
رواية الماسة المكسورة 2 الفصل السابع عشر 17 بقلم ليله عادل
تساءل بعينين متقدتين بسواد خطر، وهو يرفع يده بشريط الدواء أمامها: بيعمل ايه عندك ده؟؟
اتسعت عينيها بصدمة وهي تنظر لما يحمله بين يديه، وسرعان ما تداركت الموقف قائلة بحدة مصطنعه: أنت إزاي تفتح الدرج بتاعي وتفتش فيه؟ مش عيب؟
ضغط على أسنانه بغضب مكتوم: مش هكرر سؤالي يا هبة.
اهتزت شفتاها للحظة: ده دواء نزيف.
ياسين باستهجان: ما أنا عارف، بيعمل ايه في الدرج عندك؟!
على صوته أكثر وصاح بغضب: انطقيييي!
انتفض جسدها، وقالت بارتباك وهي تتحاشي النظر الي عينيه: كنت باخده من فترة، وبعدين خلاص.
رفع حاجبه مستنكرا: وبتاخديه من فترة ليه؟ ليه تاخدي دوا يسببلك نزيف؟!
أدركت أن لا مفر منه وهو يحاصرها بأسئلته بإصرار، فقبضت على طرف بيجامتها بتوتر، وقالت بسرعة وصوت منخفض: علشان كنت حامل من فترة وسقطت.
اتسعت عيناه من الصدمة: كنتي حامل وسقطتي!!! وده حصل إمتى وازاى؟!
وضحت أنفاس متقطعه: في الفترة إللى كنت بتسهر فيها مع رشدى وبترجع آخر الليل سكران، حصل بينا مرتين وأنا مش عامله حسابي فحملت، إيه نسيت؟! ولا مكنتش داري بنفسك؟!
نظر لها بحدة، وقال بضجر ممزوج بالمرارة: أنا مش ناسي ومش بسأل على الحمل حصل أزاي؟! أنا بسأل أزاي جالك قلب تعملي كده تاني وتقتلي ابننا؟!
أجابته بتبرير زائف: عملت إيه تاني؟ دي مرة واحدة، وإحنا كنا بنتطلق أصلا، ومكنتش متأكدة إني هرجعلك.
أنفجر بحدة وغضب: دي مش المرة الأولى يا هبة بلاش استعباط، أول مرة ضحكتي عليا وقولتي نزفت لوحدي رغم إني كنت فاهم إن الموضوع غير كده، وكنت شاكك فيكي لإنك لما حملتي مكنتيش عايزة الطفل ده.
اتسعت عينيها وحاولت أن ترد، ولكن قاطعها وهو يتابع بغضب مكتوم: متنطقيش ولا تكدبي، أنا جبت الدكتور وسألته وقال كل حاجة، وهو اللى قالي إن الدوا دى كان دوا نزيف، وعديتها بمزاجي..
ثم علي صوته أكثر وهو يصيح بنبرة غاضبة جهورة: لكن تحملي وتعملي كده تاني؟! أنتِ ايه معندكيش قلب! إزاي جالك قلب تقتلي ابنك بدم بارد كده؟!
رفعت عينيها وقالت بحدة: ياسين، وطي صوتك، علشان نعرف نتكلم، ومتتكلمش معايا بالأسلوب ده.
نظر لها بزهول وقال بإتهام لازع: يابجاحتك، أنتِ مينفعش معاكي إلا الأسلوب ده، أنتِ قاتلة ومجرمة، وإللي ساعدك مجرم زيك.
اهتز شيء داخلها، وهبطت دمعة على خدها، وقالت بصوت مكسور مرتجف: أنا مكنتش ينفع أحمل منك تاني، وأنت عارف السبب؟
هز راسه بمرارة: لا معرفش السبب اللي يخلي أم معدومة الضمير والإحساس زيك تقتل ابنها للمرة الثانية!! مفيش أي سبب في الدنيا يخليكي تعملي إللي عملتيه ده.
نظرت اليه بغضب وقالت بحدة لازعة: لا فيه، أنا مش هينفع أخلف منك تاني، وولادي لما يكبروا يلاقوا عيلتهم مجرمين وقتالين قتلة، اعتقد كفايه غلطه واحده ومش هسمح إنها تتكرر تانى، خليك واثق أن كل مرة يحصل حمل هعمل كده.
ضحك ضحكة جافة، وقال ببرود جليدي: غلطة!!! بقي حملك مني بتسميه غلطة!! لا متقلقيش أنتِ أصلا مش هتحملي مني تاني، علشان أنتِ طالق يا هبة.
سقطت الكلمة كالجمر على قلبها، ورنت في أذنيها كقضاء نهائي، فتمتمت بصدمه: أنت قولت إيه؟!
اقترب منها، وقال بحزم كأنه ينطق حكما لا رجعة فيه: بقولك أنتِ طالق يا هبة...
أضاف ببرود وهو يضغط على كل كلمه: أقولهالك تاني علشان تسمعي كويس، أنتِ طالق، طالق، طالق...
مرر عينه عليها بخذلان واحتقار: أنا غلطت لما فكرت أدي واحدة زيك فرصة، أنتِ متستحقيش أي فرص، ولا حتى تستحقي تكوني أم..
تابع بنبرة حاسمة وكأنها تلك المره أخرجت منه الوحش الذي يكمن بداخله: ورحمت ولادي إللي موتيهم يا مجرمة، لأعرفك مين هو ياسين الراوي؟! مش أنتِ بتقولي على أهلي ناس مافيا ومجرمين، حاضر أنا هوريكي الإجرام على أصوله، تلمي هدومك وتروحي على بيت أبوكي ولوحدك!!!
تتساءلت بنبرة مهتزة: يعنى ايه لوحدى؟!
أجابها بهدوء قاتل: يعنى بنتي هتفضل في بيتي مش هتخرج منه، ومش هتشوفيها الا لما يجيلي مزاج.
ارتفع صوتها بنفس حاد، تقاوم الانهيار: أنت متقدرش تعمل كده، القانون معايا وحضانة البنت من حقي.
ضحك ضحكه قصيرة، وقال بسخرية قاسية: قانون!! طب خلى القانون بقي ياخد مجراه، فوقي وشوفي أنتِ بتكلمي مين، أنا ياسين الراوى، وأهلي ناس مافيا زى ما بتقولى، يعنى القانون دى إحنا إللى بنعمله.
حاولت استعطافه بنبرة مهتزه: إللي بتقوله دى يا ياسين مش في مصلحة البنت، وال..
قاطعها بحدة: ملكيش دعوة أنا عارف مصلحة بنتي كويس، في الأول لما اتفقنا علي الطلاق كنت هسيبهالك علشان متبعدش عن أمها، لكن دلوقتي أنتِ مجرمه ومتستحقيش تبقي أم وأنا أخاف على بنتي من واحدة مجرمة قتلت أخواتها بدم بارد وسلبتهم حقهم في الحياة...
نظر لها باحتقار، واشارة بيده بنبرة حازمه: أنا هنزل تحت أطلع بعدها مشوفش وشك، علشان قسما بجلالة الله يا هبة، لو طلعت لقيتك لأخلي الخدم ترميكي بره وهوريكي بقى الوش التاني.
نظرت له بتحدي، وقالت بنبرة لاذعه ترد له أهانته: ده مش وشك التاني دي حقيقتك، وبنتي استحالة تخدها مني.
نظرة اليها نظرة جامدة، وقال بهدوء حاد: مش هعيد كلامي تانى، لو طلعت لقيتك متلوميش إلا نفسك.
غادر مسرعا، وصفع الباب بقوة اهتزت لها الجدران، وبقيت هي في الغرفة تلهث بأنفاس متقطعه، شفاهها ترتجف، وعيونها تلمع بدموع تحاول ألا تسقط، شعرت أنها خسرت كل شيء، ومع ذلك لم تستطع أن تترك ابنتها.
فهرعت نحو الهاتف، وقلبها يخفق بشدة، وبعد قليل قالت بنبرة مرتعشة: الحقيني يا بابا، أنا في مصيبة.
تردد صوت والدها في الهاتف يهدئها: أهدي يا هبة، وفهميني بالراحة إيه اللى حصل...
أخذت تروي له ماحدث وبعد الانتهاء، أجابها بنبرة جامدة: هاتي شنطتك وتعالي فورا.
تشنجت وقالت بارتعاش: أزاي يعني يا بابا بقولك مش عايزني أخد نالا.
كرر بصرامة أكبر: قولت لمي شنطتك وتعالي خلصي.
أغلقت الهاتف وهي تبكي بحرقة، ثم نهضت وأخذت تحضر حقيبتها، وخرجت من القصر وهي تتحرك بسرعة
على الدرج العلوي
وقفت فايزة تراقب خروجها بإبتسامة تمتلئ بالشماتة، ثم هبطت إلي الحديقة، فلمحت ياسين جالسا على أحد المقاعد بحزن يكسو ملامحه وهو يحدق في الفراغ بشرود حزين.
اقتربت منه بنظرات تلوح بالشماته: خير يا ياسين؟ شايفه مراتك ماشية ومعاها شنطتها؟!
رد عليا وهو مازال ينظر امامه: طلقتها
لمعت عيناها بمزيج من الفضول والشماتة: ليه؟ ايه اللى حصل؟
أجابها بلسان ثقيل: كانت حامل وقتلت ابنى، ومش أول مرة تعملها.
صمت للحظة، ثم رفع عينيه نحوها بحزم مضطرب: ماما أنا مش عايز أسيب بنتي معاها، لإن القانون للأسف بيقول إن الحضانة للأم.
ضحكت باستخفاف: قانون ايه يا ياسين؟ القانون أتعمل للضعفاء عشان يحميهم، وإحنا مش ضعاف، إحنا القانون نفسه، وزيدان مستحيل يدخل معانا في أي معركة من النوع ده.
زفر قائلا بضجر: أنا مش عايز الموضوع يوصل لكده مهما كان دى أم بنتي.
رفعت حاجبيها بقسوة وصرامة: بلاش عواطف فارغه يا ياسين، أنت قولت إنها سقطت مرتين؟ دي واحدة تستاهل تتقتل؟ وإحنا مش هنعملها حاجة؟! أحنا هنخليها بس تحترم نفسها، وده الأفضل.
نظر لها بصمت لا يعرف ماذا يقول، فاشاح بوجهه بعيدا.
اقتربت منه ووضعت يديها على كتفه: أنا مش عايزاك تزعل، أصلا أنت غلط لما ادتها فرصة، ركز في حياتك، أنت تستاهل الأحسن.
صمتت للحظة، وتابعت بهدوء بارد: وبعدين في حاجة حصلت، أنا مكنتش عايزة أقولك بس لمحتلك وواضح إنك مفهمتش كلامي، هبة مرجعتلكش غير لما أنا كلمتها وضايقتها شوية بالكلام، فجاتلك يومها وطلبت منك الفرصة علشان تتحداني.
