
رواية الماسة المكسورة 2 الفصل الثامن 8 ج1 بقلم ليله عادل
❀༺༻❀✧
العودة (عناق الدم)❞
✧❀༺༻❀✧
{"من أَلِفَ الخوف، رأى السكينة فخًّا، وظنَّ الحضن قيدًا، والكلمة الحانية خنجرًا مختبئًا في الغياب.كيف يطمئن لطمأنينةٍ، وقلبه ما زال ينزف من أمسه؟إنه يرى في العناق أسْرًا، وفي الكلمات الدافئة شِباكًا،كأن الحب عنده مؤامرةٌ تُخفي أنيابها وراء ابتسامة رحيمة."}
[عنوان: سكينة لا تُطمئن ]
أخذ ذلك الرجل يصورهما في ذلك الوضع، ثم ابتعد ببطء، هبط عبر المواسير، إذ كانت نانا تسكن في الطابق الأول، كان هذا الرجل يخفي وجهه بغطاء أسود، ثم صعد إلى سيارته، رفع الغطاء، فبان جهه لكننا لم نتعرف عليه؟! أمسك هاتفه وهو يشاهد الفيديو الذي صوره لعزت ونانا، ابتسم ابتسامة غامضة، ثم أنطلق بسيارته مبتعدا.
في الداخل، كانت نانا قد ارتمت على صدر عزت، تمرر أناملها على كتفه، وهمست بنبرة دافئة: شكلي كنت وحشاك.
تنهد عزت وهو يغمض عينيه: اممم.
رفعت نانا رأسها وهي تنظر في عينيه: بس أنا زعلانة منك، بقي هان عليك تغيب عليا كل الفتره دى.
عزت بضجر: هو أنا كنت بلعب؟
نانا بإبتسامة ماكرة: يمكن، طب مش بتفكر نسافر سوا؟
عزت بتأيد: ياريت، أنا فعلا محتاج السفر جدا، محتاج افصل.
رفعت حاجبها واقتربت أكثر وهمست بخبث: طب قولي، عامل إيه مع فايزة؟ كويسين مع بعض؟
نظر لها عزت متعجبا: عادي، زي ما هي، بتسألي ليه؟!
نانا بخبث: أصل متوقعة بعد إللي حصل من سليم، تبقى ضاغطة عليك أكتر.
هز عزت رأسه نافيا: لأ، كل حاجة زي ما هي.
نانا في سرها بإبتسامة باردة: غريبة؟!
صمتت نانا لحظه وهى تحدق في وجهه بنظرات طويله: يعني الأمور بينكم تمام؟
عزت: آه تمام، قومي أعمليلي حاجة أشربها.
نانا بدلال وهي تهز كتفيها: من عيوني.
ارتدت الروب بخطوات متأنية، واتجهت إلى المطبخ لتعد عصيرا، وبينما هي هناك، جاءها إشعار برسالة، فتحتها، فإذا بالفيديو أمامها، اتسعت عيناها، وارتسمت الصدمة على ملامحها، وأنقبض قلبها، وفي لحظة التوتر، جاءها صوت عزت من الداخل: بتعملى ايه كل ده يا نانا؟!
نانا بصوت مرتجف وهي تحاول التماسك: حاضر، جاية اهو.
أغلقت الهاتف سريعا، وحذفت الرسالة، ووجهها مخطوف من الرعب.
على جانب آخر في قصر الراوي،
داخل غرفة فايزة.
كانت تستعد للنوم، تخلع الروب الذي ترتديه فوق القميص الطويل، ترفع شعرها وتتنهد بتعب جلست على الفراش، فإذا بإشعار يصلها، فتحته، فإذا بالفيديو ذاته أمامها، اتسعت عينيها، واشتعل الشرر فيهما، قبضت على الهاتف حتى كاد يتحطم بين يديها، ثم فجأة ألقت به أمامها بقوة وهي تهتف بغيظ مكتوم: كده كتير، كتييير.
💞_________بقلمي_ليلةعادل
فيلا سليم وماسة الجديدة الواحدة صباحا
غرفة نوم سليم
كان سليم مازال مستلقيا على ظهره حين بدأت عيناه تتحركان ببطء، نظر من حوله بتنهيدة مثقلة وهو يرمق الساعة فإذا بها قد تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل، مسح وجهه بكفه بتعب، ونهض من الفراش، واتجه إلى الخارج.
مر بجانب غرفة ماسة، فتوقف أمام الباب، مترددا بين أن يدخل أو يمضي في طريقه، كان قلبه يلح عليه أن يطمئن عليها، بينما عقله يوسوس له أن يتركها وشأنها، كاد أن يبتعد، ثم تراجع بخطوة صغيرة، مد يده إلى المقبض، وفتح الباب بشيء من الحذر، في الفتحة الضيقة لمحها نائمة، ساكنة، كطفلة غارقة في أحلامها اتسعت الفتحة قليلا، واقترب منها خطوة بعد خطوة، وكلما اقترب ازدادت صورتها وضوحا أمام عينيه، كأنما النور بأكمله يتجمع في ملامحها.
حتى اقترب منها بإبتسامة مشبعة بالشغف والحنين، جلس على ركبتيه قريبا منها، يمرر بصره على ملامحها بعشق جامح واشتياق يعتصر فؤاده، عينيها المغمضتان، شعرها المنسدل على الوسادة، شفتيها، وجنتاها، حتى كفاها الصغيران، كلها كانت تنسج حوله سحرا يعجز عن مقاومته.
وقف للحظات يتأملها من بعيد، صدره يعلو ويهبط بشوق مكتوم، يتمنى لو يقترب منها أكثر، لو يشم ليس عطرها الزائل، بل رائحة جسدها نفسها، دفء جلدها المميز، أنفاسها الصافية وهي نائمة، لكن تلك المسافة القصيرة التي تفصل بينهما كانت كالجدار يحول بينه وبين ما يريد.
ظل مترددا، يمد رأسه قليلا ثم يتراجع، يعض على شفتيه وكأن قلبه يلومه، لحظة طويلة عاشها بين أن يبقى بعيدا أو يستسلم لجنونه، وأخيرا، غلبه الحنين، نهض وتمدد بجسده بجوارها، تاركا مسافة ضئيلة تفصل بينهما.
مد سليم يده المرتجفة بخفة، كأنها تخشى أن توقظها أو تكسر الحلم الذي يعيشه، مرر أصابعه بين خصلات شعرها الناعم، شعر بحرارتها تسري في أنامله وتلسع قلبه في الوقت ذاته، كل لمسة كانت اعترافا بالعشق والوجع، أمسك بعض الخصلات وأخذ يستنشق عبيرها المميز بهيام وهو مغمض العينين للحظات مرت عليه وكأنه يأخذ من تلك الخصلات هدوءه.
فتح عينه، واقترب بوجهه من وجهها، حتى صار يسمع أنفاسها قريبة، دافئة، كأنها حياة جديدة تنفخ في صدره، أغمض عينيه، وبدأ يستنشق بعمق، مرة عبير شعرها الملقى على الوسادة، ومرة أنفاسها التي تهب على وجهه، كان يتنفسها كما يتنفس المريض جرعته الأخيرة من الأمل، وكأنها أكسجين لا غنى له عنه.
لم يكتفِ، بل ظل يستسلم أكثر، يشرب رائحتها وكأنها أغلى من الدنيا كلها، لم يعد يميز إن كان قلبه يتضخم ألمًا أو عشقًا، شعر بتلك القشعريرة التي اجتاحت جسده، وكادت دموعه تنفلت وهو يهمس في داخله "ليتني أضمك الآن"
اقترب أكثر، مد كفه حتى كاد يلامس وجنتها، فمرر كفه في الهواء بمحاذاتها، كأنما يطبطب على جرحه لا على بشرتها، أحس برعشة تتخلل جسده كله، كأن قلبه تضخم حتى لم يعد يحتمله صدره، أغمض عينيه ثانية، وتخيلها بين ذراعيه، قبل أن تفر دمعة موجوعة من عينه، دمعة محبوسة أفلتت أخيرا.
ومعها بدأ يحدثها بصوت داخلي منكسر، حزين، يفيض بالوجع والندم والمرارة وجلد ذات: عارف إن أنا إللي عملت فينا كده، انا السبب، أنا إللي بنيت بإيدي الجدران دى بينا، حتى لو كنت مظلوم وضحية لعبة صافيناز القذرة، بس أنا السبب..
مرر عينه على ملامحها الساكنة بعينين مثقلتين بالندم أضاف: لو كنت سمعتك وقت اما هربتي، لو كنت اديت لنفسي فرصة أسمعك، وركنت كبريائي ووجعي وقسوتي على جمب، مكانش كل ده حصل؟!
أغمض عينيه لحظة، ثم فتحهما ببطء، يراقب ارتجافة شفتيها في نومها بألم اضاف: إحنا انتهينا في اللحظة إللي دخلتك فيها الفيلا المشؤومه دى، كنت بنهيكي بإيدي، جرحي ووجعي منك عموني وخلوني زي المجنون، وأذيتك!! أذيت مراتي حبيبتي!! اذيت اللى أغلي عليا من روحي ونفسي!!
زفر بعمق وهو يضم يديه معا، كأنها تكبله، تابع بنبرة موجوعة:
إيه المشكلة لما توجعيني شوية؟ ما إنتِ وجعي.
إيه المشكلة لما تكسري كبريائي؟ ما إنتِ كبريائي.
ايه المشكلة لما تجرحيني ؟! ما إنتِ دواء جراحي.
ارتسمت ابتسامة باهتة على شفتيه، ممزوجة بالوجع: إنتِ أنا، إنتِ البداية والنهاية، دنيتي وروحي ونفسي، ضعفي وقوتي، إنتِ كل حاجة ليا، إزاي قدرت أعمل فيكي كدة؟! إزاي؟!
ترقرقت الدموع في عينيه وهو يطيل النظر إلى ملامحها الهادئة: ايه يعنى زعلتيني وجرحتيني، وجيتي على كرامتي مره؟! طب ما أنا جيت عليكي كتير ووجعتك أكتر، وكنتي بتنسي وتسامحيني، ليه أنا سلمت نفسي للقسوة؟ ليه؟!
خفض رأسه، ثم رفع عينيه إليها من جديد بعتاب محب:
بس أنتِ برضو غلطتي، لما عاندتي، يمكن لو كنتي أهدى ومعندتنيش كنتي عرفتي تسيطري على جنوني، ومكناش وصلنا لهنا..
عض على شفتيه وهو يحبس شهقه كادت أن تنفلت منه، وداخله يصرخ بإصرار: بس أنا مش هقبل بالنهاية دي، مش هقبل بخيالات تاني، أنا مش هقبل غير بحقيقة واحدة "إنك ترجعي تاني جوة حضني".
