
بقلم ملك عبد اللطيف
خديجة بغضب
-روحييييييييي جيبيه وانتى سااااكتة
انتفضت بسمة بخوف من صوتها وذهبت واحضرت الفاس لها فأخذته خديجة منها وقامت بغرزه فى الرمال التى كانت خارج الحفرة وبدأت تضعه على مودة التى صرخت بأعلى صوتها عندما شعرت بالرمال على جسدها .....فقالت خديجة بغضب وهى تقذف الرمال عليها :
-هدف*نك حيييية هناا مش هس*يييبك تعي*شى وانتي شليييي*تى حفيييدى ...روحتو قتل*توا ابنى ومراته زمااااان وسكتتت لكن جااااعدة فى بيتنااا وبتاكلى وتشربى من وكلنااااا وانتييي هتمو*تيييلى حفييييدى اقسم بالله ماحد هيخلصك من إيدي النهاردة
ظلّت خديجة تقذف الرمال على مودة بجنون ، فحاولت هنية أن تمسك بالفأس وتمنعها، لكن خديجة كانت تدفعها في كل مرة بع*نف وتعود لترمي التراب بلا رحمة غير عابئة للتى فى أسفل الحفرة تبكى بأنهيار ،وتكور جسدها بخوف وهى تضع يدها على وجهها لتحتمى من الرمال المتساقطة وتصرخ برجاء يائس وهى لا تردد سوى كلمات واحدة بصوت مكسور.... انها لم تفعل ذلك ولكن لا حياة لمن تُنادى......
هرعت هنية إلى المطبخ بخطوات مرتعشة، قلبها يكاد يخرج من صدرها وهي ترى بعينيها مودة تخ*تنق بين يدي خديجة...... راحت تبحث بجنون عن الهاتف والدموع تبلل وجهها، أصابعها ترتجف وهي تقلب الأدراج حتى عثرت عليه أخيرًا....فضغطت الأزرار مرارًا، تتوسل آدم أن يجيب، حتى جاءها صوته أخيرًا من الطرف الآخر:
ــ الو يا دادة.....
خرج صوت هنية متقطعًا، مخنوقًا بالبكاء وهى تقول بدون اى مقدمات:
_مودةةةة يبنيييي خديجة هااانم هتمو*تهاااا تعااالى بسسسرعععة
ما إن سمع آدم كلماتها حتى انتفض واقفًا، وكأن الأرض قد زلزلت تحت قدميه...... أغلق الهاتف دون أن يزيد كلمة واحدة، خطف جاكيته واندفع للخارج فلحقه أحمد بدهشة، لم يفهم شيئًا، لكنه رآه يقود السيارة بجنون، يضرب على المقود بقبضته المرتجفة.
صرخ أحمد وهو يتشبث بالمقعد:
-فى إيه يا آدم على مهلك هتمو*تنااا
آدم وهو يضرب على مقود بغضب:
_ هتمو*تهااااا ستك هتم*وتهاااااا بين ايديهااااا
تسمر أحمد من الصدمة، لم يكن بحاجة إلى شرح أكثر، أدرك في لحظة أن الحديث عن مودة. أما آدم، فقد ضغط أكثر على دواسة السرعة، كأن المسافة بينه وبينها مسافة حياة أو مو*ت.
…
وفي تلك اللحظة، كانت مودة تعيش جحيمها الأخير... أنفاسها تتناقص، وصدرها يعلو ويهبط بصعوبة تحت ثقل الرمال؛حيث أمرت خديجة الحراس أن يعاونوها، فأصبح أكثر من أربعة رجال يقذفون عليها الرمال بلا رحمة، والحفرة تضيق أكثر فأكثر.
لم يعد يظهر من جسدها سوى وجهها الصغير الملطخ بالدموع والتراب، وصوتها المكتوم يتلاشى شيئًا فشيئًا بين طبقات الرمال..... حاولت أن تتوسل، أن تصرخ، لكن حنجرتها اختنقت، وصوتها صار أقرب للأنين المبحوح.
كانت عيناها تتسعان برعب، تجولان في الأفق البعيد كمن يرى نهايته تقترب.... أهكذا ستنتهي حياتها؟ مدفو*نة حيّة؟! بهذا البطش... في هذا المكان؟!
