
رواية رحلتي مع القدر
الفصل التاسع والثلاثون 39
بقلم مجهول
يارا كانت خارجة من أوضة العمليات، ممددة على السرير، ووشها شاح*ب كإنه ورقة بيضا، عينيها نص مفتوحة ومش واخدة بالها من اللي حواليها. لسه تحت تأثير البن*ج، بس اللي حواليها كانوا صاحيين على كاب*وس. أمها كانت واقفة بت*ترعش، ماسكة إيدها عشان مت*نهارش، بس دم*وعها فضحتها. أبوها كان عمال يبصّ فيها بعيون مليانة ح*زن وقه*ر، ساكت، بس قلبه بي*صرخ. أخوها ماسك راسه ومش قادر يبصّ عليها، وأخته الكبيرة قاعدة جنبها تمسح عرقها وهي بت*بكي من غير صوت.
بنتهم عندها سبعتاشر سنة، وشافت وج*ع الستات الكبار، اتحملت ض*رب وإه*انة وكلام ج*ارح من واحد مفيهوش ض*مير، جوزها اللي كان شايفها مجرد لع*بة. غصب عنها دخلت حياة أكبر منها، وغصب عنه طلّقها بعد ما بوّظ فيها كل حاجة، جسمها، ونفسيت*ها، وحلم الأمومة اللي اتك*سر قبل ما يتحقق.
الكل كان واقف حوالين السرير، بس كل واحد حاسس إنه لوحده في زن*زانة من الح*زن. الأم بتبص على بنتها وبتقول جواها: هو دا الجواز اللي ك*سرك وانتي لسه بتلعبي بالعرايس؟
والأب بينه وبين نفسه بيقول: لو كنت وقفت في وشهم من الأول، يمكن ما كانتش حصلت كل دي المص*ايب.
تاني يوم، الجو في الأوضة كان كئ*يب، ريحة المستشفى والمطهر ماليه المكان، وهدوء غريب بيخ*نق. يارا بدأت تفتح عنيها بشويش، كانت مره*قة، ملامحها هادية بس متك*سّرة، زي طفلة راحتها ات*سرقت. لمّا شافت أمها، حاولت تبتسم، بس شفايفها ما قدرتش.
يارا بصوت واطي:ماما… هو حلم؟"
الأم، وهي بتطبطب على شعرها ودموعها بتجري:لأ يا قلب أمك… بس خلاص، كله راح… وانتي هترتاحي دلوقتي، يا حبيبتي."
يارا حاولت تلف وشها الناحية التانية، بس دم*عة نزلت من عينيها قبل ما تقول:هو كان لازم أوصل لكده؟ عشان الناس تصدق إني كنت بت*عذّب؟"
أختها قربت منها، وبإيدها منديل:اللي راح ما يرجعش، بس إنتي لسه صغيرة، ولسه قدامك حياة تعيشيها صح… بعيد عن أي وج*ع.
يارا سكتت، وفضلت تبص في السقف كأنها بتعدّ السنين اللي راحت، سنين مش من عمرها، من ح*زنها. كان واضح إنها مش بس فق*دت جنين، دي فق*دت براءتها، وطفولتها، وثقتها في الدنيا. بس في نفس اللحظة، كان فيه نور صغير بدأ يلمع في عينها… نور حد نجا من الغ*رق، وقرر يتعلم يعوم.
جواد كان واقف بعيد، ما حدّش واخد باله منه، عينه بس اللي بتحكي. من يوم.
لقراءة جميع فصول الرواية من هنا