن خارجة عن السيطرة تمامًا.
ثم بدأت تفتعل مشاجرات صغيرة مع الحاضرين،
تصرخ، توبخ، وتصيح:
صافيناز بصوت مبحوح ومشوش:أنا صافيناز الراوي! إنتو عارفين أنا مين؟!
الأنظار ألتفتت الهمسات تعالت،كاميرات الصحفيين بدأت تتحرك، السبق الصحفي يتشكل على أرض الواقع.
منى، تهمس بفزع وهي تمسك يد فايزة: فضيحة! دي بتنهار وسط الناس! حد يوقفها!
فريدة، بصوت متوتر: مامي! فيه إيه؟ إللي حصل لها؟! اتصرفي!
نهضت فايزة من مكانها فجأة،وجهها متجهم، وعيناها تقدحان شررًا.
فايزة بصوت حاد: صافيناز! إنتي اتجننتي؟! إيه إللي بتعمليه ده؟!
صافيناز تصرخ بوقاحة، وصوتها يعلو فوق الموسيقى: بقولك إيه، سيبيني!
ثم توقفت فجأة وسط القاعة، خلعت حذاءها، ورمته بعيدًا، ثم بدأت ترقص حافية القدمين، بطريقة هيستيرية، وسط دهشة الجميع.
عين سليم كانت تراقبها من بعيد، وابتسامة متشفية ترتسم على وجهه، أخذ القليل من ثأر زوجته بطريقته.
وسط الزحام، تدخل عماد بسرعة،اقترب منها، أمسك يدها بقوة ليسحبها، لكنها كانت تضحك وتقاوم كأنها تظن أن كل ما يحدث مجرد مزاح.
في الزاوية، كان عزت واقفًا بجوار أحد الحراس، يراقب الكارثة تتسع.
عزت بصوت صارم: محدش يصور! أقفلوا الكاميرات فورًا! كل الميديا تتشال دلوقتي!
أحد المصورين، يخفي كاميرته بسرعة: بس إحنا طلعنا منها شوية حاجات، الفيديوهات اتسجلت خلاص.
اقتربت فايزة من عزت، بصوت مرتفع غاضب: خلي الجاردات يسحبوا أي موبايل أو كاميرا فيها تسجيل! لو سمحت يا عزت!
عزت، بهدوء غامض، وملامح لا تتحرك: متقلقيش هي مش أول مرة ندفن فيها فضيحة.
وبالفعل بدأ الحراس يسحبون بالقوة جميع الكاميرات ومسح كل شيء وتهديد الجميع إذا قام بنشر شي سوف يندمون
في تلك اللحظة، اقترب سليم بخطوات بطيئة وواثقة، وقف أمام الطاولة وقال بصوت حاسم، لا نقاش فيه: بكرة الصبح الساعة ٨ فيه اجتماع عائلي هبلغكم بقرار مهم وبعده هسافر.
فايزة نظرت له بسرعة: سليم؟! صافيناز مالها؟ مالك سايبها كدة؟!
ضحك رشدي من بعيد، وهو يقلب كأسه بإيده: طباخ السم لازم يدوقه.
سليم يصلح كرافتته بهدوء: بالظبط وكل واحد. هايدوق سمه.
نظر لهم نظرة أخيرة، وقال بهدوء: عن إذنكم الحفلة خلصت.
تحرك بخطوات ثابتة وسط الضيوف، كأن لا أحد يستحق النظر.
نظر عزت إلى رشدي بتساؤل ساكن: شكلك عارف حاجة، يا رشدي؟
رشدي وهو يشعل سيجارته:أصل بنتكم في الحفلة إللي فاتت، حطت مخدر لسليم في العصير،فردها لها النهاردة بنفس الطريقة.
عزت بصدمة: إنت بتقول إيه؟!
رشدي: إللي سمعته، بكرة لما تفوق، اسألها.
فيلا سليم وماسة، الثانية عشر صباحاً.
كان سليم واقف عند الباب الزجاجي المطل على الحديقة، نسيم الليل يداعب وجهه، ونظراته تائهة في السماء، وابتسامة خفيفة تلوح على ملامحه وبريق عينه يبرز السعادة التى تتغلغل داخله
لأول مرة منذ شهور، بدت ملامحه مرتاحة، كأن صدره امتلأ بالأكسجين بعد غرق طويل.
دخل مكي بهدوء، يحمل كوب ماء، مد يده به صوبه أخذه سليم دون كلام، وبدأ يحتسي على مهل، كأن الماء يغسل شيئًا عالقًا بداخله.
مكي قال له وهو بيتأمله: شكلك مبسوط أوي النهاردة ومرتاح؟!
سليم ابتسم ابتسامة جانبية:أكتر من مبسوط.
ألتفت له برأسه وقال بنبرة هادية: خلاص يا مكي الحقيقة انكشفت، وهي هتعرف إن إللي حصل ماكنش بإيدي، ولا بإرادتي، هاتسامح، حتى لو مش وقتها، لكن هتسامح، بس المرة دي لازم أتغير، مش كفاية إنها كانت فاكرة إني عملت كده بمزاجي؟ والحقيقة إني كنت أنا الضحية.
هز مكي راسه: عندك حق، الموضوع ده هيبقى فرصة كويسة ليكم بس هي كمان لازم تتغير هي كمان غلطت كتير وكانت السبب في إللي حصل حتى لو ردت فعلك كانت زيادة.
سكت لحظة ثم تساءل: طب هتعمل إيه مع صافيناز؟ تكتفي باللي حصل؟
سليم وعينه فيها نظرة مسمومة: هندمها، هخليها تندم إنها قربت من إللي ليا مش هي وبس كلهم الحسنة بتخص والسيئة بتعم.
مال مكي بجسمه للأمام: بس سليم، خلي بالك مش كل حاجة تتحل بالنار، إحنا مش عايزين نعيد نفس الأخطاء.
أخذ سليم نفس طويل ثم قال بضجر: مكي دي كانت عايزة تأذي ماسة، أنا مقدرش أسكت وأعدي موقف ولا حتى مصدق كلامها أنا بسببها خسرت مراتي وده ثمن غالي
مكي وهو بيهز راسه بعقلانية: معاك، أنا معاك، بس صافيناز طول عمرها متكبرة، مابتحبش حد يدوس لها على طرف، فأنا مصدق إنها كانت ناوية تعمل كده في ماسة، بس علشان تضحك عليها، هي أصلًا مستحيل تتصرف غير كده في وجودك، دي مش أول سابقة ليها هي شاطرة في موضوع فضايح البنات و...
قاطعه سليم بحدة: ولما العبط ده يطول مراتي؟ المفروض أسكت؟! هي لازم تتربى وبنفس الطريقة، وأكتر! مش هقتلها بس هعرف أوجعها منين،وهعلمها يعني إيه؟!تقرب من إللي يخصني.
تساءل مكي وهو يعدل وقفته: طب إنت كدة هتسافر ولا هتأجل؟
سليم بسرعة: استحالة، هنفذ إللي في دماغي الأول، وبعدها نطلع على الطيارة على طول.
مكي رفع حاجبه: ناوي تعمل إيه؟
اقترب سليم منه وقال بصوت منخفض: هقولك
قصر الراوي، الثانية عشر صباحاً
توقفت سيارات العائلة أمام القصر الكبير.
هبط أفراد العائلة من السيارات تباعًا، وكانت علامات التعب والتوتر على الوجوه، لكن أكثرهم اضطرابًا كانت صافيناز، التي لا تزال تحت تأثير الحبة الغريبة.
دخلوا القصر تباعًا، لكن عند المدخل توقف عزت وفايزة، وقد بدا عليهما الغضب الشديد.
عزت، بصوت عالي: صافيناز! وقفي هنا لازم نتكلم.
تنهدت فايزة بحدة، ثم قالت بإنفعال: فضحتينا! أنا مش قادرة أصدق إللي عملتيه، فضيحة، فضيحة بكل المقاييس! فضحتينا وسط العائلات كلها، أنا مش عارفة أرفع وشي من الناس، أكيد دلوقتي الكل بيقول: صافيناز الراوي، بنت فايزة رستم آغا، كانت سكرانة، ورقصت وهي مش في وعيها! عملت تصرفات أقل ما يقال عليها منحطة ده عار علينا.
لم تستطيع صافيناز أن تضبط ردود أفعالها، فكل شيء بداخلها كان يغلي قالت، بعينين تلمع بلا مبالاة: إيه المشكلة يعني؟! رقصت شوية، ضحكت شوية، هو ده إللي مضايقكم؟ إللي مش عاجبه يتحط تحت رجلينا! أنا صافي الراوي! إحنا كبار أوي، وإللي يفتح بقه يعرف هيحصل له إيه.
فايزة متعجبة: ده منطقكك
صافيناز بإستهجان: بقولكم إيه أنا مصدعة هنام.