اقترب منها قليلا، رفع يده ارد ان يلمسها، لكنه توقف، يده ترتجف في الهواء قبل أن يسحبها من جديد، نظر إلى وجهها بلهفة مكتومة، وابتلع غصته بصعوبة واصل: ترجعي لحضن سليم، حبيبك إللي ملهوش في الدنيا غيرك، وإللي بيتمنى يسمع منك كلمة واحدة ترد له روحه من تاني، أنا عايش بالأمنية، باللحظة دي، بس المرة دي هكون سليم بس، من غير الراوي، اللعنة إللي بتجري جوة دمي.
شرد بعينيه في تفاصيلها، وعقله يئن من الشوق الذي يشتعل كالنار داخل قلبه: آاااه يا ماســة، آاااه لو تعرفي أنا نفسي أعمل إيه دلوقتي؟! نفسي آخدك جوه حضني، وأموت جوه حضنك مش عايز حاجة تاني.
لكن يده ظلت معلقة في الفراغ، لا تجرؤ على لمسها، أكتفى بارتجافة أصابعه وهو يسحبها ببطء نحو صدره.
وأضاف بيقين عاشق: عندي يقين إنك هتسامحيني، يمكن مش دلوقتي، بس هيحصل، لإني واثق في قلب قطعه السكر..
تدفقت دموعه بلا مقاومة، والندم غلف صوته الداخلي حتى خُيل إليه أنه يسمعه بصوت مرتعش، ظل يتأملها، يشبع عينيه من صورتها فأخيرا شعر بالراحة بعد عذاب شهور، وأخيراً اطمأن قلبه، ها هي تلك العصفورة التي هجرت عشها قد عادت، لكن عليه هذه المرة أن يحافظ عليها، لا بالقيود ولا بالأقفاص، بل بالحب.
وظل هكذا يرمقها، حتى استسلم للنوم بجوارها، بعد وقت، كان سليم مازال غارقا في النوم بجوارها، وذراعيه ممدودة بجانبه، فالتفت ماسة بجسدها بين ذراعيه دون وعي، حتى استقر رأسها على صدره، كأنما يحتضنها من غير قصد، وظلت نائمة بين أحضانه حيث تنتمي، وظلا هكذا لا حد فيهم يعلم أنه بين أحضان الآخر.
وبعد قليل، بدأت عيني ماسة تتحركان ببطء بين إغماضة وأخرى، كأنها مازالت تتأرجح بين النوم واليقظة، ومع كل ومضة وعي كانت تستشعر دافئاً غريباً يحيطها، حتى تنبهت فجأة لرأسها المستنده على صدره بجانب قلبه الذي يعشقها، وذراعيه الملتفة حولها، ارتجفت في مكانها، وشهقت بصوت مكتوم، وانتفض جسدها قليلا كأنما لدغتها صاعقة.
انسحبت بخفة، ابتعدت قدر ما استطاعت، ثم رفعت عينيها نحوه، ترمقه بإضطراب شديد، حاجبيها معقودان، وصدرها يعلو ويهبط من الإنفعال.
انكمشت أصابعها على الملاءة، وهي تعض على أسنانها بقهر، اللوم يجلدها من الداخل "كيف تركت نفسها حتى غفت بين ذراعيه؟! أي ضعف هذا؟! "
أغمضت عينيها لحظة، كأنها تود محو المشهد، لكن عينها وقعت على دمعة رطبة مازالت عالقة عند طرف عين سليم، دمعة ثقيلة كسرت شيئا في قلبها.
تمتمت من بين دموعها وهي تهز رأسها بوجع ولوم: أنت السبب، أنت إللي وصلتنا لهنا، أنت إللي عملت كده في نفسك وفيا، الله يسامحك على كسرتك لقلبي، يا كل قلبي!
اخذت تنظر له لحظات، والكثير من المشاعر تتلاطم بداخلها كالأمواج، حب، شوق، وجع، إنكسار، أنقبض صدرها فجأة، وغصة حارة ارتجفت في أعماقها، سالت دموعها من غير وعي، قلبها يخونها، يهتز أمامه.
فجأة مدت يدها مترددة، أمسكت دمعته بسبابتها، قربتها من شفتيها، وقبلتها، ثم وضعتها على صدرها وأغمضت عينيها، وكأنها استسلمت للحظة.
اقتربت أكثر، وهي تراقب ملامحه الساكنة، اقتربت لتسرق من قربه أنفاسًا حقيقية وظلت هكذا مستسلمة للحظة، وفجأة ابتعدت كأنها ارتكبت خطيئة، تذكرت آخر ليلة معه الضرب، الخنق، الحزام، محاولته لكسرها، وضعت يدها على صدرها، تضرب عليه بعنف، كأنها تريد أن تسكت قلبها الذي لان له كزهرةٍ انحنت لنسمة رقيقة له.
قالت بنبرة هامسة ودموع: مش هسامحك، مش هسامحك ياسليم، هعلم قلبي يقسى عليك زي ماقسيت عليا.
قفزت من الفراش فجأة، واندفعت إلى الحمام، ألقت الماء على وجهها، نظرت إلى المرآة أمامها، وكأنها تصرخ في انعكاسها: أوعي تستسلمي، مش وقت غباء، أنتِ هنا عشان تاخدي حقك، مش بالعند المرة دي يا ماسة، بالحق.
هبطت إلى الطابق السفلي، وقفت أمام النيل تفكر فيما سيحدث لها، وماذا ستفعل كي تتخلص من سليم، فلن تستسلم تلك المرة للإهانات أو للعقاب أو للتهديد او أي شيء، لن تجعل أحد يستغل قلبها البرئ أو خوفها على عائلتها مرة أخرى، ظلت غارقه في أفكارها حتى بدأت خيوط الشروق تتسلل.
على إتجاه آخر عند سليم
بدأ سليم يتململ على الفراش، فتح عينيه ببطء، ينظر حوله كأنه لا يستوعب المكان، ثم انتفض فجأة، عندما تذكر أنه في غرفتها، ألتفت إلى جواره فلم يجدها، تسارعت أنفاسه، نهض مسرعاً يفتش بعينيه في المكان، وهو ينادى عليها بخوف، كأنه يخشى أن تكون هربت منه مره أخرى.
سليم بخوف: ماسة ماسة
لكن باب الحمام كان مفتوحاً وفارغا، انقبض قلبه وذهب بخطوات مترددة نحو الشرفة، فرآها تقف عند ضفاف النيل، صامتة، فالتقطت أنفاسه براحه، ورفع يده ووضعها على قلبه يربت عليه كأنه يطمئنه، وأخذ يتأملها لدقائق، ثم استدار، وخرج إلى غرفته، وتوضأ ليستقبل صلاة الفجر.
غرفة سليم
كان سليم جالسا على سجادة الصلاة يؤدي صلاة الفجر، وفي آخر ركعة، حين سجد، امتلأت عيناه بالدموع، أخذ يهمس في البدايه بصوت هامس مرتعش، ثم ما لبث أن ارتفع صوته شيئا فشيئ، كأن قلبه لم يعد يحتمل:
اللهم لك الحمد يارب، شكراً يا رب إنك رجعتهالي بخير، شكرا يارب إنك سترتها معاها وحافظتلي عليها، أنا كان عندي يقين إنك مش هتكسر رجائي، كنت متأكد إنك هتردهالي سالمه ومش هتعاقبني بيها، أنا ضعيف يا رب، ضعيف ومكسور، خليك معايا يارب وقويني عشان مرجعش تاني للظلام إللي كنت فيه، حنن قلبها عليا يارب، خليها تسامحني، أنا عارف إني ظلمتها وجرحتها، بس أنت الكريم العظيم، قادر تخلي قلبها يرق، قادر ترد حبها ليا تاني زي ما رجعتهالي يارب، أنا مش عايز من الدنيا غيرها، عايزها معايا وبس، مش عايز فلوس ولا سلطه ولا أي حاجه، نفسي بس تبص في عيني وتقولي إنها مسمحاني ولسه بتحبني، نفسي أعيش معاها حياة هادية وسعيدة ونحقق إللي حلمنا بيه، نعيش ونخلف ونعوض كل إللي راح مننا، يا رب متحرمنيش منها ولا توجعني بيها، أنا مش قد الاختبار لو كان في بعدها عنى يارب، يارب حنن قلبها عليا المره دى وخليها تسامحني وأنا أوعدك إني أكون راجل يستاهلها ومش هازعلها تاني.
انفجر سليم بالبكاء، والدموع كانت تسبق كلماته وتنساب على وجهه وهو ساجد، في مشهد يفيض خضوعا ووجعًا.
وعند باب الغرفة، وقفت ماسة، كان الباب مواربا، فسمعت صوته وهو يناجي ربه، توقفت في مكانها للحظة، كأنها لم تتوقع أن تراه هكذا، لم تدري ما الذي شدها إلى الاستماع له، ورؤيته معذب كهذا.
رق قلبها له، واغرورقت عينيها بالدموع، أوشكت أن تستسلم لحرارة كلماته وصدقها، لكن سرعان ماقاومت ذلك الشعور، وهزت رأسها نافية، وهمست بصوت مبحوح: أدعي، يمكن ربنا يستجيبلك.
تنهدت، وتحركت الى غرفتها ، اقتربت من السرير واستلقت على أحد جانبيها دون أن تنطق بكلمة، بعينين تترقرق بهما الدموع، تذكرت كلماته ودموعه، غص قلبها الذي مازال يعشقه مازال يحن له بعد كل ما فعله، أمسكت الغطاء وغطت وجهها وغفت سريعًا، لكن لا أحد يعلم إن كان نومها هذا هروباً من صدمة عودتها إليه، أم هروباً من مشاعر حنين وحب لا تريدها، أم استسلاما بعد طول صراع وهلاوس وخوف.
نامت لساعات طويلة كأنها لم تذق طعم النوم منذ سنين، وسليم أيضا نام لأول مرة بطمأنينة بعد ستة أشهر من العذاب ولما لا؟ فأخيرا بجواره حبيبته وزوجته وروحه، فما الذي قد يخيفه بعد الآن؟
نام حتى الظهر، وعندما استيقظ، وجدها لا تزال غارقة في نومها، خلال الساعات، كان ينهض بين الحين والآخر ليتفقدها، يقترب من أنفاسها، يضع يده على صدرها ليتأكد أن قلبها يخفق بسلام، ثم يعود مطمئنا، مستغرباً من نومها لكنه تركها.
💞__________بقلمي_ليلةعادل
في المستشفى الخاص الواحدة ظهرا
الغرفة التي تمكث فيها والدة لوجين.
كانت نهي والدة لوجين، ممددة على الفراش وقد بدأت تستعيد وعيها، بينما لوجين على مقعد بجوارها ممسكة بيدها، بينما شقيقتها نغم جلست صامتة بجانب السرير، وجلس ياسين على الاريكه قد غلبه النوم، مسندا رأسه إلى الحائط.
