
بقلم ملك عبد اللطيف
حلَّ صباحٌ جديد، يحمل في طياته أحداثًا لم تكن في الحسبان.
فتحت مودة عينيها ببطء، وما زال الوهن يثقل جفونها... نهضت بهدوء، وتوضأت في حمام الخادمات كعادتها، ثم أدّت صلاتها بخشوع....وما إن انتهت حتى نزلت إلى الأسفل متجهة نحو المطبخ.
لكنها توقفت فجأة عند عتبة الباب حين دوّى صوت صراخ "هنية" من الداخل، صوت يشي بغضبٍ ومرارة، كأنها تتشاجر مع أحدٍ ما.
فسمعتها مودة تقول بعصبية:
_إيه اللى جابك يا ورد مش قولتلك متجيش هنا يبنتى
جاء صوت ورد حادًّا، وهي تحتضن طفلها الصغير بين ذراعيها:
_هو انتى بتحسبى يا ماما القرشين اللى عطتهوملى قضونى انا وابني وكانوا هيخلونى اسكت!!
هنية بحزن
_يبنتى بدال الفلوس مقضتكيش مقولتيش ليه ابعتلك تانى
قالت ورد بنبرة غاضبة :
_عشان عاوزة ارجع تانى هنا يا ماما انا مش هفضل هربانه كدا طول عمرى كفاية بقى حرام عليكم
هنية وهى تمسكها من ذراعيها بغضب:
_ومش حرام عليكى انتى تعملى اللى عملتيه ده يا ورد مش حرام عليكى العذاب اللى عذبت*هونى لغايت ما نقذتك من إيد خديجة هانم
هبطت دموع ورد بدون إرادتها قائلة بنبرة حزينة عندما ذكرتها والدتها بالماضي:
_ إيه اللى انا عملته يا ماما كل ده عشان حبيت واحد من العيلة!!...ده غلطى الوحيد انى حبيت صح!!
هنية بغضب :
_آه يا ورد ده غلطك اللى خلاهم يجوزوكى واحد غظبن عنك عشان تنسيه....اطلعى برة يا ورد وامشى من هنا خديجة المرادى لو شافتك هتق*تلك
كادت مودة ان تدلف للداخل حتى تفهم ما الذى يحدث ولماذا تَصِر هنية هكذا على ذهاب ابنتها ولكن اوقفها صوت من خلفها فجأة:
_انتى بتعملى إيه هنا!!
فتحت مودة عينيها بصدمة عندما سمعت هذا الصوت الذى يرعبها ووقفت متجمدة فى مكانها فسمعته يقول من خلفها مرة أخرى
_انتى واقفة بتتصنتى على دادة هنية!!
التفتت مودة لآدم بصدمة من جملته قائلة بضيق:
_انا مش بتصنت على حد انا سمعتهم بالصدفة
رفع آدم حاجبيه بإستغراب قائلًا
_لا والله اومال واقفة كدا ليه
مودة بنبرة هامسة:
_اصلهم كانوا بيتخانقوا فمعرفتش اخش المطبخ
آدم بإستغراب
_مين دول اللى بيتخانقوا!!
مودة وهى تشير له عليهم
_دادة هنية وبنتها ....هى صحيح بنت دادة هنية ليه مينفعش تعيش هنا!!
نظر لها آدم بإستغراب من حديثها وقال
_قصدك على ورد!!....انتى تعرفيها منين!!؟
مودة بهمس
_ما تركز معايا شوية فى الكلام بقولك واقفة اهى بتتخانق مع دادة هنية
ابتسم آدم بسخرية قائلًا
_انتى عمالة تتكلمى بصوت واطى كدا ليه كأننا بنعمل مصيبة
مودة بإستغراب
_معرفش بس المفروض اوطى صوتى عشان ميسمعونيش
حرك آدم رأسه بقلة حيلة عليها ووقف بجانبها قليلا ليرى إلى ماذا تنظر فرأى بالفعل هنية تتش*اجر مع ابنتها فأستغرب آدم بشدة لأن ورد ليست من عادتها ان تأتى للقصر وعندما سمعوا هم الاثنان هنية تصرخ على ورد وتشدها رغمًا عنها لتخرج تدّخل آدم وهو يتجه نحوهم قائلًا بنبرة متسائلة
_دادة هنية فيه إيييه ليه بتشديها كدا
نظرت له هنية بتوتر ووضعت وجهها فى الارض فور رؤيته بينما ورد اتجهت نحوه قائلة
_قولها يا آدم بيه والنبى تسيبنى اعيش معاها هنا
آدم بإستغراب
_انتى بتطرديها ليه يا هنية من إمتى وانتى بتمنعى ورد تعيش معانا هنا!!
نظرت له هنية بتوتر وهى لا تعرف ماذا تقول فآدم الوحيد الذى لا يعرف لماذا ورد لا تعيش مع والدتها فسمعته يقول مرة أخرى
_ما تردى يا هنية فيه إيه
كادت هنية أن ترد عليه ولكنها قاطعتها ورد قائلة
_مفيش حاجة يا آدم بيه انا بس حبيت آجى اعيش هنا مع ماما وارجع اشتغل تانى وهى كانت بتقولى ان حضرتك وخديجة هانم هترفضوا عشان كدا بنتخانق
آدم بإستغراب
_وهنرفض ليه مش فاهم ...تقدرى ترجعى تعيشى مع والدتك تانى ده بيتك ومكانك
نظرت له ورد بسعادة وكادت ان تتحدث ولكن منعتها خديجة التى جائت للتو قائلة بغضب
_البنت دى مش هتعيييش معانا أهنيه تاااني يا آدم
التفت الجميع على صوتها بإستغراب وخاصة آدم الذى استغرب من اعتراض جدته وقال
_ليه يا ستى وفيها إيه
خديجة وهى ترمق هنية بشر مما جعلها تضع وجهها فى الارض بخوف
_انا مش عوزاها أهنيه يا ولدى وبعدين مش جوزناكى خلاص إيه اللى جابك هنا وسايبة جوزك
ورد بخوف من نظراتها لها:
_ا...انا سيبت جوزى يا هانم رفعت عليه قضية خلع
شهقت هنية قائلة بصدمة
_إييييه رفعتى قضية خلع مش قولتى متخانقين بس يا بتى
ورد بتوتر
_لا يا ماما مش متخانقة انا رفعت عليه قضية خلع انا مش عوزاه خلاص
خديجة بغضب :
_ملناش دعوة بمصايبك ومشاكلك يبت انتى.... المهم تمشى من أهنيه وخلاص
تقدمت ورد منها بخوف وقالت بنبرة مترجية
_بالله عليكى يا هانم سيبينى عايشة معاكم هنا انا مليش غيركم جوزى لو عرف انى عملت قضية الخلع دى ممكن يقت*لنى والنبى خلينى عندكم
خديجة بغضب :
_هو انتى يبت عاوزة تجيبيلنا مصايب وخلاص ملناش دعوة ب......
قاطعها آدم قائلا بنبرة غاضبة :
_خديجة هانم مش انتى بس اللى هتحددى هى هتقعد هنا ولا لا.... سيبيها نعرف منها الاول فيه إيه اكيد عندها سبب خلاها تعمل كدا
خديجة بغضب
_ملناش دعوة يا ولدى ورد مش من الع.....
آدم بغضب
_هنية وبنتها من العيلة يستى وورد زيها زى منة وميسرة مسؤولة مننا بدال ما تطرديها من غير ما تعرفى حاجة نفهم منها على الأقل إيه اسبابها
هنية بضيق
_بلاش يا آدم بيه توقعوا نفسكم فى مشاكل بنتى سيبها تمشى وانا هتصرف
لم يُعيرها آدم اهتمامه لحديثها وقال وهو ينظر لورد بإستغراب
_فهمينى ليه رفعتى على جوزك قضية زى دى
بلعت ورد ريقها بتوتر من نظرات خديجة وهنية الذين يرمقونها بشر ولكنها استجمعت شجاعتها لأنها تعلم جيدًا ان آدم شخص عادل وسيتفهم موقفها لذلك قالت بنبرة متوترة:
_زى ماانت عارف يا آدم بيه انا متجوزة بقالى ٥ سنين
آدم وهو يومأ لها بإستغراب
_آه تقريبًا من ساعت ما انا سافرت
اومأت له ورد بتوتر وقالت:
_آه ومن ساعتها الراجل ده وهو بيعاملنى اسوأ معاملة من إهانة وضر*ب وشتيمة كأنى خدامة عنده ده غير اهله اللى متحكمين فى حياتنا دايما وكنت ساكتة ومستحملة وقولت عادى ممكن يتغير بس بقى للأسوأ لما خلفت ابنى كمان وساء فيها وبقى يضر*ب ابنى وانا سكت على اهانتى لكن يضر*ب ابنى ويطلعه معقد نفسيا شبهه ده اللى انا مرضهوش عشان كدا رفعت عليه قضية خلع عشان طبعا مكانش هيوافق يطلقني برضاه
نظر آدم للولد الذى بيدها بحزن وقال
_يعنى انتى متأكدة من قرارك ده هتقدرى تربى ابنك من غير اب!!...انا اقدر اجبهولك لغايت عندك و......
قاطعته ورد بحزن
_لا يا آدم بيه ده شخص مستحيل حاله يتصلح مهما عملت انا مصممة على قرارى لو حضرتك مش عاوزنى هنا انا اقدر امشى انا وابنى
تنهد آدم بضيق قائلًا
_لا تقدرى تفضلى هنا مع ابنك محدش هيمنعك
خديجة وهى تنظر له بصدمة
_هتسيبها عايشة معانا هنا يا ولدى
آدم بإستغراب من صدمتها
_آه مالك مستغربة كدا ما طول عمرها عايشة معانا.....كادت خديجة ان تتحدث بإعتراض ولكن قاطعها آدم بغضب
_ياريت متطوليش فى الموضوع ده اكتر من كدا وورد وابنها هيعيشوا معانا هنا.... حضريلها اوضة جمب اوضتك يا هنية ولو احتاجتى اى حاجة تخص قضيتك قوليلى وهوكلك محامى
اومأت له ورد وقالت بإمتنان قائلة
_شكرا يا آدم بيه ربنا يراضيك ويفرح قلبك زى ما فرحتنى
اومأ لها آدم وغادر تحت نظرات مودة التى كانت تتابع حديثه طوال الوقت بصدمة فهى كانت تظن انه سيعترض على وجودها كجدته ولكنه كل يوم يصدمها فى شخصيته حقا ...هل هو شخص جيد ام سيئ اصبحت لا تفهمه....
اخرجها من شرودها صوت خديجة التى اقتربت من ورد بغضب
_انتى عارفة يبنت هنية لو عملتى حركة أكده ولا أكده قسما بالله اقت*لك انتى وابنك وميهمنيش حد
ورد وهى تنظر لها بسخرية
_متقلقيش يا خديجة هانم انا نسيته خلاص وبقى عندى ولد ....متقلقيش مش هبوظلك سمعة عيلتك
خديجة بسخرية هى الأخرى
_متقدريش تبوظيها يبنت هنية ولو فكرتى اصلا مجرد تفكير حتى تتكلمى معاه قسما بالله......
قاطعتها هنية وهى تقف امامها مما جعل ورد خلفها
_مش هتكلمه يا خديجة هانم متقلقيش لو كلمته ساعتها تعالى حاسبينى انا
اومأت لها خديجة قائلة بضيق
_ماشى يا هنية هنشوف آخرتها معاكم
لتقول جملتها وتخرج....فجلست هنية على الكرسى وهى تضع يدها على رأسها بتعب وبدون إرادة منها هبطت دموعها بخوف على ابنتها فأنتبهت مودة لدموعها وانحنت على ركبتيها قائلة بإستغراب
_دادة مالك انتى بتيعطى ليه دلوقتي
هنية بدموع
_كل اللى انا فيه ده ومش عوزانى اعيط يبنتى ....ده انا كتر خيرى انى عايشة والبت دى فى حياتى
ورد بسخرية
_اتبرى منى يا امى لو انا زعجاكى اوى كدا اتبرى منى
هنية وهى تنظر لها بغيظ
_ياريت يبنتى كان ينفع بس نعمل إيه فى قلب الأم بقى
مودة بإستغراب من حديثهم
_انا مش فاهمة يا دادة فيها إيه لما بنتك تعيش معانا هنا انتى مسمعتيش جوزها ده بيعاملها إزاى
هنية بضيق
_اسكتى يا مودة والنبى انتى مش فاهمة حاجة
مودة بإستغراب
_طب ما تفهمونى يا جماعة انا هفضل طرشة فى الزفة كدا
ورد وهى ترمق مودة بإستغراب
_هى مين البنت دى يا ماما
هنية وهى تنهض بضيق
_دى مودة مرات آدم
شهقت ورد بإندهاش بمجرد ان سمعت ذلك قائلة بصدمة
_إيه مراات آدممم!!!
هنية بضيق
_اه مالك مستغربة كدا ليه
مودة بضحك
_تلاقيها مصدومة ان واحدة كتكوتة زيي مرات الروبوت ده صح
اومأت لها ورد بضحك قائلة بمزاح
_والله استغربت اكتر دلوقتي ان واحدة دمها خفيف مرات آدم
ابتسمت لها مودة وقالت
_شكرا ده من زوقك.....
ورد بإستغراب
_انا بس مصدومة ان آدم اتجوز انا قولت بسمة هتعمله عقدة فى الصنف كله وهيبطل
هنية بسخرية
_كفايا عليه سته عملاله عقدة اصلا
ورد بضحك
_والله آه هما ستات البيت ده كلهم معقدين بس الظاهر انتى غيرهم يا مودة
هنية بحزن وهى تربت على يد مودة
_مودة دى الملاك فى وسط الشياطين اللى هنا يبنتى عاملة زى الورد اللى فى وسط الشوك
مودة بضحك
_أخيرًا اقتنعتى يا دادة ان اللى ساكنين هنا شياين
ورد وهى تهمس لها بمزاح
_يبنتى دى الشياطين جمبهم ملاك بالذات الساحرة خديجة
ضحكت مودة على حديثها فقالت هنية بغضب
_ابتديها بلسانك الطويل بقى يا ورد انتى عارفة لو عملتى مشاكل قسما بالله انا اللى همشيكى
ورد بضيق
_خلاص يا ماما هتخرس.....لتكمل حديثها وهى تجلس بجانب مودة
_قوليلى بقى يا موزة اتعرفتى على ابيه آدم إزاى انهى قصة حب خلتك توافقى على عيلة العقارب والسحالى دى
ضحكت مودة رغما عنها من حديثها وقالت بسخرية
_مقولكيش يا ورد يا ختى قصة حب ولا روميو وجولييت فى زمانها
ورد بإستغراب ولهفة
_إيه ده بجد ابيه آدم بيعرف يحب!!
ضحكت مودة بسخرية وقالت
_آه يبنتى مقولكيش مهرف الاحاسيس كدا بينقط حب وحنية بيوزعهم على البشر اقوله يبنى كفايا هدوء كفايا حنية خليك وحِش شوية يقولى ابدااا انا شخص يتحط على الجرح يطيب
نظرت لها ورد بصدمة من حديثها بينما هنية انفجرت ضاحكة وهى تقول
_يخرب عقلك يا مودة اللى يسمعك كدا يصدقك وربنا
ورد بصدمة
_هو انتى كنتى بتهزرى!!
مودة بضحك
_اومال يعنى بتكلم جد ده شكل واحد يتحط على الجرح يطيب!!!...ده يخلى الجرح يخاف منه ويتفتح اكتر
ورد بضحك
_يخربيتك ده انتى أفظع منى.... لا احكيلى بقى إزاى اتعرفتى على آدم بجد
هنية بضيق
_انا هقوم انيم الولد فى الأوضة ياريت متلكيش كتير انتى وهى عشان متجيش خديجة هانم تشدكم من قفاكم
أومأ الاثنان برأسهما في صمت، ثم انسحبت لحظات التوتر، وبدأ الحديث يتدفق بينهما.... جلست مودة بجوار ورد، وحكت لها قصتها وكيف تعرفت على آدم، والقدر الذي جمعها به رغمًا عنها.
كانت كلمات مودة تنزل كالسكاكين على قلب ورد؛ فمع كل تفصيلة تسمعها، يزداد حزنها عليها أكثر من حزنها على نفسها.... شعرت أن جراحها، بكل قسوتها، تتضاءل أمام ما تعيشه هذه الفتاة البريئة.
وهكذ هى الحياة داخل قصر عائلة الأسيوطي لا تحمل سوى الوجع....كل من تطأ قدمه هذا المكان، لا بد أن يتذوق مرارة المعاناة، كأنها لعنة تلاحق الجميع بلا استثناء.......
حلَّ الليل على القصر دون أحداث تُذكر؛ فاليوم كان عطلة للجميع. حتى تسنيم وأحمد لم يذهبا للعمل كعادتهما، وآدم هو الآخر قضى يومه حبيس مكتبه منهمكًا في أوراقه.
وحين أنهى عمله، خطر في باله شقيقه مازن الذي لم يره منذ فترة بسبب انشغاله. فنهض متوجهًا إلى غرفته ليفقده.
طرق آدم الباب برفق، وحين لم يتلقَّ ردًا، فتحه ودخل. رفع حاجبيه باستغراب وهو يراه جالسًا:
_اما انت قاعد اهو مبتردش ليه ؟
ارتبك مازن بمجرد أن وقعت عيناه على أخيه، وأسرع يخفي هاتفه خلف ظهره قبل أن يتمتم بتلعثم:
_خ...كنت بذاكر يا آدم مأخدتش بالى خش
لم يفلت الأمر من عينَي آدم، فتقدّم وجلس على الكرسي بجوار سريره، ثم نظر إليه بريبة:
_كنت بتذاكر ولا بتتكلم فى التليفون!!
ضحك مازن وقال بسخرية :
_مفيش حاجة بتعدى قدامك بسهولة يا آدم مش كدا
ضحك آدم بسخرية هو الآخر
_آه انت عارفنى باخد بالى من كل حاجة وبالذات معاك انت يعنى ...كنت بتكلم مين!!
مازن بضيق
_واحد صاحبى يا آدم
آدم وهو يرمقه بشك
_اممم واحد صاحبك ولا واحدة صاحبتك!!
مازن بضحك
_لا مش للدرجادى انت عارفنى مليش فى الشمال يا آدم انا مش بصاحب بنات
آدم
_طب الحمدلله يا عم انا كنت خايف يبقى فيه اتنين احمد فى العيلة كانت تبقى مصيبة
_وماله احمد يا عنيا انتو تطولو تبقوا زى احمد
التفت الاثنان على هذا الصوت المزعج _من وجهة نظرهم _فقال آدم بضيق بمجرد ان لمح احمد
_انا مش عارف انت ليه دايما بتيجى عالسيرة
اتجه احمد وسحب كرسى هو الآخر وجلس قائلًا وهو يغمز له
_هما اللى قلبهم طيب كدا يا دومى دايما بييجوا على السيرة
مازن بضيق
_انت إيه اللى جابك هنا انا مقولتلكش تخش
احمد بغضب
_يبنى انا نفسى افهم انت واخوك مش بتطيقونى ليه
مازن وآدم فى نفس الوقت بسخرية
_انت مفيش حد بيطيقك يا احمد
احمد وهو يشهق بصدمة
_انااااا!!! انا يآدم بالله عليك انت تقدر تعيش من غيرى
آدم بسخرية
_اه اقدر شايف نفسك الأكسجين ولا الماية يخويا
احمد وهو يغمز له بضحك
_يبنى ده انا اهم منهم انا عارف انت بتحبنى بس مخبى
ابتسم آدم بقلة حيلة مما جعل احمد يقول بخبث
_بقولك إيه يا واد يمازن فيه سنان واحد كدا الايام دى بتبان كتير مش واخد بالك منها
مازن بإستغراب
_سنان إيه مش فاهم
آدم وهو يرمق احمد بشر
_سيبك منه يمازن ده عيل اهبل.....المهم انا كنت جاى اشوفك عامل إيه فدراستك
مازن بتوتر من سؤاله
_كويس الحمدلله كنت بذاكر عشان الفاينل قرب
آدم وهو ينهض
_طيب ربنا معاك ....قوم يا زفت يلا سيبه يذاكر
احمد بضيق
_يعم النهاردة اجازة هو انتو كل يوم مذاكرة وشغل...الطب مش هينفعك يبنى اسمع منى
مازن بإستغراب
_اومال إيه اللى هينفعنى يااحمد
احمد وهو يغمز له بمزاح
_النسوان يا حبيبى هو فيه حاجة بتنفع الايام دى غير النسوان!!
آدم بغضب
_احمدددد لم نفسك واتزفت قوم يلا
احمد وهو ينهض بضيق
_بقولكم إيه تعالو ننزل نقعد تحت شوية انا زهقان ومش لاقى حاجة اعملها
كاد آدم ان يعترض ولكن سبقه مازن قائلًا
_ماشى يلا بينا بقالنا كتير مقعدناش سوا إيه رأيك يا آدم
اومأ له آدم قائلًا
_ماشى ...هو صحيح وليد رجع من السفر ولا لسة
احمد
_لسة راجع النهاردة انا هروح اشوفه واجيب شوية حاجات تتاكل القعدة مبتحلاش من غير الأكل
أومأ له الاثنان وهبطا إلى الأسفل، بينما في المطبخ كانت البنات يجلسن معًا، تغمرهن فرحة كبيرة بقدوم ورد؛ فالجميع في القصر يحبها ويعاملها بود، باستثناء خديجة… الساحرة القاسية التي لم يعرف قلبها يومًا معنى الرحمة.
عمّ جو من الضحك والمرح بينهن، تتخلله نظرات حنين من ورد التي شعرت وكأنها عادت أخيرًا إلى بيتها.....
لكن سرعان ما قطعت ميسرة هذا الجو بملامحها الغاضبة، وهي تحاول أن تقوم بعمل شيء ما على الطاولة، وقالت بنبرة حانقة:
_هو الورق عنب ده بيتلف إزاااى يا مودة انا هتشل بسببه
ضحكت مودة على تذمرها وقالت وهى تأخذ التى كانت تلفها منها
_دى رابع مرة اوريكى يا ميسرة وكل مرة تبوظيه قولتلك كذا مرة ده بيتعمل صغير مش عملاهولى قد راسك كدا
ميسرة بإستغراب
_ما انا راسى صغيرة يا مودة انتى شايفاها كبيرة يعنى
ردت عليها ورد بضحك وهى تقوم بلّف "ورق العنب ":
_انتى عقلك اللى صغير مش راسك يا روحى مين ده اللى هياكل ورق عنب كبير كدا
ميسرة بضحك
_احمد الطفس هياكله عادى ....
احمد بضيق:
_بالذات منك انتى مش هاكله يا ميسرة
ميسرة بضحك
_بيحبنى اوى جوزى يا جماعة بيموت فيا كدا
ضحك الجميع عليها من بينهم احمد الذى اتجه لأحد الرفوف وقام بإخراج احد انواع المقرمشات مما جعل ميسرة تصرخ فى وجهه فجأة
_احمد لاااا سيب الشيبسى بتاااعي
احمد بإستغراب
_هو انتى كل الشيبسى ده بتاعك!!
ميسرة بضحك
_آه انا بحوش فيه كل يوم سيبه يا احمد
اخذ احمد كثير من الشيبسى وقال حتى يغيظها
_عوضك على الله بقى تبقى تحوشى تانى
نظرت له ميسرة بصدمة ونهضت وهى تحاول الحاق به
_اقسم بالله مش هسيبهولك يااحمد هااات الشيبسى بتاعى
لتقول جملتها وتخرج من المطبخ وتركض ورائه فنهضت مودة هى الأخرى ومعها هنية لتصولها لغرفتها لأنها أرهقت اليوم كثيرًا بسبب المشاكل التى حدثت فلم يتبقى فى المطبخ سوى ورد وأبنها التى اقتربت منه وقامت بإطعامه وهى تقول
_عجباك العيشة هنا ولا لا يا ليدو
الطفل الصغير وهو يأكل ذو ٥ سنوات
_اى حتة بعيد عن الوحش يا ماما
نظرت له ورد بحزن على جملته فهو يقصد ابيه بهذه الكلمة فمنذ أن ضربه وهو ينعته" بالوحش"
_متخافش يا ليدو مستحيل اخلى الوحش ده يقرب منك تانى
أومأ لها الولد بسعادة، وعاد لينهمك في تناول طعامه، بينما همّت ورد بالنهوض لتضع الطعام في الثلاجة، فإذا بصوتٍ يقطع حركتها من خلفها:
_ دادة هنية، والنبي اعمليلي كوباية ق...
تجمّد وليد في مكانه، كأن الزمن توقف فجأة، وكأن قلبه وعقله تعطلا عن الحركة للحظةٍ واحدة..... شعر أن الكون كلّه انكمش في تلك اللحظة حينما لمح "ورد" امامه لا يصدق ما يراه ...عيناه تتساءلان بذهول: أيمكن أن تكون هي؟ هل يعقل أنها تقف أمامه الآن بعد فراق خمس سنوات كاملة؟ كان المشهد أشبه بالحلم، أو وهمٍ جميل يخشى أن يزول إن رمش بعينيه.
لكن شروده انكسر مع صوت ارتطام الأطباق بالأرض، وقد أفلتتها ورد من بين يديها بمجرد أن رأته.... فانحنت بسرعة تجمعها، تتمتم بتوترٍ ظاهر:
_ ا... أنا آسفة يا... أستاذ وليد، م... مكانش قصدي، هعملك القهوة فورًا.
كلا، لم يكن حلمًا... لقد نادت باسمه، "وليد"، ذاك الاسم الذي لم يحبه يومًا إلا حين يخرج من شفتيها هي.... شعر بارتجافةٍ خفية تسري في جسده، كأن الحياة دبت فيه من جديد... ظل يحدّق في ارتباكها وهي تُعد القهوة، وكل ما استطاع أن يبوح به، بصوتٍ خافت بالكاد مسموع:
_ ورد... وحشتيني يا ورد.(يتبع )