حاولت التحرك لكن أوقفها صوت عزت.
عزت بشدة: إستنى هنا.
أقترب عزت منها متسائلًا: أنا سمعت حاجة أخطر، رشدي قال إنك حطيتي حبة مخدرة لسليم؟
صافيناز، تضحك بسخرية ألتفتت له: ماكانتش ليه، كانت لمراته، هي ضايقتني بكلمتين ماعجبونيش، وأنا مابقيتش قادرة أرد ولا أعمل حاجة، ما أبنك، حاططنا تحت رجليه، حضرتك إديته كل حاجة، فقلت أحرجها أضحك عليها، لكن للأسف هو إللي شرب العصير.
نظر إليها عزت بذهول، وقال بنبرة محبطة:هو أنا مش قلتلكوا، محدش يقرب من ماسة تاني؟ ليه بتستفزي سليم ؟ ليه مصرة تطلعي أسوأ ما فيه؟
صافيناز بوقاحة: يعني المفروض أسكت وأقبل لما تهيني؟ هي تفكرني إيه؟ دي فلاحـ...
لم تكمل الجملة، قاطعها عزت بصوتٍ صارخ: فلاحة إيه؟ فوقي بقى! إللي بتتكلمي عنها دي مش الخدامة، ولا بنت سعدية، دي دلوقتي مرات سليم، مرات الملك الجديد إنسوا بقى الماضي وتعاملوا مع الواقع، الواقع إللي بيقول إنها فوقكم كلكم دلوقتي!
صرخت صافيناز، برفض: ماسة؟ هتفضل بنت سعدية ومجاهد، مهما الدنيا دارت، هتفضل خدامتي ومستحيل أقبل إن الخدامة دي تكون الملكة الجديدة وتاخد مكان مامي وجدتي التاج إللى لبسه عليت القوم يروح للخدامة استحالة.
عزت، يقترب منها أكثر، صوته مخيف: إللي عملتيه، مش هيعدي يا صافيناز بس الغلط مش عليكي عليا، لإني غلطت لما ماخدتش مواقف حاسمة معاكم، وماسمهوش ابنك اسمه أخوكي.
صافيناز، تسخر: هتعمل إيه يعني؟ هتضربني زي ابنك؟! أقصد أخويا أنا مش فاهمة أنت ليه قابل كل ده علشان مانخسرش سليم طظ
عزت، بنظرة جامدة صفعها على وجهها: اتكلمي بأدب أنا أبوكي...
وفجأة ارتسمت على شفتاه ابتسامة: سليم مين ده إللي طظ نخسر سليم يعني خسارة الملايين، أنا عندي استعداد أقبل بماسة وعشره زي ماسة بس، ماخسرش جنيه، ده مبدئي في الحياة إللي هيكسبني هيبقى حبيبي وإنتي وأخواتك ماعملتوش حاجة غير إنكم خسرتوني علشان كده مستحيل أكون في أصفكم.
صافيناز رفعت حاجبها: مصلحة يعني.
عزت بهدوء قاتل: بالظبط ولازم تفهموا إني مش هعدي زي زمان أنا مش هسمح إنكم تكلو بعض وإللى هيفكر يأذي أخوه أنا مش هستنى تقتلوا بعض هقتلكم أنا بس بطريقتي.
صافيناز بغضب: لازم تعرف طول ما إنت سايبوا يتحكم فينا هنفضل نكرهوا ونحاول نضيقه مش كفاية جاب خدامة وركبها علينا أنا مش هتنازل لو على جثتي.
كاد أن يرد عزت لكن أمسكت، فايزة بذراعه: سيبها، الخمرة مأثرة عليها مش مدركة أللى بتقوله، بس أنا كمان مش هعدي إللي حصل، كفاية عليا فضايح رشدي ناقصاكي إنتي كمان؟
رشدي، من بعيد، وهو يترنح قال بمزاح: هو أنا ليه دايمًا بتحط في جملة مفيدة؟ أنا كنت مؤدب النهاردة.
فايزة، تنظر لعماد: خدها وطلعها فوق، فوقها من إللي هي فيه.
صعدت صافيناز بصعوبة، بينما فايزة تنظر للجميع: يلا كل واحد على أوضته، طه، فريدة، أنا مش عايزة أي غلطة إللي حصل النهاردة، كأنه ماحصلش.
فريدة: ماتقلقيش، تصبحوا على خير.
الجميع انسحب بهدوء، بينما جلس عزت بصمت على المقعد الثقيل، واضعًا يديه على رأسه متسائلًا بتعب: هو فيه إيه بيحصل في القصر ده؟ إنتي عارفه إن سليم ضربها في الجنينة؟
فايزة، مصدومة: بتقول إيه؟!
عزت، بنبرة تعب: ضربها، قدام الحراس، وماحدش قدر يتدخل.
رفع راسه بضيق تابع: أنا ماصدقت الدنيا تهدى، بس واضح إن ولادك مش عايزين يعقلوا، اجتماع بكرة؟ أنا مش مطمن له.
فايزة، بقلق حقيقي: تفتكر ممكن يعمل فيها زي رشدي؟
عزت، وهو ينهض بثقل: يمكن أو أسوأ، فايزة خليها تبعد عن سليم وعن مراته إحنا مش ناقصين ويكون في علمك أنا همشي صافيناز من القصر.
كادت أن تعترض قال بحسم: ومش عايز أي اعتراض
علشان متحصلهاش تصبحي على خير.
صعد عزت الدرج بينما توقفت فايزة وهي تزم شفتيها بضيق تقول: غبيه يا صافي وتستاهلي.
غرفة صافيناز
دفعت الباب بعنف، وخلعت حذاءها بحدة وهي تتأوه.
وجهها لا يزال يحمل آثار الصفعات وجسدها يؤلمها من أثر الركلات
جلست على طرف الأريكة، تمسح خدها بأنامل مرتعشة.
دخل عماد خلفها، وأغلق الباب وجلس على الطاولة الصغيرة أمامها.
تساءل عماد بضيق: إيه إللي حصل؟ سليم خدك على فين؟ رجعتي كدة ليه متعصبة؟ فهميني إيه إللي حصل؟
صافيناز، ترفع رأسها ببطء، وعيناها تشتعلان غضبا: الحيوان ضربني، خنقني، كان هيموتني عرف إني حطيت الحبة لماسة سمير وقع بكلامه قدامه.
اتسعت عينا عماد بصدمة: بتقولي إيه!
صافيناز، تصرخ فجأة بتهكم: إيه خايف؟! خايف على نفسك؟ ومش فارق معاك إن مراتك اتضربت واتهانت؟! ده ضربنى برجله، بدل ماتروح تكسره عشان مد إيده عليا؟!
قهقهه عماد، بسخرية وهو يقول: أكسر مين؟ ده سليم! إنتي اتجننتي؟!
صرخت صافيناز، وتوقفت أمامه: اتجننت؟! علشان بقولك اتضربت؟!
عماد توقف قال بهدوء ثعباني: إنتي إللي اتصرفتي من دماغك، طبيعي جدًا رد فعله، سليم مش بيهزر، قولتلك ماسة نقطة ضعفه، رد فعل سليم متوقعة وإحنا كنا عارفين لو عرف هيعمل فيكي إيه؟! يا رب بس تيجي على قد كدة.
صافيناز، بعيون دامعة بخذلان أعطت ظهرها له: خسارة ياعماد شوف هو بيعمل إيه علشانها؟! وشوف إنت بتعمل إيه علشاني.
عماد، بنبرة خافتة توقف خلفها بدفاع: أنا عملت كتير، أنا متهدد بالموت بسببك، عشان أوصلك لحلمك، بس مقدرش أقف قصادة، أنا لو وقفت ضده، يبقى وقفت قدام القصر، أنا مش هعادي سليم لوحده، أنا بعادي عيلة الراوي كلها وأنا، أنا مش قدهم، إنتي بنتهم شوفي برغم غلطتك، اخدتى قلمين، لكن أنا هموت، أنا ثمني رصاصة يا صافي..
رفع كفه وقال وهو يحاول استعطافها:
وأهو لما فكرت زمان أساعدك شفتي عمل إيه إنتي عارفة إني لو بإيدي حاجة هعملها.
جلست صافيناز، ببطء قالت بنبرة مخذولة: كان نفسي، حتى تحاول.
جلس عماد بجانبها وأمسك يدها بخبث: أنا قلت نقتله من الأول، وإنتي رفضتي قولتيلي: ده أخويا وضميرى واجعني.
رفعت صافيناز راسها وقالت بنبرة حاسمة بشر: دلوقتي بقولك أقتله! مش إنت عارف مكانها؟
عماد هز راسه: قاعدة عند الدكتور ده.