ضغطت لوجين على يد والدتها بحنان: حمد لله على سلامتك يا ماما، أنا كنت هموت من القلق عليكي.
ردت نهى بصوت متعب لكنه مطمئن: أنا الحمد لله يا حبيبتي، متتخضيش كده، أنت عارفة الأزمه
ثم حركت عينيها في الغرفه، ونظرت بتساؤل نحو ياسين النائم على الاريكه: مين ده؟
إلتفتت لوجين لياسين، وابتسمت لوهلة، ثم عادت بنظرها لوالدتها: ده مستر ياسين، المدير بتاعي، لما حصلتلك الأزمة كنت معاه، مسبناش من إمبارح، استني أنا هنادي الدكتور يطمنى عليكي.
قالت نغم بهدوء: لا، خليكي، هروح أنا.
وبالفعل خرجت نغم لتجلب الطبيب، وما هي إلا لحظات حتى عادت ومعها الطبيب.
القي عليهم الطبيب التحيه، ثم اقترب من نهي وبدأ بفحصها: لا عال العلامة الحيويه النهارده أحسن من امبارح بكتير، وممكن اكتبلك على خروج النهارده كمان مع نوع بخاخ جديد تستخدميه.
لوجين بقلق: يعني هي مش محتاجة تقعد النهاردة كمان على الجهاز ؟
الطبيب بعمليه: لا مش محتاجة، بس طبعاً هتعمل جلسة النهاردة بالليل، أنا بلغني إن عندها جهاز في البيت، مظبوط؟
لوجين بابتسامه: آه يا دكتور عندنا جهاز في البيت، شكرا لحضرتك.
الطبيب بابتسامه: حمدالله على سلامتها، عن اذنكم.
وخرج الطبيب من الغرفة، وعقب خروجه نظرت لوجين إلى ياسين، واقتربت منه توقظه بصوت هادئ: مستر ياسين .. مستر ياسين
لم يستيقظ، فربتت بيدها على كتفه بهدوء: مستر ياسين
فتح ياسين عينيه فجأة بخضة: لوجين؟ فيه حاجه حصلت ؟ مامتك حصل لها حاجه؟
لوجين بنبره هادئه: لا اهدى أنا بس بصحيك، علشان الدكتور هيكتبلها على خروج وهنمشي.
جلس وهو يحك في عينه وقال باستغراب: هو أنا نمت كده امتي؟!
ضحكت لوجين بخفة: دي أنت كان فاضل لك شويه وتشخر.
رد ياسين وهو يحاول أن يستعيد تركيزه: لا أنا مش بشخرش يا رخمة.
ثم وجه نظراته نحو والدتها، واقترب منها وهو يبتسم بتهذيب: حمد لله على سلامتك يا هانم، ألف سلامة على حضرتك.
ابتسمت نهى بلطف: الله يسلمك، تعبناك معانا، لوجين قالتلي إنك مسبتناش.
ياسين بإبتسامة خفيفة: ولا يهمك يا هانم، دي حاجة بسيطة، أهم حاجه سلامتك، لوجين كانت منهارة خالص.
نظرت نهى لإبنتها وهي تمسك يدها: هي لوجين كده، حساسة ومبتتحملش.
ياسين بهدوء: طب أسيبكم تجهزوا براحتكم بقي، هستناكم برة.
لكن ردت لوجين: لا إستنى أنا هاجي معاك، خليكي أنتِ هنا ينغم ساعدي ماما.
خارج الغرفه، كان يسير بجوارها ويقول بتساؤل: أنتِ رايحة فين؟
لوجين ببساطة: هأدفع الحساب.
اتسعت عيناه بدهشة: حساب إيه؟
لوجين بهدوء: حساب المستشفى.
هز رأسه بسرعة مبتسما: الحساب اتدفع خلاص.
اعترضت لوجين بإصرار: مش هينفع، كفاية اوي إنك جبتني هنا وفضلت جنبي، أكتر من كده مش هينفع.
ابتسم ياسين وهو يرفع حاجبيه: وإيه إللي مش هيخليه ينفع؟
لوجين بإحراج وتلعثم: أصل يعني...
قاطعها ياسين بنبرة مازحه: بلا أصل بلا فصل، أنا مصدع يا لوجين وشايفك تلاتة دلوقتي، فروحي شوفي والدتك وبطلي كلام عبيط.
لوجين بإمتنان: أنا مش عارفه اشكرك ازاى يا ياسين، طب خلاص روح أنت علشان ترتاح.
هز رأسه رافضا: لا هوصلكم الأول وأطمن عليكم، وبعدين ابقي اروح.
نظرت له بإبتسامة صغيرة: طب خليك هنا دقيقة وجاية لك.
تركته يتحرك بين المقاعد، حتي جلس بإنهاك على أحد المقاعد، فمازال أثر السهر ظاهرا عليه، عادت بعد دقائق وهي تحمل بين يديها قطعة كيك وشاي.
مدتهم اليه بإبتسامة: اتفضل
ياسين باندهاش: إيه ده؟
لوجين بخفة: روحت اجيبلك حاجه خفيفه تاكلها، أنت مأكلتش إمبارح كويس.
ابتسم وهو يأخذ منها الكوب والكيك: تسلمي.
لوجين بنبرة صادقة: شكرا بجد يا ياسين على إللي عملته معايا، مش عارفة أقولك إيه.
لوح بيده وكأنه يقطع كلامها: متقوليش حاجة، وروحى شوفي مامتك، أنا هخليهم يحضروا العربيات، وأنتِ النهاردة وبكرة أجازه لحد ماتطمني على مامتك.
نظرت له بعينين ممتنة: شكرا.
تحركت هي إلى الداخل، بينما جلس هو يحتسي الشاي ويأكل الكيك، ألتقط هاتفه ليتفقده، فاكتشف أن هبة لم تتصل به!!! زفر بحدة؛ هو الذي قضى ليلته خارج البيت، ومع ذلك لم تكلف نفسها حتى بالاتصال لتسأل عنه أو تطمئن عليه، ضغط على أسنانه غيظا، ثم أعاد الهاتف إلى جيبه.
الخامسه مساءا، أمام عمارة لوجين.
ترجل ياسين من سيارته، ترافقه لوجين ووالدتها وشقيقتها ثم توقفا أمام العمارة.
نهى بإبتسامة ممتنة: شكرا يا ياسين، تعبناك معانا.
ياسين بلطف: مفيش أي تعب، ألف سلامة على حضرتك.
دخلت نغم مع والدتها إلى الداخل، فيما توقفت لوجين للحظة بجوار ياسين.
نظر إليها باهتمام وقال: لو احتاجتي أي حاجة، كلميني.
ابتسمت بخجل وهي تعبث بحقيبتها: شكرا يا ياسين، أنا مش عارفة أقولك إيه بجد، ربنا يخليك، تعبتك معانا.
هز رأسه بخفة، ونبرة صوته هادئة: ولا يهمك، المهم إنها بخير.
سألته وهي تعدل شنطتها على كتفها: طب، وأنت هتعمل إيه دلوقتي؟
ضحك بتعب، ومرر يده فوق شعره المبعثر وقال مازحا: هروح أنام، بقولك شايفك تلاته
ضحكت بخفه وقالت: طب خد بالك من الطريق بقي لتنام وأنت سايق، سلام
رد بإبتسامة قصيرة: سلام.
تحركت لوجين إلى داخل العمارة، بينما ظل ياسين واقفا لثواني يتأمل ابتعادها عن مرمي نظره بصمت، ثم صعد إلى سيارته، وشغل المحرك ورحل.
💞__________بقلمي_ليلةعادل
داخل أحد النوادي الكبيرة الرابعة مساء.
جلس رشدي ومي على طاولة أمام بعضهما، بينما كانت مي تتناول الآيس كريم ببطء، يظهر على ملامحها الحيرة في المقابل بدي رشدي متحمسًا، عيونه تلمع وكأنه يجهز لشيء كبير.
رشدي وهو يميل للأمام بحماس: أنا مش فاهم برده إيه مشكلتك؟! قولتلك الهانم بنفسها وأختي الكبيرة هيستقبلوكي على باب القصر، ولو مشفتيهمش يا ستي روحي، حبة ثقة شوية يعني هبقى جوزك المستقبلي كدة مينفعش.
مي بتوضيح: قولتلك مش قصة ثقة.
رشدي متعجبا بنبرة ساخرة: آمال إيه؟! بعدين الجو القديم إللي أنتِ عاملاه ده، بتاع عيب أجي بيتك، أهلي ناس معروفين، خايفة من إيه؟
تنهدت مي وهي تنظر للكوب أمامها: قولتلك أنا مختلفة عنك، لو أنتم عندكم الكلام ده عادي عندنا مش عادي؛ يعني أنا مينفعش أخش بيتك غير لما يبقى في بيننا علاقة رسمية، وحتى وإحنا مخطوبين مينفعش اجي غير لما أكون معرفة أهلي وواخدة حد من إخواتي معايا كمان.
رشدي بهدوء: طب ما أنا قولتلك، هاتي حد من إخواتك، أو والدك معاكي لو دى هيريحك.
هزت مي رأسها بحزم: قولتلك مش هاينفع، لسة ميعرفوش حاجة.
رشدي بنفاذ صبر: طيب، أنا دلوقتي مطلوب مني أعمل إيه؟
غرزت مي الملعقة في الآيس كريم دون أن تأكل: مش عارفة يا رشدي أنا حابة أتعرف على عيلتك بس...
صمتت للحظات ثم تنهدت وقالت: خلاص خليها يوم الأربعاء، بس أسمع، لو ملقتش والدتك بتستقبلني بنفسها على باب القصر زى ماقولت، أنا همشي.
رشدي بإبتسامة واثقة: ماشي، طب هنعتبر إنك جيتي القصر والدنيا عجبتك، المفروض بقى الخطوة إللي بعدها تبقي ايه؟! تعرفيني على أهلك الأول ولا أجيب بابا وماما ونتقدملك رسمي؟
رفعت مي عينيها نحوه ببطء: أنا هفتح الموضوع مع بابا وإخواتي الأول، وبعدين نشوف، بس هو أكيد، عايز تجيب باباك ومامتك وتتقدملي؟!
رشدى بنبرة مرحه: أمشي اصوت منك في الشارع يقولوا رشدى اتجنن!! أنت لسه بتسألي؟؟
ضحكا معا، وابتسم رشدي ابتسامة عريضة، ثم ألقى بظهره للخلف في مقعده، كأنه حقق خطوة مهمة، بينما بقيت مي غارقة في حيرتها، تداعب الآيس كريم في صمت.
