بنات الحاره الفصل الرابع والخمسون 54 بقلم نسرين العقيلي


بنات الحاره الفصل الرابع والخمسون 54
بقلم نسرين العقيلي



مقدمة....

في أوقات معينة، الظلم بيبقى وقود، والسكوت بيبقى نار. الناس تفتكر إن الحكاية خلصت، لكن ربنا بيمهل، ما بينساش.

فيه ناس بتفتكر الكارما خرافة، لكن اللي عاشها عرف إنها عدالة ربانية بلُغة مختلفة. بتستنى اللحظة المناسبة، وتِرجع الضربة بنفس الوجع، وأحيانًا أضعافه.

النهارده، الدور إتقلب. اللي كان فوق نزل، واللي اتظلم بدأ يسمع صدى إنصافه في الدنيا قبل الآخرة.

✍️ كلام نسرين..

في كل فصل من الحكاية، كنت بحاول أفهم معنى العدالة. هل العدالة إن الظالم يتحاكم؟ ولا إن المظلوم يرتاح؟
يمكن الاثنين مع بعض. بس اللي اتعلمته إن ربنا ما بيسيبش وجعنا يضيع، ولا بيسيب حد يهرب من حسابه، حتى لو فاتت سنين، الكارما بتلفّ، وبترجع تدقّ على باب اللي أذى، في الوقت اللي مش متوقعه.

أنا مش بكتب علشان أوجّع القارئ،
أنا بكتب علشان أقول إن الوجع له معنى، وإن النهاية دايمًا بتكون في صف الحق، حتى لو الحق جاي متأخر.

نسرين بلعجيلي Nisrine Bellaajili 

الليل كان نازل هادي، بس السطح منوّر خفيف بلمبة صفرا صغيرة. ريحة الشاي بالقرفة مالية الجو، وصوت البنات والولاد متداخل، كأن الدنيا أخيرًا بدأت تهدى شوية.

جمال، أسامة، حسن، ياسر قاعدين في دايرة، والبنات حواليهم: _ أسماء، رحاب، صفاء، نورهان، وزينب — كل واحدة وشها فيه تعب بس عيونها فيها بصيص أمل.

حسن فتح الشنطة اللي جنبه، ومدّ إيده طلع رزمة فلوس وورق وقال بصوت جاد :
"ده كل اللي كان مع ريان، الفلوس، والتوكيلات، والعقود."

صفاء اتنفست بصعوبة، عينيها دمعت وهي شايفة الورق :
"دي الفلوس اللي نصب بيها عليّا، حتى الورق اللي مضيت عليه."

حسن كمل كلامه :
"المبلغ ناقص شويه، لأن ريان صرف جزء منه قبل ما نمسكه، بس الحمد لله الباقي موجود."

جمال مدّ إيده ومسح على الورق وقال :
"ربنا كبير، المهم الحق رجع لأصحابه."

رحاب قالت وهي بتقلب في الورق :
"طب نرجّع الفلوس للبنك علشان القرض؟"

أسامة هزّ راسه بهدوء وقال بصوت القانوني العارف :
"قانونيًا لأ، إحنا مش طرف مباشر في المعاملة، بس نقدر نحمي نفسنا. وكمان القرض اتسحب ماينفعش نرجعه او نرجع في كلامنا "

الكل بصّ له، فقال وهو بيشرح :
"تحطوا جزء بسيط من الفلوس في البنك، والباقي تستخدموه في مشروع واضح ومُثبت بعقد بينكم، بحيث يكون دخل رسمي ومصدر قانوني معروف. و بكده تشغلي الفلوس وتدفعي بيها القرض"

صفاء بصّت للبنات وقالت بحماس حذر :
"يعني نكمّل مشروع الأكل؟"

حسن ضحك وقال :
"نكمّله ونكبّره كمان. نكمّل بناء السطح، ونجيب الأجهزة اللي ناقصة، ونبدأ من جديد بس صح."

زينب قالت بخجل بسيط :
"بس المصاريف كثير…"

ياسر ردّ وهو بيبتسم :
"وإحنا معاكم. المرة دي الشغل بينا كلنا. البنات بالمجهود والولاد بالدعم، والمكسب يتقسم بالعدل."