صافيناز بنبرة نهائية: خلاص أقتله وأقتلها ماسة لو رجعت هتقول كل حاجة، لسليم والنسبة كبيرة إنها تسامحه، ولو عرفت إنه كان تحت تأثير مخدر؟ ساعتها إحنا إللي نتحرق، لازم نحرقها قبل مانتحرق.
سكتت لحظة، ثم قالت: أنا شاكة إنه إداني نفس الحباية إللي إدتها له، أنا كنت عارفة أنا بعمل إيه بس مش عارفة أوقف نفسي، وفاكرة كل حاجة.
عماد، بصوت مرتجف: سليم بدأ الحرب.
صافيناز، وعيناها تلمعان بحقد: وإحنا لازم ندافع بكل قوتنا حالا اتصل وقتل ماسة.
صباح اليوم التالي
أمام بوابة مجموعة الراوي، الثامنة وربع بالتحديد.
وصلت سيارة عماد وصافيناز متأخرة قليلا.
ترجلا منها بخطوات واثقة، لكن أمام البوابة الرئيسية وقف رجال الأمن، وأمامهم مكي، بثبات صارم لمنعهم.
مكي ببحة رجولية: ممنوع.
رفعت صافيناز حاجبها ونظرت لمكي بسخرية:
إنت بتمنعني أنا؟ نسيت أنا مين؟! أنا صافيناز الراوي إنت اتجننت.
مكي بهدوء:أوامر سليم بيه، حضرتك وعماد بيه من النهاردة مش مسموح لكم تدخلوا لا هنا ولا أي شركة من شركات المجموعة او حتى الورش ومصانع.
عماد اقترب منه خطوة: أوعى يا مكي بلاش تأذي نفسك.
مكي بثبات: بلاش إنت إللي تاذي نفسك، أنا بنفذ أوامر، أسمعوا الكلام.
صافيناز دفعته: أوعى من وشي أحسنلك!
مكي بنبرة متماسكة توقف أمامها بمنع: صافيناز هانم، أنا لحد دلوقتي بتعامل بهدوء، بس لو حضرتك حاولتي تدخلي غصب، الحراس هيتعاملوا، وساعتها، النتيجة مش مضمونة، أتصلي بسليم وأفهمي منه القرار.
عماد بصوت حاد: إنت اتجننت؟ بتكلمنا إحنا كدة؟!
رفعت صافيناز يدها حاولت تصفعه، لكن أمسك مكي يدها بقوة
صافيناز بصدمة أنت بتمسك إيدي يا كلب؟!
مكي تحدث بين أسنانه: كفاية يا هانم أنا لسة محترم حدودي لحد دلوقتي مشكلتك مع سليم أنا بنفذ أوامر.
أومأ مكي للحراس، فبدأوا يتقدمون صرخت صافيناز: والله العظيم لأقتله! وقول لسليم إللي مشغلك إني هقتله! وهقتلك معاه
عماد جذبها بعنف: صافيناز! كفاية بقى، إنتي اتجننتي؟!
صافيناز وهي تدفع الحراس عنها: أوعي إنت وهو والله لأقتلك يا سليم.
داخل السيارة وملامح الغضب تكسو ملامحها
عماد بتهكم: إنتي مجنونة إيه إللي قولتيه ده؟!
صافيناز وهي تصرخ: كنت عايزني أعمل إيه؟!
عماد بهدوء: كان لازم نكون أذكى، سليم مش بيتحارب بالعصبية بيترد عليه بالعقل.
صافيناز بتهكم: لأ! النهاردة لازم ماسة تموت، علشان نكسر قلبه زي ما هو كسرني فاهم، إنت مش معاك مكانها لازم تقتلها والنهاردة تجيله صورتها مدبوحة.
عماد: طيب أهدي أنا كلمتهم امبارح مستين أمري.
في مجموعة الراوي/ قاعة الاجتماعات
الجميع كان جالسًا عزت، فايزة، ياسين، فريدة، رشدي، طه.
دخل سليم بخطوات ثابتة، جلس على رأس الطاولة، ألقى نظرة على الجميع، ثم قال بهدوء: نبدأ الاجتماع.
عزت استغرب: صافي مش موجودة؟
سليم بإبتسامة جانبية: أيوة وده موضوع الاجتماع.
أشار سليم لنور السكرتيرة، التي ضغطت زرًا الإتصال لصافيناز ثم خرجت؟!
على إتجاه آخر عند صافيناز.
رن هاتف صافيناز باسم "سليم".
عماد بجوارها، أشار لها: ردي وأسمعيه.
صافيناز ردت، بصوت مشدود: أيوه، أفندم؟
هنا ظهرت صورة صافيناز على شاشة العرض الكبيرة
سليم بصوت هادئ لكنه مسموم هو ينظر نحو الشاشة التى تبث المكالمة: إمبارح، عرفت إنك حطيتِ حبة مخدرة لمراتي علشان تضحكي عليها، وتخليها أضحوكة قدام الناس، بس أنا إللي شربتها، وعدت، شكلكم نسيتوا لما قولت: إللي هيعمل فيها حاجة، هدفعه التمن، وإللي هيرشها بالمية هرشه بالدم
صمت للحظة ثم تابع: وأنا ماموتكيش، مش علشانك علشان الموت رحمة لكن العقاب؟ العقاب لازم يكون من نفس النوع، وإمبارح أنا إللي أمرت يحطولك نفس الحباية، عشان نضحك عليكي الناس شويه.
ألتفت إلى الطاولة: بس طبعًا أنا إللي منعت الخبر مايخرجش، مش علشانها، عشان اسمنا في السوق، بس العقاب موقفش لحد هنا؟!
ثم عاد لصافيناز ببحة رجولية بحسم: من اللحظة دي، صافيناز برا المجموعة، هي وجوزها إللي معرفش موجود ليه؟! برغم إني طردته، مش بس كدة لااا. أنا بعت لنفسي الأسهم بتعتها بيع نهائي مش بتعتها بس تؤ كلها.
عزت بغضب: إنت اتجننت بإي صفة تعمل كدة؟!
سليم بإبتسامة مستفزة: بصفتي رئيس مجلس الإدارة، أنا الآمر الناهي هنا، وإللي مش عاجبه هخلي الحراس يرموه برا، وكل حاجة كتبناها في العقود واضحة، القانون لا يحمي المغفلين، والقضاء موجود، روحوا اشتكوا.
فايزة صرخت: دي مش طريقة!
سليم بقسوة: مع ولادك؟ هي دي الطريقة! كل إللي هيفكر يقرب من مراتي، هعرف أوجعه منين.
ثم نظر في الكاميرا: وبقولك يا صافي: لو فكرتي تقتليني؟ ولا تلمسي مراتي؟ أنا كاتب وصية لو مت، كل ثروتي لمراتي، ولو مراتي ماتت؟ لإني متأكد إنكم هتقتلوها، كل حاجة هتروح للجمعيات الخيرية، يعني حتى رشدي مش هيلاقي حق مخدراته، وإنتي يا فايزة مش هتلاقي فلوس تتكبري بيها على خلق الله ولا إنت يا باشا هتلاقي ثمن السيجار بتاعك، ده حتى مش هتلاقوا ثمن الملابس الداخلية عشان تغيروها.
عزت بصدمه بنبرة مكتومة: إنت عملت كدة بجد؟!
سليم بابتسامة مستفزة: بجد ربي ولادك علشان كرههم بقى صعب، وأنا مش هستحملهم تاني، الصبر نفذ، أصلهم نسيو مين هو سليم؟! افتكرو إني بهدد وبس وأخري أكسر أيد أرفض مشروع.
الكل كان صامت الصدمة أكبر حتى من الاعتراض أو التحدث.
توقف سليم على نفس ذات النبرة لكن بأكثر شرا أضاف: أنا مسافر ألمانيا، كمان ساعتين، فكروا إزاي تحرسوني بدل ما تأذوني، علشان أنا إللي ماسككم من رقبتكم، وأي محاولة للغدر؟ هرد بس الرد هيبقى في ولادكم عايزين تجربوا؟ اتفضلوا هوريكم فراق الضنا شكله إيه.
فايزة تمتمت: سليم خلينا نتفاهم طيب ده جنون!
سليم وهو يغادر: لما تربي عيالك وقتها هفكر أسمعك.
نظر نظرة أخيرة: كلامي خلص سلام.
بعد أن خرج سليم من المكتب، خيم الصمت على المكان كانت وجوه الجميع تحمل ملامح الذهول، وكأن ماسمعوه لتوه لا يصدقه عقل.
لقد باع سليم كل أموال العائلة، الشركات،الممتلكات كل شيء، لصالح الجمعيات الخيرية، في حال وفاته أو وفاة زوجته،هذا الشيء كصفعة بالنسبه له.
فايزة قالت بصوت مختنق من التوتر: إنتوا هتعملوا إيه في المصيبة دي؟ سليم اتجنن! لازم نسحب منه التوكيل.
عزت، وهو يعبث بعصبية بكرافتته التي شعر أنها تخنقه، تمتم: حول كل حاجة باسمه.