قصر الراوي، الرابعة مساء
فتح ياسين باب الفيلا، فرأى الخادمة ترتب بعض الأشياء في الهول: الهانم فين؟
أجابته بخفوت: في الليفنج روم يا بيه.
تقدم للداخل، فوجد هبة جالسة أمام التلفاز، نالا بين ذراعيها، وكأن دخوله لا يعنيها.
ياسين بمرارة: غريبة قاعده في البيت مش في المجلة ولا الاجتماعات.
هبة دون اهتمام: واخده يومين أجازه، راجعه من السفر تعبانه.
اقترب منها ياسين بنبرة غاضبة: يومين؟! طيب أنا بايت بره يوم كامل، مخطرش علي بالك تسألي أنا فين؟ ولا حتى ترفعي سماعة تليفون؟
شدت هبة نالا إليها وقالت ببرود: ما هو معروف، يا في المجموعة يا مسافر لشغل، إيه الجديد يعني؟
ضرب ياسين كفه على الطاولة أمامه: الجديد إني مكنتش في أي مكان من دول! وأنتِ، ولا فارق معاكي غيابي من الأساس.
صمت لحظة، ثم خفت صوته وهو يواجهها بوجع:
وصلنا للدرجة دي يا هبة؟ بقيت مش فارق معاكي أبات فين ولا أروح فين؟
أجابته بنفس البرود: أنا قولت أكيد مقموص أو مسافر، ما هو ده بقى العادي بتاعك.
تأملها ياسين بعينين غارقتين بالخذلان وقال بضجر:
لا يا هبة، أنا بجد مش قادر، حاسس إننا بعدنا عن بعض اوي انا مش حمل الخناق والمشاكل دي.
رفعت عينيها له للحظة، ثم قالت بهدوء: وأنا كمان.
جلس قبالتها، محاولا أن يظل متماسكا: طب وإيه الحل؟
أجابته بجدية: الحل إننا نبعد فترة، كل واحد يعيد تفكيره، ونشوف ليه وصلنا لكده؟!
احني ياسين برأسه قليلا: ماشي، روحي الفيلا، وخدي نالا معاكي، مفيش مروحه عند اهلك، والبنت هاجي أشوفها في أي وقت.
اومات هبة دون اعتراض: ماشي.
ساد الصمت لحظة، ثم نظرت إليه ببرود وسألته: كنت فين؟
أجاب بلهجة قاطعة: ملكيش دعوة.
ثم مال نحو نالا وحملها من بين ذراعيها: تعالي يا روحي.
هبة باستغراب وهي ترفع يدها نحوه: واخد البنت على فين؟
لم يرد، واكتفى بأن استدار مغادرا، فيما بقيت نظراتها معلقة على ظهره، تحمل خليطا من الغضب والضيق.
فيلا سليم و ماسة، السادسة مساء
استيقظت ماسة أخيرا.
فتحت عينيها وهي ما زالت ممددة على الفراش، حدقت حولها عل ما حدث في الليلة الماضية يكون كابوسا، لكن سرعان ما أيقنت أنه كان واقعا مريرا،
حاولت النهوض، ثم عادت لتستلقي من جديد، غارقة في صمت يثقل رأسها، تنهدت طويلا قبل أن تجمع شتات نفسها وتنهض ببطء، فتحت الباب وخرجت.
أثناء سيرها رفعت عينيها نحو غرفة سليم، فوجدتها مفتوحة لكنها خالية، تابعت خطواتها حتى هبطت السلم، وفي الطابق الأول لمحت سحر منشغلة ببعض الأمور، وما إن رأت ماسة تقف على آخر درجة حتى ابتسمت قائلة
سحر بلهفة: وحشتيني يا ست ماسة.
أمالت ماسة رأسها قليلا، وضعت يدها على جبينها كان الصداع ينهشها، وتمتمت بصوت واهن بإبتسامة: ماما سحر أنتِ هنا؟
ابتسمت سحر واقتربت من ماسة وهي تفتح ذراعيها: أيوه، جيت النهاردة، حمد لله على سلامتك يا حبيبتي.
ردت ماسة برقة وهي تضمها: الله يسلمك، وحشتيني، عاملة إيه؟
سحر بفرح صادق: وأنتِ كمان والله، الحمد لله.
في تلك اللحظة ظهر سليم، يتقدم بخطوات هادئة، وعلى وجهه ابتسامة دافئه: صباح الخير، كل ده نوم؟
رفعت ماسة عينيها إليه لثواني، ثم حولتهما نحو سحر قائلة بهدوء: بعد إذنك يا ماما سحر، تعملي لي النسكافيه بتاعي؟ وحشني جداً من إيدك.
سحر بإبتسامة دافئة: من عيوني يا حبيبتي.
غادرت سحر، بينما تحركت ماسة متجهة نحو الحديقة دون أن تلتفت إلى سليم الذي تبعها بنظراته، يزفر بأسف، مدركا أن التعامل معها لن يكون بهذه السهولة.
الحديقة
جلست ماسة على مقعد الطاولة، الغروب يلون صفحة النيل أمامها، والمكان يفيض بسحر هادئ يعاكس اضطرابها الداخلي، لحق بها سليم بعد لحظة وجلس بجوارها، يراقب ملامحها المرهقة بصمت.
قال أخيرا بصوت خافت: مردتيش عليا… كل ده نوم؟
تنهدت ماسة وهي تسأله: هو أنا نمت كتير كده؟ الساعة كام دلوقتي؟
ابتسم ابتسامة خفيفة: داخلة على ستة.
فتحت عينيها بدهشة: معقول؟!
سليم بقلق ظاهر: من كتر خوفي عليكي، كنت كل شوية أطلع أطمن، أشوف نفسك، أستغرب إزاي نايمة كده!
خفضت ماسة نظرها، وقالت بصوت مبحوح: وأنا كمان، يمكن عشان بقالي شهور منمتش كويس، دايما كوابيس وخوف، يمكن دي أول مرة أنام نومه عميقة، يمكن عشان أرتحت خلاص، وإللي كنت خايفة منه حصل.
أقترب منها سليم، بصوت فيه رجاء: أنا عايز أتكلم معاكي.
ابتعدت بنظرها عنه: وأنا مش قادرة أتكلم.
صوته صار حاسما لكنه ظل يحمل حنانا: ما هو لازم نتكلم لو مش مصدقاني؟! أجيبلك صافيناز هنا تقولك بنفسها، وتقولك أنا عاقبتها بإيه؟! ولو عايزة تعاقبيها تاني، هعاقبها أنتِ بس أأمري، أنا أصلاً عايزه أجبها تتاسفلك وتبوس رجلك.
أغمضت عينيها بإرهاق، تنهدت بثقل ثم تمتمت: سليم بعد إذنك، والله ما قادرة أتكلم، دماغي مش مستوعبة، ليه مستعجل على الكلام كده؟
اقترب أكثر وهمس بحرقة: لازم أكون مستعجل يا ماسة، ستة شهور وأنتِ بعيدة عني! وفاكرة إني أذيتك بإيدي، ولا إنتِ مش مصدقاني؟
رفعت عينيها نحوه، وصوتها خرج ضعيفا بعينين دمعتان: مصدقاك وفهمت إنه مش بإيدك، وإنه كان غصب عنك، وإنها مجرد حباية، هي السبب واللي خليك في المنظر إللي كنت عليه أخر مرة، أنا أصلا كنت أحيانا وأنا هناك أقول فيه حاجة غلط، سليم ميعملش كدة، حاسة أن في غلط؟! سليم عنده حدود بس كنت أرجع أقول أهو عملها، بس لما قولتلي موضوع الحباية فهمت إنك مكنتش واعي..
نظرت بعيدا وهي تهز رأسها قالت بنبرة متعبة من الوجع: بس أنا تعبانة، مش قادرة أتكلم.
أغمض سليم عينيه لحظة، أخرج نفسا عميقا، ثم قال برجاء: طيب قوليلي، الست شهور دول حصلك فيهم إيه؟
في تلك اللحظة، عادت سحر وهي تحمل فنجان النسكافيه. ابتسمت بحنان: عملتلك النسكافيه، تحبي اعملك حاجة تكليها؟
سليم بسرعة: آه، يا سحر، أعمليلها حاجة تاكلها.
هزت ماسة رأسها: لا مش عايزة آكل دلوقتي، شوية كده.
ابتسم سليم محاولا اقناعها: ليه دى أنا خليت سحر تعملك الأكل إللي بتحبيه.
وضعت سحر يدها على شعرها برفق: عملتلك كل إللي بتحبيه، والله وحشتيني أوى، أوعي تعملي كده تاني، قلقتينا عليكي،. الحمد لله إنك بخير يا حبيبتي.
تنهدت ماسة بضعف: تسلم إيدك، بس والله مش قادرة آكل دلوقتي، شوية كده.
التفت سليم نحو سحر: خلاص يا سحر، سيبيها على راحتها، أنا كمان هاكل معاها بعدين.
ابتسمت سحر وهزت رأسها متفهمة، ثم غادرت.
بدأت ماسة تحتسي النسكافيه، عينيها معلقة بأفق النيل في الغروب، ابتسمت بهدوء: المكان هنا حلو أوي.
رد سليم وهو يتأملها: أنا مبسوط إنه عجبك.
ثم صمت لحظه قصيرة وأضاف: طب هو إحنا هنتكلم إمتى؟ نفسي نتكلم من غير عصبية، ومن غير عناد بهدوء، زي اتنين كبار بيحبوا بعض.
نظرت له ماسة بإستغراب بنبرة مازحة: هو أنت بقيت عنيد وزنان كدة ليه؟
اقترب سليم منها، وهو يركز النظر في ملامحها وصوته يختنق بالشوق: أنا مشتاقلك ونفسي تسامحيني، حتى لو لسه شايلة مني وموجوعة، بس على الأقل تقبلي اعتذاري، نتكلم عن الست شهور إللي فاتوا واللى حصل فيهم، أنتِ هربتِ وأنتِ فاهمة إني أنا السبب، إني أنا اللي عملت فيكي كل ده بوعي، وشايفاني بصورة وحشة أوي؟ بس إنتِ دلوقتي مصدقاني صح؟
اغرورقت عيني ماسة بالدموع: والله مصدقاك، لكن الموضوع أكبر حتى من إني أصدق، فيه وجع، وجع مش قادرة أتكلم عنه دلوقتي لو بتحبني بجد، أحترم رغبتي.
تنفس سليم بحدة، ثم لان صوته: طب خلاص مش هتكلم، بس على الأقل، فهميني، عرفتي مصطفى إزاي؟ صدفة غريبة أوي!!
زفرت ماسة بثقل، ومسحت وجهها براحتها المرتجفة، ثم عادت شعرها إلى الخلف كأنها تحاول أن تستعيد توازنها، وعيناها تنزلق بعيدا عنه، بينما قلبها يصرخ، فهو ما زال يلح عليها، ما كان إلحاحه رغبة في إزعاجها، بل جنونا وحرصا عارما على معرفة ماحدث معها في تلك الفترة.