نظر لها بإستغراب، وتساءل بحدة: إزاي متقوليليش حاجة زي كده.
ابتسمت بخبث: مكنتش حابة أعمل بينكم مشاكل، بس لازم أقولك ده دلوقتي، علشان متحسش بالندم، البنت دي عمرها ما كانت تستاهلك، روح بقى للي تستاهلك.
نظر لها من طرف عينه، فهم أنها تقصد لوجين، فتبادلت معه نفس النظرة؛ كأنها تؤكد المعنى.
ثم ألتفتت تغادر بإبتسامة قاتلة، كأنها قد انتصرت في معركه، ثم قالت بصوت داخلي "كده مفاضلش غير ماسة، وقريب أوى هخلص منها هي كمان"
أما ياسين، فظل ينظر أمامه بشرود حزين، لا يصدق كيف أستطاعت هبة أن تقتل أبنائها بهذه السهولة؟ بل وتبرر ذلك بمبررات واهية، من أي طينه خلقت لتفعل ذلك بابنائها بكل دم بارد؟
تأجج داخله ندم مر لأنه أعطاها فرصة، خاصة بعد معرفته سبب رجوعها الحقيقي، فهو طوال الفترة الماضيه كان يلوم نفسه بشدة اذا مرت لوجين بخاطره، كان يظن أن عودتها بدافع المحبة، لكن أتضح عكس ذلك، فعودتها لم تكن سوي بدافع الكبرياء والتحدى الزائف.
رفع هاتفه وأجري اتصالا: بقولك إيه عايز مصر كلها تصحى بكرة على خبر "طلاق ياسين الراوي من هبه زيدان" سلام.
أغلق هاتفه، وأخذ ينظر أمامه بصمت ثقيل وأفكاره تتضارب في عقله.
منزل مكي،5:00مساء.
دخل مكي الذي كان قد حرر ذراعه من الرباط، وما إن أغلق الباب، حتى نادى بصوت مرتفع: يا أمي! أنا جيت.
خرجت ليلي من المطبخ، ترتسم على وجهها ابتسامة دافئة، وذراعاها مفتوحتان بشوق أمومي صادق: حمدالله على السلامة يا حبيبي وحشتني، عامل إيه؟!
اقتربت منه وضمته بقوة، إلا أن يدها ضغطت على كتفه المصاب دون قصد، فظهر الألم واضحا على ملامحه، وتأوه بخفوت، فتراجعت تتساءل بقلق: مالك يا ابني؟! ايه اللى واجعك؟!
هز رأسه سريعا، وقال بابتسامة محاولا اخفاء المه: مفيش يا حبيبتى، أنا تمام.
نظرت له بلوم واشتياق: بقالك أسبوع مبتجيش، هونت عليك تغيب عني كل دى؟!
أجابها بتنهيدة: معلش يا ماما كان عندى شغل كتير.
رفعت حاجبها بلوم: طب وهتقعد معايا ولا هتمشي علطول زى كل مرة؟
أجابها بابتسامه: لا قاعد معاكي يومين، وبعدين متقعديش لوحدك تانى، ابقي روحي اقعدي مع خالتي ونسوا بعض، هي كمان قاعدة لوحدها.
مسحت على صدره بحنان: يا ابني ما أنت بتوحشني! هو ينفع أفضل قاعدة عند خالتك كده؟ مش لو كنت اتجوزت كانت قعدت معايا ونستنى، وكان زمانك رايح جاي علينا.
جلس على الأريكة، ونظر لها بنفاد صبر: لازمته إيه الكلام دى يا ماما ما أنا رايح جاي عليكي أهو، هو أنا قصرت معاكي؟
جلست مقابله وقالت بحنو: نفسي أفرح بيك وأشيل عيالك قبل ما أموت، اللي قدك عيالهم في المدرسة دلوقتي، وأنت أهو بقي عندك 34 سنه والعمر بيجري بيك من غير عيل ولا تيل، وأنا مش عايشه لك العمر كله، هتفضل كده لحد أمتي؟ ولا مستني اللى قلبت عليك قبل فرحكوا ب10 ايام ترضي وتحن عليك؟!
قطب جبينه، وضاق صدره قائلا: ماما، بلاش كلام في الموضوع ده لو سمحتي! وسلوى لو آخر ست في الدنيا، مستحيل نبقى مع بعض خلاص!
ثم تحرك نحو غرفته
غرفه مكي
وقف يخلع قميصه ببطء؛ بسبب ألم كتفه، وما إن خلعه حتى فتح الباب ودخلت والدته قائلة بغضب: أنا مش بكلمك يا واد…
لكنها توقفت فور رؤيتها للجرح في كتفه، فاتسعت عيناها بقلق: إيه ده يا مكي؟!
حاول إبعاد كتفه بتوتر: مفيش.
تساءلت بوجه شاحب: اتضربت بالرصاص؟! عشان كده كنت غايب؟!
هز رأسه بسرعه: لا يا ماما دى شاظية بسيطة، وبعدين الموضوع مش زي ما أنتِ فاهمة.
جلست على الفراش ووضعت يدها على قدميها، قائلة بتهكم وهي تحاول تمالك دموعها: فهمني!
تنفس ببطء موضحا بتوتر وهو يحاول ألا ينظر اليها: رصاصة خرجت من ماسة غصب عنها وأنا بدربها، وبعدين ما أنا كويس قدامك أهو.
ثم أقترب منها محاولا تهدئتها بابتسامه، وهو يقبل باطن كفها: وبعدين أنا راجع ميت من الجوع وواحشني أكلك، مش هتقومي تعمليلي حاجة أكلها من إيدك بقى.
هزت رأسها، وانكسرت نظرتها بخوف وغضب ووجع أم: والله العظيم أنت مش هتبطل غير لما توجع قلبي عليك زي أبوك وأخوك، الله يسامحك يا مكي.
ثم وقفت ببطء، وغادرت الغرفة دون كلمة أخرى، فظل ينظر نحو الباب وكأن آثار خطواتها تبقيه واقفا بين الندم والعجز.
فيلا عائلة هبة،6:00مساء.
دخلت الفيلا وهي تسحب حقيبتها خلفها بعجز واضح، وجهها غارق في الدموع، ما إن عبرت عتبة الباب حتى وجدت والديها في انتظارها، وجهيهما جامدان كالصخر.
تقدم زيدان نحوها بخطوات سريعة، وما إن همت بالكلام حتى دوي صوت الصفعة في أرجاء القاعة.
تجمدت للحظة، ثم شهقت بصوت مبحوح: بتضربني يا بابا؟ بدل ماتروح تضربه هو وتجيبلي بنتي منه؟!
زمجر بغضب: أنتِ بعد اللى عملتيه ده ليكي عين تتكلمي، أنا مش طايق أشوف وشك! أطلعي فوق قبل ما ارتكب جناية!
صرخت برجاء: أنا عايزة بنتي يا بابا، بالله عليك هاتلي بنتي، أنا مقدرش أعيش من غيرها!
نظر إليها بنظرة حادة: بنتك إللي موتي إخواتها؟! ياسين عنده حق يحرمك منها، مش مأمن عليها معاكي!
ارتجفت ساميه وقالت بهدوء متوسل: خلاص يا زيدان أهدى، أطلعي فوق دلوقتي يا هبة، علي ما الدنيا تهدى شوية.
ألتقطت حقيبتها وهرولت نحو الدرج، دموعها تبلل خديها، وصوت تنفسها يعلو مع كل درجة تصعدها.
أغمضت سامية عينيها للحظة، ويدها ترتجف من القلق، قالت بصوت منخفض: هنعمل إيه يا زيدان، مهما كان نالا بنتها ومينفعش تتحرم من مامتها.
زيدان بغضب: بنتك اللى عملت في نفسها كده، هو في الأول كان هيسيب البنت معاها، لكن بعد إللى عملته هى اللى ادته حق يعمل معاها كده ويحرمها من البنت، فاهدى وخلينا نشوف هنعمل ايه في المصيبه دي إحنا مش قد عيلة الراوي!
ظلا واقفين، يتبادلان النظرات في صمت، لا يعلمان ماذا ينبغي عليهما فعله، وقلباهما مثقل بالخوف والحزن.
منطقه القلج،10:00 مساء.
جلست سيدة عجوز على الاريكه بجانبها فتاه تبدو في منتصف العشرينات، ملامحها متوترة، وعيناها تائهتان بين الحيرة والخوف، وفي منتصفهم صينيه عليها كوبين من الشاي.
تساءلت الفتاة بحيرة: طب هو ليه بيختفي كده؟
تنهدت السيدة، وهي تحتسي رشفه من الشاي: معرفش، الله اعلم يا بنتي، الله يصلح حاله أكيد مشغاله كتير.
الفتاه: الله يكون في العون، بس من رأيي تروحيله وتطلبي منه فلوس العملية، مش عيب.
أومأت السيدة بخجل: بس مكسوفة منه.
هزت رأسها: لا، هو قالك لو محتاجة حاجة كلميني.
أومأت ببطء: خلاص هروحله بكرة.
الفتاه بلهفه: بس امانه تسلميلي عليه، أنت بتقوليله اني بسال عليه ولا لا؟!
السيدة بابتسامه: بقوله علطول، والمره اللى فاتت قولتله إنك عايزه تشوفيه بس هو كان مستعجل ومشي بسرعة.
💞_____بقلمي_ليلةعادل
قصرالراوى،8:00صباحا
غرفة ياسين
استيقظ بهدوء، وأمسك هاتفه يتفقد الأخبار، وبالفعل وجد جميع المواقع تتحدث عن انفصاله، فابتسم بخفة والارتياح، ثم نهض وأخذ حماما دافئا واستعد للنزول.
وقبل أن يهبط، مر على غرفة ابنته، وجدها نائمة بسلام تضم لعبتها الصغيرة إلى صدرها، اقترب منها وقبل جبينها برفق، ثم احكم عليها الغطاء وغادر لأسفل.
السفرة
كان جميع أفراد العائلة يجلسون في انتظار الفطور، والحديث يدور حول خبر انفصال ياسين وهبة.
فريدة بهدوء: هي أكيد غلطت، بس مكانش لازم الموضوع ينتشر بالشكل ده.
أجابها ياسين بنبرة حاسمه، وهو يدخل ويجلس على مقعده: وليه مينتشرش؟ أنا عايزه ينتشر، لازم كل الناس تعرف إني طلقتها ومستحيل أرجعلها..
ثم ألتفت لعزت: وبعد إذنك يا باشا، بنتي هتفضل معايا ومحدش هيشوفها الا بإذني، غير كده لأ، علشان لما أنكل زيدان يكلمك تفهمه ده كويس.
عزت بهدوء: أنا هخلص الموضوع ده متقلقش، بس أنت أهدى شوية.
أجابه ببرود وهو يتناول لقمة صغيرة: أنا هادي جدا..