فايزة رفعت حاجبيها بدهشة: يعني إيه؟
عزت بنبرة مختنقة: التوكيل إللي معاه، استغله وباع كل حاجة باسمه، ماهو بيتكلم بثقة، لإنه عارف بيعمل إيه.
تابعت فايزة بعصبية: يعني إحنا غلطنا لما وثقنا فيه وأديناه كل حاجة؟
ثم مررت عينيها على أبنائها بحدة: وبعدين، إنتوا ساكتين ليه؟ ماتتكلموا!
مالت فريدة بجسدها قليلًا وقالت بهدوء: مامي أهدي، مستحيل يعمل كده من غير سبب، أكيد دي حاجة مؤقتة، وهيرجع كل حاجة زي ما كانت وبعدين إحنا لينا أملاكنا الخاصة، مشاريع، عقارات، فلوس ماتنسيش.
نظر عزت نحوها مستنكرًا: يعني شايفة إللي عمله سليم عادي؟
هزت فريدة رأسها بثقة: لأ مش عادي، بس بصراحة حقه، هو لحد إمتى هنفضل في نفس الحلقة إللي مابتخلصش؟ ماسة الخدامة؟ بقالنا أكتر من عشر سنين في دوامة مؤامرات، مش بتزهقوا؟ بدل ماتتضايقوا من إللي عمله سليم، اتعلموا منه ربوا أولادكم على المحبة مش على الشر، سليم عمره ماآذى حد، ولا طمع في قرش، كذا مرة قال: إنه مش عايز العرش إللي كله دم ده، بس إنتوا مصرين تطلعوا أسوأ ما فيه، سبتوا الفعل، ومسكتوا في رد الفعل!
ألتفتت نحو والدها وقالت بنبرة حاسمة: بابي لو ماوقفتش صافيناز ورشدي عند حدهم، حد فيهم هيقتل التاني وسليم هيكون الضحية ولو سليم أو ماسة حصل لهم حاجة، أنا والله العظيم هقتل صافيناز ورشدي بإيديا.
ارتبك عزت، ورفع صوته، كانت تلك صدمة له. ففريدة، البعيدة كل البعد عن التهديد، بدت غريبة حتى عليه: إنتي بتقولي إيه يا فريدة؟!
فريدة وقفت بثبات: بقولك الحقيقة، إنت فاكر لو سليم وقع، إحنا هانعيش؟ أنا وياسين، وطه؟ هيقتلونا ويقتلوا أولادنا، علشان مايكونش في وريث يشاركهم الإمبراطورية وبعدين، هيقتلوا بعض ومش بعيد يكونوا هم أصلًا إللي ورا الحادثة.
صرخت فايزة بتوتر: ماتخلينيش اتجنن! سليم فتش ورانا كلنا وماوصلش لحاجة!
ابتسم رشدي بسخرية: طبعًا، إنتي وياسين وطه، حاطين في بطنكم بطيخة صيفي عارفين إنه مش هيقربلكم والوصية؟ أكيد فيها حاجات إحنا مانعرفهاش مأمنة مستقبلكم، عشان كده هادين.
رفع ياسين رأسه بإبتسامة فيها مرارة: بالظبط إحنا اخترنا سليم أخترنا الخير، لكن إنتوا اخترتوا الشر إللي عمله سليم هو الصح، بابا، إنت أكتر واحد عارف البلاوي إللي كانت بتحصل في القصر صافيناز خدت عقابها، وإنت لازم يكون عندك عقاب رادع ليها، وأي حد مفكر يؤذي أخوه، يبقى يستاهل بحر الدم إللي جاي ماتقلقش على الفلوس سليم بيأمن حياته وحياة مراته هو مش ندل زي ولادك.
زمجر عزت غاضبًا: أنا مش هسمح إن كل السنين إللي حفرت فيها في الصخر تروح في الآخر للجمعيات الخيرية!
تدخل طه بصوت منخفض لكنه حاد: يا ريت تروح للجمعيات بس نعيش بأمان، مش عايزين نخاف من إن حد يغدر بينا أنا حاسس إن فيه ريحة دم جاية قريب وبصراحة، أنا مع فريدة، لو سليم أو ماسة ماتوا، يبقى الدور علينا وساعتها، والله، مش هفكر مرتين، أنا هقتل ولادك.
قاطعهم رشدي فجأة: أنا عايز أفهم بس أنا بتحط ليه في النص؟! أنا عملت إيه يعني؟!
ياسين ببرود: إنت بتعمل كتير بس من تحت لتحت.
صرخ عزت وهو يفقد أعصابه: أنا مش عايز أسمع كلمة تاني! كلكم اتجننتوا؟! إنتوا بتهددوا بعض قصادي بالموت؟! إنتوا إخوات!
فريدة بصوت ثابت: لأ، ماتجنناش إحنا بنحاول نحافظ على حياتنا.
ثم توقفت وغادرت الغرفة، خطواتها تحمل من الحزم مايكفي لقلب الطاولة على الجميع.
ياسين وهو يتبعها بنظره: أنا مش فارق معايا أي حاجة، أهم حاجة عندي أمان مراتي وبنتي، الإمبراطورية مش هتنفعني لو واحدة فيهم حصل لها حاجة من رأيي يا بابا تهدى، وتتكلم مع سليم، وبلاش تاخد رد فعل متسرع، نصيحة خدها من أبنك الصغير أوعى ترمي ودنك لصافيناز أو رشدي.
فايزة، وكان صوتها يتهدج بالحزن: أنا مش عايزة أسمع صوت تاني، إخوات! إزاي تفكروا تقتلوا بعض بالسهولة دي؟!
ابتسم رشدي بسخرية قاتمة: علشان دي الحقيقة،كلنا حاطين خناجر في ضهر بعض بس كل واحد حسب احتياجه، هم اختاروا الأمان، وأنا وصافي اخترنا الفلوس، بس إللي إنتوا ماتعرفوهش، أنا عمري مافكرت أخلص على حد فيكم لو كنت عايز كنت عملتها من زمان.
ياسين بسرعة: وليه ماعملتش كده؟ بتحبنا يعني؟
هز رشدي كتفيه: معرفش مافكرتش، بس هي كدة كدة كانت ملك سليم مش ملكنا الواحد يلحق يحول فلوسه الخاصة برة قبل ما سليم يسحبها كمان.
رفع عزت صوته فجأة بتعب وتهكم: عايزكوا كلكوا تخرجوا بره مش عايز أسمع صوت أنا حزين، وقلبي وجعني عليكم ماتوقعتش الغل والكره إللي فيكم لبعض.
طه وهو يحدق في عزت: لا، حضرتك بس إللي ماكنتش عايز تشوف بس كانت باينة أوي.
وجه نظراته لفايزة بتهديد مبطن: يا رب تكوني مبسوطة يا هانم أنا حذرتك كتير، وقلتلك وقفي صافيناز بس كرهك لماسة هو إللي وصلنا لكده، صدقيني أمان ولادي هو إللي هيخلي لساني جوة بقي.
رفع عزت راسه بتعجب: تقصد إيه؟ طه وهو يخرج:
اسأل الهانم، وهي تقولك.
خرج طه وياسين، وبقي رشدي.
نظر إليه عزت: مش عايز تقول حاجة إنت كمان؟
هز رشدي رأسه: لا، أنا ماشي.
عزت بسخرية: غريبة الهدوء إللي إنت فيه واضح إن المخدرات عملت لك بلادة.
رشدي وهو يهم بالخروج: والله أحسن لما تخلصوها، قولولي وصلتوا لإيه.
خرج من القاعة، وبقي عزت وحده، تنهد وهو يفك أزرار قميصه، وكأن الجدران كلها سقطت فوق كتفيه.
اقتربت فايزة وقالت وهي تهمس بخوف: هنعمل إيه؟ هنضيع لو سليم عمل إللي في دماغه.
أجابها وهو ما زال يحدق في اللاشيء: أكيد مش هسمح لحاجة من دي تحصل، هتكلم معاه، وبنتك هتمشي النهاردة من القصر.
ثم رفع عينيه إليها وقال بنبرة مرهقة: أللي بيحصل ده كان متوقع، قلتلك كتير يا فايزة كفاية مؤامرات، كفاية ترمي نفسك في حضن ولادك وتقويهم على أخوهم بس إنتي مابتسمعيش الكلام شفتي وصلنا لإيه؟ ولادك بيكرهوا بعض عاملين زي أحزمة ناسفة، قلبي واجعني وأنا شايفهم بالمنظر ده حتى فريدة الوديعة بقت بتفكر تقتل.
فايزة بصوت منكسر: أنا متأكدة إن سليم عمل كده علشان يحمي نفسه ويحمي ماسة، اتكلم معاه، شوف إيه إللي يرضيه، بس مانضيعش ولادنا، بسبب حب أبنك المجنون لمراته الخدامة.