هذيان عاشق فقد الطريق، كان يريد أي خيط يمسك به، أي تفاصيل، حتى وإن كانت صغيرة، فقط ليشعر أنها مازالت هنا، وأنه لم يفقدها تماما، لقد كان كالمجنون، لا يعرف عنها شيئا: ماذا تأكل؟ ماذا تشرب؟ وكيف تعيش؟ كل ما أراده أن يطمئن قلبه، فلم يعد يحتمل الصمت أو الانتظار.
واصل سليم دون توقف، وكان صوته يتقاطع بين رجاء وإندفاع:
أنتِ عارفة إني كنت هتجنن؟ ست شهور معرفتش عنك حاجة، بتاكلي إيه، بتشربي إيه، عايشه إزاي، كنت حاسس إني زى الأعمى من غيرك، وبعدين موضوع مصطفى ده غريب محتاج أفهم !
لم تتحمل ماسة إصراره تنهدت ونهضت بخطوات ثقيلة، واتجهت نحو حافة النيل، وقفت هناك، تتشبث بالهواء وكأنها تحاول أن تستعيد أنفاسها المفقودة، والدموع تتساقط من عينيها بصمت، انعكاس الغروب على المياه زاد وجهها حزنا وغربة.
اقترب منها سليم بحذر، لا يريد أن يمنحها فرصة للهروب من المواجهة، يمد خطواته إليها كأنه يلاحق ظلها، بينما في داخله صراع بين شوقه وقلقه.
قال بصوت متوسل: ماسة، ما أنا مبضغطش عليكي، أنا محتاج أريح قلبي بس، ريحي قلبي أرجوكي، أنا بس عايز أتكلم معاكي، في حاجات كتير اتغيرت، حاجات أنتِ متعرفيهاش، إديني فرصة واحدة بس أشرحلك، ليه مش عايزة تسمعيني؟
تنفست ماسة بصعوبة، وقالت وهي تتهرب بعينيها: قولتلك هنتكلم، وهسمعك، بس بعدين.
سليم بنبرة مريرة: تمام ووافقت! إن إحنا منتكلمش دلوقتي في أي حاجة تخصنا، بس على الأقل، قوليلي الست شهور إللي فاتوا عشتيهم إزاي؟
شدت ماسة أنفاسها ثم رمقته بحزن: وأنت كمان، مش عايز تقول مين إللي عرفك مكاني؟
ابتسم سليم بمرارة: ليه مهتمة كدة تعرفي؟
نظرت له بعينين ترقرق بدموع وقالت بنبرة مليئه بالخذلان: عايزة أعرف مين إللي خاني، أنا متأكدة إنك مكنتش هتعرف من نفسك، مين يا سليم؟ محمد؟
ضيق سليم عينه بتعجب: للمرة التانية بتقولي محمد؟! وأنا بقولك: لأ ليه مصممة عليه؟
ارتجفت شفتاها بوجع لإنه الوحيد إللي مكانش قابل يسامحني، ولا يديني فرصة، أكتر واحد قسى عليا، رفض يسمعني أو يفهمني، رغم إني كنت السبب إنه ياخد فرصة مع عائشة، ومع ذلك قسى عليا، يمكن علشان كده افتكرت هو إللي خاني، بس متوقعتش إنه يطعني كده، أنا مش زعلانة علشان نفسي أنا زعلانة عشان خان مصطفى.
صمتت ماسة للحظة، وعاد إلى ذهنها حينما نعتها محمد بكلمة "شمال"، لم تفهم معناها وقتها، لكنها كانت متأكدة أنها شتيمة.
رفعت عينيها نحو سليم وسألته بتردد: سليم هو يعني إيه "شمال"؟
تجمد سليم، ثم أجاب بإستغراب: وصف لأي حاجة غلط، شغل مشبوه، سلوك إنسان، كدة يعني.
ماسة بهدوء: آه، أنا فاهمة، بس قصدي، لو حد قال على ست إنها شمال، يعني إيه؟
تنهد سليم وهو يجيب بوضوح: يعني ست منحلة.
ماسة بحزن ممزوج بضيق مبطن: تقصد يعني ست بتعمل حاجات حرام وعيب مع الرجالة.
هز سليم رأسه بالإيجاب بصمت وهو يدرس ملامح وجهها.
تسمرت عينيها للحظة، وانكمش قلبها من الداخل، بينما همست في نفسها بغيظ مكتوم "يا حيوان"
لاحظ سليم ارتباكها، فدقق النظر في عينيها بريبة وسأل بنبرة متوجسة: في حد قالك كده ولا إيه؟
ارتبكت ماسة، تعرف جيداً أنه لو علم، فهلاك محمد سيكون مؤكدا، فأجابت بسرعة: لا طبعا! أنا بس كنت عايزة أعرف، عادي.
اقترب منها سليم خطوة، ونبرته ازدادت خشونة وغاضبا: محمد قالك كدة؟!
ارتجفت ماسة وهي ترد بصوت خافت متحشرج: قولتلك لا.
هز سليم رأسه بثبات رغم شعوره بالشك: عموماً يا ماسة، مش محمد.
صاحت ماسة بنبرة رقيقة بضجر: أمال مين بس؟!
صمتت للحظة فجأة اتسعت عيناها وقالت بنبرة مذعورة: أوعى تقول ماما نبيلة! أوعى يا سليم أوعى.
وضعت يديها على أذنيها كطفلة خائفة، بينما نظر لها بدهشة: ايه اللى خلاكي تشكي فيها؟!
أنكسر صوتها بالبكاء: عشان آخر فترة اتغيرت معايا، زي أي أم، خافت على أولادها، طلبت مني أبعد عن مصطفى وإيهاب، خايفة يكون حد منهم حبني، بس مصطفى مسمعش كلامها، خوفت تكون هي.
هز رأسه ببطء: مش نبيلة هانم، ندى.
شهقت ماسة، كأن الخنجر انغرس في قلبها: ندى؟! طليقة مصطفى؟!
أومأ سليم برأسه بصمت
انهارت ماسة تبكي بحرقة: ليه؟! أنا عملتلها إيه؟ أقسم بالله كنت بحبها، كنت بترجا مصطفى يسمعها ويديها فرصة، ليه الخيانة؟ ليه الطعنة دي؟ عملت فيها إيه؟! أصلا متعرفنيش غير إني بنت خالتهم "ليندا"، ملهاش أي علاقة بيا.
أخفض سليم صوته وهو يحاول التفسير: مرة كانت عندك، ودخلت تفتش في أوضتك، ولقت الخاتم، ومن هنا..
قطعت كلماته وهي تهمس برجاء: مش فاهمة حاجة، بالله عليك، أحكيلي بالتفصيل وصلتلها إزاي؟! وعرفتني منين؟
نظر لها سليم، ثم قال بعمق: هقولك.
(فلاش بااك)
مجموعة الراوي، التاسعة صباحاً
ترجل سليم من سيارته بعد أن فتح له السائق الباب، خطواته واثقة وهيبته المعتادة، وخلفه عشري ومكي وحراسه، لكن فور أن رأته ندى التى كانت تقف بعيدا، ركضت نحوه وهي تقول: مستر سليم.
لكن الحراس وقفوا أمامها ومنعوها من الاقتراب.
ما أن سمع سليم صوتها، التفت ونظر لها وهو يخلع نظارته بإستغراب.
ندى: أنا عايزة أتكلم معاك في حاجة مهمة جدا.
سليم بإعتذار: أنا مش فاضي.
ندى ومازال الحراس يمنعونها: بس دي حاجة مهمة جدا.
سليم بعدم اهتمام: ممكن تتكلمي فيها مع السكرتيرة بتاعتي.
تحرك مبتعدا، لكنها أكملت بثقة: عايزة أتكلم معاك بخصوص مراتك إللي أنت سايبها في إسكندرية ومسميها ليندا.
فور أن سمع سليم لكلماتها تجمد مكانه، ألتف لها ببطئ واستغراب، وأشار بيديه للحراس لتركها تمر.
عقد سليم بين حاجبيه متعجبا: إيه إللي حضرتك بتقوليه ده، مين ليندا؟
اقتربت منه بخطوات واثقة: مش هينفع نتكلم هنا، الموضوع يخص مدام ماسة.
سليم متلعثما: هو أنتِ تعرفي مكان ماسة؟!
ندى متعجبة: ايه ده هو الموضوع مطلعش إنك أنت إللي سايبها هناك؟! طلعت طفشانة منك!؟
ابتسمت باستهزاء ثم تابعت: لا ده كدة فعلا محتاجين نتكلم.
صمت سليم للحظة، ثم أشار بيديه بهدوء: تعالي.
تحركت ندى خلفه حتى وصلا إلى المكتب، وجلست أمامه بينما جلس هو على مقعده، ووجهه متجهم ومتوتر.
تساءل سليم بلهفه حاول اخفائها ببعض الحده: إنطقي عارفة مكانها إزاي؟ تعرفيها منين؟
ندى بهدوء: لا، أنا معرفهاش، أنا أصلا مكنتش فاهمة إنها هربانة منك، كل إللي أعرفه، إنها قاعدة عند حد أنت تعرفه كويس، بس قبل ما أقول، لازم توعدني إنك مش هتقرب منه وهتاخد مراتك وتبعدوا عننا.
تعجب سليم وهو يضيق عينيه: قاعدة عند حد أعرفه؟! مين ده؟
ندى برجاء: بعد إذنك، لازم توعدني، تاخد مراتك وتخليها بعيد عن حياتنا.
سليم بضجر وبنبرة حاسمة: أنا مش فاهم، إنتِ بتتكلمي كده ليه؟ هاتي من الآخر أنا مبحبش الألغاز.
ندى بارتباك: ماسة قاعدة عند مصطفى.
ضيق سليم عينيه باستغراب: مصطفى مين؟!
ندى بهدوء: دكتور مصطفى، بتاع الباطنة إللي شغلته في مستشفى الحياة هو ودكتور محمد.
نظرة صدمة عبرت وجه سليم، وهو يهمس: مصطفى؟! وماسة تعرف مصطفى منين؟
هزت ندى رأسها: لا، معنديش أي معلومات، معرفش أي حاجة، هما قالوا لي إنها بنت خالتهم واسمها ليندا، بس من أول يوم شفتها وأنا شاكة فيها، دلوقتي روح وخد مراتك إللي سايبها هناك دي، ولا الهربانة، أنا مليش دعوة، خدها وخلاص.
رغم اهتزاز قلبه، حاول سليم أن يبدو هادئا، لكنه أراد التأكد: طب وأنا أتاكد منين إن كلامك صح، وإنها هي؟
ابتسمت ندى بخفة، وكأنها توقعت سؤاله: كنت متأكدة إنك هتسألني، أخرجت هاتفها وهي تطلع على صور خاتم.
ثم وجهة الهاتف لمرمى عينيه وهى تقول: مش ده الخاتم بتاعها، ودي صورتها أنا وهي مع بعض.
سحب سليم التليفون بسرعة من يدها، وعندما وقع بصره على الصورة اتسعت عيناه، وشعر كأن قلبه سينفجر، اخيرا !! بعد ستة أشهر وجدها ! كادت الدموع أن تخونه حتى استكان قلبه، لكن سرعان ما تبدلت ملامحه، وحاول أن يهدأ، ونظر إليها بجدية: ليه بتقولى إن لازم أخدها بسرعة؟
قلبت ندى وجهها بشر: علشان مينفعش مراتك تقعد مع جوزي !
سليم متعجبا: جوزك؟
ندى بتأكيد: أيوة مصطفى.
هز سليم رأسه بتفهم: آااه أنتِ طليقته، طب وأنتِ عرفتي إنها ماسه إزاي؟ مش قولتي إنهم قدموهالك على إنها بنت خالتهم ليندا؟
ندى بتوضيح: أنا طلبت منها تساعدني أرجع لجوزي، بصراحة هي حاولت، بس معرفتش..
تابعت بغيرة وانزعاج: وأنا كنت متضايقة منها لأن هي ومصطفى قريبين أوي، خروجات وهزار بطريقة مش كويسة خالص، أنا مش عارفة متجوزة إزاي دي؟ زي مقولتلك من أول يوم شاكة فيها، مكانش عندي غير طريقة واحدة علشان أعرف مين دي؟إني أدخل شقتها!
الإسكندرية
منزل ماسة، الخامسة مساءً
نشاهد ماسة جالسة في الصالة، تشاهد التلفاز وهي تمسك طبق فشار، مرتدية ملابس بيته مريحة.
نهضت عند سماع صوت الباب، ووجدت ندى أمامها، نظرت إليها بإستغراب شديد، ثم قالت: ندى؟!
دخلت ندى بسرعة، كأن أحد يركض وراءها، نظرت لها ماسة باستغراب، وشعرت أن هناك شيء غير طبيعي.
ندى موضحة: كنت خايفه حد يشوفني، أنا عارفة إن مصطفى مسافر، بس يعني ممكن إيهاب أو عائشة أو طنط...
ماسة ببراءه: عادي يا حبيبتي، مفيش مشكلة.
ندى: آسفة إني جيت من غير معاد، بس كنت عايزة أتكلم معاكي شوية، وتليفونك مقفول.
ماسة ببراءة: تليفوني مش مقفول، يمكن الشبكة، بعدين مش محتاجة تستأذني، اتفضلي.
جلست ندى في الصالة، مستغربة من بساطة المكان: غريبة يعني معندكيش عفش؟ جوزك فقير ولا إيه؟
ماسة بإبتسامة: لا عادى، أصل أنا أغلب الوقت يا تحت عند خالتو يا في الشغل وكده يعني.
لم تقتنع ندى، لكنها أكملت في خطتها: عايزاكي تساعديني أرجع لمصطفى بالله عليكي.
ماسه بتنهيده: والله حاولت، وخالتو حاولت، بس هو رافض خالص.
ندى بدموع تماسيح: ليه كده؟ أنا عملت إيه؟
ماسة بتأثر: متيأسيش، اصبري، نجرب مرة وأثنين؛ يمكن دماغه تلين.
ندى بغلب مصطنع: مفيش قدامي غير إني أصبر.
ماسه: تشربي إيه؟
ندى: عندك هوت شوكليت؟
ماسه: عندي، حاضر هعملك.
ندى بخبث: هو أنا ممكن أصلي العصر؟ أصل المغرب قرب يأذن.
ماسة بطيبة: أيوة، أوضتي على الناحية دي، صلي فيها، هتلاقي السجادة على السرير، والحمام من هنا.
ندى: لا يا حبيبتي أنا متوضية.
دخلت ماسة المطبخ لتحضير المشروب، بينما بدأت ندى تبحث في الأوضة، فتشت في الدولاب وتحت الملايات، لم تعثر على شيء، لابطاقة، لا باسبور، ولا أي شيء شخصي، أكملت البحث ولم تترك شيء.
ثم فتشت في الكومودينة ووجدت خاتم ماسة الألماظ، نظرت إليه باستغراب ورددت بصوت داخلى "خاتم ألماظ؟ بقى بنت خالتك اللى معندهاش عفش معاها خاتم ألماظ؟ يا كذابين، أنا كنت متأكدة إن وراها حاجه
ثم وقعت عينيها على الاسم المحفور عليه: اسمها ماسة!! وأيضا حرف سليم وختم الراوي، قالت بصوتها العالي: الله أكبر.
فتحت ندى كاميرا التليفون وبدأت بتصوير الخاتم من عدة زوايا، بعد ذلك خرجت وجلست مع ماسة، واكملت جلستها، وهي تمثل الزعل بسبب موقف مصطفي تجاهها.
بعد ذلك، توجهت ندى إلى محل المجوهرات الكبير الخاص بعائلة الراوي بالقاهره.
ندى: الخاتم ده عاجبني اوي ومحفور عليه الختم بتاعكم، ممكن أعرف الخاتم ده بيتباع فين؟
دقق البائع النظر في الصورة: واضح إن تصميمه نادر، أغلب الخواتم إللي معمولة مخصوص بتكون خاصة بعائلة الراوي أو بطلب خاص.
ندى: مكتوب عليه اسم ماسة وحرف S.
البائع: ده خاتم مدام ماسة، مرات سليم بيه.
لمعت عيني ندى وهى تردد: أصل شفت صورة على النت وعجبني، قولت لازم أعمل واحد زيه.
البائع: للأسف ده معمول مخصوص لمدام ماسة، وحتى لما بيجيلنا ناس يعملوا نفس الشكل، الورش بتعرف إن ده خاتم مدام ماسة بترفض، ممكن أوريكي حاجات شبهه.
ندى: لا شكرا.
بعدها ذهبت ندى إلي كافيه، فتحت اللابتوب وبدأت تبحث عن عائلة الراوي، فظهرت لها صور سليم، رشدي، عزت، فايزة وعدد من أفراد العائلة.
رأت صورة ماسة معهم، وبدأت تشاهد صورها بمفردها، وصورها مع سليم حتى عرفت قصة حبهم والحادثة وأشياء كثيرة معروفة على السوشيال ميديا.
ندى بهمس داخلي: دى أنتِ طلعتي مشهورة بقي، اتاريكي لابسة نقاب، بس يا ترى هو سايبك هناك ليه؟! واشمعنا يعني سليم هيحطك عند مصطفى؟ دى أصلا ميعرفش مصطفى كويس، ولسة مشغله من قريب، ولا يكونش شغل مصطفى علشان الموضوع ده مخصوص!! أنا مليش دعوة، المهم أقوله تعالي خذ مراتك وبس.
(بااااك)
كان وجه سليم متجهم، وهو يستمع إليها بضجر شديد، كانت الكلمات التي قالتها تطعن قلبه، لأنها دخلت شقتها وخانت ثقة ماسته الغالية.
قال سليم ببعض الحده وهو يحاول السيطرة على نفسه: يعني أنتِ دخلتي عندها بعد ما أمنتك؟ وفتشتي أوضتها؟ وخنتيها؟
خفضت ندى عينيها بخوف، وحاولت أن تشرح: أنا مخنتهاش، كنت بس عايزة أعرف هي مين؟! المهم إنك وصلت لمراتك وتعالي خدها وخلاص.
تنفس سليم بعمق، ونظر لها بعينين حادتين، وقال بغضب محكوم: أوعي تكوني فاكرة إني هنبسط علشان خنتي ماسة! أنا أكتر حاجة بكرهها هي الخيانة، وخيانتك لماسة حاجه كبيره بالنسبه لي، حتى لو هتكون سبب إن ارجعلها، أنتِ خنتي ثقتها، وحظك إني عاهدت نفسي إني اتحكم في غضبي ومغلطش تاني، بس لما الموضوع يوصل لماسة، عندي استعداد أخون العهد ده، فأنتِ قدامك حل واحد، أغمض عيني وأفتح ألاقيكي اختفيتي.
رفعت ندى حاجبها بإرتباك: يعني، يعني مش هاتاخد مراتك؟ أنا بقولك مراتك دي..
قاطعها سليم بحدة، ونبرة رجولية مرعبة لكنها هادئة: متزديش في حسابك معايا أكتر من كده، أوعي تكوني فاكرة الكلام إللي قولتيه هزني، أنا واثق في مراتي، مش واحدة زيك إللي هتخليني أتهز، ومش هعيد كلامي تاني، أغمض عيني، وافتح ألاقيكي اختفيتي، علشان لو فتحتها ولقيتك قصاد عيني، متلوميش الا نفسك.
ثم سحب مسدسه من خصره ووضعه أمامها، اتسعت عينيها من الرعب.
أغمض سليم عينيه بنبرة جامدة: واحد... اثنين...
وفي تلك اللحظة، اندفعت ندى تركض بالرعب، ومازال سليم لم يفتح عينيه، وعندما فتحهما، وجد المكتب فارغا.
وفجأة، اجتاح قلبه فرحة عارمة، ضحك وهو يحاول السيطرة على نفسه، ودموعه انهمرت دون إرادة منه، أمسك صورتها التي امامه، واحتضنها بقوة، ونظر لها بعينين يملئهم الشوق والارتياح: خلاص لقيتك، لقيتك يا ماسة، روحي هترجعلي من تاني، قولتلك أوعي تأمني لحد، اهي خانتك، بس مش مهم، المهم إني لقيتك.
رفع هاتفه بسعادة، وأتصل بمكي: أنا لقيت ماسة يا مكي، أيوه والله بتكلم بجد، حضر العربيات بسرعة، هنطلع إسكندرية.
أغلق المكالمة، ثم نظر لها: كلها ساعات وتبقي في حضني تاني ياعشقي، بس أوعدك المرة دي هتكون مختلفة.
( باااك)
انهي سليم سرد ما حدث، كانت ماسة تستمع له بصمت ممزوج بالحسرة والوجع، ودموع تهبط من عينيها بهدوء.
ماسه بنبرة مهتزة، محملة بالألم والحسرة: بجد إنسانة مريضة، مصطفى وإيهاب قالوا لي "متقربيش منها، هتأذيكي" وأنا مصدقتهمش، افتكرتهم بيهولوا، بس طلع كلامهم صح، أنا عمري ماعملت فيها حاجة وحشة؟! بالعكس، كانت صعبانة عليا، وكان نفسي أساعدها، كان نفسي أرجعها لمصطفى تاني..