رحاب مسكت ورقة وقالت بسرعة :
"كله لازم يتكتب ويتوثّق. ما فيش حاجة تكون كلام بس. هنكتب عقد بين الكل، ونخلي أسامة يشهد عليه."

أسامة ضحك وقال :
"مش بس أشهد، أنا اللي هكتبه. وهسمّيه (اتفاق بنات الحارة – مشروع 4 Cats)."

ضحكوا كلهم، والضحكة كانت أول صوت فرح حقيقي بعد أيام طويلة من الخوف.

أسماء قالت وهي تبص في وشهم واحد واحد :
"إحنا مش بنبني مشروع بس، إحنا بنبني نفسنا من الأول."

صفاء مسكت إيدها وقالت :
"والنار اللي حرقتنا زمان، هي اللي هتنور طريقنا المرة دي."

رحاب ضحكت وقالت :
"بس لو المشروع نجح، أنا أول واحدة هسميه مطعم (بنات الحارة)"

جمال ردّ وهو بيضحك :
"وإحنا هنكون أول الزباين الدايِمين."

الضحك ملأ المكان، بس في نصّ الضحكة، حسّوا بحاجة مختلفة..
سلام.
سلام بعد سنين وجع. ولأول مرة، السطح اللي شهد أسرار وبكا، شهد إتفاق حقيقي على بداية جديدة. 
نسرين بلعجيلي 

الضحك لسه مالي السطح، البنات حوالين السفرة الصغيرة، والشباب قاعدين بيخططوا لمستقبل المشروع.
الهوا لطيف، والمزاج رايق لأول مرة من زمان.
ياسر كان ساكت شوية، بس ملامحه متوترة كأنه عايز يقول حاجة ومش عارف إزاي. أسامة لاحظه وقال له بخفة دم :
"مالك يا عم، وشك أحمر كده ليه؟ قول ولا هنستنى إعتراف عاطفي جديد؟"

الضحك تعالى، ونورهان ضحكت بخجل وقالت :
"أكيد بيحسب التكاليف."

بس ياسر رفع راسه وقال بجديّة :
"لا، المرة دي مش حسابات شغل. أنا فعلاً عايز أقول حاجة."

الكل سكت، العيون كلها اتعلّقت عليه. قرب شوية وقال بصوت هادي وواثق :
"أنا معجب بـ نورهان."

الهواء وقف لحظة. نورهان اتجمدت مكانها، المعلقة وقعت من إيدها في الطبق. رحاب بصتلها بصدمة، وزينب كتمت ضحكتها بالعافية.

ياسر كمل كلامه، وشه كله حُمرة :
"مش بس كده، أنا ناوي أتكلم مع أمي وأبويا، وأطلبها رسمي."

صفاء صرخت بفرحة وهي تزغرط :
"يخرب بيتك يا ياسر، بجد؟!"

نورهان كانت مش عارفة تقول إيه، وشها أحمر أكثر من الشاي. قعدت تلعب في خصل شعرها وقالت بخجل :
"هو… هو إنت بتتكلم جد؟"

ياسر ابتسم وقال بثقة هادية :
"أكتر مرة في حياتي بتكلم جد، يا نورهان."

البنات صرخوا بفرحة، رحاب حاولت تضحك معاهم بس صوتها طلع مكسور شوية :
"أهو كده بقى الحب بيروح لأهل الحارة مش للي تعبوا"

صفاء قالت وهي تضحك :
"يا بنتي خذيها هزار وخلاص"

لكن رحاب وشها شدّ، ولأول مرة، باين في عينيها غيرة مكتومة. هي اللي كانت دايمًا مركز الاهتمام، هي اللي حاولت توقع جمال قبل كده واترفضت. ومن وقتها كانت بتبص على ياسر من بعيد. مش حب، يمكن طمع، يمكن تحدي.

قربت بخطوة وسألت بجرأة :
"طب قول يا ياسر، إشمعنى نورهان؟"

الكل سكت. ياسر بصّ لها بهدوء وقال من غير ما يتردد :
"لأنها نقية، ما بتلعبش على حد، ولأن ضحكتها بتطمنني إن الدنيا لسه فيها خير."