صمت للحظه وتابع بثقه: وعلى فكرة أنا هتجوز قريب.
تجمد الجميع في أماكنهم، التفتت له فريدة بصدمة، بينما شرق رشدي الذي كان يحتسي الشاي وسعل بعنف.
تابع بثبات: هتجوز لوجين، أنا وهي بنحب بعض.
صاحت فريدة مذهولة: أنت اتجننت؟! الناس هتقول إيه؟
رد بعدم اكتراث: يقولوا إللي يقولوه.
فريدة بعقلانية: يا ياسين، في حاجات مينفعش تتاخد بسرعة كده.
ابتسم بثقة: لأ، المرة دي هاخدها كده، وده قرار نهائي مفيهوش نقاش، والنهاردة هفاتحها في الموضوع رسمي.
ضحك رشدي بسخرية وقال وهو يومئ بيده: وتيجي تقول عليا أنا اللي مجنون! هو أنت مالك؟ عامل مكس بين شخصيتي وشخصية سليم كده ليه؟
ابتسم بخفة: ما أنا سمعت كلامك، لما قولتلي“أعمل إللي يريحك وأفرح”، واديني أهو ناوي أفرح.
ساد صمت طويل، تبادل الجميع النظرات، إلى أن قالت فايزة بهدوء حاسم: خلاص يا ياسين، أعمل إللي يريحك.
ابتسم بخفة، وتابع تناول طعامه كأن شيئا لم يكن.
مجموعة الراوي 9:00صباحا.
وقفت السيدة المسنة عند مدخل الشركة، تستند إلى عكازها.
الأمن بنبرة حادة: يا ستي ممنوع تدخلي!
ردت برجاء خافت: قوله بس إني من طرف جنة.
في تلك اللحظة، توقفت سياره سليم وهبط منها، وتحرك للداخل بخطوات واثقة وعشري خلفه.
انتصب فرد الأمن بابتسامة متكلفة: صباح الخير يا سليم بيه!
ثم مال نحو السيدة بصوت منخفض: يلا يا حاجة متعمليش مشكلة الله يكرمك، رشدي بيه لسه مجاش، استنيه بعيد شوية.
استمع سليم للحوار وهو في طريقه الي الداخل، فقال بنبرة منخفضة وهو يشير بيده دون التفات: شوف في إيه يا عشري؟!
تابع سيره نحو الداخل، بينما ذهب عشري تجاه السيده وهو يتساءل: في إيه؟ مين دي وعايزة ايه؟
فرد الأمن متلعثما: الحاجه بتسأل على رشدي بيه.
أومأ برأسه، ثم غادر ليلحق بسليم عند المصعد، توقف بجانبه وقال: بتسأل على رشدي بيه يا ملك.
اوما سليم بعدم اكتراث.
في الجهة الأخرى من المبنى.
توقفت سيارة سوداء لامعة، وهبط منها رشدي بخطوات واثقة، لكن ما إن لمح تلك السيدة عند البوابة، حتى تجمد في مكانه، ارتسمت الصدمة بوضوح في عينيه، فاقترب منها بسرعة، وقبض على ذراعها هامسا بعصبية: أنتِ إيه إللي جابك هنا، تعالي معايا بسرعة.
سارت معه بتردد، وهي تضم حقيبتها الصغيرة إلى صدرها.
عند السيارة، صاح بها بنبرة جافة: إيه جابك هنا؟
أطرقت رأسها وقالت بصوت يخنقه الخجل: معلش يا ابني، حاولت أكلمك كتير، وأنت مبتردش.
زفر بقوة، ومرر يده على وجه محاولا كتم انفعاله: مبردش عشان مشغول، خير؟
ردت بخجل وعجز: والله يا ابني أنا مزنوقة في ستة آلاف جنيه، عندي عملية مياه بيضا في عيني.
انخفضت نظراته للحظة، ثم أخرج محفظته ببطء: مش معايا دلوقتي غير تلاتة كاش، بالليل هبعتلك الباقي.
رفع عينيه إليها، وتساءل بصوت ناعم متردد: قوليلي، جنة عاملة إيه؟
لمعت عيناها للحظة وهي تقول بابتسامة دافئة: زى العسل الحمد لله، وبتسأل عليك ديما، وزعلت إنك المرة اللي فاتت مشيت من غير ماتشوفها، تعالى لها بقى، نفسها تشوفك.
ابتسم ابتسامه دافئة: قوليلها متزعلش وأنا قريب هبقي اجيلها، خلى بالك منها.
ابتسمت بحنو: دى في عنيا.
هز رأسه بتوتر: طيب روحي أنتِ، ومتجيش هنا تاني، فاهمة؟
هزت راسها: حاضر يا ابني.
لكن قبل أن تتحرك، أشار لها بإيده: تعالي هتروحي إزاي؟
السيدة موضحه: معايا توك توك، ابن واحدة حبيبتي ساكنة في الشارع عندنا.
هز رأسه بإيجاب، وتحركت السيدة ببطء، تتعجز على عكازها، ظل رشدى واقفا يتابعها وهي تركب التوك توك وتغادر، أغمض عينيه للحظة، كأن ثقلا قد سقط على صدره لا يعرف كيف يزيحه.
المستشفي، 11:00صباحا
قسم الباطنة.
مصطفى يمر على مرضاه، يمسك التقارير ويقلب صفحاتها بعين يقظة رغم الإرهاق الذي بدأ يثقل ملامحه.
وقف أمام أحدى المرضي، ووضع سماعته برفق على صدره، اصغي للحظات، ثم تساءل: الكحه النهاردة احسن؟
المريض: اه بس لسه بحس بألم.
أجابه بابتسامة مطمئنة: إن شاء الله مع الأدوية هتكون أحسن، ألف سلامة عليك.
وفي تلك اللحظة، ظهرت آلاء تركض عند نهاية الممر بخطوات متعجلة.
اقتربت منه وقالت مبررة من بين أنفاسها الاهثة: أنا آسفة يا دكتور، كنت في الحمام.
رفع رأسه نحوها للحظة، ثم أعادها مرة أخري إلى الأوراق بين يده، دون تعلق فقط هز رأسه بإيماءة قصيرة، ثم تابع فحص المرضى.
ظل يتنقل بين المرضي، والاء معه تجيب على تساؤلاته وتنفذ تعليماته، حتى توقف أمام أحد المرضي ربت على كتفه، وطلب منه أن يتنفس بعمق، ثم أخذ يدون بعض الملاحظات الخاصة به وهو يتساءل: قستي الضغط والسكر لعم محمد النهاردة؟!
هزت رأسها: أيوة يا دكتور.
تساءل: طب أخباره إيه؟
أجابته بعملية: السكر 275 والضغط 110/70
هز رأسه: إديله عشر وحدات إنسولين، وقيسي السكر بعد ساعتين...
ألتفت نحو المريض بإبتسامة خفيفة: ألف سلامة عليك يا حاج.
تحرك بخطوات ثابتة، وآلاء خلفه تنتظر تعليماته، وما إن وصلا عند الباب، ألتفت اليها وتساءل متعجبا: هو مفيش غيرك في الاستاف ولا إيه؟ أنتِ مش كنتي في شفت السهر أمبارح؟ أنا حاسس إني بشوفك كتير اليومين دول.
ضحكت بخفوت ومازحته بإحترام: استحمل بقي، أصلك هتشوفني كل يوم في الأسبوعين الباقين في الشهر.
عقد حاجبه متسائلا: ليه كده؟ شرين شيلتك الشيفتات كلها ولا إيه؟
هزت رأسها نافية: لا، أنا إللي طلبت شيفتات زيادة.
أرتفع حاجباه بدهشة: طب وليه تطلبي كل الشفتات دي؟ ده كتير أوى عليكي؟!
خفضت نظرها، تعبث بطرف الأسكرب: عادي يعني، حضرتك عارف الظروف والعيشة وكده.
تبسم بهدوء وحنو: بس ده غلط على صحتك...
مد يده مشيرا إلى عينيها ووجهها الذي بدى عليه معالم الإرهاق بوضوح: مش شايفة عينيك شكلها عامل إزاي؟ ووشك مرهق جدا، حرام تشتغلي كل ده..
أضاف وهو يزفر ببطء: ده إللي بياخد شيفت سهر بياخد بعده يومين راحة، وأنتِ عايزه تشتغلي اسبوعين من غير ولا يوم راحة، إن لبدنك عليك حق.
أجابته بصوت خافت مرتبك: أصلي محتاجة فلوس.
أنخفض ببصره لحظه، ثم قال بصوت خرج هادئا مشوب بالحنو: طب لو محتاجة حاجة عرفيني، أنتِ زي عائشة أختي.
هزت رأسها سريعا: لالا، شكرا يا دكتور، كتر خيرك.
مصطفي بإصرار: أنا بكلمك جد والله مش عزومة مراكبية.
ابتسمت برقه: عارفة والله، شكرا يا دكتور.
ابتسم بخفة، وتساءل بإستغراب هو يسند جسده على زاوية الحيطة: وبعدين لما بتشتغلي كل دة بتذاكري إمتى؟ مش لسه بتدرسي؟ أنا سمعت من دكتور محمد إنك من أوائل دفعتك!
هزت رأسها موضحة: آه الحمد لله، بجيب الكتب معايا هنا، وبذاكر على قد ما أقدر.
ضحكت ضحكة قصيرة بمرارة مكتومه، وهي ترفع يدها كأنها تبرر عجزها: بتدبر يعني يا دكتور.
هز رأسه بتفكير، ثم أخرج مفتاح من جيبه ومده نحوها، قائلا بحنو: طب بصي، ده مفتاح مكتبي، خدى وروحي ناميلك ساعتين علي الكنبة.
اتسعت عيناها، ورفعت كفيها بسرعة وهي تهز رأسها برفض: لا يا دكتور، مش هينفع والله!
ابتسم قائلا بحزم لطيف: هو إيه إللي مش هينفع؟ أنا الريس بتاعك وبقولك اتفضلي ونفذي التعليمات..
أشار بالمفتاح في الهوا بأمر: يلا أنتِ نص ساعة كمان، وهيغمي عليكى وتبقي محتاجة يعلقولك محلول جنب المرضى!
ضحكت رغما عنها، وتترددت لحظة قبل أن تمد يدها وتمسك المفتاح بأطراف أصابعها: شكرا بجد، مش عارفة أقولك إيه.
مصطفي بلطف: متقوليش حاجة، يلا روحي، تصبحي على خير.
أومأت برأسها بخفة، ثم استدارت تغادر بخطوات سريعة، ظل يتابعها بعينيه حتى ابتعدت، ثم مرر يده على عنقه بتعب، وزفر ببطء، قبل أن يعود إلى مراجعة ملفات المرضي مرة أخري بهدوء وتركيز.
أحد المطاعم الفاخرة، 6:00مساء.
المكان خاليا تماما، وكأنه معد لاحتفال خاص، والموسيقى الهادئة تنساب بخفوت رومانسي.