صمت عزت، ثم قال وهو ينهض: طول ما إنتي بتقولي الجملة دي المشكلة هتفضل زي ما هي أنا رايح أتكلم مع سليم.
وهو عند الباب، تذكر كلام طه سألها بصوت مريب: هو طه كان يقصد إيه؟ يعني إيه "هي تقولك"؟!
توترت فايزة، ثم ردت بهدوء مصطنع: يقصد الحاجات إللي حصلت مع ماسة رشدي كان بيهدده لإنه عرف بالصدفة قاله لو فتحت بقك وقلت للباشا حاجة هندمك.
عزت بتهديد: فايزة احذريني أنا جبت آخري.
خرج عزت من الغرفة، بينما بقيت فايزة وحدها. الغضب يمحي ملامحها، ثم ضربت بيديها بقوة على الطاولة كل شيء بدأ يضيع من بين يديها في لحظة.
على أتجاه آخر، عند صافيناز
ساد الصمت للحظات أنفاس صافيناز كانت متقطعة، ووجهها شاحب، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما، كأنها لا تصدق ما سمعته لتوها.
بصوت واهن، وبنبرة خالية من الحياة: أنا خسرت كل حاجة.
ألتفتت نحو عماد، عيناها ما زالت مبرقة، وكأن الصدمة لم تغادر ملامحها بعد: كل الأسهم بتاعتي اتاخدت، كل حاجة راحت في غمضة عين هنعمل إيه يا عماد؟
رد عليها وهو يحاول أن يخفف من توتره، مسح على وجهه بكفه، برغم أن داخله يغلي، فكل شيء من مخططاته ضاعت: ولا حاجة، مش هينفع نعمل أي حاجة دلوقتي خالص لازم نهدى ونشوف إللي هيحصل في القصر، أكيد مش هيسكتوا ده باع كل حاجة للجمعيات الخيرية، لا الباشا، ولا الهانم، ولا أي حد فيهم هيسكت على ده، القصر هايولع نار إحنا لازم نقلب الموقف لحسابنا، غير إن أمان سليم دلوقتي هو هدفنا إحنا بإيدينا إللي هانحافظ على حياته وحياة مراته هتصل هلغي المهمه.
شهقت صافيناز بصوت مبحوح، وضربت على التابلوه: لو كنت سمعت كلامي وماقتلتش بنتهم، كنا دلوقتي هانعرف نتحدى!
ضحك عماد ضحكة قصيرة، متعجبة: مين ده إنتي بتنسى؟! إنتي إللي قولتيلي أقتلها! لما جيت قولتلك: البنت اتولدت، عايشة، بس محتاجة تدخل الحضانة، قولتيلي: أتخلص منها، عشان كل حاجة هتروح لها لو ماسة وسليم ماتوا.
ضربت بيدها على فخذيها، تمتمت بأسى: أنا كنت غبية، هنعمل إيه يا عماد؟ مش هسمح إني أخسر جينه! ولو مقابل ده أقتلهم كلهم، مش مهم، بس مش هخسر، مش بعد كل ده، ولو خسرت لازم أخسرهم معايا.
أقترب منها قليلًا، صوته منخفض لكنه حاسم: ولا أنا هسمح إنك تخسري بس لازم نهدى، ونحكم عقلنا، ولما نرجع القصر، لازم تعيطي، وتمثلي إنك ماكنتيش تقصدي، لازم تكسبي استعطافهم بأي تمن، دلوقتي مش وقت العند إنتي لازم تكسبي تعاطفهم بأي طريقة وإلا نهايتنا هاتتكتب بإيدك.
وضعت صافيناز يديها على جانبي جبينها، وأصابعها تتحرك بعصبية: كل ده عشان خاطر ماسة؟ ضيعنا كلنا عشان خاطر الخدامة؟ أنا لو بإيدي آكلها بأسناني والله هعمل كده! وهايجي اليوم.ده هدفعها التمن هو وهي على إللي بيحصل فينا ده.
مجموعة الراوي التاسعة مساءً
مكتب عزت
بعد أن أنهى عزت حديثه مع فايزة، توجه إلى مكتبه والنار تشتعل في صدره، جلس على المقعد الأمامي للمكتب، فك كرفتته بعصبية، كأنها تمثل القيود التي وضعها عليه سليم، خلعها وألقاها على الأرض كان يتنفس بعنف، والعرق يتصبب من جبهته، وكلمات سليم لا تزال تطن في أذنه كالصفير:
لو أنا مت أو مراتي ماتت، كل حاجة تروح للـجمعيات الخيرية والسبب؟ صافيناز أنا بعت لنفسي كل الأسهم بيع نهائي؟!
نهض فجأة، وضرب المكتب بقبضته، ثم أطاح بالأوراق والملفات المتراكمة فوقه، ركل الكرسي بقدمه فكسره، ثم ألتقط ساعة المكتب وألقاها على الحائط، فتطاير زجاجها في كل إتجاه.
دخلت نانا مسرعة، وجهها مذعور، وصوتها يرتجف: خير يا عزت! فيه إيه؟!
نظر إليها وعيناه تلمعان بنار العجز: كل حاجة راحت كل حاجة ضاعت مني بإيدي.
نانا ضيقت عينيها، وكأنها تحاول أن تفهم: يعني إيه؟ مش فاهمة حاجة!
عزت بنبرة محشرجة وهو يحاول السيطرة على صوته المرتجف: سليم حول كل حاجة باسمه بالتوكيل إللي عامله، وكتب وصية، لو هو أو مراته ماتوا، كل حاجة تروح للجمعيات الخيرية! بقى بيملك كل حاجة، حتى أنا مابقتش أقدر أسحب منه التوكيلات، خلاص، بقى هو السيد في القصر وفي المجموعة وأنا، أنا مابقتش أملك أي حاجة، تقريبًا ماملكش غير بدلتي دي، شقى السنين راح في ثانية.
تقدمت نانا نحوه خطوة، وهي مصدومة مما تسمعه: إيه إللي إنت بتقوله ده؟! أكيد فيه حاجة غلط، مستحيل! أكيد التصرفات دي ليها سبب معين، غرض معين؟! سليم مش كدة
مد يديه ووضعهما على صدره، وقد علا وجهه ألم واضح: سيبيني دلوقتي أنا مش قادر أركز مش قادر أتنفس ابعتيلي المحامي فورًا.
اقتربت منه نانا ووضعت يدها على كتفه، تحاول تهدئته: طيب، أهدى بس أنا متأكدة إن الموضوع ده هيتحل سليم عاقل، بس إنت هدي روحك يا حبيبي وبعدين وشك ماله أصفر كده ليه؟ وحاطط إيدك على قلبك!؟ أجيبلك الدكتور؟
صرخ فيها بغضب، وقد فقد السيطرة على أعصابه: قلتلك هاتي المحامي!
نانا تراجعت سريعًا:حاضر أهدى بس.
خرجت نانا من الغرفة مسرعة، وبعد دقائق قليلة دخل المحامي، لم يكد يغلق الباب خلفه حتى هب عزت من مكانه، وأنقض عليه، أمسكه من جاكيت بدلته وهو يصرخ فيه بعنف: إنت إزاي تسيب سليم يعمل كده؟!
مازن حاول يتماسك، لكنه قال بتوتر شديد: أنا ماعملتش حاجة يا باشا! هو جالي بوثيقة الوصية إمبارح وكنت هقول لحضرتك، بس خوفت.
صاح عزت بوجهه، الغضب يملأ صوته: خوفت؟! ولا ولاءك بقى لسليم؟! أنا خسرت كل حاجة! أنا بنيت المجموعة دي من التراب! إزاي يحصل ده وأنا عايش؟! أنا عايز حل النهاردة.
أبتعد عنه خطوة، ثم قال بأمر واضح: اسمع ان تقعد مع كل المستشارين تدوروا في كل ورقة وكل بند، وأنا مش هسيبكم إلا لما أسمع مخرج.
حاول المحامي أن يحافظ على هدوئه وهو يتكلم:
الحل الوحيد إن سليم يتراجع يغير الوصية بنفسه وقتها، يرجع الوضع زي الأول: حضرتك 51%، هو 26%، الهانم 8%، والباقي متوزع على اولاد حضرتك بتساوي بس...
رفع عزت رأسه بسرعة، عينه مليانة ترقب:بس إيه؟!
مازن بتردد:والنهاردة الصبح، فريدة هانم، وياسين بيه، وطه باعوا أسهمهم لسليم، غير إن هو خلاص بقى بيملك رسمي ال 3% بتوع صافيناز هانم، يعنى بقى معاه ٣٨% يعني كلمته كبيرة، بس طبعًا مش بعد كلمتك يا باشا.
عزت شهق بدهشة: باعوها بالفلوس؟!