الكلمة وجعت رحاب، حاولت تضحك وقالت بسخرية :
"يا سلام، أصلنا إحنا كلنا شرّ؟"

زينب ردت بسرعة وهي بتحاول تمتص التوتر :
"يا رحاب ما تاخذيش الكلام على نفسك، الراجل عبّر عن نفسه بس."

رحاب رفعت حاجبها وقالت بخفة مصطنعة :
"عادي يعني، أنا بس بسأل. بس شكلي أنا اللي لازم أراجع نفسي وأشوف مين لسه فاضي."

ضحك الكل، بس الضحكة كانت باهتة. نورهان كانت قاعدة ساكتة، قلبها بيرقص فرحة بس مش قادرة تبين. رحاب حاولت تمشي الموضوع ضحك، بس جوّاها كانت النار ولّعت، مش حب لياسر، لكن غيظ من فكرة إن فيه واحدة تانية بقت هي “اللي اختاروها”.

أسامة حاول يخفف الجو وقال :
"خلاص يا جماعة، نسيب الكلام في الحب ونرجع للشغل."

حسن ضحك وقال :
"ده حتى الشغل محتاج حب يا أستاذ أسامة."

الضحك رجع تاني، لكن بين كل ضحكة والتانية، عيون رحاب كانت بتراقب نورهان من بعيد، وفيها غيرة خافتة، زي نار صغيرة لسه بتتعلم إزاي تولّع. 

نبض الحياة للكاتبه نسرين بلعجيلي 

الليل كان نازل ثقيل على البلد، البيوت مقفولة والناس كلها في شرفها، حاسين إن فيه حاجة هتحصل، بس محدش قادر ينطق.

صوت عربية وقف قدّام بيت أم حنان، الأرض كلها ارتجّت من كعب فتنة وهي نازلة، لابسة إسود فخم، عيونها زي الشرر، ووراها رجالتها.

خبطت الباب برجليها، الضربات كانت كأنها طبول حرب. أبو حنان فتح وهو مش فاهم، أول ما شافها اتجمد مكانه :
"إنتِ تاني؟! إيه اللي جابك هنا يا ست فتنة؟"

فتنة دخلت من غير إذن، عينيها بتلفّ على الحيطان زي اللي بيمسح المكان بنظرة قهر وقالت :
"جيت أسأل سؤال بسيط، فكّرتوا في العرض اللي قلت عليه؟"

أم حنان طلعت من الأوضة، وشها باهت بس صوتها ثابت :
"ولا هنتنازل، ولا بنتي هتتجوز إبنك."

فتنة رفعت حواجبها، ضحكت ضحكة خبيثة :
"طب تمام، بس عايزاكم تبقوا فاهمين العواقب."

أبو حنان قال وهو متضايق :
"عواقب إيه؟ إنتِ لسه مخلصتيش لعبك يا فتنة؟"

فتنة قربت منه بخطوات باردة :
"فاكر الشيكات اللي مضيت عليها يا حاج؟ فاكر؟ لأني لسه محتفظة بيها. ودي نسخة منهم، لو عايزة أودّيهم للبوليس دلوقتي، أعملها."

مدّت إيدها بورق، صوت الورق وهو بيتفتح كان أخطر من الرصاص.
أم حنان شهقت وقالت :
"حرام عليكِ، الراجل ده مريض، عمل كده زمان غصب."

ضحكت فتنة وقالت ببرود :
"اللي مضى يتحمّل. إنتوا رفضتوا عرضي، خلاص. دلوقتي تطلعوا من البيت ده ومن البلد كلها. البلد دي ما تستحملش ناس بتتحداني."

أبو حنان حاول يمسك نفسه وقال بصوت عالي :
"مش هتحرك من بيتي شبر، ده بيت أبويا وجدي قبل منك."

فتنة صفّقت بإيديها، وفي لحظة دخلت رجالتها من الباب زي العاصفة.
"طلّعوهم."

أم حنان صرخت وهي بتحاول تحمي جوزها :
"عيب عليكم، ده راجل كبير."

لكن محدش سمع. رجالة فتنة مسكوا الراجل من دراعه بالعافية، وأم حنان بتحاول تتشبث بالباب، والدموع مغرقاها.
الناس في الشارع خرجت، الستات واقفة في البلكونات، والرجالة عند الأبواب، الكل بيبص، محدش بيتكلم، الخوف مكمّم كل لسان.