ازدادت أنفاسها اضطرابًا، تحاول سحب الهواء كما يسحب الغريق آخر نفس له، لكن الرمال تسللت إلى فمها وأنفها، فصار التنفس شبه مستحيل...فأخذت تتمتم بكلماتٍ لا يسمعها أحد،وهى تناجى ربها ان تحدث معجزة تنقذها من الم*وت......
وصل آدم اخيرا للقصر ودخل وهو يصرخ وينادي كالمجنون على خديجة وهنية ولكن ليس أحد فى الداخل فسمع فجأة صوت خديجة وهى تتكلم بغضب فى الخارج وتقول
-هد*فنكككككك هناااااا عشااااان كل ماااانعديييي على جث*تككككك نتف علييييكى يبنتتت القا*اتل إقفلوووو الحفرة دى
كادت ان تدفع رمال اخرى على مودة ولكن اوقفها آدم وهو يمسك يدها وشد منها الفأس بغضب وهو يصرخ فى وجهها بجنون غير مصدق مايراه
-انتيي بتعمليييييي ايييييييه انتيي اتجنييييتى بتد*فنيهاااااا حية !!!!!
خديجة بغضب
-ابعددددد .....خلاص كفاااااية مش هسمح للبت دى تعي*ش
آدم بغضب وهو يدفع جدته بعيد عن الحفرة
-خديييييها من هناااا يا هنية دخليهاااا اوضتهااا واوعيييي تخرج منهاا
أمسكت هنية وبسمة بخديجة من ذراعيها وهما يحاولان تهدئتها رغم غضبها الشديد، حتى أدخلتاها إلى غرفتها وأغلقوا الباب خلفها.
أما آدم، فقد قفز مسرعًا إلى داخل الحفرة، يزيح الرمال بيديه المرتجفتين عن وجه مودة التي كانت شبه مدفو*نة، ويدها مربوطة......
انحنى إليها بفزع، يفك العقدة عن معصمها وهو يمسح عن وجهها الغبار بلهفة بينما جسدها كله كان ينتفض بخوف
كانت تهمس بصوت متقطع يملؤه الهلع، وهي تكرر بهستيرية:
-ا...انا معملتش حاجة معملتش حاجة.....مش انا ....مش انا والله ......
كوّر آدم يده حول وجهها وهو يمسح الرمال من عليها قائلًا بخوف:
-أهدى انا عارف انه مش انتى أهدى
ليقول جملته وهو يفك يدها وقدميها من الحبال..........
وبمجرد ان فكها آدم ارتمت مودة فى حضنه وهى تخفى وجهها فى صدره بخوف وبكت بأنهيار وهى تشد فى ملابسه كأنه سيهرب منها تحت صدمة آدم من الذى فعلته وهو لا يعرف ماذا يفعل حتى يهديها .....فتركها تعانقه حتى سمع صوت انفاسها الذى انعدم فجأة فعلم انها قد اغمى عليها .....فساعده احمد ورمى له الحبال واخرجهم من الحفرة.....فحمل آدم مودة بين يديه وهو يصرخ فى وجه الجميع بغضب :
-جيبببببووووووو دكتوووووور بسرررررعة
جاء الطبيب ليرى مودة التى كانت مسطحة على فراش آدم فى غرفته كالج*سة الهامدة..... فوضع لها الطبيب محاليل وجهاز تنفس بسبب كثرة الرمال التى استنشقتها وقال انها يجب ان ترتاح على الأقل يومين وذهب ........
وبعد ان مشى الطبيب قامت هنية بخلع حجاب مودة من عليها وهى نائمة لعلها تتنفس قليلا وترتاح ثم تركتها وذهبت هى الأخرى ......
ظل آدم ينظر لها وهى محاطة بجهاز التنفس بهذا الشكل بضيق وقلبه به نار مشتعلة من الغضب.... كيف !!كيف تجرأت !!!؟وفعلت شئ كهذا بهاا هو حذرها اكثر من مرة ان تبتعد عنها ولكن هى لا تفهم بالكلام هذه المرة حقا تعدت حدودها.....