هز مازن رأسه: لأ يا باشا، بالتراضي، حضرتك عارف إنهم بيحبوه، وهو دلوقتي الأقوة، أنا أسف يا باشا، بس طبيعي يبقوا مع الأقوى، إنما إللي متأكد منه، إن سليم بيه ماعهوش إنه يشتري الأسهم.
تمتم عزت بصوت مشحون بالمرارة: عشان كده كانوا قاعدين هاديين.
أقترب مازن منه، وتحدث بهدوء شديد: بس سليم يا باشا اتصرف من غضب مش من عقل محتاج حد يكلمه، يهديه، يخليه يفكر هو إمبارح لما جالي، كان واضح عليه أوي الغضب، عشان كده خفت أتكلم مع حضرتك أنا أعتقد لو اتكلمت معاه بهدوء، الموضوع هيهدى وبعدين يا باشا، هو مش في حالة موت بمعنى الموت، هو في حالة القتل...
نظرله عزت وهو يضيق عينه تابع مازن: يعني حضرتك محتاج تفكر، لما سليم باشا يكتب كده في وصيته في حالة قتله أو قتل زوجته،كل الأملاك تروح للجمعيات ده معناه إن فيه تهديد صريح.
عزت نظر له نظرة مليانة شك: إنت متأكد؟
مازن خفض صوته: طبعًا يا باشا، بس لو سمحت ماتقولوش اني قو لتلك.
عزت بإنكسار: يعني مفيش حل؟!
مازن بعد تردد قصير: المجموعة راحت لكن المشاريع الخاصة وأملاك العيلة ماجاش جنبها وكده كده يا باشا سليم اللي كان بيديرها وحضرتك كنت مدي له توكيل عام، هو استغل الثغره دي وعمل الوصيه وباع لنفسه اسهم صافيناز.
تبسم بمرارة: هو عارف إحنا بنتوجع ونغضب منين؟!
ثم نهض فجأة وقال: روح، اقعد مع المستشارين، فتشوا في كل حاجة، أي ثغرة، وأنا هروح أكلمه بنفسي.
غادر المكتب بسرعة، وفي طريقه إلى الخارج، نظر إلى نانا وقال بنبرة حادة: ألغي كل الاجتماعات النهاردة!
ثم غادر... دون أن يلتفت خلفه.
سيارة عزت التاسعةونصف صباحاً
نرى عزت جالسًا في المقعد الخلفي، ينظر من النافذة بشرود الشارع يمر أمامه كأن كل شيء من حوله يتفير بسرعة، لكن داخله متجمد رفع الهاتف وأتصل بسليم تبادل الشاشة بين المشهدين.
عزت بإقتضاب: إنت فين؟
على اتجاه اخر كان سليم يجلس في مطعم داخل المطار مع تبادل الصوره اشه بينهما
سليم بقتضاب: في المطار.
عزت: استناني، عايز أتكلم معاك.
سليم برخامة: والله مش هينفع، طيارتي كمان ساعة ونص.
عزت بحسم: أسمع الكلام. أنا في الطريق. عشر دقايق وهلقى عندك.
أنهى الاتصال دون أن ينتظر موافقة سليم.
المطار/ المطعم العاشرة صباحا
جلس عزت وسليم وجهًا لوجه على إحدى الطاولات، لكنها لم تخف المسافة الحقيقية التي تفصل بينهما الجو مشحون، وكل كلمة تقال كأنها طلقة.
عزت قال بنبرة فيها قهر: إيه إللي إنت عملته؟ عايز تربي أختك؟ ربيها بأي طريقة، بس مافكرتش فيا مافكرتش في أمك مافكرتش في إخواتك إللي بيحبوك وبتحبهم.
سليم، وهو بيرفع عينه يقابله بثبات: لما مايتوفرش ليا الأمان، ولا لمراتي، ويفكروا في أذيتي، ساعتها مش هفكر في حد وبالخصوص إخواتي إللي بيحبوني وأنا بحبهم؟ ماتتدخلش، إحنا هنعرف نتعامل مع بعض.
مرر سليم عينه عليه، وقال بمرارة: حضرتك كل أللي فارق معاك الملايين لكن إللي بيحصل معايا؟ مش فارق دي مش أول مرة...
تابع بنبرة متحدية بشدة: بس هتبقى آخر مرة، عشان هما دلوقتي عرفوا إن سليم لا هيكسر إيد تاني، ولا هايهدد بعدم دخوله المجموعة لأاا إللي جاي هيبقى ندم، ده لو لحقوا يندموا.
عزت بصوت منخفض لكن حاد: إللي إنت عملته مش صح، رجع كل حاجة زي ما كانت وأسحب من صافيناز كل حاجة أنا معاك، أنا أصلًا هطلعهم النهاردة من القصر هي وعماد، وهسحب منها كل حاجة..
بنبرة تهديد تابع وهو يشير بيده: بس بلاش تعاديني يا سليم ارجوك.
سليم بسخرية مرة: للدرجة دي؟ مش فارق معاك حياتي؟! قد مافارق معاك إن الملايين ماتروحش للجمعيات الخيرية؟
صمت وهو يضايق عينه تابع بنبره غير قابله للنقاش: تفتكر أنا هايفرق معايا؟ حياة ناس يتشردو من بعدي وهما أصلًا مابيفكروش فيا؟ وبيفكروا في أذيتي! قطعًا لأ.
عزت بحزم: سليم بلاش العند ده، بعدين إنت مسافر رايح فين؟
سليم برخامة: مالكش دعوة.
ثم عاد ونظر له مرة أخيرة: عموماً، أنا هريحك، أنا عملت كل ده في حالة قتلي يعني لو مت موتة ربنا، كل حاجة هاترجعلك، لكن لو أنا أو مراتي موتنا مقتولين، أو فيه شك؟! أكيد مش هبقى مبسوط وأنا في قبري، ميت مقتول، أنا ومراتي، وإنتو عايشين حياتكم بالرفاهية ومبسوطين؟ لازم أنغص عليكم حياتكم، ياريت ماتضايقنيش أكتر من كده، أنا عندي استعداد أغرق الجبل كله، زي ماقدرت أرممه وأرجعه أقوى ماكان، في التسع سنين إللي فاتت، وإنت عارف إن أنا قادر على ده.
عزت بضجر: ماتخلينيش أندم إني اديتك الثقة واديتك كل حاجة.
سليم ببرود: أندم؟ مش فارق معايا قلتلك: القانون لا يحمي المغفلين، عندك القضاء، روحله أنا مش هتراجع، طول ما أنا حاسس بالخسة والنذالة من أولادك.
وقف سليم وقال بوضوح: هقولك تاني: طول ماعيالك محترمين، طول ما إحنا عايشين زي ما إحنا حد فيهم هيقل؟ حياته هتبقى أرخص من إللي أنا ممكن أعمله
نظر سليم ثواني لعزت وهو يضيق عينه بنوع من المرارة قال: خسارة، كنت فاكر إن فيه شوية محبة في قلبك ليا، بس طلعت مغفل، حتى أنت كمان..
زم شفتيه بأسف تنهد توقفت الكلمة في حلقه بمرارة فلا يستطيع ينطق، فالخذلان أصعب من الكلمات.
ثم نظر للفنجان وهو يتحرك: بقولك إيه أبقى حاسب على القهوة.
تحرك سليم ومعاه مكي جلس عزت، يحاول يلملم أعصابه، يتنفس بغضب مكتوم.
عزت لنفسه: ماشي يا سليم، أنا هستنى تهدى، لحد ماشوف حل في إللي إنت بتعمله ده
الممشى الداخلي في المطار
كان سليم ومكي يتحركان بجانب بعض.
مكي ألتفت ناحيته، وقال بقلق واضح: أنا قلقان يا سليم.
سليم، وهو بيضحك بخفة: قلقان ليه؟ ده أكتر وقت أتأكد فيه إن حياتي في أمان، وحياة ماسة كمان امال أنا سافرت ليه؟! هما بنفسهم أللي هايعينوا عليا حراس يحموني أنا لو عطست دلوقتي، هليجيبولي دكتور حياتي بالنسبالهم بقت غالية، دلوقتي هما بيفكروا يعملوا إيه علشان يرجعوا اللعبة في إيديهم وساعتها هيقتلوني من غير تفكير، بس أنا إللي ماسكهم دلوقتي.
مكي بتوتر: أنا ماكنتش عايز انتقامك يوصل لكدة، يعني إنت مش بس بتعادي صافيناز، إنت بتعادي الباشا كمان.
سليم بهدوء مرعب: ماحدش فيهم قدي دلوقتي ماتقلقش، أنا عارف أنا بعمل إيه.
مكي بيخفض صوته: ماعرفتش صافيناز بجواز عماد ليه ده كان هيكسرها.
هز راسه بنفي: تؤؤ كفاية عليها إللي حصل لها الصدمة دي ليها وقتها.