أم حنان بتعيط وهي بتقول بصوت متقطع :
"ربنا مش هيسيبك يا فتنة،
ده ظُلم.. ظُلم يا ناس."

فتنة واقفة على عتبة البيت، السيجارة في إيدها، والضحكة السامة على وشها :
"اللي يتحدّاني يدفع التمن، البلد دي ليّا، واللي فيها لازم يعرف مقامه."

الرجالة رموا الشنط برّه، وأم حنان خرجت وهي شايلة كام هدوم على إيديها، وجوزها متكعبل وبيسند نفسه على الحيطة و ولادها جنبهم .

الهوى كان بيصفّر، وأهل البلد واقفين بيتفرجوا، الدموع في عيونهم، لكن محدش قادر يفتح بقه.

واحدة من الستات قالت وهي بتبكي :
"دي مش ست، دي شيطان."

وأم حنان بصّت للسماء، دموعها نازلة، وصوتها مبحوح وهي تقول :
"حسبنا الله ونعم الوكيل فيكِ يا فتنة. زي ما خذتِ فرحة بنتي، ربنا هيخذلك كل فرحة في حياتك."

فتنة لفّت وشها، دخّنت آخر نفس من السيجارة وقالت وهي بتضحك :
"إستني وشوفي مين فينا اللي هيضحك في الآخر."

والباب اتقفل، وصوت القفل دوّى في البلد زي صفعة على وشّ البلد كلها. الناس سكتت، بس العيون كانت بتتوعد :
النهارده فتنة انتصرت، لكن بكرة العدل هيرجع غصب عنها. 
   

الليل كان ساكن..
بس جوّه الشقة، الصمت كان بيخبط في الحيطان زي وجع. أسامة كان قاعد على طرابيزه السفره، قدّامه ورق القضايا، والموبايل جنبه. وفجأة الموبايل رنّ.
إسم المتصل : أبو حنان.

أسامة قام بسرعة، قلبه وقع من مكانه، ردّ وهو متوتر :
"السلام عليكم يا عمّي، خير؟ صوتك تعبان ليه؟"

الصوت جِه من الطرف التاني مبحوح، مليان انكسار ودموع مكتومة :
"يا ابني… فتنة جات البيت وطردتنا من البلد كلنا، قالت لو ما مشيناش، هتودي الشيكات للبوليس. رمتنا في الشارع قدام الناس، الناس بتعيّط ومحدش قادر يتكلم."

أسامة مسك الموبايل بإيده الاثنين،
صوته اتغير، فيه غضب وحزم :
"إيه؟! يعني إيه طردتكم؟ طب اسمعني كويس يا عمّي، ما تباتوش هناك ولا دقيقة، إنزلوا أول قطر على القاهرة فورًا، أنا هستناكم هنا، ما تتأخروش."

الراجل قال بصوت واهي :
"أمها حالتها وحشة يا ابني، مش مصدقة اللي حصل."

أسامة قال بحزم :
"أنا اللي هتصرف، بس ما تقعدوش هناك. دي ما بقتش بلد أمان، أنا مستنيكم."

قفل الخط، مسك راسه بإيده، تنفّس نفس ثقيل، وبعدين طلع بسرعة على أوضة أسماء.

كانت قاعدة على الأرض، الموبايل في إيدها، وشها باهت، والدموع مغرقة عينيها، لسه بتسمع التسجيل اللي فيه صور وأخبار البلد.

صوت الناس من الفيديو :

"الرجالة طلعوا أبو حنان ومراته برّه البيت… فتنة خذت الشيكات وقالت مش عايزة تشوف وشّهم تاني."

أسماء شهقت، الموبايل وقع من إيدها، وصوتها طلع مبحوح ومكسور :
"يا رب.. ده كله بسببي."

أسامة جري عليها، قرب منها بسرعة، مسكها من دراعها وقال بحنية وقلق :
"إهدي يا أسماء بالله عليكِ، أنا لسه مكلّم أبوكِ ، هو وأمك في القطر جايين دلوقتي على القاهرة، كلهم بخير."