نهض آدم غاضبًا، وخرج من غرفته بخطوات سريعة حتى وصل إلى غرفة خديجة..... وفتح الباب فجأة بعصبية، لكنه تجمّد حين رآها ممددة على السرير، منهكة، والدموع تنهمر على وجنتيها وهي تبكي على حال مازن.....تنهد آدم وهو يرمقها بحزن فهو يعلم انها تفعل كل هذا من حزنها عليه....ليسمعها تقول بصوت مختنق بسبب كثرة البكاء:
-برضو نقذت البت ديي يا آدم سبتتت حق اخوووك ونقذتهاا وخااالفت كلااامى
آدم بغضب
-مش هيى مش هيى اللى عملت كدا افهمى بقا لو كانت هي انا مكنتش سيبتها ولو للحظة عايشة ......انتى ليه مش عاوزة تقتنعى انها طيبة وغلبانة وعمرها ماهتأذى حد
خديجة بتعب
-طيبة !! وغلبانة انت بجيت تتكلم عنها بالطريقة دى كدا يولدى البت دى سحراااالك هتخليك تقف فى صفهااااا
آدم بغضب
-انا واقف فى صف الحق يستى .....اللى انتى كنتى عاوزة تقت*ليها النهاردة دى هي اللى نقذت حفيدك من المو*ت... لتنظر له خديجة بإستغراب فأكمل هو .حديثه مؤكدا
_...زى ماسمعتى كدا كان فيه حد النهاردة كان عاوز يقت*ل مازن فالمستشفى وحطله محلول فيه سم ولولاها هي كان زمانه ........صمت آدم بغضب وهو لا يستطيع ان يتخيل اخيه بهذه الطريقة واكمل حديثه بضيق
-البنت اللى عيطت كل ده عليه وفضلت طول اليوم بتبكى بالطريقة دى ونقذته وقاعدة طول اليوم معايا ولا اكلت ولا شربت وهى زعلانة وبتواسينى مستحيل تكون هيا اللى عملت كدا يخديجة هانم
كادت خديجة ان تتكلم فقاطعها آدم بغضب
-ليكى حساب معايا على اللى عملتيه يخديجة هانم صحيح مش دلوقتي عشان انتى فحالة متسمحش بس صدقينى مش هعدى الموضوع ده عالخير
ليقول جملته وذهب من امامها وهو يقفل الباب ورائه بغضب فتمتمت خديجة بعد ان مشى فى نفسها:
-اقسم بالله ماهرحمها هي سحرالك وبتمثل عليك يآدم وانت صدقت بس انا مش هيمشى عليا السحر ده وأصدق وهوريها
دخل آدم غرفته بهدوء، ودفع الباب بخفة ثم أغلقه خلفه...... تقدم نحو الفراش ببطء، ينظر إلى مودة التي تستلقي هناك، وجهها هادئ وأنفاسها منتظمة، فجلس على الأريكة القريبة، يراقب ملامحها في صمت.
لكن شيئًا ما لفت انتباهه... لم تكن نائمة بسلام، ملامحها مشدودة، شفتيها ترتجفان كأنها توشك على البكاء..... أدرك آدم أنها غارقة في كابوس مؤلم.... نهض واقترب منها أكثر، وجلس بجانبها ثم مد يده يمسك بيدها برفق، وكأنه يريد أن يبعث الطمأنينة إلى قلبها.
وما إن شعرت بلمسته، حتى انتفضت فجأة برعب، فتحت عينيها بتوتر شديد ونهضت بعشوائية، تلتفت يمينًا ويسارًا بعينيها الزائغتين كأنها ما زالت عالقة في الحلم. فأرتجف صوتها وهي تردد بهستيرية:
-ه....هتقت*لني هتقت*لنى وتد*فنى خلوها تبعد عنى والنبى انا معملتش حاجة والله معملتش حاجة انا مأذتش احد
كانت كلماتها تقولها بنبرة مرتعشة، وجسدها يرتجف وهي تفرك على السرير محاولة الابتعاد، وأنفاسها تتسارع كأنها خرجت لتوّها من سباق.....
مدّ آدم يديه بسرعة، أمسك وجهها بين كفيه محاولًا تهدئتها بصوت خافت
-إهدى انتى بقيتي فى أمان محدش هيقدر يعملك حاجة إهدى
مودة وهى تبتعد عنه بخوف:
-ابعدوا عنى انا معملتش حاجة مقت*لتش حد معملتش حاجة والله
امسك آدم وجهها بحزن وغضب من حالتها التى اصبحت بها وقال وهو يثبت وجهها فى وجهه:
_اهدى قولتلك انتى فى أمان مفيش حد هنا غيرى.....
ليراها تضع وجهها فى الارض بخوف فقال وهو ينظر فى عينيها .....
_حطى عينك فى عيني ده انا آدم ....متخافيش محدش يقدر يأذيكى طول مانا موجود
ليقول جملته وهو يكور وجهها بين يديه.......