قصر الراوي، الواحدة مساء
دخلت سيارة فايزة من بوابة القصر ببطء توقفت أمام المبنى الرئيسي، ففتح لها أحد الحراس الباب بأحترام. نزلت كأنها ملكة عائدة إلى عرشها نزعت نظارتها الشمسية ببطء وقالت بنبرة مشبعة بالسلطة:
صافيناز هانم وصلت؟
الحارس: أيوه يا فندم.
توقفت قليلًا، وكأن فكرة خطيرة خطرت بذهنها، ثم نظرت إليه بثبات وقالت: طب أسمعني كويس، أنا عايزة قصري كله يتحاوط بالحراسة، وحطلي حارس على باب أوضة هبة، وعلى أوضة منى، وكمان أوضة إبراهيم لما يرجع ممنوع أي حد يخرج، حتى الخدامين مش عايزة أشوف حد النهاردة مفهوم؟ البهوات الصغيرين كمان.
نظر إليها الحارس ورفع رأسه بإحترام: أمرك يا هانم، اعتبري حصل.
أومأت برأسها دون تعليق، وسارت للداخل دون أن تنظر لأي من الخدم الذين انحنوا لها احترامًا.
صعدت الدرجات بخطى ثابتة، يدها على الدرابزين، وعيناها تلمعان بتفكير ثقيل كان واضحًا أنها تخطط لشيء.
وقفت أمام غرفة صافيناز. طرقت الباب ثم دخلت دون انتظار.
كانت صافيناز وعماد في الداخل وبمجرد أن وقع بصر صافيناز على والدتها، قفزت واقفة كأنها وجدت طوق النجاة: مامي! ألحقيني!
نظرت لها فايزة بيضيق، وهزت رأسها ببطء، وقالت بإنزعاج: كم مرة قلتلك؟ ماتعمليش أي حاجة من غير ماتسأليني وتستشيريني الأول!
صافيناز باستهجان: هي ضايقتني!
رفعت فايزة حاجبها وتكلمت بهدوء ممتزج بالضيق:
ماهي مضايقانا كلنا! ومضايقاني أنا أكتر واحدة؟! بس بتصرف بعقل مابنفعلش، شوفي دلوقتي إللي حصل! إنتي مش بس دمرتي نفسك، دمرتي كل حاجة حوليكي! كلنا بندفع التمن عشان حركتك الغبية دي، تفتكري حد فينا هيقف جنبك؟
عماد حاول يتدخل: بس برضه يا هانم، الموقف..
نظرت له بحدة: أنا ماسمحتلكش تتكلم! أسكت خالص، كلامي مع بنتي!
جز عماد على أسنانه وكتم غضبه بإبتسامة مصطنعة:
أمرك.
ثم وجهت فايزة كلامها لصافيناز بنبرة حاسمة: أسمعي، هتاخدي جوزك وهتمشي من هنا، اختاري أي فيلا من بتوعنا، وأقعدي فيها.
صافيناز بصدمتها: يعني إيه؟
فايزة بهدوء اقتربت منها: يعني عزت أصدر فرمان بخروجك إنتي وعماد من القصر، مش بس كده.ده هيسحب منك كل حاجة، مافضلش ليكي غير المشروع بتاعك، والفلوس إللي في البنك واتمنى ماتغلطيش تاني علشان تفضلي محافظة عليهم.
صافيناز حاولت تعترض، لكن فايزة رفعت يدها بأصابعها وأشارت لها بحدة: وأوعي تعترضي! الأمور خرجت عن السيطرة! وأنا مش هضحي بثروتي ولا اسمي عشانك، أنا تنازلت كتير علشان أكبر الإمبراطورية دي، ومش مستعدة أخسر بسببك.
اقتربت صافيناز بخطوات مترددة، وقالت بصوت مهتز: يعني حضرتك خلاص هترفعي إيدك عني؟
فايزة ببرود: لحد ما الأمور تهدى إحنا دلوقتي واقفين على بحر من الرمال المتحركة، أي حركة غلط ممكن تبلعنا.
صافيناز: وهتسيبوا سليم ياخد كل حاجة؟
فايزة بتنهيدة حادة: أكيد لأ! بس لازم نهدى وننفذ كلام عزت، عزت مش طايقكم، وأنا قلت له كل حاجة.
صافيناز بصدمة: إيه؟! تقصدي إيه؟
فايزة بجمود ملكي: قلتله إن إحنا إللي هربنا ماسة، وإننا السبب إنها تبعد عن سليم، وكان معانا وكسبته في صفنا، بس بحركتك دي دمرتي كل إللي بنيته، خليكي فاهمه ما قلتش أكتر من كده، لا عن شغله، ولا الفيديوهات، ولو عزت سألك، عن أسبابك ليه حطيتي الحباية، قولي إنك خوفتي ماسة تحكي لسليم كل حاجة فحاولتي تحمي العيلة، ضحيتي بنفسك عشان تمنعي كارثة يعني حركة تخويف جديدة.
تابعت بفحيح افاعي: لما حضرت الحفلة، وشوفتهم سوا، وشبه هددتك، قلتي خلاص، دي هتقول لسليم! ولو عرف تبقى مصيبة.
صافيناز بصوت منخفض: وبابا هيصدق ده كله؟
اقتربت منها فايزة، أمسكت بكتفيها ونظرت في عينيها: أنا متأكدة إنك هاتقدري تقنعيه، حتى لو ماسامحكيش إحنا مش بندور على غفران إحنا بندور إزاي نعدي من الكارثة دي.
ابتعدت عنها قليلًا ونظرت لها بنظرة فاحصة: قوليلي بقى إنتي فعلاً عملتي كده عشان ماسة هددتك؟ ولا فيه حاجة تانية؟ ليه سليم ضربك؟ فيه حاجة مخبينها؟
صافيناز بصوت متهدج:علشان الحباية إللي سليم خدها بالغلط هي إللي خلته يفقد أعصابه، ويديها علقة موت، وأللي ماتعرفيهوش إن ماسة مش مسافرة، ولا قاعدة معاه، ماسة هربانة! بقالها شهرين ونص!
اتسعت عينا فايزة: عرفتي منين؟
عماد تدخل: أنا مجند واحد من رجالة سليم وعارف مكانها.
فايزة زفرت بهدوء وهي تهز رأسها وتبتسم: كده أنا فهمت سليم ليه بيعمل كده عنده استعداد يحولنا لعبيده علشان البرنسيسة بتاعته.
ثم نظرت لصافيناز بجفاف قالت بحزم: اسمعيني، عايزة تفضلي في أمان؟ لازم تبقي عاقلة، لما عزت ييجي، تنفذي إللي أنا قلت عليه.
صافيناز بصوت مكسور: يعني مش هرجع القصر تاني؟
فايزة ابتسمت ثقه: صافي، ولو أنا ماساعدتكيش ترجعي، إنتي هتعرفي ترجعي لوحدك.
قالت كلمتها وخرجت من الغرفة بخطوات ثابتة.
أما عماد، فجلس في مقعده وهو يشعر أن كل شيء يتهاوى من تحته: هنعمل إيه؟
صافيناز بوجه شاحب: مش عارفة ماتوقعتش إن الحباية دي أو إللي حصل يتكشف! أنا مش فارق معايا القصر، أنا هعرف أرجع، المشكلة إن كل حاجة راحت كل ما الفرصة تقرب، تبعد أكتر سليم حطنا في موقف زفت، ومش عارفين نخرج منه.
عماد بنبرة واهية: أكيد ليها حل مستحيل الباشا يقبل يضيع كل ده.
وأثناء ذلك دخل رشدي فجأة إلى الغرفة قال بسخرية وتهكم: هااالو يا حرباية هااالو
صمت لحظة، ثم مال برأسه، وضيق عينيه، وضع يديه أسفل ذقنه وكأنه يزن الأمور بنظرات ماكرة كنت مسميك ثعلب؟ بس، الثعلب أطيب منك، بس يلا هقولك إيه؟ ثعلوب لحد مشفلك اسم! ثعلوب وحربوقة
اقترب منه عماد محاولًا تهدئته: رشدي، مش وقته الكلام ده، إحنا لازم نحط إيدينا في إيد بعض أخواتك واقفين مع سليم، وفايزة؟ أكيد هتبقى معاه، دي بتعشق سليم، مش هتسيبه، إحنا لازم نكسب الباشا، عزت مش سهل، ده قوة لا يستهان بها يعني لو كسبنا عزت في صفنا، أعرف إن الحرب دي إحنا إللي هنكسبها، وهنقسم العرش خمسين وخمسين.
كان رشدي يستمع وهو يبتسم، وفجأة أنفجر ضاحكًا، وصفق كفا بكف، ثم تحرك في الغرفة، واستدار إليهم قائلًا: ثعلوب.، أنا مش مع حد، ولا هبقى في صف حد أنا في صف نفسي، طول ما ست الحسن بخير؟ وعارف مكانها، أنا كده تمام، دي طوق نجاتي، ومش هفرط فيها، ده سليم هيحطني جوه عينه.