هي لفّت له بعينين كلها دموع وصوتها بيترعش :
"هي اللي عملت فيهم كده يا أسامة، طردتهم من بيتهم. ليه؟ ليه كل مرة بترجع تهدّ كل اللي ببنيه؟"

قرب منها أكثر، مسك وشّها بإيده، نظرته كلها وجع وصدق :
"إسمعيني يا أسماء، اللي حصل ظلم، أيوه، بس الظلم عمره ما بيعيش. الحق عمره ما بيموت، حتى لو اتأخر."

هزّت رأسها تبيأس :
"القانون؟ القانون مش بيحمي الضعيف، أمي في الشارع، وأنا هنا قاعدة. أنا مش إنسانة، أنا لعنة على كل اللي بيحبوني."

أسامة شدّها عليه بقوة، ضمّها بين دراعيه كأنه بيحميها من الدنيا كلها،
وقال بصوت خافت بس ثابت :
"بصيلي يا أسماء، لو إنتِ لعنة، فانا اخترت أعيش فيها بإيدي. إنتِ مش سبب الوجع، إنتِ سبب نجاتي. وربنا ما بيكتبش الوجع ده عبث."

انفجرت في عياط مكتوم، راسها على صدره، إيديها ماسكة هدومه كأنها بتتعلق بحياتها الأخيرة وقالت :
"أنا مش قادرة يا أسامة، كلهم بيتعذبوا عشاني تفتكر لو ماكنتش تدخلت في مشله حنان مكانش كل ده جرى؟؟؟"

مسح دموعها بإيده وقال بلطف :
" اوعي تقولي الكلام ده او تفكري فيه خالص احنا مش هنسيبهم كده، أنا هتحرك بكرة، هكلم المحامي، وأمك ممكن ترفع دعوى حضانة، وفتنة هتدفع الثمن غالي أوي."

أسماء بصت له والدموع لسه في عينيها :
"وأنا؟ أنا هقدر أستحمل كل ده؟"

قرب منها، لمس جبينها وقال بحنان صادق :
"هتقدري، طالما أنا جنبك، وطالما ربنا شايف."

سكتوا لحظة، بس الصمت المره دي كان فيه دفء مش خوف، زي سكون بعد العاصفة.

أسماء همست وهي بتتنهد :
"كل مرة كنت بفتكر الدنيا خلصت،
تظهرلي أنت، كأنك نور في الظلمة."

أسامة ابتسم، وقال وهو بيضمها تاني :
"وكل مرة تقع الدنيا حواليكِ، أنا هافضل أوقفها على رجليها من جديد علشانك."

الليل كان فاتح شقتهم بضوء باهت، لكن الباب اتفتح فجأة وصوت خطوات ثقيلة دخل البيت. أسامة واقف عند الباب، وشه كله حزم.
قدّامه وقفوا — أم حنان وأبوها و اطفال  — وجوههم مرهقة، لكن عيونهم مليانة ندم وخوف.

أسماء وقفت في نص الصالة، قلبها بيدق بسرعة، ولما شافتهم كأن الدنيا وقفت معاها. خطت خطوة واحدة، ورمت نفسها فجأة في حضن أمها، وصوتها انفجر بعياط طويل مكبوت :
"يا ماما… يا بابا… فينكم؟ ليه؟ إنتوا فاكرين إن بإيدكم حاجة؟!"

أبوها حاول يطمنها، لكن كلماته كانت ضعيفة :
"يا بنتي.. إسمعي، إحنا جينا لك، إحنا آسفين."

أسماء فعلاً سمعتهم كلام قاسي طالع من جوه الوجع :
"آسفين؟! الكلام ده مابيرجعش اللي اتسرق مني، ولا اللي اتسرق منكم ومن حنان. إنتوا سايبني لوحدي، سايبين بنتكم تتكسر، مش أي حد يتساب كده."

دموعها كانت نار على وشها، لكنها بعد نفس طويل قالت بنبرة أهدأ :
"بس أنا مسامحة، لأني تعبت من الغضب، ومش عايزة أعيش حياة كلها وجع. بس وعد.. وعد حقيقي : لو الرجوع ده بجد، توقفوا جنبي للآخر. مش كلام، فعل."