في الخارج، توقفت سيارة وهبطت منها لوجين وهي ترتدي فستان أحمر أنيق وشعرها منسدل خلف ظهرها.
اخرجت هاتفها وضغطت على اسم لمار صديقتها لتسألها إذا كانت وصلت أم لا ولكن لم تجيب، وفجأة اقترب منها أحد العاملين: لوجين هانم، اتفضلي من هنا لو سمحتي.
نظرت إليه باستغراب، ثم سارت خلفه وهي لا تفهم شيئا، حتى دخلت للدخل، توقفت في منتصف تتلفت حولها بدهشة وارتباك، اختفي ذلك الموظف الذي قادها، وكأنها تركت في مكان معزول عن العالم وحدها.
وفجأة سمعت خطوات خلفها، ألتفتت بسرعة، لتجد ياسين واقفا ببدلتة الأنيقة، وجاذبية حضوره تمليء المكان.
اتسعت عيناها من الصدمة، تحاول فهم ما يحدث !
ياسين موضحا: أنا إللي كلمت لمار واتفقنا تجيبك هنا، وأكيد عرفتي من السوشيال ميديا إني طلقت هبة.
ظلت تحدق فيه للحظات، لا تعرف ماذا تقول.
اقترب منها خطوة حتى توقف أمامها مباشرة، وصوته أنكسر برجاء صادق: أرجوكي مترفضيش عرضي المرة دى يا لوجين، أنتِ طول الفتره اللى فاتت دى مكنتيش بتغيبي عن بالى لحظة، وحاولت على قد ما أقدر ابعد واكون مخلص لهبة...
صمت لحظة، زفر أنفاسه بتعب وتابع بصوت منخفض: لحد لما عرفت إنها أجهضت نفسها، للمرة التانية.
رفعت عينيها نحوه باستنكار ووجع: يعني أنا كان عندى حق لما قولتلك أنك موهوم ومحبتنيش، بدليل أنك قدرت تعيش معاها وسبتها بس علشان أجهضت، فقولت تيجي للبديلة!!
هز رأسه نافيا بسرعه: لا يا لوجين أنتِ فاهمه غلط، أنا لما رجعتلها، رجعت علشان بنتى بعد ما هي نفسها طلبت ده، وبعد رفضك ليا وافقت اديها فرصة علشان بس نالا متعش مشتتة بينا، ومن اللحظه اللى دخلت فيها البيت تاني، حاولت أكون مخلص ليها بقلبي وعقلي، وحاولت اضحك على نفسي واقتنع بكلامك إني موهوم بحبك، بس الحقيقة كانت واضحه وضوح الشمس قدامي أنا مكنتش مبسوط ولا بفكر غير فيكي!!
صمت للحظة، ثم همس وعينيه تغوص في عينيها مباشرة: أنا بحبك يا لوجين، بحبك ومش عايز غيرك، أنتِ البنت إللي عايز أكمل معاها حياتي.
نظرت له بعينين دامعه بصمت، فمد يده نحو جيب بدلته، وفجأة انطفأت الأضواء، ومرت لحظة صمت قصيرة، تبعها أضاءت الأرضية بعبارة ضخمة: Will You Marry Me ثم ركع على ركبة واحدة، وأخرج خاتما لامعا من الماس: تتجوزيني يا لوجين؟
ظلت تحدق فيه للحظة، وقلبها يدق بعنف من الألم والحنين، ووضعت كفها على شفتيها، تحاول كتم شهقاتها، وقالت بصوت مرتجف: مش هينفع يا ياسين...
حاولت الابتعاد، لكنه نهض بسرعة وأمسكها من معصمها، قائلا بنبرة حادة: هو إيه إللي مش هينفع؟! إيه المشكلة؟!
أجابته بحزم باكي: المشكلة أنت عارفها كويس.
ياسين بحدة وضجر: هبة خلاص الموضوع بيني وبينها انتهى.
سحبت يدها من بين يده بشدة: قولتلك قبل كده، أنا عمري ما هبقى الست إللي أخدت راجل من مراته.
رد ببحة رجولية: بقولك طلقتها، طلقتها يا لوجين!
ردت بنبرة مرتجفة: حتى لو طلقتها، كل الناس هتقول إن أنا السبب، وهي كمان هتفتكر كده، وأنا مش هقدر أعيش بالشعور ده.
اقترب منها خطوة، وصوته بدأ ينكسر، كأن كل ما في داخله ينهار أمامها: يهمك الناس ولا أنا؟ أنا إللي بحبك، أنا إللي مش قادر أعيش من غيرك! كفاية إني عارفك، وعارف أنتِ علي إيه، ناس إيه اللى يشغلوكي؟!
أغمضت عينيها، تتنفس بصعوبة، والدموع تترقرق على وجنتيها، همست بصوت مبحوح ممزوج بالرجاء: علشان خاطري يا ياسين، أنا ما صدقت أعرف آخد نفسي، لو بتحبني بجد سيبني وأنساني زى ما أنا كمان بحاول أنساك.
تجمد مكانه، وامسك يديها بعناد، قائلا بصوت مبحوح لكنه صارم: لا مش هسيبك، المرة دي القرار مش قرارك لوحدك، القرار قراري أنا كمان، وأنا مش هسيبك طول ما أنا متأكد إنك بتحبيني وعايزاني زي ما أنا عايزك.
هزت رأسها بوجع لا يوصف: صدقني يا ياسين مش هينفع، أحنا الاتنين حكايتنا انتهت ومش هينفع تتفتتح تاني.
ثم سحبت يديها بسرعة، وابتعدت بخطوات مرتجفة، والدموع تنساب على وجهها.
توقف ينظر إلى أثرها وعيناه تلمعان بدموع محبوسة، كان يعلم في قرارة نفسه أنه لم يخسرها بعد، وأن ما بينهما لم ينته، بل بدأ لتوه معركة جديدة لن يتراجع عنها، مهما كان الثمن.
💞_________________بقلمي ليلةعادل
فيلا سليم وماسة، 7:00مساءا
دخل سليم من باب الفيلا وعشري خلفه، كان يبدو على ملامحه الإرهاق.
استقبلته سحر بإحترام: حمد الله على السلامة يا سليم بيه.
أجابها بتهذب: الله يسلمك سحر.
تساءلت بهدوء: تحب أحضرلك الغدا.
جلس على الأريكة بارهاق قائلا: ماشي بس بسرعه، علشان تعبان وعايز أطلع استريح شويه.
سحر: سلامتك ألف سلامة، تحب أعملك لمون؟
هز رأسه نافيا: شكرا يا سحر، خلصي بس الغدا بسرعة زى ما قولتلك.
اومأت مسرعه: عنيا، هوا والغدا هيكون جاهز.
ثم غادرت مبتعدة وتوجهت نحو الحديقه، فرفع عينه إلي عشري وقال بهدوء: أنا احتمال مخرجش تاني النهاردة.
هز راسه بإيجاب: تمام يا ملك أنا بره، لو احتاجت حاجة كلمني.
ثم غادر بخطوات هادئها، فتنهد سليم وفرد قدمه بارهاق على الأريكه، واسند رأسه علي ذراعها وهو ينظر للسقف بشرود وتعب.
على اتجاة اخر في الحديقة
جلست ماسة على مقعد خشبي قرب ضفاف النيل، تحدق في المياه بشرود، والعديد من الذكريات تعصف برأسها بلا هوادة، فحديثها مع الطبيب أحيا بداخلها أشياء ظنت أنها ستظل كامنه بداخلها إلي الأبد، فهي حقا أصبحت أسيرة بين جدران خوفها، ولم تمتلك الشجاعة بعد للبوح بما يختلج صدرها من ذكريات أليمه، ولكنها أيقنت في قرارة نفسها أن الطبيب على حق، وأنا أولي مراحل شفائها تكمن في تحررها من قيود خوفها تلك، ولكنها لا تعرف كيف يمكنها فعل ذلك؟!
قاطع شرودها، تساؤل سحر وهي تقترب منها: ماسة هانم، هتتغدي مع سليم بيه؟
ألتفت إليها، تتساءل بلهفه: هو سليم رجع؟
أومأت بابتسامة: آه لسه جاي من شوية، وقالي احضرله الغدا، وشكله تعبان خالص.
زفرت باختناق، قالت بصوت خافت: طب اعملي حسابي، هاكل معاه.
هزت رأسها بخفة، وغادرت تاركتها وحدها مع أفكارها المتشابكة.
على اتجاة اخر عند سليم.
كان سليم لايزال ممددا على الأريكه وهو شبه نائم، أقتربت منه ماسة بابتسامتها الرائعة، توقفت بجانبه وانحنت بجسدها ومسحت على وجهه بنعومة: حمد لله على سلامتك يا حبيبي.
فتح عينه ببطئ ونظر لها بإستغراب متعب وصمت، فرفعت كفها ومسحت على شعره مرورا بخده بنعومة وحنان: شكلك تعبان يا حبيبي.
هز راسه إيجابا بصمت غريب، فزادت من ابتسامتها وأمسكت يديه وسحبته من كفه وجعلته يجلس أمامها مباشرة، كان يتحرك معها بصمت واستسلام غريب.
وفجأة وضعت أحد ذراعيها فى منتصف ظهره، والآخري خلف رأسه، وجذبته اليها تضمه بحنان، حتى اسند رأسه على صدرها، وظلت تربت على ظهره وشعره بحنان لدقائق، بينما كان هو هادئ صامت ينظر لإمام بحزن وقلب يخفق بشدة.
قاطعت ذلك الصمت، وهي تتساءل بحنان واهتمام: ها يا حبيبي بقيت أحسن دلوقتي؟
هز رأسه ايجابا وقال بصوت مبحوح: مش بنسى تعبي غير جوا حضنك.
فقالت وهى مازالت تربت على ظهره بحنان: أنا حضني ديما مفتحولك، تيجي وترمي فيه تعب الشغل والأيام وهمومك، أنا جنبك يا حبيبي.
رفع نظره اليها وهو مازال داخل أحضانها، وقال بنبرة محشرجة: ممكن متعمليش فيا كدة؟
تساءلت بابتسامه: معملش إيه؟
أبعدها قليلا، وقال بحزن ووجع وهو ينظر داخل عينيها بعينين لا ترمش: الحاجات إللي بتمناها في الحقيقة متديهاليش في الخيال.
ابتسمت مع أخر كلمة، قالت معلقة: بس أنا مش خيال أنا حقيقة، ليه كل مرة تقولي كده؟!
هز رأسه نافيا بوجع، وعينين تترقرق بالدموع: علشان بتطلعي حلم، وأمنية نفسي أحققها، كل مره بتقولي إنك حقيقة وتعشميني إنك حقيقة، ولما بفتح عيني بلاقيكي أمنية، بس أمنية اتحققتلي جوة حلم، دلوقتي سحر هتيجي وتصحيني وهتمشي وتسبيني زي كل مرة بتمشي وتسبيني لوحدي ضايع وموجوع.