فنظرت مودة فى عينيه واستوعبت أخيرًا انه آدم وهى فى غرفته الآن ....فهبطت دموعها بغزارة وهى تدرك انه نقذها .....انه المعجزة التى كانت تدعى ربها ان يرسلها لها حتى ينقذها.....
اندفعت مودة فى حضنه وعانقته بشدة وهى تبكى بانهيار وصوت شهقاتها يعلو وهى غير مصدقة انه آتى حتى ينجدها وهى فقدت الأمل انها ستمو*ت مدفو*نة بهذه الطريقة !!!
كان قلب آدم يتمزق عليها ويشتعل بغضب من كثرة صوت شهقاتها بهذه الطريقة وبكائها وهى تنوح بصوت عالى كالأطفال ويديها التى تضمه من الخلف وتشد على ملابسه خائفة ان يأتى احد ويقت*لها مرة أخرى.....
تنهد آدم بضيق، وكأن صدره يختنق..... شعر أن كل ما بناه في حياته من ثبات وجمود وقسوة قد انهار تمامًا أمام دموعها ... لم تعد له القدرة على المقاومة، فمد ذراعيه ليحاوطها ويضمها إلى صدره بحزن، يربت على شعرها بحنان غريب عنه، وهو يعتصرها بين ذراعيه وكأنه يريد أن يذيب خوفها في حضنه.... ومع الوقت، بدأ صوت بكائها يخفت تدريجيًا، حتى سكن تمامًا.
أبعدها آدم قليلًا عن صدره، كَوّر يديه حول وجهها الذي ما زالت الدموع تبلله، ومسحها برفق وهو يزيح خصلات شعرها عن جبينها...
خرج صوته بنبرة حانية لم يعرف من أين أتت:
ــ اششش... خلاص، اهدي... متعيطيش تاني.
رفعت مودة عينيها المرتعشتين إليه بخوف، فزاد اقترابه وهو يمسّد وجهها بحنو لم يعتده يومًا:
_....انا جمبك هنا متخافيش مفيش حد يقدر يلمس شعرة منك وانا موجود محدش يقدر يقربلك ادف*نه انا وهو حى فاهمة ........
أومأت برأسها بصمت، ودموعها ما زالت تهبط، فابتسم آدم بحزن، وساعدها على أن تتمدد من جديد فوق السرير، وهو يقول بصوت هادئ مطمئن:
-يلا نامى متخافيش مفيش حاجة خلاص
وضعت مودة رأسها على الوسادة واغمضت عينيها فكاد آدم ان ينهض ولكن منعته مودة وهى تمسك يده قائلة بخوف:
-متسبنيش والنبى انا خايفة حد ييجى يعملى حاجة
اومأ لها آدم بحزن وقال وهو يمسك يدها :
-متخافيش انا جمبك
ليقول جملته ويضع يده الأخرى على يدها حتى يطمئنها وبالفعل مودة عندما سمعت نبرة صوته وهو يقول لها هكذا توقف قلبها عن الرجفة التى كانت به وسكنت من رعشتها وهى تأخذ نفسها ببطء وإرتياح حتى هدأت وذهبت فى نوم عميق .............
ظل آدم يجلس بجانبها على طرف السرير وهو لا يضع جسده كله عليه ويستند برأسه على الحائط بتعب وهى تمسك يده بقوة وهى نائمة ....لا تريد أن تترك يديه أبدًا كأنه سيهرب منها او بدونه ستتأذى .....
نظر ليديها الصغيرتين الناعمة التى تحاوط يده الكبيرة بهذه الطريقة كانت كالطفلة التى تتعلق بيدي والدها فأبتسم آدم وهو يرى خصلات شعرها تزعجها فى نومتها وتأتى على وجهها فأقترب منها وابعدهم عن وجهها بهدوء ....فظل يمسد قليلًا على شعرها بحنان وهو يوعد نفسه انه لن يسمح ان تتأذى خصلة منها مجددًا مهما حدث .....لن يجعلها تعيش حالة الخوف والهلع التى كانت بها منذ قليل .....مهما حدث لن يجعل حياتها تتعرض للخطر وتعانى بسببه مرة أخرى
ليقول وهو يمسد على شعرها بحنان
-اوعدك انها آخر مرة هخليكى تعيطى فيها كدا آخر مرة .......
(يتبع )