أمها خذتها ببطء، وضمتها بحنان :
"أيوه يا حبيبتي. إحنا غلطنا، واحنا دلوقتي قدامك. نوعدك هنقف معاكِ لحد آخر نفس."

أبوها ركع قدامهم، وحطّ إيده على قلبه وقال بصوت مبحوح :
"وعد، هافضل واقف قدام كل واحد كان سبب في وجعك."
Nisrine Bellaajili 

أسامة وقف جنبهم، ماسك إيد أسماء، وبص في وشهم وقال بحزم :
"النهارده ولا بكره مش هيفرق. هنعمل كل حاجة قانونيًا : محضر ضد فتنة وكل اللي وراها، وطلب حضانة للتوأم بإسم أم حنان فورًا.
القانون مش للناس اللي تسرق الضحايا، القانون معمول علشان يحمي اللي اتأذوا."

صوت أم حنان ارتجف وهي بترد :
"لو ده بيحسّن حاجة لعيال بنتي، أنا موافقة."

عدّت الليلة بسرعة، والعيون ما تعرفش ترمش من القلق والأمل اللي اتجمعوا مع بعض.
أسامة دخل ووقف قدام الظابط، ومعاه المحاضر وكل الأدلة الخاصة بقضية فتنة :
تسجيلات صوتية، محاضر سابقة بإسم أسماء، صور من تقارير الطب الشرعي، وشهادة الشهود اللي حضروا واقعة طرد أم حنان.

الظابط قرا بسرعة، وبصّ لهم وقال :
"هنعمل محضر بالبلاغ ده وهنفتح تحقيق فوري، وكمان نقدر نطلب أمر احترازي لنقل الحضانة لو في خطر على الأطفال."
أسامة اتواصل كمان مع الجمعيه اللي راحت بسرعه لعين المكان. 
كانت نجلاء، رئيسة الجمعية، واقفة قدام بيت حنان في البلد، وراها لافتة كبيرة مكتوب عليها : "العدالة لحنان وأسماء" وحواليها كاميرات وناس من أهل البلد، واقفين يسمعوا.

نجلاء مسكت المايك، وصوتها فيه حزن وغضب :
"النهارده إحنا جايين نحكي حكاية بنت اتظلمت من أول يوم في حياتها. حنان، بنت بسيطة، اتجوزت عصام غصب عنها لانه هو عايزها و هي لا فا   أبوه  ماسك على والدها شيكات.. شيكات كتبها تحت ضغط علشان حنان توافق تتجوز عصام، ومن ساعتها حياتها اتحولت لعذاب."

الناس سكتت تمامًا، وكل عين فيها دمعة.
نجلاء كملت :
"حنان ضحّت وسكتت كثير، عاشت عنف جسدي ونفسي من جوزها وحماتها، ولما أهلها حاولوا ينقذوها،
الست اللي إسمها فتنة — حماتها — انتقمت من أختها أسماء، حرّضت الناس عليها، وخلّت حياتها جحيم، وفي الآخر وصلت إنها كانت السبب في جريمة بشعة، وتحريض على اغتصاب بنت بريئة."

وقفت لحظة، أخذت نفس عميق وقالت :
"حنان ما استحملتش، ولدت وهي في عزّ الخوف، وماتت.  وماتت معاها آخر حاجة إسمها أمان في البيت ده."

صوت بكا خفيف طلع من بين الناس، ونجلاء كملت وهي ممشيّة الكاميرا وراها ناحية البيت :
"النهارده أختها أسماء، بتدفع ثمن ذنب ماعملتش فيه حاجة. الست اللي المفروض تكون وراء القضبان، خرجت من السجن مؤقتًا، وبتساوم أهلها. قالت لهم يا تتنازلوا، و تطلق بنتكم من جوزها، وتتجوز إبنها عصام، يا إما مش هتشوفوا التوأم تاني."

رفعت المايك وقالت بنبرة عالية :
"ولما رفضوا، عملت اللي مافيش قلب يقدر يعمله، طردت أم حنان وأبوها من بيتهم، ومن بلدهم اللي اتولدوا فيها."