اقتربت منه، وقربت وجهها من وجهه وهى تركز النظر داخل عينه: يمكن المرة دي أكون بجد!
هز رأسه نافيا بنبرة محشرجة وعينين تملأها الدموع: تؤ، أنتِ حلم، إحنا جوة حلم، هو أنتِ ليه بتطلعيلي في كل أحلامي؟! ليه وجعالي قلبي في الحقيقة ووجعهولي كمان في أحلامي؟
قالت بتعجب: أنا بوجعك في أحلامك! بس أنا بحس إني في حلمك ببقى زى ما بتحبني؛ ماستك الحلوة قطعة السكر.
هز راسه بوجع وعينين اغرورقت بدموع: بس لما بتسبيني بتوجعيني، لما بتديني الحاجات إللي بتمناها في الحقيقة في الحلم بتوجعيني.
رفعت أحد حاجبيها بأنثوية وهمست: طب ما يمكن دي إشارة؟
ضيق عينه بتعجب: إشارة إزاي؟!
قالت بتأكيد: إشارة إنك تفضل عندك الأمل إن إحنا نرجع زى زمان، إشارة إنك تفضل متمسك بيا ومتزهقش ولا تحبط.
نظر لها بصدمة بإتساع عينيه وقال بصوت مبحوح: نرجع!!! هو إحنا ممكن نرجع زى زمان؟!
اومات براسها: أمم ليه لا.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة تمني، وقال بوجع ممزوج بالأسي: يارب نرجع.
ارتسمت إبتسامة واسعة على شفتيها: بس كدة، أفضل قول يارب.
هز رأسه عدة مرات بدمعه سقطت من احد عينا: مبقولش غيرها ولا بدعي غيرها.
ابتسمت وأخذت تمسح على وجهه، مدت وجهها وقبلته في عينه عند دمعته التى هبطت.
جذبها نحو أحضانه، يعانقها بشدة وهو يقول برجاء حزين، ووجع خنق صوته: متمشيش خليكي شوية كمان معايا، المره دى مش عايز أصحى، خليكي شوية كمان أرجوكي، متمشيش مش عايز أصحى، خليني.
وهنا نشاهد سليم وهو نائم مغمض العينين ودموعه تهبط على وجنتيه، ويخترف بصوت مؤلم: متمشيش خليكي شوية كمان متمشيش، متسبنيش خليكي معايا، متسبنيش لوحدي.
في هذه اللحظة دخلت ماسة من الباب الزجاجي للحديقة، وأثناء اقترابها انتبهت لنوم سليم وخترفته أثناء نومه، فاقتربت منه ومدت يديها، تحاول ايقاظه: سليم .. سليم
فانتفض وفتح عينه، وظل يحدق بها بصمت وحيرة موجعه، لا يعلم أهي حقيقة أم أنه مازال داخل حلمه المؤلم.
تساءلت بقلق: سليم أنت كويس؟! أنت كنت بتحلم! مين دي إللي متسبكش؟
ظل ينظر اليها بصمت، لا يعلم كيف يتأكد أنه أستيقظ من حلمة الحزين، فهي حتى في حلمه تقوم بلمسه.
ماسة معلقة: بتبصلي كده ليه؟!
مسحت باناملها على لحيته بحنان: أنت كويس؟!
نظرت له لثواني تنتظر إجابته لكنه ظل صامتا مسلط بعينين يغلبها الأسي، فزفرت بضيق وهي تتحدث من بين اسنانها بوجع: هتفضل برضه مبتردش عليا؟! تمام براحتك.
تركته ورحلت ونادت بصوت عالي: سحر فين الغدا.
في هذه اللحظه تأكد أخيرا أنه أستيقظ وأصبح الآن على أرض الواقع، فتوقف وقال مفسرا: معلش كنت بحلم.
ثم تحرك خلفها وهو يمسح دموعه الساخنة بألم
السفرة
حتى جلسا على السفرة،وبدءا في تناول الطعام بصمت ثقيل، كأن الهواء بينهما مشبع بما لم يقل بعد.
وأثناء تناول الطعام كانت تنظر له من طرف عينيها من حين لآخر، يبدو أنها تريد أن تسأل عن شيء، لكنها تخشى ألا يرد عليها.
لكنها لم تستطع الانتظار أكثر، فتنهدت ونظرت له وقالت بتساؤل مرتبك: هو أنا لو سألتك علي حاجه هترد عليا ولا هتفضل برضه ساكت وهتقولي مش عايزه اتكلم.
رمش بعينيه قليلا وهو يتناول الطعام، ثم تنهد قائلا: قولي عايزة إيه؟!
تساءلت بحذر: أنا ملاحظة إن مشيتك رجعت تبقي بطيئة تاني، أنت بطلت تعمل علاج طبيعي عليها ولا إيه؟
لم يجب، فقط رمش بعينيه وتابع تناول طعامه، فنظرت له بتركيز: سليم أنا بكلمك! أنت هتفضل كل ما أكلمك متردش عليا كده، ده مش أسلوب.
رفع عينيه نحوها وقال بفتور: أنا كويس.
تساءلت بإهتمام: طب أنت بتروح العلاج الطبيعي بتاعك؟
نظر أمامه وقال بنبرة خالية من أي روح: اه بروح.
دققت النظر فيه، وضيقت عينيها بشك، ثم قالت بإبتسامة: خلاص المرة الجاية هاجي معاك..
تساءل ببرود وفتور: وتيجي معايا ليه؟
بابتسامة رقيقة، وعيناها تلمعان بوميض خافت: مش جوزي ولازم أطمن عليك؟
فور سماعه تلك الكلمة، رفع نظره اليها وظل يتأملها بصمت وعيناه تموجان بوهج حزين، فهي الآن تريد أن تطئن عليه وتمنحه مشاعر يشتاقها ويتمنى لو يمكنه البقاء فيها، ولكنه يخشي تصديقها والاستجابة لها، يعلم أن في اللحظه التي تليها ستسلبه تلك المشاعر كما لو لم تكن موجودة من الأساس.
فهو لم يعد يطيق ذلك، لا يريد أن يظل ضحية تقلباتها، لا يريد بقايا مشاعر تعطى وتسحب كيفما تشاء، كأنه لعبة بين يديها !!
أخرج أنفاسا متعبة، وأطرق رأسه قليلا قبل أن يقول بصوت خافت مثقل بالتعب: وبعدين يا ماسة؟
مالت برأسها قليلا، تتساءل باستغراب: هو إيه إللي وبعدين؟
رفع نظره نحوها، وقال بصوت مبحوح متعب كأن كل كلمة تخرج بثقل من صدره: إللي أنتِ بتعمليه ده، آخرته إيه؟ دلوقتي افتكرتي إني جوزك وعايزه تطمني عليا؟! هو مش من كام يوم كنت الوحش إللى بيستغل نسيانك وبرائتك علشان يوصل لملاذاته؟!
علا صوته قليلا، وأضاف بحدة: بتهتمي بيا ليه دلوقتي؟! عايزة إيه من الوحش إللى بيستغلك وكان قاصد يخدعك؟!
حاولت التبرير بنبرة مرتبكه وعينين تترقرق بالدموع: أنت اللي مش قادر تفهمني يا سليم، أنا مكنتش أقصد كده، أنا..
قاطعها بنظرة حادة، وصاح بنبرة لازعة: لا أنا فاهم قصدك كويس أوى.
حاولت تهدئته قائلة: طب أنت بتزعق ليه دلوقتي، أنت شايف إن دى أسلوب للمناقشة؟!
صاح بها، وكأنه لم يعد يستطيع التحمل أكثر: أنا هتكلم زي ما أنا عايز لإني خلاص، تعبت..
ثم ضرب بكفه على الطاولة، وصوته أرتفع أكثر: أحنا لازم نحط نهاية للعيشة إللى أحنا فيها دى! أنا مش هفضل كل يوم أصحى ومش عارف الدقيقة الجاية ماسة ناوية على إيه!
صمت لحظة، ثم أكمل بصوت مبحوح خافت: أنا مش هقبل بالوضع ده تاني، مش هقبل بأنصاف المشاعر دي تاني.
تجمدت في مكانها لوهلة، لم تفهم ماذا يقول، فتساءلت باستنكار: يعني ايه أنصاف مشاعر؟!
أجابها ونبرة صوته تتعالي مع كل كلمة بحده موجوعه: يعني شويه تبقي لطيفة وتسألي عليا، وتمدي إيدك تساعديني زي أي زوجة، وفي اللحظه اللى بعدها لو عملت حاجة مش على هواكي، ترفضي وتقولي اصبر عليا أنا لسه متخطتش!
مرر أصابعه في شعره بعصبية، واضاف وهو يزفر: أنا أصلا مبقتش عارف إيه إللي مقبول وإيه إللي مفروض بالنسبه لك؟ وحتي المقبول عندك بعد شوية بيبقى مرفوض! على حسب حالتك ومزاجك.
نظرت إليه بارتباك، وحاولت الرد دفاعا عن نفسها، ولكنه قاطعها بأشار من يده، وتابع بنبرة خافتة، كأن الحديث اصبح يخرج من وجع صادق: يعني دلوقتي حنينة وبتطمني عليا علشان تعبان، ولو اتجاوبت مع حنيتك ومسكت إيدك ممكن تتقبليها عادى، لكن لو نسيت نفسي وحضنتك، أو حتي بوستك هترفضي وتنزعجي، وتقوليلي اصبر عليا يا سليم أنا لسه متخطتش! وأنا المفروض بقي اتعامل عادى كأن مفيش حاجه حصلت؟! وأرجع تانى اطبطب وأدادى علشان ماسة موجوعة ومش قادرة...
اهتزت نبرة صوته، وحاول تمالك دموعه كي لا تخونه وتهبط من شدة الوجع الذي يشعر به: وأنا إيه بقي حجر مبحسش ولا بتوجع؟! أنتِ بس إللى بتتوجعي، وأنا ايه طوبة مبحسش!!!
رفع نظره إليها بثبات مكسور، وواصل بحدة مكتومة: إيه الحياة دي يا ماسة؟ نمشي على سطر ونسيب سطر؟ هنعيش بكتالوج اسمه "اللمسة المسموحة" و"اللمسة الممنوعة"؟
عاد بظهره على الكرسي بتعب، تنهد وهز رأسه برفض: أنا مش هعيش كده، ومش هقبل دي تانى.
كانت تستمع اليه بوجع يقطع نياط قلبها بصمت ثقيل، رفعت عينيها الدامعه نحوه وقالت بنبرة مهتزة: مش الدكتور قال..
قاطعها بإشارة حادة، وصوته ارتفع بخشونة متعبة: لأ، متجيبيش سيرة الدكتور! أنا مش عايز أسمع اسمه، الموضوع بيني وبينك.
نظرت له بدموع تهبط من عينيها تحاول التوضيح بنبرة مخنوق: يا سليم أنت عارف إني لسة تعبانة ومش عارفة أتخطى إللي حصل، ليه مش عايز تصبر وتديني فرصة اشفي من اللي حصلي.
تنهد وصمت لوهلة وكأنه يأخذ أنفاسه، قال بنبرة يملؤها الضيق والوجع: عشان تعبت يا ماسة ومش شايف أي حاجة تحسسني بأمل، أنتِ لسة واقفة مكانك، مبتحاوليش تتقدمي خطوة، بتدوري في نفس الدايرة! وأنا خلاص تعبت، ومش قادر أتحمل أكتر من كده، يأما تخرجي من الدايرة إللى عمالة تلفي فيها حوالين نفسك وتديني مشاعر كاملة، يأما تحطي حد لكل إللى أحنا فيه ده د، لإني مش هقبل منك بأنصاف مشاعر، ولا هحاول لوحدي تاني في علاقة حاسس إن أنا بس إللى متمسك بيها.
نظرت إليه بعينين تغيم فيهما المرارة والحسرة، وقالت بنبرة مليئة بالأنين: أنت مش قادر تفهم يا سليم إن في حاجات جوايا اتكسرت، وصعب إن هي تتصلح بسهولة.
تقلص فكه، ومال برأسه نحوها قائلا بأصرار ووجع: بتتصلح يا ماسة، بيتصلح لو أنتِ عايزاها تتصلح.
ارتسمت على شفتيها إبتسامة موجعه، وهزت راسها نافيه بألم: لا يا سليم إللي بيتكسر صعب يتصلح تاني.
مال بجسده نحوها بعينين يملئهما الإصرار: علشان أنتِ مجربتيش تصلحيه أصلا.
صمتت للحظة، تحدق فيه بصمت مشحون، وهي تتأمل حديثه الذي لايزال يطن في أذنها، بادلها النظرة بثقة هادئة بعين لا ترمش، فأشاحت بنظراتها بعيدا عنه ونظرت للفراغ بصمت وشرود وفي لحظة عابرة وقعت عيناها على مزهرية تقبع في آخر المائدة.
فنهضت بهدوء غريب، تتحرك ببطء محسوب نحوها، بخطوات ناعمة لكنها حازمة، وسليم يتابعها بعينيه، يحاول أن يقرأ ما تنوي فعله.
اقتربت من آخر المائدة، مدت يدها وأمسكت بالمزهرية الزجاجية، نظرت إليها لثواني، كأنها ترى انعكاس نفسها فيها، ثم فجأة وبدون أي إنذار، رفعتها وألقتها أرضا.
تحطمت المزهرية إلى قطع مختلفة الأحجام، فرفع عينيه نحوها مذهولا، لا يدري أتعلن الحرب، أم تختبر صدقه؟
نظرت إليه بثبات ونبرتها خرجت حاسمة وهي تشير نحو الأرض: لو عرفت تصلح الفازة دي، وترجعها زي ما كانت، ساعتها هصدق إن إللي اتكسر ممكن يتصلح وهنفذلك كل إللي أنت عايزه.
صمت للحظة يتأملها بصمت، تنفس بعمق وتحرك نحوها بخطوات واثقة، هبط ببطء جلس جلسة القرفصاء يتأمل قطع الفازة المتناثرة، مد يده وأمسك إحدى القطع، ثم رفع رأسه نحوها، وفي عينيه بريق تحدي.
تساءل بتعجب ممزوج بأمل عاشق: يعني لو رجعتها زي ما كانت، هتديني فرصة حقيقية؟
هزت رأسها بتأكيد: آه.
نهض ببطي وتوقف أمامها مباشرة قال بغموض: موافق، بس بشرط.
ابتسمت بتعجب وهي ترفع أحد حاجبيها مستنكرة: شرط؟ شرط إيه بقى إن شاء الله؟
ارتسمت على شفتيه إبتسامة جانبية، ومال للأمام قليلا، ووضع كوعه على المائدة وهو ينظر لها بثقة وتحدي: هتديني فرصة لمدة يومين ٤٨ساعة، تسمعيي فيهم كلامي، وأي حاجة هقولها هتقولي حاضر من غير مناقشة أو جدال.
ضحكت بخفة ساخرة، وسارت نحوه خطوة قصيرة مستخفة، استندت هي الأخرى كوعها على المائدة أمامه: يومين بس؟ تفتكر هتقدر تقنعني في يومين؟
نظر لها بثقة، وعيناه لا تتركان وجهها، أجابها بتحدى وثقة: هقدر، بس يبقى قلبك وعقلك مفتوحين ليا من غير عند، وتسمعي كلامي وتعملي كل حاجة أنا عايزها وبس، متفقين؟
رفعت حاجبها باستغراب واضح، وقالت بنبرة فيها تهكم خفيف: أيوة يعني، أفرض طلبت أو قولت حاجات مينفعش أعملها؟
ابتسم بثقة خفيفة مستفزا أياها: لا ده شرط ولازم يتقبل، ولا أنت مش قد التحدي إللي بدأتيه.
ضحكت بسخرية، وأزاحت شعرها عن وجهها: أنا عمري ماشوفت حد بيطلب فرصة ويتشرط!
قرب وجهه من وجهها وقال باستفزاز: أنتِ إللي قولتيلي لو عرفت تصلحها، هديك الفرصة وهعمل كل إللي أنت عايزه، بتغيري كلامك ليه؟!
انتصبت في وقفتها، ونظرت له بثبات وهي تشدد على كلماتها: ماشي موافقة بس أنا كمان عندى شرط!
رفع أحد حاجبيه متسائلا: شرط إيه؟!
بارتباك وحسم: هسمع كلامك في كل حاجه، بس من غير لمس.
قطب حاجيبيه بعدم فهم: مش فاهم، يعني إيه من غير لمس؟
رفعت كتفيها لأعلى، وخرج صوتها مهتز قليلا بخجل: يعني من غير لمس، كلامي مفهوش معنى تاني يا سليم.
ضحك بخفة فيها لمحة غزل، وقرب وجهه من وجهها بشدة حتى اختلطت انفاسهما، وعيناه عالقتان بعينيها: طب أنا هذممك ذمة، يعني القمر ده يبقى قدامي، ويقرب مني، وأنا أقوله مينفعش؟ أكيد لأ يعني، ده حتى يبقى عيب في حقي..ثم غمز لها.
تبادلا النظرات للحظة وتسارعت أنفاسها من ذلك القرب فابتلعت غصتها، وأبعدت عينيها بسرعة، واتلفتت بجسدها قليلا لتبتعد عن وهج قربه، وصوتها خرج متوترا: أنا مستحيل أقرب منك أصلا، لو سمحت ده شرطي.
ضحك وأخذ نفسا عميقا، وقال بنبرة صادقة وهو ينتصب: ماشي أنا مش هقولك لأ، بس ليكي وعد مني، أنا عن نفسي مش هقرب، غير لو استأذنتك، وأكيد لو أنتِ إللي قربتي مش هضيع عليا الفرصة يا قطعة السكر.
نظرت له بارتباك واهتزاز لثواني وهي تبعث في سلسلتها، ثم شاحت بوجهها مرة أخرى ونظرت أمامها.
ابتسم سليم الذي يفهمها جيدا، وقال بنبرة مازحة: في حاجة تانية مش عايزاها؟ شوفتي أنا ديموقراطي إزاي؟
نظرت لأعلى بتفكير ثم قالت بحسم: لا مفيش حاجة تانية.
ابتسم بحسم وتحدي: تمام يبقى بكرة الفازة هتبقى عندك وهتبقى أحسن من ما كانت.
نظرت له بشك وقالت بنبرة ساخرة: واثق من نفسك أوي؟
قرب وجهه من وجهها حتى صار بينهما نفس واحد، عيناه ثابتتان لا تهربان: أيوة واثق، زي ما أنا شايفك قدامي كده، يا ماستي المتمردة.
صمتت للحظة وهي ترمقه بنظرة ذات معنى: وأفرض خسرت؟ هتعمل إيه؟
صمت لحظة، كأن السؤال لم يخطر بباله من الأساس، نظر بعيدا، ثم عاد إليها بثبات مصطنع: هنفذلك إللي أنتِ عايزاه مهما كان.
تساءلت وهي تنظر داخل عينه وكأنها تختبره: مهما كان؟!
اوما براسه، وقال بنبرة مهتزة وهو يبتلع غصته: مهما كان.
تبادلا نظرات طويلة صامتة، قبل أن تبتسم ماسة بخفة ساخرة: تمام ويا سيدي لو عرفت تعملها، هديك ٣أيام لا لا، أسبوع جدعنة مني!
رفع حاجبه باستغراب وسعادة مبطنه: أسبوع؟ متأكدة؟
هزت رأسها إيجابا وهي تضع كفها على خاصرتها بتحدي ممزوج بدلال: اممم، بس أنت واثق من الفوز؟ يعني ممكن تستنى يوم اثنين مش لازم بكرة قصادك وقت.
ابتسم بخفة وقال بثقة خافتة: سليم مبيخسرش قولتلك بكره يبقى بكره، المهم أنتِ مترجعيش في كلامك.
بثقة وعيناها تتأمل ملامحه بثبات مريب: وماسة مبترجعش في وعدها، زي سليم.
مد يده نحوها، بابتسامة ثقة: يبقي متفقين، بكرة الفازة هتكون عندك.
نظرت إلى يده لوهله، ثم مدت يدها وصافحته بإبتسامة: اتفقنا.
أخرج نفسا عميقا وجلس من جديد على مقعده، وتناول طعامه بهدوء تام، بينما كانت هي تراقبه بنظرات متقطعة، تستغرب سكونه وثقته وكأن شيئا لم يحدث؟!
رفع عينه اليها باستغراب: يلا أقعدي كملي أكلك، بتبصيلي كده ليه،؟!
هز رأسها وهي تتجه نحو مقعدها: لا، مفيش.
جلست في مكانها، كانت تسرق النظرات اليه بين الحين والآخر، تتأمله في دهشة من هدوئه وثقته الغريبة، لكنها علي أي حال سعيده بإذابة جليد صمته الذي كان يثقل قلبها بشدة.
بدا سليم أكثر سكونا من أي وقت مضى، ربما لأن الأيام الماضية أنهكته بشدة، لكن الليلة تحديدا كان كل شيء مختلفا.
وحين انتهى من طعامه، نهض يجمع القطع المكسورة ونظر إليها مبتسما بخفة: أشوفك بكرة يا ماستي الحلوة.
غمز لها وخرج، فتابعته ماسة بابتسامة صغيرة، ورغم تمردها إلي أن بداخلها أمنية صادقة أن ينجح فيما يحاول فعله.
وبالفعل ذهب سليم إلى إحدى الورش التابعة لهم، وجلس أمام الطاولة، ووضع القطع أمامه، أخذ نفسا عميقا وبدأ العمل، كانت ملامحه مركزة كمن يرسم لوحة فنية، يلم القطع بيدين ثابتتين كأنه يجمع بازل، لم يكل اويمل، والساعات تمر دون أن يشعر، كل ما يريد أن ينهي ما بدأه، وأن يكسب ذلك الرهان، أو تلك الفرصة الأخيرة.
حي المرج، 9:00 مساء.
مظهر عام حيث شوارعه التى تعج بالحياة؛ المحلات الصغيرة، الزحام المستمر، التكاتك التي تتنقل بين الأزقة، محطة المرج القديمة، وبعض الأطفال يركضون بين السيارات والمارة.
احد الشوارع
منزل قديم يشبه بيوت الطبقة الشعبية، شقة بسيطة تتكون من غرفتين وصالة، أثاثها البسيط ودهانها المقشر يعكس فقر ساكنيها، لكن رغم ذلك كانت نظيفة ومرتبة.
دخلت آلاء بملامح مرهقة، وهي تحمل أكياس الخضار، وضعتها على الترابيزة قبل أن تتجه إلى إحدى الغرف.
داخل الغرفة
والدتها (انهار) ممددة على السرير، امرأة في الخمسينيات، تبدو متعبة، وعلى الكومودينو بجانبها مجموعة كبيرة من الأدوية.
آلاء بإبتسامة بشوشة: مساء الخير.
رفعت عينيها نحوها: حمد لله على سلامتك يا آلاء، عاملة إيه يا ضنايا؟! كده يا آلاء يومين مشوفكيش؟
جلست بجانبها بارهاق وهي تزم شفتيها بقلة حيلة: أعمل إيه بقى يا ماما، ما أنتِ عارفه اللى فيها، اضطريت أخد اليومين سهر ورا بعض علشان الكلية، المهم قوليلي عمتي جاتلك؟!
ابتسمت، وقالت بدعاء: عمتك ربنا يكرمها والله جت وعملتلي الأكل، وقعدت معايا شوية ولسة نازلة...
دققت النظر في ملامحها المرهقه، واضافت بتأثر: بلاش تقسي على نفسك في الشغل يا آلاء.
آلاء بتوضيح ورضا: أعمل إيه؟! ما أنتِ عارفه العيشه بقت غاليه أزاي، دى الحمد لله إني لقيت الشغل دى، غيري مش لاقيه.
ربتت انهار على قدميها بحنان وغلب: بس يا بنتي تعب عليكي أنتِ وشك بقى قد اللقمة، بقولك إيه، وفري تمن الأدوية الكتير اللى بتشتريهالي، وحوشيلك يا بنتي القرشين دول وحطيهم في البوسطة علشان لما ربنا يكرمك بابن حلال، تعرفي تشتريلك جهاز وتتجوزي، وأنا سيبيني اديني عايشه أهو لحد ما ربنا يفتكرني.
اتسعت عينا آلاء واهتزت شفتيها وهبطت دموعها فجأة: أوعي تقولي كده تاني يا ماما، والله العظيم هزعل منك، أمال أنا هعيش لمين، أنا لو هلحس الأرض كدة علشان اجيبلك علاجك وتبقي كويسة هلحسها، هو أنا عايشه غير بحسك، ربنا يديكي الصحه وطولة العمر وميحرمنيش منك ابدا..
مسحت دموعها، وابتسمت رغما عن وجعها وعجزها وقالت بخفة: المهم أنا قبضت النهاردة، وجبت شوية حاجات للبيت، وجبتلك الدوا، وعديت على خالتى سعاد دفعت إيجار شهرين، وأنا طالعة خبطت علي أم صفاء ادتها فلوس النور والمياه، لحسن ابنك ياخدهم، وسبت معاها ٤٠٠ جنيه زيادة، علشان لو احتاجتي حاجة وأنا في الشغل تجيبهالك.
تنهدت أنهار بمرارة: منك لله يا محمود، مش ابني بس ربنا ينتقم منه ويخلصنا منه.
سألتها بقلق: عمل حاجة تاني ولا إيه؟
أجابتها بتعب وحزن: عمله أسود ومنيل، جه وعمل مشكلة وفضل يصرخ ويزعق وبهدل الدنيا لما ملقاش فلوس، وأخد 100جنيه إللي أنت كنتي شايلاها.
آلاء بعدم اكتراث: أنا إللي سبتهم هنا أصلا علشان عارفة إن هو هييجي يعمل الحوار ده، يغور بيهم بقى ويسكت، وحقك عليا أنا لو طول لسانه عليكي.
زمت شفتيها بأسف: ما هو هييجي ويشوف الحاجة إللي أنت جبتيها والدواء.
آلاء بهدوء وضجر: إبنك مادام جه وملقاش فلوس وأخد ال100جنيه، يبقي مش هتشوفي وشه، ربنا يخلصنا منه بقى.
ابتسمت بحنان رغم التعب: ربنا يكرمك يابنتي، بعريس كويس يهتم بيكي ويقف جنبك، ويبعد عنك كل شر.
ضحكت بحزن وقالت بإستهجان: وأنا هيجيلي عرسان كويسين علي ايه؟! مش هيجيلي غير الشمامين إللي زي ابنك القمارتي، العريس الكويس هيهرب أول ما يعرف إللي أخويا بيعمله فينا،محدش هيرضى بواحده زي.
أنهار بحزن وهي تربت على قدميها: يا بنتي، أنا بدعيلك دايما، وراضية عنك، وأبوكي الله يرحمه كان راضي عنك، وأنتِ بنت كويسة وألف مين يتمناكي، ليه بتقولي علي نفسك كده؟
تنهدت وقالت بنبرة مهتزة ودموع ترفض الهبوط:
بقول الحقيقة والواقع يا ماما، الراجل لما بيجي ياخد واحدة، بياخد معها أهلها، وبيبص أهلها مين، وابنك بتاع مشاكل، محدش هيحب يتجوز واحده اخوها قمارتي وحشاش، ويجيب لنفسه وجع الدماغ؟
تنهدت أنهار بضيق وعجز، فحاولت الاء تغير الموضوع قائلة: بقولك إيه أنا تعبانة وهموت من الجوع، أعملك أكل معايا؟
أنهار موضحة: لا يا حبيبتى أنا أكلت، مش بقولك عمتك عملتلي الأكل وأكلتني وادتني العلاج قبل ما تمشي.
آلاء وهى تنهض بتعب: طب هروح أكلي لقمة وأنام علشان مش قادرة، تحبي أعملك حاجه؟
أجابتها بحنان: لا يا حبيبتى تسلمي، بس قوليلي مرتاحه في شغلك الجديد؟
ابتسمت بسعادة حقيقية: آه الحمد لله، والدكتور إللي شغال معايا، دكتور مصطفى، ربنا يبارك له محترم أوي، وزعق لشيرين علشان خصمتلي.
ابتسمت بحنان: شوفتي بقى كلها دعواتي ليكي، ربنا يحبب فيكي خلقه ويفتح لك أبوابه ويبعد عنك كل شر ويوقفلك ديما ولاد الحلال يارب، يلا، روحي غيري هدومك وكليلك لقمة، أنتِ شقيانة!
خرجت آلاء بالفعل، وابدلت ملابسها، وتناولت الطعام، ثم استسلمت لنوم عميق، بعد تعب يومان بدون راحة.
في الورشة، 4:00فجرا
انتهى سليم أخيرا، من إصلاح الفازه، لكن لم نر كيف أصلحها، لكنها بين يديه الآن صارت مختلفة، وكأنها ولدت من جديد، فابتسم بهدوء ولمعت عينيه بنظرة انتصار حقيقي، لملم متعلقاته وعاد إلي الفيلا.
وبعد قليل، دخل غرفتها يحمل بين يده الفازة وهي مغطاة بورق أحمر وفيونكة وضعها على الطاولة، ثم جلس على المقعد أمامها يتأملها بعينين تفيضان عشقا.
مر الوقت، وأصبحت الساعه تشير إلي 8:00صباحا.
بدأت ماسة تتململ على الفراش، فارتسمت على شفتيه إبتسامة واسعة، فتحت عينيها بتثاقل، فرأته يجلس على الأريكه أمامها بابتسامه: صباح الخبر.
دعكت عينها، وتساءلت بنبرة ناعسة: صباح النور؟ قاعد كدة ليه؟!
سليم بهدوء: مستنيكي، يلا قومي أغسلي وشك.
هزت رأسها ايجابا وهي تتثائب، نهضت بتكاسل ودخلت الحمام، فقام بفك تغليف الفازة ووضعها على الطاولة، وبعد دقائق خرجت بخطوات هادئة، وفجأة توقفت بانبهار، حين وقعت عيناها علي الفازة التي أعادها سليم أجمل مما كانت عليه؛ كانت القطع المتكسرة تلمع وهي متحدة معا بخطوط دقيقة من ماء الذهب، تتخللها فصوص ألماس صغيرة.
تقدمت ببطء، وأمسكتها بإنبهار: تحفة! حلوة أوي، متقولش إن دى الفازة بتاعة إمبارح؟
هز راسه قائلا بنبرة فلسفية: هي بس بعد التجميل، زمان كانت تسوى حاولي 2000جينه، دلوقتي تسوى مليون ونص، مقصدش من كلامي القيمة المادية بس أقصد القيمة إللي اكتسبتها لما اتصلحت، هي زمان كانت مجرد فازة عادية لكن دلوقتي بقت أجمل وأفخم وليها قيمة..
دقق النظر في ملامحها بثقه: فهمتي بقى إن إللي بيتكسر ممكن يتصلح ويرجع أجمل وأحسن من الأول، لو أحنا عايزين كده.
أضاف بابتسامة جانبية: أعتقد أنا كده كسبت.
هزت رأسها: أه كسبت، مش هنكر إنك رجعتها أجمل من زمان، بس أنا لسه مش مقتنعة إن القلوب أو الأشخاص ممكن يتصلحوا كده، عموما ألف مبروك أنا ملكك اتفضل قول عايز ايه؟
ضحك وأشار بيده بمداعبة: لا معلش أنا منمتش طول الليل، هروح أنام ولما أصحي نبقي نبدأ اللعبة بتاعتنا، أصل أنا مستحيل أضيع مني ثانية في الأسبوع ده.
ضحكت بخفة: واضح إنك ناوي تاخد حقك أوي.
رد بثقة يستفزها: طبعا، أوعى تتحديني تاني يا ماما، لأني هكسبك، كان غيرك أشطر، التحديات دي لعبتنا، وأنتِ لسه في كي جي وان! يلا هروح أنام ونلتقي بعد الفاصل، وياريت تكوني لابسة الفستان الأحمر إللي بحبه.
تساءلت: مش هتفطر؟
مازحها باستفزاز: لا أنا واحد كسبان، مش هفطر مع خسرانين، باي يا خسرانة.