رمقهم بنظرة استخفاف وهو يتابع وبعدين، إنتم؟أنتم دلوقتي ولا حاجة ضعاف! عزت؟ إنت أهبل؟ ثعلوب المرة دي حسبتها غلط عزت عمره ماهيقلب على سليم عارف إن الحاجة راجعة له لو مش النهاردى، بكرة، بعد شهر، بعد سنة راجعة، لإن سليم هو المستقبل، وإللي حصل ده مجرد قرصة ودن، حتى لو دلوقتي الباشا متعصب وبيهدد بس هيعديها له ثق في رشروش.
ثم أضاف بنبرة واثقة: وسليم دلوقتي عارف إننا هانحافظ على حياته بعنينا، أنا؟ عن نفسي، هحافظ عليه، وهيبقى أخويا حبيبي من النهاردة
عماد بدهشة: سليم حبيبك؟
رشدي دون تردد: طبعًا مصلحتي فوق كل شيء، عارفين يعني إيه أبقى مع سليم؟ يعني هبقى في حضن الأمير الصغير! أمان.
انتفضت صافيناز بغضب، وقالت بإنفعال: يعني إيه؟ هتبيعنا؟
ضحك رشدي ساخرًا حربوقة! أنا بايعك من زمان، زي ما إنتي بايعاني، خبي السم بتاعك، وخبي الخنجر إللي في ضهرك. أنا شايفهم
ثم أكمل بنبرة متعالية: أنا جاي أقولكم كلمة واحدة وإنتم خارجين بره القصر أعملي يفطة، وأكتبي عليها: ممنوع البص بعين راضية عشان أنا هموت من اللي فيا!
ضحك ضحكة مستفزة، ثم استدار، وغادر الغرفة بخطوات ثابتة.
فجأة، وقفت صافيناز، وألقت الوسادة على الأرض، وصرخت بصوتٍ اخترق جدران القصر بغيظ: كلب!
في هذه اللحظة، ضرب عماد الحائط بقبضته بكل ما أوتي من قوة، الدم انساب من يده، لكنه لم يشعر بشيء، عيناه كانتا معلقتين على الباب الذي خرج منه رشدي، وشعلة الغضب تشتعل بداخله بلا رحمة وهما يخسرون الان كل شيء حتى رشدي.
على إتجاه آخر في سيارة عزت
أثناء عودة عزت للقصر أجرى إتصالًا بفريدة، طلب منها أن تأتي ومعها ياسين وطه، ليتحدثوا عن قرارهم بنقل الأسهم إلى سليم دون علمه.
كان يضع يده على صدره طول الطريق، يبدو عليه التعب الشديد، وجهه شاحب، وأنفاسه مضطربة.
حين وصل إلى القصر، كان الجميع في انتظاره.
كان كرجل محطم، لا من الخسارة وحدها، بل من خيانة أولاده، والضربة القاصمة التي وجهتها له صافيناز وقبلها سليم.
سكون ثقيل خيم على القاعة، لا أحد يجرؤ على الحديث، كانت السيطرة واضح خصوصًا بعدما نبهت فايزة صافيناز ألا تتحدث مهما حدث.
وفور دخول عزت، نهضت صافيناز مسرعة نحوه: بابي، ممكن تفهمني
ما إن دخل عزت حتى هاجمها دون تردد: مش عايز أسمع حسك! إنتِ لسه قاعدة هنا ليه؟ ماقلتلهاش يا فايزة؟
فايزة بتوتر: قلتلها، بس هي حابة تتكلم معاك.
جلس عزت على المقعد منهكًا، لكنه أصر على المواجهة: أنا مش حابب أسمعك يا صافيناز. هتقولي إيه؟ كلام فارغ؟ أنا متأكد فعلتك دي كانت مبنية بس على الحقد والكره؟ حتى لو كان عندك أسباب مع إني أشك، فهي مش مقبولة..
ضغط على أسنانه وأضاف بضجر شديد: أمشي من قدامي، أنا مش قادر أتحملك، صدقيني، لو فضلتِ واقفة أكتر، وشك في وشي، وأنا عارف إنك السبب في كل إللي حصل، هخرج مسدسي وأفرغ فيكي الرصاص، صدقيني حتى لو فيه يوم مابقيتوش غير خمسة، أنا مش هزعل ثروتي راحت عشان واحدة غبية، حقودة زيك، وأدعي يا صافيناز إني أقدر أرجع كل حاجة لإني لو مارجعتهاش يا ويلك مني.
صافيناز بصوت باكي تحاول الدفاع عن نفسها: يا بابي، أنا كنت بحافظ على.
قاطعتها عزت بشدة: قلتلك مش عايز أسمع صوتك! مابتفهميش؟! يلا، أمشي غوري من وشي بدل والله ماخلي الحراس ترميكي بره.
غمزت فايزة لها تحاول أن تهدئ الموقف: يلا يا صافيناز، أمشي دلوقتي، لحد مانلاقي حل في المصيبة دي.
رمقت صافيناز الجميع بنظرة غاضبة، ثم تمتمت: همشي، بس أنا هرجع.
خرجت من القصر بخطوات سريعة، نظراتها زائغة، وجهها متجهم هي الآن في قبضتهم، لم يعد بوسعها التهديد، ولم تجد أمامها إلا الصمت لكن الصمت عند صافيناز لم يكن يومًا استسلامًا بل بداية لخطة أخرى، لا تزال في رأسها تعرف أن زمنها داخل القصر انتهى، لكن خططها بدأت الآن.
أما عزت، فكان بالكاد يجلس، ينظر إلى أولاده، يضع يده على قلبه وكأن الألم أصبح جزءا من جسده، ثم قال بنبرة مختنقة:
وإنتوا بقى؟ إيه إللي سمعته؟ نقلتوا الأسهم لسليم؟ كنتم ساكتين؟ علشان طبعاً مش فارق معاكم إن الملايين دي تضيع؟! ما إنتم مأمنين نفسكم.
فريدة بثبات بارد: بابي، إحنا أخترنا الطرف القوي وسليم هو الطرف ده.
رفعت فايزة حاجبها بدهشة: أنا مش فاهمة حاجة،
عزت وهو يتكئ على ذراعه: ولادك، فريدة وطه وياسين باعوا كل حاجة لسليم النهاردة؟ بيع نهائي؟ يعني دلوقتي سليم بقى معاه ٣٥٪ من الأسهم رسمي؟غير٣٪ بتوع صافيناز إللي أستولى عليهم.
طه ببرود: هو كده كده كان معاه ٢٦٪مافرقتش التسعة في المية إللي خدهم مننا، سليم مسيطر على كل حاجة ولما جه طلب مننا فهمنا لو ماخترناهوش يبقى إحنا كدة أعداء، وإحنا مستحيل نعاديه يا باشا.
أكمل ياسين الحديث بصوت هادي لكنه حاسب: حضرتك دايمًا كنت تقولنا لازم تبقوا مع الطرف القوي، وسليم دلوقتي هو القوي، واسمحلي أقولك إنت دلوقتي الطرف الضعيف إحنا اشترينا حياتنا، وأمالنا، ومكانا مش بس عشان معاه الحق، كمان عشان معاه القوة.
نظر عزت إليهم في ذهول، الكلمات ترتطم بقلبه لا بأذنه: أنا مش مصدق، إنتوا إللي بتقولوا كده؟ من إمتى بقيتوا تفكروا بالشكل ده؟
طه بثبات: من دلوقتي هانبدأ نتكلم، طول عمرنا سايبين الأمور تمشي بس خلاص مش هاندفع تمن أخطاء صافيناز ولا رشدي تاني كفاية.
وضع عزت يده على صدره، وقال بنبرة مكسورة: وتفتكروا قوة سليم تكفي تقف قدامي؟
طه بعقلانية: يا باشا، دي مش حرب ليه دايمًا عايز تحولها لحرب؟ كل واحد يقف عند حدوده، وسليم ماكانش هيعمل كده، إلا لو فيه حاجة كبيرة حصلت، هو جاب آخره وإنت عارف إن إللي عملته صافيناز مش أول مرة ولا كان هتكون آخر مرة لو سليم ماخدش موقف حاسم.
عزت وهو يقاوم الألم: وأنا قد الحرب دي ولسة قوي أنا عزت الراوي فاهمين أنا لسه عزت الراوي
وفجأة صرخ من الألم، واضعًا يده على قلبه: آه سقط على الأرض
استوووب ... تفتكروا عزت حصل له إيه؟!
رجاء محدش ينسى يضغط على اللايك عشان تساعده روايه تنشهر
إلى اللقاء في الحلقةالقادمةمن الجزءالثاني من رواية الماسة المكسورة💎💔
العودة(عناق