لفّت بالكاميرا على الناس اللي واقفة وقالت :
"البلد دي كلها شافت، وشايفة دلوقتي. هو إحنا في غابة؟ فين القانون؟ فين العدالة؟ فين الرحمة؟"

الناس اللي واقفة وراها هزّوا راسهم،
واحد من الجيران قال بصوت عالي وهو باين عليه التأثر :
"كل كلمة قالتها الست دي صح،
إحنا كنا هنا، وشفنا كل حاجة بعنينا."

نجلاء رجعت تبص في الكاميرا وقالت :
"إحنا مش جايين نثير شوشرة، إحنا جايين نرجّع الحق. حنان ماتت، بس قضيتها لسه عايشة، وأسماء مش لوحدها. وكل أم في البلد دي النهارده شايفة نفسها فيهم."

وبصوتها اللي بدأ يهدى، ختمت كلامها :
"القانون لازم يتحرك. مش ممكن واحدة تعمل كل ده وتعيش وسط الناس عادي. مش ممكن نفضل ساكتين والحق بيموت قدامنا."

الكاميرا رجعت تصور من بعيد،
ووراها بيت حنان القديم، الباب مقفول، بس الحكاية اتفتحت.
اللايف انتشر في كل مكان، وصوت نجلاء بقى تريند على كل الصفحات :
"إحنا مش في غابة، إحنا في بلد فيها قانون، ولازم القانون يسمع صرخة بنت ماتت مظلومة." ⚖️💔

فتنة كانت قاعدة جنب المراية في أوضتها، ماسكة الموبايل وبتتفرج عادي، بس اللايف اللي على الشاشة مولّع، والناس بتقول كلام عمرها ما كانت تتخيله. فجأة عينيها وسعت، إيديها رجّت، واتنفسّت بقوة وقالت بخضة :

"إيه الهبل اللي بيقولوه دول؟!"

قامت بسرعة، حطّت الموبايل في جيبها وطلعت تجري نازلة السلم،
قلبها بيخبط، وصوتها طالع عالي :

"عصاااااااااام، إنزلي دلوقتي."

عصام كان قاعد في الصالة، وشه باين عليه التعب والزهق، ولما شافها داخلة بالشكل ده، قام واقف وقال :

"في إيه يا ماما؟ صوتك ليه عالي كده؟"

مدّت له الموبايل وهي بتترعش وقالت :
"بُص يا عصام، الناس بتقول إيه عليّا. بيقولوا كلام يقطع القلب، بيشوّهوني."

عصام خذ الموبايل منها، بصّ في الشاشة شوية، وبعدين رفع عينه ليها وقال بهدوء بس نبرته مليانة وجع :

"إنتِ دايمًا متسرعة، عايزة الدنيا تمشي على مزاجك، بس خلاص يا ماما، الدنيا مش بتمشي كده."

فتنة اتكلمت بنرفزة :
"إنت بتقصد إيه؟!"

قالها بعينين كلها حزن وغضب :
"أقصد إن كل اللي حصل ده بسببك.
أبويا – اليازيدي – كان راجل محترم، لحد ما دخل في شغلك، فضل وراكي لحد ما خلتّيه يتاجر في الحاجات الغلط، وفي الآخر اتورط في مصايب وجرائم."

شهقت وقالت بعصبية :
"إنت بتقول إيه يا عصام؟"

ردّ عليها بصوت مبحوح :
"بقول الحقيقة اللي إنتِ عمرك ما واجهتيها. كنت بشوف حنان وهي بتتعذب، كنت سامعها وهي بتعيّط، وساكت علشانك، علشان إنتِ أمي. وماتت يا ماما.. ماتت وإنتِ لسه قلبك حجر."

وشه كان باين عليه الانهيار، بس هو مكمل، صوته بيكسر القلب :
"أبويا راح في الرجلين بسببك، ضيعتيه وضيعتي نفسك، وخليتِ الناس كلها تكرهك من كثر ما ظلمتيهم."

إتنفس بصعوبة، مسح دموعه وقال :
"عارفة؟ لو كنتِ عاملتِ حنان بما يرضي ربنا، ماكنش ده كله حصل. كل المصايب دي بسببك. أنا مش ناسي، ومش هسامحك. اللي عملتيه فيا، وفي حنان، وفي أبويا، ربنا هو اللي هيحاسبك عليه."