شعرت بالغيظ فعضت على أسنانها وهي تراقب ابتعاده، وفجأة قفزت على ظهره، ولفت ذراعيها حول عنقه وساقيها حول خصره من الخلف، ثم عضت خده بقوة.
صاح بألم وتعجب: آااه! إيه ده يا ماسة؟ أنتِ اتجننتي؟!
ضحكت وهي مازالت تعضه: علشان تبطل تغيظني
حاول تخليص نفسه منها، لكنها كانت متشبثة به بقوة، تعضه وتضحك، فصاح: أوعي! بلاش هبل! آااه يا ماسة، بتعضي جامد بس!
بوعيد طفولي: والله ما هسيبك عشان تقولي خسرانة وتغيظني كويس!
صرخ ضاحكا، ولفها بين ذراعيه وألقاها على الفراش برفق، وأخذ يزغزغها من كل ناحية، فبدأت تتلوى وتصرخ: خلاص يا سليم! بطل! آااه!
حاولت الدفاع عن نفسها، تضربه بكفيها تارة، وتعض أذنه تارة أخري
صرخ ضاحكا: آااه! ودني!
ضحكت أكتر، وشدت شعره وهي تقول وسط الضحك: تستاهل! عشان تغيظني كويس!
حاول إمساك يديها، وهو يضحك بقوة: يا عضاضة! بطلي عض.
كانت متشبثة به بعناد طفولي، تضحك وتقاومه، وكلما زغزغها ردت عليه بعضة صغيرة أو ضربة خفيفة.
امتلأت الغرفة بضحكاتهما المتداخلة، بين صراخها الصغير وضحكه العالي، وحركاتهما السريعة بدت كأنها معركة دافئة بين طفلين يتشاكسان.
وحين شدت شعره للمرة الثانية، صاح ضاحكا: خلاص! استسلمت! دي حرب مش هزار!
ضحكت وهي تلهث من شدة الضحك: أهو كده! علشان تعرف إن أنا دايما إللي بكسب!
استطاع الافلات من قبضتها أخيرا: لااا! لازم نديلك جائزة أحسن حد بيعض في العالم
ركضت خلفه وهي تضحك: تعالى هنا! عضة كمان وخلصنا!
هرب وهو يضحك: هو إيه ده؟ أمشي من هنا يا آكلة لحوم البشر!
رفعت حاجبها متحدية: تعالى بقولك يا جبان!
ضحك وهو يبتعد للخارج: قولتلك مبسخنش، الجري نص الجدعنة! كسبتك في الرهان، وأنتِ كسبتيني في جولة الضرب، كده خالصين!
ركض وأغلق الباب خلفه، فألتقطت الوسادة ورمته بها وهي تضحك بمرح صادق وفي عينيها بريق سعادة خفية؛ لأنه أستطاع كسب التحدي.
دخل غرفته مبتسما، وضحكتها مازالت عالقة في ذهنه كأنها صدى خافت يدفئ صدره.
رمى جسده على الفراش بارتخاء تام، فأخيرا سينام بلا صداع ولا تعب ولا خيالات تطارده، أغمض عينيه وابتسامة مطمئنة لا تزال ترتسم على شفتيه، وسرعان ما غط في نوم عميق يشبه الراحة بعد معركة طويلة.
كان يعلم، في قرارة نفسه، أن هذا الأسبوع هو فرصته الأخيرة ولا مجال فيه للخسارة.
القلج،8:00صباحا
منزل السيدة المجهوله
كانت السيدة تتكئ على عكازيها وتوفف عند عتبه الغرفة، ترفع صوتها بنبرة متعبة تحمل حنانا: يلا يا جنة، الساعة بقت 8، حرام عليكي يا بنتي متتعبنيش معاكي، قومي بقى.
وفي تلك اللحظه تعالى طرق الباب بسرعة والحاح، فتحركت نحوه، تتمتم بنفاد صبر: طيب يا اللى على الباب جايه.
فتحت الباب فظهرت أمامها تلك الفتاة التي رأينها من قبل، فقالت بانزعاج: إيه الدوشه إللي عملاها علي الصبح دى يا رحمه.
أجابتها بابتسامة خفيفة: معلش علشان متأخرة على الشغل، بس قولت أعدى أطمن عليكي علشان رجعت أمبارح متأخر ومعرفتش اجيلك، ها عملتي إيه مع رشدى، اداكي الفلوس؟!
تنهدت وهي تومي برأسها: آه كتر خيره، اداني فلوس، ومكانش معاه كفايه فبعتلي بزيادة بالليل.
نظرت لها بعتاب: طب مقولتليش ليه؟! كنتي قولتيلي أجي أسلم عليه.
السيدة بحنان: يا حبيبتي بعتهولي مع حد، وبعدين شيليه من دماغك بقي يا رحمه يا بنتى، ده أنا سمعت إنه خطب.
تجمدت للحظة، سقط بصرها أرضا، وكأن الكلمة صفعت قلبها: أعمل إيه يخالتي غصب عني حبيته، وهو كمان كان مبينلي أنه حاسس بحاجه ناحيتي.
ربتت على كتفها بعطف: وأهو خطب وهيتجوز، ركزي بقي في حياتك وشيليه من دماغك، والحمد لله إنها جت على قد كده.
اومأت بحزن: حاضر، أومال جنة فين؟
أجابتها بضيق: سهرت طول الليل تلعب على المدعوق اللى اسمه الكمبيوتر، وعماله أصحي فيها مش راضيه تصحي.
رحمة بابتسامة: خلاص سيبيها الجو برد، أنا هروح الشغل بقي، ولما أرجع هعدي عليكي، علشان نروح للدكتور بالليل.
هزت راسها بهدوء: ماشي يا حببتى، روحي ربنا يستر طريقك.
هزت رأسها بإيجاب صامت، وملامحها تتكسر بحزن تحاول ألا أخفاؤه، ولكن أثره كان واضحا في عينيها.
فيلا سليم وماسة،1:00ظهرا.
غرفة ماسة
كانت جالسة على الأريكة، تحدق في شاشة التلفاز بشرود، لا يشغلها سوي سؤال واحد: ما الذي ينوى سليم فعله لترميم جروحها؟ وما سر هذا الهدوء والثقه الذى يتحدث بها؟
قاطع شرودها، فتح الباب فجأة، ودخول سليم مرتديا ملابس كاجوال، وملامحه يكسوها الحماس والغموض!
رفعت عينيها بخضة: بسم الله الرحمن الرحيم!
أشار بيده قائلا بنبرة حماسية حادة: إيه ده؟ قاعدة كده ليه؟ وفين الفستان الأحمر؟
نظرت له بإستغراب وهي ترفع أحد حاجبيها: هو في إيه؟ بالراحة كده وقول صباح الخير الأول!
جلس بجانبها وهو يقول بإستهجان: صباح الخير إيه بس؟ ملبستيش الفستان ليه؟
ضحكت بخفة: أنت مش كنت نايم؟ هلبسه أعمل بيه إيه؟ أنا أصلا مبحبش أقعد بهدوم خروج في البيت و...
قاطعها بإبتسامة خبيثة، ممزوجة بالحماس: بتحبي تقعدي مرحرحة أنا عارف، طب يلا، قومي ألبسي لازم نبدأ أول خطوات الفرصة.
تابع وهو يطالع ساعته وضغط على زر الإيقاف: وبكدة، رسميا بدأ أسبوع الفرصة، وهينتهي التلات الجاي، الساعة ستة وتمانية وأربعين دقيقة بالظبط.
ضحكت باستنكار مازح: طب ماتخليها سبعة، هما ال 10 دقايق دول هيفرقوا في إيه؟
قال بثقة: لأ معلش، مبحبش آخد حاجة مش من حقي، وبالمناسبة، هما 12دقيقة مش10.
ضحكت وهي تهز رأسها: ماشي يا دقيق، هديك13 دقيقة كمان، يا مجنون.
ابتسم وقال وهو يشير نحوها: على فكرة أنا سامعك.
ردت وهي تضحك بمناغشة: قصدي أسمعك، متقلقش.
سليم بنبرة أمر لطيفة: طب يلا، قومي ألبسي الفستان الأحمر.
نظرت إليه باستغراب، وقالت بمزاح ممزوج بالتعجب: هو أنت إللي عليك؟! قومي ألبسي؟ في إيه؟ مالك بقى عندك فرط حركة كده ليه؟! اتعديت مني ولا إيه؟
اقترب منها، وعيناه لا تفارقان وجهها، ثم قال بنبرة منخفضة متحمسة: مش عايز أضيع ولا دقيقة، يلا بدل ما أقوم ألبسك أنا.
ضحكت وهي تتوقف وتهز رأسها: لا وعلى إيه خليك مرتاح، حاجة تانية يا أفندم تحب أعملها غير إني ألبس الفستان الأحمر؟!
فكر قليلا ثم قال وهو يتناول بعض التسالي: أيوه أرسمي عينيك بالطريقة إللي أنا بحبها، وشعرك أعمليه تاج، وأوعى تحطي ميكب. يلا متتأخريش.
ضحكت تهز رأسها: أوامرك يا فندم، خلينا نشوف ناوي على إيه.
غادرت نحو غرفة الملابس، وسليم يتابعها بعينيه بنظرة طويلة، وما إن اختفت عن أنظاره حتى تنهد وقال يحدث نفسه في صمت "يا رب المرة دي متضيعش الفرصة"
وبعد قليل، خرجت ماسة، متألقة كعادتها، بفستان أحمر ينساب على جسدها كأنه خلق لها ، وتركت شعرها ينسدل على كتفها بإنسياب ناعم، وعيناها مرسومتان كما يحبها، ولونت شفتيها باللون الوردي، والابتسامة تزين وجهها.
جلس سليم ينتظرها وما إن رآها حتى اتسعت ابتسامته وقال بنغمة دافئة ممزوجة بمغازلة: إيه القمر ده.
ابتسمت ماسة بخجل ورقة.
مد كفه نحوها بنغمة مزاح: أوعى تقولي ده داخل أوبشن ممنوع اللمس؟
ضحكت بخفة: لا يا حبيبي، متقلقش مش تحت أوبشن ممنوع اللمس.
وضعت كفها في كفه، وتحركا معا بخطوات هادئة والابتسامة لا تفارق وجهيهما.
وصلا إلى السيارة، صعدت أولا، ثم تبعها سليم وجلس بجانبها، عدلت جلستها وقالت بفضول: ممكن أفهم إحنا رايحين فين؟ ناوي تعمل إيه؟
ابتسم بغموض: هتفهمي كل حاجة بعدين، دي أول حاجة كان لازم أعملها من أول يوم رجعتي فيه.
هزت رأسها بعدم فهم: يعني إيه؟ مش فاهمة حاجة.
رد بنبرة غامضة وهو يشير للسائق بالتحرك: لما نوصل، هتعرفي.
تحركت السيارة ببطء، والموسيقى في الخلفية تهمس ببداية أسبوع لن ينسى.