
بقلم خديجه احمد
نور
استنيت…
استنيت أي رد منه.
لكن أدهم كان متوتر.
متوتر جامد.
أول مرة أشوفه بالشكل ده.
كان واضح…
إنه مخبّي عني حاجة.
حاجة كبيرة.
والصمت كان تقيل.
تقيل لدرجة حسيته بيخنقني.
قطع الصمت دخول يوسف.
وكأنه كان طوق نجاة لأدهم…
فرصة يهرب مني.
أدهم قام بسرعة وقال ليوسف:
__تعالى نلعب بلايستيشن.
يوسف ضحك بثقة:
__عايز تخسر تاني؟
أدهم بصله بضيق:
__المرة دي هكسب.
ودخلوا الاتنين.
وسابوني…
وأنا!
أنا قاعدة في ألف سؤال.
ألف احتمال.
ودماغي تلف.
ومفيش رد…
على أي واحد منهم.
_______________
أدهم
كنت بهرب من عيونها.
مش جبان…
بس مش قادر أواجه.
خايف.
آه… خايف عليها.
خايف اللي حصل زمان
يتكرر تاني.
وأنا…
أنا مش قدّ إني أخسرها من جديد.
نور دي…
أختي وصحبتي
وكل حاجه ليّا.
وعلشان كده…
سافرت وسيبتها.
مش علشان هربان منها،
بس علشان مكنتش عارف هعيش إزاي،
ولا هروح فين.
خوفت آخدها معايا
فتتبهدل أكتر…
خوفت مش أعرف أصرف عليها،
ولا أحميها.
بس اللي مكنتش أعرفه…
إن كل ده
هيحصل وهي لوحدها،
وفي غيابي.
عشان كدا…
قررت إني أحميها.
من أي حد…
وكل حد.
حتى لو كان الخطر جاي مني أنا!
وعشان كدا جيت.
جيت أتأكد.
أشوف يوسف بنفسي.
أفهمه… أعرفه…
هل يعرف يحافظ عليها؟
ولا لاء؟
لحد دلوقتي…
مشوفتش منه حاجه وحشه.
شخص كويس…
وبيعاملها بحنيه غريبة.
لكن قلبي…
قلبي بيقول إن مفيش حد كامل كدا.
أكيد في غلط.
وأنا لازم أعرفه.
ولازم بسرعة…
قبل ما يفوت الآوان.
تالت يوم من قعدتي معاهم…
يوسف خرج الشغل.
ونور راحت الجامعه.
وأنا…
رجعت بدري.
بدري أوي.
مش راجع البيت…
راجع لنيتي.
راجعلها.
وقفت قدام أوضته.
نفَسي كان بيعلى…
وصوت قلبي بيخبط ف وداني.
بس فتحت الباب.
دخلت.
وبدأت أدوّر.
مش عشان أتجسس…
لكن عشان أطمن.
عشان أعرف.
عشان لو في حاجه…
ألحقها قبل ما تكبر.
دورت في الأدراج…
وفي الدولاب…
وفي المكتب.
كأنّي بدوَّر على نفسي…
مش على سر.
وكل ما إيدي تتنقل من مكان لمكان…
كان خوفي بيكبر.
والأسئلة بتكتر.
ومفيش إجابة…
ولا حتى لمحه
…
فضلت أدور
أوراق، دوسيهات قديمة، حاجات ملهاش لازمة…
لحد ما
إيدي وقفت.
ملف قديم… لونه باهت…
وعليه ختم قديم قوي.
قلبي وقع.
فتحته.
كان تقرير… ومحضر نقطة… وتواريخ.
عينيا جريت ع السطور بسرعة…
وبعدين وقفت.
كلمة واحدة
سطر واحد
كان كفاية يخلي الدنيا تلف حواليّ
وقفت مكاني…
اتجمدت.
مش قادر أصدق.
مش قادر أستوعب.
هو… كان متهم؟
وهمّ؟
وإزاي؟
وإيه اللي حصل؟
وإزاي نور مش عارفه؟
وإزاي أنا سايبها جنبه؟
قعدت ع السرير
حاطط إيدي ع راسي
والورق بيرتعش في إيديا.
كل اللي جه على بالي ساعتها
وورقي بيترعش في إيدي:
أنا لازم أعرف نور حقيقته…
ومستحيل أسيبها يوم واحد معاه تاني.
فضلت واقف مكانّي
بحسّ إن الهوا اتسحب من الأوضة فجأة.
ورقتين… تلاتة…
وكل سطر كنت بقراه
كان بيوقع فوق صدري زي حجر.
ماضي يوسف
مش بسيط.
مش عادي.
ومش حاجة ينفع تتنسي.
هو دا الراجل اللي عايش معاها؟
اللي بتضحك معاه؟
اللي بتشكر فيه؟
لا…
نور دي أمانتي.
وآخر حد في الدنيا
ينفع أسيبها معاه
هو صاحب الماضي المظلم دا.
رفعت الورق
وغمضت عيني لحظة
وكأنّي بحاول أفكر بعقلي
مش بخوفي.
بس كل ما افتكر ضحكتها
شكلها وهي بتتكلم عنه
أفتكر إن الحقيقة دي
هي القادرة تهدّ كل دا
في ثانية.
_____________
نور
رجعت من الجامعة، حضّرت الغدا وحطيته على الترابيزة.
يوسف ابتسم وقال بهدوء:
– تسلم إيدِك.
اكتفيت بابتسامة صغيرة، وقعدنا ناكل.
بس أدهم…
كان واضح من أول لحظة إنه داخل الحوار بنية تانية.
بصّ ليوسف وقال بنبرة عادية… لكنها مش بريئة:
– إحنا تقريبًا منعرفش عنك حاجة… أمك؟ أبوك؟ فين؟
شفت يوسف اتوتر، حتى نفسه اتغيّر.
قال وهو بيحمحم:
– والدي الله يرحمه… وأمي مهاجرة بره.
أدهم ضيّق عينيه وقال باستغراب متعمد:
– غريبة… سايب أمّك تهاجر لوحدها؟
يوسف بلع ريقه، والتوتر زاد في صوته:
– دا كان قرارها… هي اللي اختارت تسافر. وأنا اخترت أفضل هنا.
لكن أدهم ما وقفش.
كان بيقشّط على الجرح وهو عارف إنه بيوجع:
– ولا يمكن… تكون هي اللي ماكانتش عايزة تاخدك معاها؟
بصّيت له بصدمة، قلبي وقع من الخضة.
– أدهم!
قلتله بنبرة تحذير.
بصلي وقال بحدة:
– اسكتي يا نور… انتي متعرفيش حاجة.
يوسف رفع حاجبه، مستغرب ومشدود:
– وإيه اللي يخليها ما تبقاش عايزة تاخدني؟
ابتسامة طلعت على وش أدهم…
ابتسامة ماكانتش ابتسامة.
كانت سهم:
– مش يمكن… عشان ق*لت أختك؟
الكلمة نزلت على الترابيزة زي صدمة كهربا…
والمكان كله اتجمد.
الكلمة وقعت زي صاعقة.
اتسمرت مكاني… حسّيت الهوا نفسه اتقطع.
يوسف اتجمد.
عينه اتسعت، مش خوف… صدمة.
صدمة حد *مستوعبش* لسه اللي اتقال.
بصيت لأدهم بحدة:
– أدهم!! إنت بتقول إيه؟!
بس أدهم كان ثابت…
ثبات يخوّف.
عينيه مركزة على يوسف، مش عليا.
يوسف بلع ريقه بصعوبة…
صوته طلع مبحوح:
– إنت… جبت الكلام دا منين؟
أدهم اتكأ بظهره على الكرسي…
ببرود غريب…
وبرغم إن ملامحه هادية، لكن صوته كان زي السكينة:
– من ملفك.
الملف اللي أنت مخبيه…
اللي فيه قضية أختك.
حسّيت قلبي وقع.
قمت واقفة وأنا ببص ليوسف بتوتر:
__ يوسف… قولّي.
دي كدبة… صح؟
يوسف كان ساكت.
ساكت بشكل يخوّف أكتر من الكلام.
أدهم كمل، وصوته بقى أخشن:
– عارف ليه مامتك سافرت وسابتك؟
عشان مش قادرة تبص في وش ابنها…
اللي اتُّهم بإنه السبب في موت بنتها.
صرخت:
– أدهم اسكــــــــت!!!
بس الكلام خرج…
ومافيش طريقة يرجع بيها.
يوسف وقف مرة واحدة…
كرسيه اتزق لورا بعنف خفيف.
عينه فيها حاجة بين الغضب… وبين وجع قديم.
بص لي…
نظرة كسّرت حاجة جوايا:
__ نور… اسمعيني…
أنا… مش زي ما هو فاكر.
والحقيقة… أصعب من كدا بكتير ...
أدهم
مكنش سايبني حتى أستوعب الكلمة اللي قالها…
قرب من يوسف بخطوات تقيلة، وصوته كان مليان غضب وهو بيقول:
__تطلّقها حالًا.
يوسف اتصدم،
عيونه اتسعت، وصوته خرج متقطع وهو بيقول:
__لا… لا لا…
أنا مش هقدر أستغنى عنها.
أنا… أنا اتعوّدت على وجودها.
كان بيتكلم كأنه خايف،
خايف يخسرني…
وخايف من أدهم في نفس الوقت.
أدهم بصله بنظرة حادة،
نبرة صوته كانت واطية… بس كلها تهديد:
__يبقى يا يوسف…
انت اللي جَنيت على نفسك.
وهتطلّقها…
بمزاجك أو غصب عنك.
كنت واقفة بينهم،
حاسة إن الدنيا بتنهار…
وإن في سر كبير
اتفتح ومش هيتقفل تاني
يتبعع