مسحت دموعها بظهر يدها وهمست بوجع مكتوم: بس شكلي هفضل غبية واتخدع في الناس طول عمرى، الله يسامحها بجد.
نظر لها سليم بحزن، شاعراً بما شعرت به من خيانة وخذلان، ثم سألها بنبرة مكتومة، مليئة بالألم: أنتِ زعلانة لإنها عرفتني مكانك؟
هزت رأسها نافية بخذلان: أنا زعلانة إنها خانتني، زعلانة إنها طلعت زي ما قالوا عنها، وأنا مصدقتش ودافعت عنها.
رفعت عينيها نحوه بخذلان: هو أنا ليه مبصدقش؟ ليه بدافع بسذاجه كده؟! ما أنت أهو أكبر مثال، نفس الخذلان..
وضعت يدها على جبهتها بضجر، وأعادت شعرها للخلف وهي تنظر نحو النيل، وقالت بغضب من نفسها: أنا إللي غبية، وشكلي هفضل طول عمري غبية، وبنخدع في الناس، مصطفى كان عنده حق، متستاهلش الفرصة، بني آدمة مؤذية، والله العظيم متستاهل ظفره، ياريتك تستجدع مع مصطفى وتقول له "أوعى ترجعلها."
ابتسم سليم بحزن: أنا محبتش أذيها، برغم إني اتعصبت جدا لما عرفت إللي عملته معاكي، بس لو أنتِ عايزة تاخدي حقك منها، هجبهالك تحت رجلك.
تنهدت ماسة، ومسحت دموعها وقالت: أنا مش عايزة أخد حاجة من حد، الله يسهلها ويسامحها.
صمت سليم للحظات وهو ينظر لها ثم قال بنصف ابتسامة حزن وغيرة: بس شكلك بتعزي مصطفى أوي؟!
نظرت له ماسة موضحة بألم: لازم أعزه، راجل محترم ووقف جنبي، أنت متعرفش هو عمل معايا إيه؟! كفاية أوي إنه دخلني بيته، وأنا مجرد واحدة لقاها في الشارع بتستنجد بيه، ولا إيهاب وماما نبيلة وعائشة لا بجد عمري ماشوفت زيهم ولا هشوف، خصوصاً مصطفى.
رمقها سليم بنظرة طويلة، ابتسامة صغيرة مشوبة بالغيرة ترتسم على شفتيه: شكلك حبتيهم أوي.
تنفست ماسة بعمق، وصوتها خرج صادقا مليئا بالإمتنان: أيوه بحبهم، اتعاملوا معايا أحسن معاملة، تخيل ناس تسامحك وأنت كذبت عليهم أكتر من مرة، خصوصاً مصطفى رغم إنه بيكره الكدب سامحني بسرعة، حقيقي قلبه بريء وطيب زي الأطفال.
تابعت بإبتسامة امتنان: عارف يا سليم بعد ماعرفوا الحقيقة، أنا كنت همشي تاني يوم، ومصطفي اللي رجعني من علي السلم، مكنتش متخيلة إن في ناس طيبه كده.
ارتسمت ابتسامة شاحبة على ملامحها وهي تستعيد الذكريات: كنت دايما أقولهم: "لما سليم يوصلي، هاخده من إيده وهوريه إن فيه ناس محترمة، مش كلهم وحوش زي ماهو متخيل" وإن الحدود إللي كان راسمها مجرد وهم.
اشتدت نظرات سليم، وكانت نار الغيرة تشتعل خلف عينيه، فقال بنبرة محملة بالترقب: بس أنا حاسس إنك كنتي أقرب لمصطفى.
أجابت ماسه ببساطة: أكيد طبعا، لإنه أول واحد اتعرفت عليه، شوشو بردو طيبة وعسولة خسارة في محمد.
عض سليم باطن خده من الداخل، يحاول يكتم النار التى تتأجج داخله وهو يسمع ماسة تصف مصطفى بكل هذه الصفات، الغيرة والضجر سيطرا عليه.
فتنهد بعمق، كأنه يبتلع غضبه بصعوبة، رفع عينيه نحوها، وقال بصوت منخفض لكنه محمل بالتوتر: طيب، أنا محتاج تحكيلي عرفتي مصطفى إزاي وإيه إللي حصل في الشهور دي كلها؟!
ثم تابع بعينين اغرورقت بدموع الألم؛ وكأنه يحاول أن يشرح مدي عذابه في فراقها، خرج صوته موجوع ومكسور: أنتِ متعرفيش أنا كنت عايش ازاى في ٦شهور دول؟! أنا مكنتش بنام، كنت هموت وأعرف أخبارك: بتاكلي إيه؟ بتشربي إيه؟ عايشة إزاي؟ مين بيغطيكي بالليل؟ لما بتجوعي مين بيجيبلك أكل؟ لما تتعبي مين بيقعد جنبك؟ ولما ييجي لك الوجع بتاع كل شهر مين بيطبطب عليك ويجيبلك النعناع وياخدك في حضنه عشان يهون الالم بدل المسكن؟! كنت هتجنن عليكي، قلبي كان بيصرخ كل يوم بإسمك..
غامت عيناه بالدموع وهو يضيف بنبرة خافتة: الحاجة الوحيدة إللي خلتني عايش؟! إني لسة سامع دقات قلبك رغم البعد، كان فيه صوت جوايا بيقولي: "ماسة بخير"، يمكن ده إللي مخليني واقف قدامك دلوقتي، هو ده إللي صبرني على ألم فراقك، أرجوكي يا ماسة احكيلي، ريحي قلبي وعقلي وقوليلي عيشتي الست شهور دول إزاي وأنتِ لوحدك، مش معايا لأول مرة؟!
ارتسمت على شفتي ماسة ابتسامة حزينة وهي تنظر للأسفل: فعلا أول مرة أواجه العالم إللي خبتني منه، وخوفتني منه، عشان تحافظ على برائتي؟!
أخرجت أنفاسها بمرارة، ثم نظرت له للحظات بصمت موجع، ثم تنهدت وجلست على النجيلة، تنظر نحو النيل، أخذ يحدق في ملامحها المرهقة، بينما هي صمتت للحظة كأنها لا تريد أن تسترجع شيئا من تلك الأيام.
بعد ثواني رفعت عينيها نحوه الدامعتان نحوه، وصوتها يتهدج وهي تقول: عايز تعرف إيه إللى حصللي؟ هحكيلك علشان تفهم أنا ليه رافضة اسمع، ورافضة حتى أتكلم، وتعرف إني زى ماعشت شهور من غيرك، هقدر أعيش قدام سنين من غيرك برضو.
تنهدت بوجع، وشبكت يديها المرتجفتين في حجرها، ثم بدأت تروي بصوت منكسر يأن بدموع: في الليلة دي، بعد ماضربتني، خرجت من الفيلا زي المجنونة، مكنتش عارفة رايحة فين ولا حتى عايزة أعرف؟! فضلت أجري لحد ما لمحت نور بعيد، جريت عليه لحد ماوصلت للطريق، وفجأة لقيت مصطفى، أقصد عربيته، قولتله وأنا بتوسله "ألحقني، خلصني، مشيني من هنا بسرعة، أنقذني"
جلس سليم أمامها، وهو ينصت لها بتركيز، يتنفس بصعوبة، وعيونه مليئة بالألم.
كانت الكلمات تنبثق من عينيها قبل شفتيها، ترهق صدرها وهى تتنفس بصعوبة.
نظرت لأسفل، وصمتت للحظة صوب النجيلة الخضراء، وهي تلعب بها بيديها، تحاول أن تكتم انينها، ثم رفعت عينيها نحوه وهي تزم شفتيها بألم و أضافت بحزن عميق: منظري خلى قلبه يحن، لاقي بنت بتجري في عز الليل في الصحرا بقميص النوم، واخده علقة موت، صعبت عليه، بس كانت لازم يبقى فيه قصة! قصة للحالة إللي أنا فيها، قولتله إني هربانة من جوز أمي إللي حاول يغتصبني.
نظر لها سليم بإستغراب، وهو يضيق عيناه، كأنه يقول لها " لماذا كذبتي؟! "
ردت ماسة على تلك النظرة، وهي تمد شفتيها وترفع كتفيها بعدم معرفة، قالت وهي على نفس ذات الوتيرة وهى تنظر للأمام بمرارة: معرفش ليه قولت كده؟! بس أنا كنت خايفة ومشوشة، جابلي لبس وعالج جروحي، ومرضيش يسيبنى ولما سألني على اسمي فجأة لاقيتني بقوله حور.
تملق وجه سليم بذهول وكأن الزمن تجمد، قال بصوتٍ منخفض: حور؟
ابتلعت أنفاسها بصعوبة، وأضافت بهدوء بنبرة مهتزة: أنا معرفش ليه قولت الأسم ده، بس هو الأسم الوحيد إللي كان في مخي، يمكن الوجع والقهر، إللي كنت حساه، هو إللي خلاني أنطق بيه.
هذا الاعتراف جعل صدر سليم ينقبض، نظر إليها بعيون مشوشة، وكأنه يكافح ليفهم كل كلمة خرجت من قلبها...!
ثم تابعت، بصوت مرتعش مكتوم: وبعدين قالي أوديكي فين؟ قولتله هو ده طريق إيه؟! قالي إسكندرية، قولت له ماشي، عندي قريبة هناك، وأخدني معاه، لكن لما وصلت هناك، كان باين عليا أوي إني مليش حد، ساعتها إداني فلوس ورقمه علشان أقعد في فندق، بس نسي إني معنديش أوراق، وأنا كمان مكنتش فاهمة حاجة وقتها، لإني مكنتش بتحرك غير معاك أو مع الحراس.
صمتت لبرهة، وكأن الذكريات تعود لتقطع أنفاسها، أعادت ترتيب كلماتها، ثم أكملت بنبرة وجع قطعت نياط قلبها، ودمعة ساخنة محبوسة: وقتها عشت أسوأ ثلاث أيام في حياتي، نمت في الشارع تلاتة أيام.
وهنا اتسعت عينا سليم في صدمة وهو يقول بنبرة مكتومة مهتزة: أنتِ نمتي في الشارع ثلاث أيام؟!
هزت رأسها إيجاباً بإبتسامة وجع، وأضافت على نفس ذات الوتيرة، بدموع تهبط من عينيها: اه نمت ثلاث أيام في الشارع، محدش قبل يسكني عنده لإن معيش أوراق ومكانش معايا غير مبلغ صغير.
نظرت بعيد وكأنها تتذكر تلك الليله بألم عصف قلبها: أول يوم فضلت أمشي في الشوارع، كنت بدور على مكان أقعد فيه، ملقتش، لحد ما قعدت على شاطئ كده من التعب في فلوكة، لحد ما الليل دخل بس السما مطرت قمت وقعدت في محطة أتوبيس، لكن وأنا قاعدة فيه كام شاب كدة عاكسوني، خوفت منهم وجريت ووقعت من خوفي، ودخلت مدخل عمارة، بس ساعتها واحد كلمني بطريقة وحشه أوى كأني حرامية، اتوجعت أووى وقتها، وحسيت إن كل الدنيا ضدي، خرجت وفضلت أمشي مكنتش عارفة أروح فين ولا حتى عارفة أنا فين؟!