وقف قدامها، عيونه حمراء وصوته مكبوت من الغضب :
"أبويا كان بيتمنى يشوف التوأم ،
بس دلوقتي أنا متأكد إن ربنا هياخذ حقنا منك. ذنبهم إيه إنهم يكبروا من غير أم؟"

فتنة وقفت متجمدة مكانها، رجليها بتترعش، الموبايل وقع من إيديها على الأرض، وعينيها بتلف في الفراغ كأنها أول مرة تحس إنها فعلاً لوحدها.

عصام لفّ، وهو بيقول الكلمة الأخيرة بصوت مكسور بس قاطع :
"إنتهيتِ.. خلاص يا ماما، إنتهيتِ."

وسابها واقفة وسط الصمت، والبيت كله بقى ثقيل كأنه بيعلن نهاية زمنها.
نسرين بلعجيلي 

في بيت إبراهيم، الليل كان تقيل، والهدوء خانق. فتحية قاعدة على الأرض، ووشها مدفون في كفوفها،
وصوت بكاها مالي المكان.
إبراهيم داخل عليها، ملامحه باهتة،
إيده فيها تليفونه ولسه مش مصدق الخبر اللي وصله. قعد جنبها بهدوء وقال بصوت واطي :
"خلاص يا فتحية، أحمد مات."

اللي بعدها كانت صرخة وجع. فتحية حطّت إيديها على وشها وقالت بصوت مخنوق وهي بتعيّط :
"مات؟! أخويا مات؟! يا ربي ليه؟ ليه كل ده بيحصل؟"

قامت واقفة تتمايل، كأن رجليها مش شايلينها، وبصّت لجوزها بعينين فيها رعب مش بكا :
"شايف يا إبراهيم؟ ذنب نوارة رجع يطاردنا واحد واحد. أنا نزل عليّا الإجهاض فجأة، وأخويا دلوقتي مات. هي روحها مش سايبة، أنا حسّيت بده من زمان"

إبراهيم حاول يهديها وهو ماسك إيدها :
"بس كفاية يا فتحية، دا اللي حصل خلاص، قدر وربنا كتبه."

هزّت راسها بعصبية وهي بتعيّط :
"لا يا إبراهيم، دي مش صدفة، دي الكارما اللي عملناه في نوارة رجعت لينا. قولتلكم كانت مظلومة، كانت عايزة حقها، بس إنتوا كلكم كذبتوني، ماحدش صدقني."

قعدت على الأرض تاني، والدموع نازلة وهي بتخبط على صدرها :
"نوارة كانت بتصرخ من جوّا، بس إحنا كنّا طاغيين، روّحت لربنا مظلومة، وربنا خذ حقها مننا واحد واحد."

إبراهيم نزل على ركبته جنبها، بس ما عرفش يقول حاجة، كأن الكلام مات في حلقه.

رفعت عينيها للسقف وقالت بصوت مكسور :
"سامحينا يا نوارة، روحك انتقمت، بس قلوبنا اتحرقت."

الريح زقّت الشباك، والنور اللي داخل من الشارع كان باهت، كأنه بينوّر على نهاية موجعة، نهاية فصل طويل من الظلم اتقفل خلاص.

"نسرين بلعجيلي – لأن الحكايات مش دايمًا بتتكتب بالحبر، أحيانًا بتتكتب بالدموع."

"الظلم ما بيموتش، بيعيش في صمت، لحد ما ربنا يأذن له يقوم ياخذ حقه بنفسه." ⚖️

اللهم يا عادل يا منتقم.. ردّ لكل مظلوم حقه من غير ما يمدّ إيده.. واجعل اللي آذانا يشوف في نفسه ما عمل فينا..
اللهم إجعل الكارما عدلك، لا حقدنا،
وانتصر لنا على من ظلمنا بقدرتك لا بضعفنا.
يا رب… خَلِِّ الحق يبان، حتى لو بعد حين.

اتمنى تقدرو الفصل كويس  و تتفاعلو عليه اظن أنه يستحق 
و بكره الحلقه الاخيره بس أرجو أن الاقي تفاعل كبير يليق بي بنات الحاره 
لو مالقتش اللي الروايه تستحقه .... هزعل جدا ..... 



تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة