رواية الم بدون صوت الفصل الثامن العشرون 28 بقلم خديجه احمد

    

رواية الم بدون صوت الفصل الثامن العشرون 28
بقلم خديجه احمد


يوسف

وقفت قدّام شقّة مرات عمي
قلبي بيدق بسرعة…
يمكن لأنّي بخمّن إن هنا
ممكن ألاقي خيط يوصلني لنور…
أو يمكن لأنّي كنت خايف
المواجهة دي تفتح وجع قديم.

بعد ما قلت لأدهم
إن نور صاحبة بنت عمي
أصرّ إني أجي اسأل…
ومقدرتش أشرحله
ليه مش حابب أجي هنا.

خبطت.
ثواني…
والباب اتفتح.

كانت واقفة قدّامي
ملامحها متوترة
من بعد اللي حصل 
بس رغم كدا…
ابتسمت وقالت:
– إزيك يا يوسف؟ ادخل يا حبيبي.

دخلت.
قعدت على نفس الكنبة
والتوتر مالي الجو.

سألتني بلطف:
– عامل إيه يا بني؟

حاولت أبتسم
عشان الصوت اللي جوايا ميبانش:
– الحمدلله… بخير.

وبعدها على طول سألت:
– نور… مكلمتش سارة قريب؟

رفعت حواجبها باستغراب:
– مش عارفة.
هروح أنادي سارة.

اختفت جوه الشقة
وتركتني مع أفكاري
اللي بتخبط فبعض.

بعد دقائق…
رجعت ومعاها سارة.

قعدت قصادي
وقالت ببرود تعبته:

– لا… من زمان أوي ماتكلمناش.

حطّيت إيدي على راسي
الصداع بدأ يعلى من القلق.
اتنهدت بصوت مخنوق:
– نور… اختفت.
مش لاقيينها.
أنا آسف جيت في وقت متأخر
بس اتصلت ومحدش رد.

مرات عمي قربت مني
بحنيّة أم بتطبطب على خوف ابنها:
– دا بيتك يابني
إحنا أهل.

سارة بصّتلي
وعنيها مليانة قلق حقيقي:
– تفتكر… تكون فين؟

بصوت مكتوم
كأنه خارج من نهاية نفس:
– مش عارف!
بس إحساسي بيقول
إن في حاجة غلط

رجعت البيت
بعد ما كلّمت أدهم…
صوته كان باين عليه نفس القلق اللي عندي،
بس قال لي نكمّل بكرة
عشان مفيش خيط نمسكه الليلة.

قفلنا…
بس قلبي؟
مقفلش.

إحساس إن نور برا…
ومحدش عارف هي فين
ولا مع مين…
إحساس
يخلي الدم يتجمّد في العروق.

كل ثانية بتمر
بحسها ساعة.

قعدت قدام باب الشقة
مش قادر حتى أغيّر هدومي.
نفسي تقيل
والأسئلة بتنهش دماغي:

هي بتتألم؟
بتعيط؟
بتنادي؟
حد سامعها؟

غمضت عيني
ورفعت إيدي
بدعاء مالوش غير باب واحد:
__يا رب…
احفظها…
طمنّا عليها…
ورجّعها لينا بخير.

ولأول مرة
أحس إن الليل أطول من اللازم…
ومفيش حاجة أصعب
من إنك تستنى
وأنت حاسس إن في حاجة غلط…
ومش قادر تعمل أكتر من الدعاء.
_____________

أدهم

صحيت تاني يوم
على صوت خبط خفيف عالباب…
كنت صاحي أساسًا،
النوم ما عرفش طريق عيني من امبارح.

قمت وأنا تعبان…
تحت عيني سواد
وشكلي بيحكي قلق ليلة كاملة
من غير لحظة راحة.

فتحت الباب—
واتجمّدت.

يامن…
حازم…
واقفين قدّامي
وبإيديهم شنط السفر.

لحظة واحدة
بس كانت كفاية
توقع عني كل الحواجز
اللي كنت ماسك نفسي بيها.

دموعي نزلت
قبل ما حتى أمد إيدي.

حضنتهم…
حضن أخ بيحارب الدنيا لوحده
ولقى أخواته رجعوله
في أصعب وقت.

هما كمان بادلوني الحضن
كأننا كنا محتاجين اللحظة دي
من سنين.

حازم 
بصلي بقلق واضح
وقال:
– أول ما كلمتني وقولت إن نور ممكن يكون حصلها حاجة…
مستحملتش، اتصلت بيامن،
ورجعنا فورًا.

بصّيت لوشوشهم
قلبي اتقسم بين خوف وطمأنينة:
خوف على نور…
وطمأنينة إنّي مبقتش لوحدي في الحرب دي.

نفسي هدي شوية…
بس عقلي كان صاحي
وبيصرخ

يامن مسح على دقنه بتوتر وقال بنبرة فيها جدّية واضحة:
__أنا اتصلت بواحد صاحبي في الشرطة… ولد شاطر ومحبوب هناك. أوّل ما سمع إن نور اختفت وعدني إن الموضوع هيمشي بسرية… وهيبلّغ الأقسام والمستشفيات من غير ما يعمل دوشة تجيب كلام.

اتسعت نظراته وهو يكمل:
__هنبقى متابعين معاه خطوة بخطوة… وأول خيط هنمشي وراه. نور مش هتضيع… مش طول ما احنا هنا.

اتنهدت شوية، وقلبي بدأ يهدى قليلًا…
بصّيت لهم وقلت:
__روحتوا لبابا ولا لسه؟

ردّ حازم بهدوء:
__لا لسه… هنستريح شوية وبعدين نروح كلنا.
بس قولّي… ليه واخد شقة هنا؟
ليه ماتبقاش مع بابا؟

ساعتها سكت لحظة…
الكلمات كانت محبوسة في صدري سنين،
وبعدين بدأت أحكيلهم عن كل اللي حصل…
عن البعد… والوجع… واللي اتغيّر فجأة.

مازن رفع حاجبه بصدمة وقال:
__كل دا حصل وإحنا غايبين؟

وحازم أتكلم وهو مش مستوعب:
__انا مش مصدّق إن دا يطلع من بابا…
طب ليه يعمل ف نور  كده؟

شدّيت نفس طويل كأن الكلام تقيل على صدري…
رفعت عيني ليامن وحازم وقلت بصوت مبحوح:
__بابا… اتغيّر بعد ماما ما توفّت.
بقى شايف إن نور السبب في كل وجعه…
وإن وجودها نفسه بيفكره  باللي خسره.

كلمات خرجت بالعافية… كأن كل حرف كان جرح قديم بيفتح من جديد.

يامن شدّ قبضته ونبرة صوته عليت غصب عنه:
__بس دا مش ذنبها ليه يحمّلها ذنب ماعملتيهوش!

حازم كان عيناه مليانة دهشة وألم:
__طب ليه محدش قال؟ ليه سكت يا أدهم؟

بصّيت لحازم بشوية غضب مكبوت وشوية وجع أكبر:
__كنت فاكر نفسي أقدر أحميها ...
مردتش اقولكم اللي حصل عشان
كنّت عايزكم تفضلوا شايفين بابا زي ما بتحبوه…
مش الشخص اللي فقد نفسه بعد فقد ماما.

صمت تقيل وقع بينا…
الذكريات كانت أتعس من إنها تتقال في جملة…
وأقسى من إنها تتحمّل في يوم واحد.

يامن قرب مني وربّت على كتفي:
__اللي فات… فات. دلوقتي نور هي الأولوية.
هنلاقيها… وساعتها نتعامل مع كل حاجة تانية.

رفعت راسي ليه…
ولأول مرة من زمان…
حسّيت إني مش لوحدي في المعركة دي.

_________________

يوسف

صحيت من النوم
واخدت إجازة من الشغل
وقعدت مع نفسي أفكر…

ممكن يكون حصلها إيه؟
فين المكان اللي ممكن تكون فيه؟

الجامعة؟
مستحيل.
طب عند سارة؟
رُحت… وملقتهاش.

ممكن تكون عند باباها ؟....
الفكرة خبطت فجأة في دماغي
والخوف سيطر عليّ.

اتصلت بأدهم بسرعة وقلت له:
__ممكن تكون نور راحت لوالدكم؟

تنهد وقال:
__نور مش غبية لدرجة إنها تروح للعذاب برجليها.

كنت عايز أرد عليه وأقول
لأ… غبيه، غصب عنها عاطفتها اللي بتمشيها
بس سكت وقلت:
__مش لازم تكون راحت بمزاجها…
ممكن مازن أو يونس أو حتى والدكم
أجبروها ترجع!

أدهم قال وهو لسه مش مستوعب:
__مش عارف يا يوسف…

رديت بسرعة وأنا باخد مفاتيحي:
__أنا هروح دلوقتي وأشوف.

فجأة صوته اتغير وقال بتسرّع:
__اهدأ… إحنا هنروح.
أخواتي رجعوا من السفر النهاردة.
خلاص ملكش دعوة بحاجة…
وشكرًا على مساعدتك.
إحنا هنتصرّف.

إيه؟ ده بيطلب مني أخلع؟
هو ميعرفش إني بحب أخته… الأهبل!

قفل السكة، ومستناش حتى ردي.
بس أنا؟
مش هستنى حد…
وأنا اللي هروح.
______________

مازن

دخلت الشقة
وبإيدي لعبة صغيرة لمريوم…
حبيبة باباها.

لكن أول ما شافتني
قعدت بعيد…
وزعلانة ومش عايزة تكلمني.

قربت منها بهدوء وقلت:
__مريوم… حبيبة بابا زعلانة من إيه؟

رفعت وشها بغضب طفولي وقالت:
__مريوم زعلانة… عشان بابا بيزعّل مامي.

اتجمدت في مكاني.
بصتلها لحظة… وبعدين قلت:
__بس بابا مش مزعّل مامي…
هي قالتلك كده؟

هزّت راسها بحزن:
__لا… بس مامي بتعيّط كل شويّة…
وأنا مش بحب أشوفها زعلانة.

حسيت الدم بيغلي في وشي…
يعني هدى بقت تبكي قدام البنت؟
علشان تزرع جواها إنها تكرهني؟

لا… كده كتير.

اتنفسّت بعمق،
قربت من مريوم، وبصّيتلها بحنان وقلت:
___طيب… بابا هيروح يشوف مامي…
ويعرف زعلانه من اي… علشان متزعليش.

ابتسمت أخيرًا
وخدت مني اللعبة بحماس…

قمت من مكاني،
واتجهت للأوضة…
الغضب مالي صدري.

بنتي خط أحمر،
ومش هاسمح لحد يشوّه صورتي قدامها.

فتحت الباب بقوة،
ولقيتها نايمة على طرف السرير…
كأن مفيش حاجة في الدنيا مضايقاها.

قربت منها،
 وهزيت كتفها بغضب مش بهدوء،
ومجرّد ما فتحت عينيها بصوت متدايق قلت:
__إنتِ بتعملي كده ليه؟
ليه تخلّي بنتي تصحى وهي شايفة أمها بتبكي؟
ليه تزقّيها إنها تكرهنــي؟

كانت لسه بتفوق من النوم،
نظرتلي باستغراب وتوتر:
__إنت بتقول إيه؟

قربت أكتر…
نبرة صوتي نازلة ومسيطرة:
__الدموع اللي قدام مريم دي…
مش ضعف… دا سلاح!
وانتي بتستخدميه ضدي.

هي رفعت صوتها،
وضهر في عينيها وجع متخزّن من زمان:
__وأنا بعيّط من إيه يعني؟
منّا بعيّط من غلبي!
حتى العياط مستخصره فيَّ؟!

أنا اتحولت غضبي لنار أكبر،
وقولت:
__غلبِك؟!
أنا موفّرلِكم أكل وشرب وعيشة
مكنتيش تحلمي بيها!

هي مسكت طرف الغطا بإيدها،
وبصوت هادي…
بس كسره واضح أكتر من أي صريخ:
__للأسف يا مازن…
موفّر لنا كل حاجة
إلا الإحساس بالأمان!

يتبعععع

             الفصل التاسع والعشرون من هنا 

تعليقات
×

للمزيد من الروايات زوروا قناتنا على تليجرام من هنا

زيارة القناة