دموعها تسقط بثقلها، وتابعت بصوت مكسور: بس بعد كده شوفت عربية قطر فاضية، افتكرت فيلم زمان قولت أعمل زي البطلة أقضي بس الليل فيها، طلعت العربية وكنت تعبانة وخايفة وعايزة أنام، خدت حديدة حضنتها جوة حضني، بس كنت كل شوية أصحى مفزوعة من صوت القطرات لحد ما التعب خلاني أنام.
وهنا صمتت للحظة، أغمضت عينيها كأنها تحاول الحفاظ على ثباتها كي لا تنهار، وضعت يدها على قلبها الذي بدأ يدق بشدة، وكأنها لا تريد أن تتذكر تلك اللحظة المشؤمة، فتحت عينيها التى امتلئت بدموع وهي تضيف بنبرة مكسورة ويد مترعشة، ودموع تسيل من عينها، بنبرة باكية: مصحتش غير على صوت رجل بتقرب، فتحت عيني، لقيت شاب بيقرب مني خوفت جدا، دعيت ربنا ميشوفنيش، حاولت أبعد من غير ما ياخد باله، بس هو سمعني، أنا كنت خايفة أوي فضلت أقوله "متقربش" بس هو قرب.
وفور أن أستمع سليم تلك الكلمات كأنها طعنت قلبه بخنجر مسموم، فكانت صدمة بالنسبة له، كان يستمع لها بدموع تملأ عيناه ووجع يكسر نياط قلبه.
صمتت وعينها ترمش ببطء، فقال سليم بصوت مختنق: أوعى تقولي إنه قربلك يا ماسة؟!
هزت رأسها ببطء نافية، بصوت يخرج منه كلمات مرتجفة، وزاد أنينها وهي تضيف ببكاء ووجع يكسر فؤاد القلب: حاول، حاول يمسكني.
ارتعشت شفتيها، وواصلت ببكاء وهي تحرك يديها وكأنها تشرح له ما حدث: حاولت أبعد، بس هو خد الحديدة من إيدى، خوفت جدا، بس فجأة أفتكرت لما مكي علمني أضرب إزاي لو حد هجم عليا، وضربته على رجله، في نفس اللحظة لقيت حديدة تانية جنبي، مسكتها بسرعة وضربته على دماغه.
وضعت يديها على فمها وأخذت تبكي بحرقة، بجسد يرتعش فأصبحت لا تقوى على الثبات أكثر.
اشاح سليم بوجهه في إتجاه آخر، بدموع تهبط من عينه، وغصات قلب تصرخ من الألم على محبوبته التي قاست وعاشت تلك الأهوال بمفردها، قبض يده وضرب على الأرض، تمنى أن يكن معها؛ لكي ينقذها ولا يجعلها تعيش كل ذلك بمفردها، لكن كيف وهو السبب في هروبها؟ مرت لحظات من الصمت بينهم، حاول سليم أن يهدء لكي يستمع لباقي القصة، فهما مازالا في أول يومين من ٦أشهر !
ارتجف قلب سليم، ورأسه يدور من شدة الألم، وقال بنبرة مرتعشة بتمنى أن تكوني قتلتيه: قولي إنك قتلتيه، قولي؟
رفعت عينيها نحوه وقالت بصوت متحشرج وهي تحاول تهدئت أنفاسها: مقتلتوش، شوفت نبضه، زي ما أنت علمتني، لاقيته عايش، مسحت كل البصمات وجريت.
نظر إليها وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، ورد بعينين دامعتين، وتحدث من بين أسنانه: ياريتك قتلتيه.
ارتجف جسدها، وتابعت بصوت يخرج مبحوحا متقطعا، والدموع تتساقط على وجنتيها: قعدت ألف في الشوارع، بعدين روحت المحطة قعدت على الرصيف، حسيت إن أنا مش قادرة خلاص، كلمتك بس قبل ما ترد قفلت المكالمة وقولت لنفسي "مستحيل أرجعلك تاني بعد إللي حصل" ، وكملت في طريق المجهول، بس مرجعتش العربية خوفت، بقيت أقضي النهار قاعدة عند الفلوكة على الشاطئ، وأنام فيها لما أتعب، وبالليل ألف في الشوارع أو أدخل مداخل العمارات وقت المطر، وأحيانا أضطر أدخل الحمام العمومي بتاع البحر.
وضعت يدها على صدرها، كأنها تحاول أن تمنع قلبها من الانفجار، ثم تابعت بصوت مرتعش: لحد ما قابلت مصطفى تاني، هو إللي أصر يساعدني، مطلعتش شقته غير لما عائشة شاورتلي، بس تاني يوم ندى جت وعملت مشكلة، خوفت وجريت، ساعتها مكانش عندي استعداد أعيش نفس التلات أيام تاني، خصوصا إني كنت بدور على شغل ومش لاقية، والعيشة من غير أوراق كانت مستحيلة خصوصا إن هدومي كانت متبهدلة بسبب المطر.
خفضت رأسها، وكادت كلماتها تختنق بين شهقاتها: في اليوم ده نمت في الجامع، هناك قابلت أبرار، سألتني أنتِ مين؟ مكانش ينفع أقولها الحقيقة، افتكرت فيلم تاني عن واحدة نصابة بتخدع الناس علشان يساعدوها، وأنا مكانش قصدي غير المساعدة، قولتلها أنا أسمي دينا وجاية من الأرياف واتسرقت حاجتي كلها.
ثم أضافت بضحكة خفيفة ممزوجة بالوجع: وقتها بقي رجعت ماسة بتاعة "متستصغرنيشي يا سليم بيه"
أخذت نفسا عميقا وأضافت: أبرار صدقتني، وخدتني عندهم، بس الشيخ صالح قال أنا عندي ولاد، مينفعش تقعدي عندنا، شغلني عند عم ماهر القهوجي، كنت باخد خمسين جنيه في الأسبوع، جابوا لي بطانية ومرتبة، كنت بنام في المخزن وأبرار كانت بتديني هدوم، ويجيبوا لي أكل عشان كدة أخذت منك الفلوس كمساعدة، لإن لولاهم مش عارفة كان هيحصل لي إيه؟!
أطرقت راسها لأسفل قليلا، ثم رفعت عينيها نحوه بعجز: لحد ما قابلت مصطفى تاني، زعل جدا لما عرف إني قولت اسمي دينا وإني ممكن آذي عم ماهر، ساعتها كذبت عليه، بس المرة دي كذبة أقرب للحقيقة، قولتله إن اسمك إسماعيل، وظابط أمن دولة، وقولت إنك بتهددني بأهلي، وإنك ضربتني، بس كان لازم أزود شوية حاجات علشان استعطفهم أكتر، صعبت عليه هو وأهله، خدني عندهم، وشغلني كمان.
شهقت وهي تضحك بمرارة، والدمع يختلط بضحكة مقهورة: حتى قولتلهم إني مش متعلمة، كان نفسي أرجع لماسة بتاعة زمان، بس معرفتش.
كان سليم يجلس أمامها، مصدوما بشدة، وهمس بصوت مبحوح: يعني هما مكانوش يعرفوا قصتك الحقيقية في الأول؟
هزت رأسها بالإيجاب، وقالت: لأ مكانوش يعرفوا حاجة، لحد ما أنت شغلت مصطفى عندك، ومحمد شاف صورتي في المستشفى.
ضيق سليم عينه كأنه تذكر شيء قال: اليوم إللي عرفوا فيه الحقيقة هو اليوم إللي جه مصطفى يسألني فيه مراتك ليها أخت توأم ولا لا؟
هزت ماسة رأسها بعدم معرفة وتابعت بنبرة مكتومه: معرفش أصلا إنه جالك وأتكلم معاك، هو لما جه يواجهني كان غضبان وقالي بزعل أنتِ ماسة الراوي؟ وكذبتى ليه؟ ساعتها اضطريت أحكيلهم كل حاجة، بس هو قالي يومها إنك مسافر تاني يوم.
ابتسم سليم بمرارة وهو يقول: تعرفي؟ إن هو ده نفس اليوم إللي عرفت فيه إن صافي كانت حاطة لي الحباية، يعني اليوم إللي كشفوا حقيقتك، أنا كمان اكتشفت الحقيقة اني معملتش حاجة فيكي بقصد.
وتابع متسائلا: بس ليه قولتي إن اسمي إسماعيل؟ ليه مش مكي مثلا !
ماسة موضحة وهي تمسح دموعها وتأخذ نفاسها: عشان ظابط أمن دولة، الأسم يخوف، ولو دوروا عليه، يلاقوه! المهم سامحوني، تخيل! وعاملوني حلو، وعلموني حاجات كتير لحد ما أنت جيت.
أضافت بنبرة حادة مكسورة: عرفت بقى أنت خلتنى أعيش إيه بسببك؟! أسامحك على إيه بقى فيهم؟! أنت خليتني استحمل مرارة الشارع وبهدلته ولا إني أرجعلك..! بسببك خلتني أجري في للشارع بقميص النوم، عارف يعني إيه أجري في الشارع في عز الليل بقميص النوم في الصحرا ؟
نهضت وتحركت بعيد عنه قليلا وهي تبكي.
رفع سليم عينيه نحوها عاجزا عن الكلام، فكل الكلمات بدت قليلة أمام مامرت به، كانت عيناه مغروقتين بالدموع وهو يتأملها بحزن، ثم اقترب منها خطوة مترددة.
قال بصوت مبحوح: أنا مش لاقي كلام أقوله، حاسس مفيش كلمة ممكن تخليني اعتذر عن إللي حصلك بسببي، بس أنا دورت عليك يومها، وأنتِ هربتي، وفضلتي فاكرة ان أنا إللي عملت فيكي كدة، بس والله العظيم مش أنا، دى المسخ إللي بقيت عليه بسبب الحباية الملعونة دي، هو السبب، أنا مهما اعتذرت مش هعوضك لا عن خوفك ولا عن وجعك ولا عن أي حاجة اتعرضتي ليها، بس مش أنا السبب يا ماسة، والله العظيم ما أنا السبب، أنا حتى مش عارف أطلب منك السماح إزاي، كنت فاكر الموضوع هيخلص عند الحباية والليلة دي، متوقعتش ابدا إنك هتعيشي كل ده، أنا آسف، شوفي إيه إللي يرضيكي وهعمله، حتى لو عايزة أدبح صافيناز وأجيبهالك تحت رجلك، هدبحها.